المس الشيطانى

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٣ - أبريل - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
أخي أصابه مرض نفسى وفشل فى علاجه اطباء الأمراض النفسية والعصبية، واستنزفوا فلوسنا فذهبنا به إلي طبيب روحاني . فقال انه أصابه مس من الشيطان ووصف له العلاج بالقرآن فكان يجلس معه و يقرأ له من القرآن فيهدأ . وبدأ فى التحسن ونحن نعتقد في أن شفاءه قريب ، وقرأت لك فى مقالة من اسبوع ان هذا كله خرافة يرفضها الإسلام ، مع إن المس الشيطاني ذكره القرآن. وأنت قرآنى فكيف ترفض ما جاء فىالقرآن ؟
آحمد صبحي منصور
فعلا فان المس الشيطانى مذكور فى القرآن الكريم ، ولكن معناه مختلف عما يقوله أهل التخريف .إن معني المس الشيطاني في القرآن هو الاضلال والغواية التي يؤديها الشيطان معنا نحن البشر ، وهو المعني الذي يحويه السياق القرآني. إن تعبير المس الشيطاني ورد في القرآن الكريم ثلاث مرات تفيد كلها الغواية والاضلال وليس ذلك المفهوم الخرافي الذي يعني إحداث المرض النفسي أو الجسدي ..
يقول تعالى عمن يأكل الربا: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) : البقرة 275" فالذي يتخبطه الشيطان من المس يكون مجنونا أو مصابا في أعصابه ، وهذه الآية تصف ذلك المفتون بالمال وجمعه بالربا .. وهو يتخبط في الدنيا ليجمع أكبر قدر من أموال الناس ، ليس له أصدقاء دائمون وإنما مصالح دائمة ، لذلك فهو يتخبط في علاقاته ، ويصبح أصدقاء الأمس أعداء اليوم ، وذلك هو الاضتلال الشيطاني الذي يحول الإنسان إلي مجنون بالمال ..
ويقول الله تعالي عن النبي أيوب حين دعا ربه: ( وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ) (ص41 ) هذا دليل قاطع لأن أيوب كان مريضا ، وكان مرض أيوب سابقا لهذه الدعوة .. وحدث باستمرار مرضه أن تركته زوجته ، وهنا دور الشيطان في التفريق بين المرء وزوجه ، والإفساد بينهما ، وذلك هو كل ما يستطيعه الشيطان وإخوان السوء الذين يوقعون بالأصدقاء والأزواج ..يقول تعالي في قصة أيوب " وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) ( الأنبياء 83".) أي أنه أصابه الضرر والمرض فدعا ربه ليشفيه ، فاستجاب له ربه وكشف عنه الضرر ، وأصلح الله مابينه وبين أهله ، والأهل في تعبير القرآن هو الزوجة .. والمعقول أن الإنسان قد يصبر علي المرض، ولكن لا يصبر المريض حين يوقع أهل السوء بينه وبين زوجته ، وحينئذ يشكو لربه قائلا : إن الشيطان قد مسه بالسوء لأن ذلك ضمن أدوار الشيطان فى التفريق بين المرء وزوجه ( البقرة 102 )..
إن الذي يؤكد أن معني المس الشيطاني هو مجرد الغواية والاحتلال فقط قوله تعالي: ( وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ ) (الأعراف 200".) فالله تعالي يأمر النبي بالإستعاذة بالله إذا نزغه الشيطان ، ثم تأتي الآية التالية توضح أن نزغ الشيطان هو المس الشيطاني فتقول إن المتقين إذا وسوس لهم الشيطان أو مسهم بالنزغ تذكروا الله واستعاذوا به من الشيطان فأبصروا طريقهم المستقيم ، أما إخوان الشيطان من البشر فقد استحوذ عليهم الشيطان يمد لهم في طريق الغواية إلي نهايته ..
على ان هناك ناحية أشار اليها القرآن الكريم ، وهو أنه هدى و شفاء لما فى الصدورـ لمن يؤمن به ، وهو خسار ووبال على من لا يؤمن به (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا ) ( الاسراء 82 ) (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) (فصلت 44 ) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) ( يونس 57 )
المؤمن عند الأزمة والمصيبة يستريح عند قراءة القرآن الكريم ـ بل هو مأمور بالاستعانة بالصبر و الصلاة (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) (البقرة 45 ، 153 ) وبالايمان يستريح ويهدأ نفسيا ، أو بالتعبير القرآنى المعجز ( أصلح بالهم ) (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ) ( محمد 2 ). وهو التوازن النفسى فى علم النفس ، ومعروف أن التوازن النفسى ـ بالرضا و الشكر و الصبر و التحمل و التسامح ـ كل ذلك مما يصلح نفسية الانسان ويصلح جسده ـ و بالمقابل فان الغضب و السخط و القلق و الحقد و التوتر يسبب أمراض القلب و الضغط و السكر و المعدة و غيرها.
فى خضم الصراع الدنيوى حول الثروة و الجاه و الرزق و المنصب قد يسقط أحدنا مريضا نفسيا ، وينعكس هذا على أعصابه وجسده، وحيث بقى المسبب وهو التوتر و القلق و الحرص على الدنيا والتكالب عليها فسيظل المرض النفسى بلا شفاء بل سييتفاقم الأمر. فاذا وجد طريقه للهدى ـ بأن يقرأ القرآن أو أن يستمع الى القرآن وينصت اليه ـ فربما يتسلل النور الى قلبه فيضىء بالهداية فيستريح ويدخل بالقرآن الى آفاق من الايمان لم يعهدها ـ ويكون ذلك سببا فى شفائه.أما الذى لا يؤمن بالله تعالى ولا باليوم الاخر ولا بالكتاب ولا بالحساب فلا يرى إلا هذه الدنيا فى عقله وأمام عينيه ، وفى نفس الوقت فليس له فيها من نصيب إلا المقدر له من الرزق سلفا ، ولأنه يطمع فى المزيد ولا يشبع ،ولأنه ينظر الى ما فى يد غيره و لا يكتفى بما فى يده فسيظل يدور فى دائرة لا تهدأ من التكالب على الدنيا و الصراع على حطامها ، يبتلع المنوم و المهدى وكل أنواع الأدوية للضغط والقلب و السكر والأعصاب بلا فائدة ، ويظل لا يتذوق لذة الكل أو الشرب أو حتى الجنس المتاح له بالحلال أو الحرام. يظل أسير الشيطان يتخبط هنا وهناك الى أن يموت.هذا هو الذى يتخبطه الشيطان من المس. هذا هو المحروم من الهداية. وعكسه هو الذى بخشى الله تعالى فاذا وسوس له الشيطان استعاذ بالله جل وعلا منه.
ولأنه مسالم فعّال للخير فان الله تعالى يدافع عنه لأن الله تعالى يدافع عن الذين آمنوا ( الحج 38 ) ولأنه يخشى الله تعالى ويتقه فلن يخاف أحدا من البشر، أما الآخر الذى لا يخشى الله تعالى قسيظل يظلم ويتوقع الانتقام فيتملكه الخوف، وهكذا تجلب الهداية الأمن وراحة البال بينما يجلب الشيطان لأوليائه الخوف و الرعب و الضلال (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) ( آل عمران 175)
أى كان يمكن لأخيك أن يقرأ القرآن بنفسه و يتفكر فيه طالبا الهداية وراحة البال و مستعينا بالله تعالى. وكان وقتها سيخرج من محنته باسرع مما يتصور.
هدانا الله تعالى الى الحق و أعاننا على الصبر عليه.


اجمالي القراءات 30488