نَقَضَتْ غَزْلَهَا

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٦ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
ما هو المقصود بقوله جل وعلا (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً ) ، هل هى السيدة التى نقضت غزلها أنكاثا المذكورة فى أسباب النزول ؟
آحمد صبحي منصور

 

لا نأخذ بأسباب النزول المكتوبة فى العصر العباسى ، ومعظمها مصنوع من حكاوى القصاصين . وحتى على فرض صدق بعضها فإن المنهج القرآنى فى القصص يركّز على العبرة ولا يهتم بأسماء الأشخاص وزمان ومكان القصة ومعظم التفصيلات ليحرر الحادثة من أسر الزمان والمكان ويحولها الى عبرة صالحة للتذكر والاستفادة بها فى أى زمان ومكان . ثم إن هذه الآية الكريمة لا تقصّ بالتحديد حكاية وقعت ، وإنما تضرب مثلا ، فالله جل وعلا ينهى المؤمنون من أن يكونوا مثل المرأة التى تغزل غزلا ، ثم تقوم بتمزيقه وتقطيعه .

ومفهوم هنا هو النهى عن الردة عن الاسلام وعن الرجوع عن العهد والميثاق ، والسياق الخاص فى ألاية فيما يخص ما قبلها وبعدها يوضح ذلك فى أوامر ونواهى جاءت فى قول الله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمْ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) ( النحل ) . فالذى يؤمن ثم يرتد كافرا ، والذى يعاهد الله جل وعلا ثم ينكث العهد مثله كمثل المرأة التى تغزل غزلا ثم تعود لتمزّقه ، وتحيله ( أنكاثا ) أو قطعا متناثرة متنافرة بعد أن كان قطعة واحدة متناسقة جميلة .

ودلالة قوله جل وعلا ( أنكاثا ) فى غاية الروعة لأنها تدل على معنيين فى نفس الوقت : أنكاثا أى شراذم ، وأنكاثا من ( نكث العهد ) ، وهو ما يقع فيه من يرتّدون ويبتعدون عن الطريق المستقيم ، وهو كتاب الله العزيز ، إذ يقعون فى الشقاق والاختلاف ، وهذا شأن أصحاب الأديان الأرضية ، من السنة والتشيع والتصوف وملل المسيحية واليهودية . وهذا يذكرنا بقوله جل وعلا فى الوصية العاشرة من الوصايا العشر : (  وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ( الأنعام ) . أى يتفرقون انكاثا وأحزابا ، وهذا ما نهى رب العزة عنه فى قوله جل وعلا : (  وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) ( الروم ). وهذا هو حال المسلمين اليوم ، ووصلوا الى القاع بتقاتلهم بسبب تلك الأديان الأرضية الشيطانية التى ( ينكثون ) بها عهد الله جل وعلا . وهم غافلون عن روعة التحذير ، وإذا نظروا فى هذه الآية الكريمة جهلوا معناها ومغزاها لأنه سيطر على عقولهم ما ذكره مؤلفو أسباب النزول أنها نزلت فى فلانة التى كانت تغزل القماش ثم تمزقه ..

اجمالي القراءات 9571