مازالت الثورة السورية ,تصارع وتقارع نظام الأسد الفاسد ,ومازال النظام يراهن على قوته العسكرية والأمنية في مواجهة الشعب ,مستنداً إلى الموقف الروسي والصيني وإيران .حيث تحولت الدول الأقليمية والدولية في النهاية إلى جزء من المشكلة .
لهذا فإن الأزمة السورية سوف تطول لسنوات حسب تقدير كل اللذين يتابعونها .
لقد حاول النظام خلال الفترة السابقة تحيد التجار بل ضغط عليهم بالقوة من أجل دعمه بالمال ,ووعدهم بالسيطرة السريعة على الموقف .لكن حسابات النظام لم تتطابق مع زخم الثورة التي بدأت تتسع ,وتفضح أساليبه وخاصة في محاولتة جر سوريا إلى حرب أهلية من خلال ممارسات إجرامية بحق العزل ,بواسطة شبيحته المرتزقة.
اليوم وبعد أن استجاب تجار دمشق لنداء الثوار ,صار النظام في أزمة قد تمتد ,إن لم يسارع إلى تطبيق بنود كوفي عنان لتشمل كل سوريا ...من خلال عصيان مدني يشل حركة الحياة ,وسيكون بداية النهاية لهذا النظام القاتل .
أقدم لقراء الموقع هذا التحليل حول إضراب تجار دمشق
عمر قدور :
قبل شهر من التاريخ الرسمي لاندلاع الثورة السورية، وبتاريخ 17/2/2011، اندلعت تظاهرة عفوية في قلب دمشق، في منطقة «الحريقة» التجارية إثر اعتداء عناصر من شرطة المرور على شاب من تجار الحي؛ يومها هتف المتظاهرون بشعار سيصبح واحداً من الهتافات المعتمدة لاحقاً «الشعب السوري ما بينذلّ». للتذكير: سارع وزير الداخلية آنذاك إلى الذهاب إلى منطقة الحريقة بغية احتواء غضب التجار، ووعد بمعاقبة عناصر الشرطة المعتدية، بل أُعطيت عناصر الشرطة تعليمات بالتساهل التام مع مختلف أنواع المخالفات في رسالة للمواطنين مفادها «افعلوا ما شئتم ولكن لا تتظاهروا». ومن الواضح أن النظام سعى بدءاً من ذلك التاريخ لعقد صفقة فاسدة مع أوسع شريحة ممكنة من «الجمهور»، تقضي بتخليه عن مسؤولياته في تطبيق القانون العام، وبالتالي إطلاق العنان للفساد وتجار الأزمات، مقابلَ الحفاظ بشدة على سطوته الأمنية وقمع الحريات السياسية؛ باختصار لم يخرج النظام عن مألوف عادته بشراء الذمم ما دام الدفع يتم أصلاً من مقومات الدولة لا من رصيده.
بعد تلك التظاهرة اليتيمة صمتت أحياء الوسط التجاري التقليدي في دمشق، ولم تنفع محاولات استثارتها من خلال تظاهرات محدودة العدد والمدة قام بها ناشطون من خارج المنطقة. أعرض التجار عن تلك التظاهرات، ولعب بعضهم دوراً سلبياً جداً، إنْ بإرشاد قوات الأمن إلى الناشطات والناشطين الهاربين من وجهها في الأزقة، أو حتى بمشاركة الشبيحة والأمن في ضرب المتظاهرين وتوجيه الشتائم إليهم. ظهر جلياً أن الطبقة التجارية لن تضحي بمكاسبها الآنية المرتبطة بالسلطة، ولعل هذا من العوامل التي أدت إلى التوقف عن دعوات الإضراب الشامل أو ما سُمّي حينها «إضراب الكرامة»، إذ اقتصرت الاستجابة على البلدات والأحياء الثائرة، فضلاً عن تقدّم خيار التسليح إلى الواجهة وما رافقه من اختلافات في وجهات النظر ضمن أوساط المعارضة. لذا لم يكن متوقعاً أن يلتزم تجار الوسط التقليدي بالإضراب المعلن بدءاً من 28/5/2012، ولم تكن النسبة العالية لالتزامهم بالإضراب متوقعة بدورها، وقوبل الأمر باحتفاء واضح من قبل الناشطين بعدّه مؤشراً واضحاً على النهاية الوشيكة للنظام.
على نحو ما قد يُنظر إلى إضراب التجار الدمشقيين على أنه بمثابة انشقاق دراماتيكي عن النظام، بخاصة بعد السمعة السلبية التي اكتسبوها في الأشهر الأخيرة، وقد تكون هذه هي نظرة النظام وأنصاره أيضاً الذين سارعوا إلى توجيه الأصابع إلى جهات خارجية أعطت الأمر، مستندين إلى عدم تعاون غرفة تجارة دمشق مع النظام من أجل فك الإضراب، بعد أن فشل الأمن والشبيحة في إجبار التجار على فتح محالهم بالقوة. سيأتي طرد السفراء السوريين في اليوم التالي ليوحي هذا التزامن بوجود تحول واسع النطاق، وحتى بوجود تناغم ضمني بين قوى داخلية وخارجية فاعلة، أي أن الحلقة بدأت تضيق حقاً حول رقبة النظام، ووفق منطق المؤامرة الذي يروّجه الأخير سيبدو أيضاً موقف التجار معزولاً عن السياق الداخلي العام.
إلا أن ما تسرب من أنباء قبل أسابيع قليلة عن الاجتماع بالتجار، وتوجيه التهديد لهم بإحراق دمشق، يكتسب صدقية اليوم لجهة وجود افتراق مطرد بين الطرفين، فلا يغيب عن الأجهزة الأمنية للنظام أن بعضاً من التجار تخلّف عن إعلان انحياز سياسي واضح لصالح الثورة لكنه لم يتخلف عن المساهمة المستترة في تقديم الإعانات للأسر أو المناطق المنكوبة على أيدي قواته، الأمر الذي لا يمكن التسامح معه من قبله. بل وصل البعض، بحسب ما يُشاع، إلى حد المساهمة المالية في تسليح كتائب تعمل ضمن الجيش الحر، ولا شك في أن التهديد بإحراق دمشق قد بني على معلومات من هذا القبيل.
طوال مدة أزمته اعتقد النظام أن بمقدوره السيطرة على النخبة الاقتصادية بحكم المصالح المشتركة بين الطرفين، وأيضاً بحكم القبضة الأمنية الشديدة، وجرياً على عادته أنكر التأثيرات القاسية والمديدة للعقوبات الاقتصادية الدولية؛ تلك التأثيرات التي قد لا تنال من أثرياء السلطة مباشرة لكن أثرها على النشاط الاقتصادي العام أكبر من أن يُنكر، ناهيك عن الكلفة اليومية الباهظة وغير المعلنة لحرب النظام. صحيح أن الأخير قد نجح في السيطرة على أسعار الصرف ضمن ارتفاع مقبول نسبياً إلا أن ذلك لا يدل أبداً على قوة الاقتصاد السوري، ولا يؤشر إلى التضخم الحقيقي الذي طال القوة الشرائية العامة ومن ثم الاقتصاد برمته. في الواقع إن الركود الاقتصادي، وحتى الشح الكبير في مصادر الطاقة اللازمة للإنتاج، وصلا إلى حد لم يعد احتماله سهلاً ما يتطلب حلاً جذرياً، وحيث أن النظام لم يثبت قدرته على الحسم فإن المزاج يتجه إلى التضحية به.
من جهة أخرى، لا يجوز عزل إضراب دمشق عن التأثيرات المتبادلة بينها وبين مدينة حلب، إذ من المرجح أن انخراط الأخيرة المتأخر والحثيث في الثورة قد أعطى إشارة للأولى بوصفهما المدينتين الأكبر والأثقل اقتصادياً، مع التنويه بأن التظاهرات لم تغب عن أحياء حلب التي تقطنها شرائح مؤثرة اقتصادياً. من الناحية النفسية انقلب تحييد المدينتين، الذي طالما ركز عليه ناطقون باسم النظام واستقووا به، فتقدمت المدينتان في وقت أُنهكت فيه بؤر الثورة الأخرى، وليس من المغالاة القول إن إشارة بدء طال انتظارها منهما قد انطلقت مؤخراً ما سيدفع بالثورة إلى عتبة غير مسبوقة. وغير بعيد عن ذلك يلوح أثر آخر محتمل يتمثل بعودة الثقل السلمي للثورة بعد تكاتف عوامل الإحباط واليأس، فالإضراب يبشّر، إذا ما قُيّض له ولثقافته الاستمرار، بالوصول إلى عصيان مدني شامل يرى فيه الكثيرون السبيلَ الأمثل والأقل كلفة لإسقاط النظام.
إذا تجاوزنا الاعتبارات الوطنية والأخلاقية بوسعنا القول إن المهلة الممنوحة للنظام من قبل النخبة الاقتصادية قد أخذت بالنفاد، ولن يفيده بشيء أن يحاول استرجاع تجربة الثمانينات حين ربح معركة كسر العظم مع التجار؛ إن الوسط الخالي سوى من عناصر الأمن والشبيحة ينذر بأنه لم يعد يحتمل وجودهم أيضاً.