مفهوم المشيئة في القرآن الكريم!

نسيم بسالم في الأربعاء ٢٩ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 صَحيح أنَّه لا يُمكِن لإنسان أن يحكُم على إنسانٍ مِثلِه بالسَّعادَة أو الشَّقاء الأَبدي مَهما عَهِد مِنه مِن خَير أو شَر؛ سَواء أَكاَن حيَّا يُرزَق أو قَد أفضَى إلى ربِّه؛ وهذا ما يُسمَّى في عُرف بعض كُتب المَذاهب بالحُكم على الأَعيان؛ لأنَّ الأَمر بُكلِّ بساطَة يتوقَّف على الاطِّلاعِ على سَريرَة ذَلك الإنسان وما يُكنُّه صَدرُه؛ ولا يتسنَّى ذَلِك على وَجه الحَقيقَة إلا للباري عزَّ وجل الذي يُخرِج الخَبء في السماوات والأرض!

   فقَد يغُرُّك مَظهر إنسان مُتنسِّك، تُظنُّ أنَّه على حظ وافِر مِن العبادَة والاستِقامَة؛ ولكنَّه في حَقيقَة الأَمر خبيثُ النَّفس أسوَد القَلب والعياذُ بالله؛ وقَد تَعهَد مِن إنسان مَعصيَة وسُوءَ حالٍ ثُمَّ يبلُغك نبأ مَوتِه فتُسارِع إلى شتمِه ولَعنِه، والدُّعاءِ عَليه بسوء المُنقَلب بناءً على عِلمِك السَّابِقِ بِه؛ ولكنَّه في الواقِع ونَفس الأَمر رضيٌّ مَرضيٌّ عِندَ خالقه عزَّ وجل بعدَ أن تابَ وأنابَ وأصلَح ولَم يَصِلكَ شَيء مِن ذَلِك!

   فالمَخرَج مِن هذا المُنزَلَق العَقدي الخَطير هُو أن نُزكِّيَ فقَط وفقَط مَن زُكِّيَ مِن قبل الباري سُبحانَه في كِتابِه بنص قَطعي كأنبياء الله ورُسله عليهم السَّلام؛ ونحكُم بِهلاكِ من حكَم الله بشقائِه نصًّا في كِتابِه؛ كفرعَون وأبي لَهب وقارون؛ وأمَّا مَن عداهُم فالوُقوف في الحُكم على مصيرِهم أسلَم وأبعَد عن التَّألِّي على الله عزَّ وجل.لأنَّ ذَلك غَيب، ولا يَعلَم من في السماوات والأرض الغَيب إلا الله!

   بيدَ أنَّه في نَفسِ الوَقت لابُدَّ مِن أن تكُون لَنا أحكامٌ واضِحَة مُفصَّلة قاطِعَة عَن الحالات العامَّة التي لا يَخلُو البَشر مِن أن يكُونوا في إحداها؛ وأقصِد أكثَر ما يتعلَّقُ مِنها بالمَصير السَّرمدي الأَبدي؛ إمَّا في جنَّة أو في نار! فنقُول مَثلا: كُلُّ مَن ماتَ تقيا؛ وجاءَ ربَّه بِقلب سَليم خلي مِن الشِّرك (بأنواعِه سيَما الخفيَّة مِنها)، وبعَمل خالِص غَير مَشُوب بُظلم ولا مَعصيَة؛ فهُو مِن أصحاب الجنَّة قَطعا لا نِقاشَ في القضيَّة! وكُلُّ مَن ماتَ مُصِرّا غَير تائب، مُتماديا غَيرَ مُقلِع؛ يأتي ربَّه بِعَمل خَليط؛ فهُو مِن أصحابِ السَّعير خالِدا مُخلَّدا؛ لا تَنفعُه مَعذرتُه ولا تُقبَل مِنه شَفاعَة، ولا تَزر عَنه وازِرة شَيئا مِن أحمالِه قَولا واحِدا لا مَجال للرَّأي فيه! هكذا على وَجه التَّجريد والعُموم مِن غَير أن نحكُم على فَرد بِعينِه بالجنَّة ولَو قُبضَت رُوحُه عِند بابِ الكَعبة! ومِن غيرِ أن نحكُم على آخَر بالنَّار ولَو جاءَه مَلك المَوت وزُجاجَة الخَمر في يَدِه، أو كانَ نائِما في فراش مُومِسَة!

   أمَّا أن نقُول بأنَّ مَن ماتَ عاصِيا غَير تائِب (من عُصاة المُسلمين)؛ مُصرَّا على جرائره، راكبا أنفَه غَير منيب ولا مُصلِح؛ فهُو تَحتَ المَشيئة إن شاءَ الله غفَر له وإن شاءَ عذَّبَه؛ هكذا بإطلاق الأَمر على عواهِنه مِن غَير ضَبط ولا قَيد؛ فهذا سَراب آخَر يُضافُ إلى قائِمة الأَوهام التي يتشبَّثُ بِها كَثيرُ مِن العُصاة المُستَحْلين لما هُم فيه مُقيمُون، وللضَّلال الذي هُم فيه يعمهُون؛ يقُول لكَ أحدُهم: ومَن أدراكَ أنَّ الرَّبَّ في النِّهايَة يغفِر لي جَميع ما اقتَرفت؟! هَل أنت بِسائِل ربَّ العِزَّة عمَّا يَفعَل؟! الله يَفعَل ما يشاء ويَغفِر لمَن يشاء ويُعذِب مَن يشاء ويتُوب على من يشاء، فدعك عَنكَ الجدال والمِراء!

   هذا المُعتَقَد الفاسِد إضافَة إلى أنَّه جَهل مُطبِق بمَعاني وحقائِق كِتاب الله تَعالى، ودليل واضِح على قلَّة صَبر في اتِّباعِ بيِّناتِه؛ فيه اتِّهام صَارِخ للعَليم الخَبير بِأنَّه لَم يُبِن ولَم يُفصِح عَن قَوانين التَّعامُل مَع عبادِه في اليَوم الآخِر، وتَرك الأَمر غامِضا مُلتبسا مَفتُوحا للظُّنون والتَّخمينات! ضاربين عرض الحائِط جَمهرَة مِن الآيات تَصِف القرآن بأنَّه "مُبين"، وبأنَّه لَم يُفرَّط فيه مِن شَيء، وبأنَّ فيه تَفصيلَ كُلِّ شَيء؛ سيَما في قضايا خَطيرَة مصيريَّة يعظُمُ أمرُها!

المُتأمِّل لآيات المَشيئة في كِتاب الله عزَّ وجل يَلفاها مُنقَسمة إلى ثلاثَة أقسام:

* مشيئة واضِح نسبتُها لله تعالى؛ كقوله تعالى: (يخلُق ما يشاء)، و (يهب لمن يشاء)، و  (يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء) وما شاكَل ذَلك من الآيات.

* مشيئة واضِح نسبتُها إلى العَبد كقوله تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليَكفُر)، وقوله: (لمن شاء منكم أن يستَقيم).

* مشيئة يُمكِن نسبتُها لله تعالى، ونسبتُها إلى العبد بنَفس الدَّرجَة؛ كقَوله تعالى: (يغفر لمن يشاء)، و (يضل من يشاء)، و (يهدي من يشاء)؛ فيُمكِن أن تفهَم على وَجهين: يَغفِر الباري لمَن يشاء مِن عبادِه؛ أو يَغفِر لمن يشاءُ المَغفِرَة مِن عبادِه وسَعى لَها سَعيَها؛ وفي كِلتا الحالَتين لابُدَّ مِن فَهم دَقيق لمَشيئة الباري، ومَشيئة العَبدحتَّى تُحمَل الآيات القُرآنيَّة على مَحامِل صَحيحَة لا مَدخَل فيها لأُمنية ولا شُبهَة.

 - المَشيئَة كَما يُعرِّفُونَها هِي إرادَة + أخذ بالأَسباب؛ فالإرادَة هِي القَصد والهَدف والغايَة تُضافُ إليها عمليَّة التَّفاعُل مَع عالَم الأشياء بُغيَة تَحقيقِ تِلك الإرادَة.

   فالإنسان لكَونِه مُكلَّفا مُختارا غَير مُجبَر؛ أتاحَ الله لَه حُريّة أن يُريدَ أيَّ شَيء ويشاؤُه (أي يتَّخذُ الخُطوات الماديَّة اللازمَة لتَحقيقِه)؛ ولَكن مشيئته في النِّهايَة لا تكُون إلاَّ بالله تَعالى (خالِق الأَسباب)، وليسَ الإنسان بِخالِق لشَيء مِن أفعالِه.

{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف : 29].

{ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت : 40].

{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإنسان : 30].

{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير : 29]

   يَعني إذا اتَّجهَت إرادَة الإنسان نَحو الشُّكر أو نَحو الكُفر، واتَّخذَ الأسباب لتَحقيق مُرادِه سهَّل الله لَه ما يُريد، وسخَّر الأَسباب حتَّت تكُون بينَ يَديه تُحقِّقُ لَه مُرادَه؛ وهذا مَعنى قوله تعالى: (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله)؛ لا تَعني إجبارا على الطَّاعَة ولا المَعصيَة بِحال؛ فالإنسان مَهدي إلى سُبل الضَّلاَلَة والرَّشاد؛ فعلى أيِّها استَقرت وِجهتُه وطَّأ الله لَه سَبيلَ ما أراد! هذا في حَقل الهُدى والضَّلال!

   أمَّا في أمُور الله التَّكوينيَّة المُرتَبطَة بِحكمَتِه المُطلَقَة؛ فالله يفعَل ما يشاء مِن غَير اعتِبار لإرادَة الإنسان البتَّة؛ كَما يقُول تَعالى في سُورة الإسراء مَثلا: {مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً} [الإسراء: 18].

   نُلاحِظ في هذه الآيَة الدِّقَّة الإلهيَّة في استِعمال فِعل "الإرادَة" لا المَشيئَة في مَسألة التَّعامُل مَع أشياءِ الدُّنيا؛ لأنَّ الإنسان الضَّعيف لا يَملِكُ ذَرَّة في هذا الكَون حتَّى يَنفَع نَفسَه أو يَجلب الضَّرر لأَحد! بل الله تَعالى هُو الضَّار النَّافع؛ القابض الباسِط سُبحانَه! فلَو قال تَعالى: (من كان يشاءُ العاجِلة) لاختلَّ النَّظم مِن أساسِه؛ ولَوقع التَّناقُض الذي يستَحيلُ على كِتاب لا يأتيه الباطِل من بين يديه ولا مِن خَلفه!

   هذا في الحَياة الدُّنيا! وأمَّا في الآخِرة فأصحابُ الجنَّة إرادتُهم مَشيئَة؛ وأمَّا أصحابُ الجحيم فَليسَ لَهُم إلاَّ إرادَة، ولا مَشيئَة لَهُم!

لا تقَع عيناكَ على آيَة تقُول أنَّ أصحابَ الجنَّة " يُريدون" لأنَّ أيَّة إرادَة لَهُم مُحقَّقَة قَطعا؛ ولا تَجدُ آيَة تنسَب مشيئة لأصحاب النِّيران؛ لأنَّ الباري لا يُحقِّقُ لَهُم طلبا أبدا؛ وكُلُّ ما أرادَه الباري عزَّ وجل لَهُم، فهُوَ عكسُ ما يُريدونَه تَماما لأنفُسِهم نِكايَة بِهم وتبكيتا! لنتأمَّل هذه الآيات حتَّى نُبصِر هذه الحَقيقَة.

{ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ} [النحل : 31].

{ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً} [الفرقان : 16].

{ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [قـ : 35].

{ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ}[السجدة : 20].

{ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [المائدة : 37].

   لعلَّنا استَبقنا الحَديثَ عَن مَشيئَة العَبد وحقُّها التَّأخير حتَّى نَستَوفي الحَديث عن مشيئة الباري؛ وما ذَاك إلا لنُفرِّق تفرِقَة واضِحَة بين الإرادَة والمشيئة؛ فالإرادَة هي مُجرَّد القَصد إلى الشَّيء؛ وأمَّا المَشيئة فهُو ذَاك + تفاعُل مَع الأسباب الخارجيَّة. وسنعُود إلى مَشيئة العَبد لنَرى في أيِّ سياق يُورِدُها الله عزَّ وجل وبأيِّ شَيء يَقرنُها الله عادَة؟!

* مشيئة الله تَعالى يُمكِن تقسيمُها إلى قِسمين: مشيئة تتعلَّق بعالَم الخَلق والتَّكوين، ومشيئة تتعلَّق بأفعال العباد وفِعل الله بالعِباد في الدُّنيا والآخِرة؛ وهذه الثَّانيَة هِي مَربَط الفَرس، ومُبتَغانا في هذه الأسطر؛ لأنَّ عَدم فهمها في العُمق هُوَ سَببُ مزلَّة الأقدام، والشَّطط في العَقيدَة؛ والتَّعلُّق بالسَّراب؛ نسأل الله العافية والمُعافاة.

   أوَّلا: المشيئة المُتعلِّقَة بعالَم الخَلق والتَّكوين؛ ومردُّها في جَميع موارِدها إلى حكمَة الله المُطلَقة التي لا يطَّلِع على مَكنُونِها أحدٌ مِن البَشر؛ فليسَ لَها قانُون ناظِم مُطَّرد يُمكِن أن يُعمَّم وتُفسَّر بِه الأَحداث إلا التَّسليم لحكمَة الباري عزَّ وجل المُتعاليَة المَبنيَّة على عِلمِه المُطلَق بالأشياء؛ وإحاطَتِه الشَّامِلة بكُلِّ ما خَلق!

   كمثال على هذا الضَّرب مِن المَشيئة قَولُه تَعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ. أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}[الشورى : 49- 50].

   فالإنسان أمامَ قضيَّة الأَولاد والذُّريَّة لا يملِك إلاَّ أن يسجُد لمشيئة الخالِق الحَكيم؛ ويُسلِّم لعلمِه؛ ويقطَع الأَمل في أن يَفهَم لماذا أعطَى الله تَعالى لِهذا ذُكورا ولِهذا إناثا؛ ولمَ جَعل هذا عَقيما؟! ولِم خَلق الله ذَلك المَخلُوق بتِلك الكَيفيَّة وفي ذَلك المَكان؟! وماذا على الإنسان أن يَفعَل أو يتوفَّر حتَّى يَجزِم بأنَّه سيُوهَب إناثا أو ذُكرانا؟! هُنا عَلينا بالتَّسليم المُطلَق والاعتِقاد أنَّ ليسَ في الإمكان أبدَع ممَّا كان؛ لأنَّ حكمَة الله تَعالى – لا ننسَى-  مُقتَرِنَة بالخَير المُطلَق في كُلِّ شَيء ولُكلِّ شَيء!

   بل إنَّ هُنالِك مِن الأَزواج مَن يتَّخذُ عدَّة احتياطات ووِقايات مَنعا للوَلد؛ ولَكن يَشاءُ الله أن تتسَلَّلَ نُطفَة في غيابات الرَّحِم إلى البُويضَة؛ فإذا بالزَّوجَين يظلاَّن مَشدُوهين أمامَ الطَّبيب وهُو يُبشِّرُهما بمقدَم طِفل جَديد!

{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران : 26].بيدِك الخَير كُلُّه يا رب؛ وأنت الخَير كُلُّه، وأفعالُك خَير كُلُّها؛ اللهم لا تَحرِمنا مِن خيرك وبرِّك يا منَّان!

   مثال آخَر في سُورة النُّور: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ} [النور : 43].

   يَرَى النَّاظِر مناطِقَ في الأَرض لا يتوقَّفُ عَنها الغَيث على مَدار السَّنَة؛ ويَرى مناطِق أُخرَى تَرزَح تحت وَطأة الجَفاف والقَحط سِنين عَددا! فهَل يُمكِنُ أن يُدرِك قانُونا مُعيَّنا يَحكُم الأَمر؟! ونَلمَحُ أحيانا في الأُفق سُحبا ثِقالا تمرُّ على مُدن فلا تُمطِر؛ وحينَما تَصل إلى قُرى نائيَة تُلقي بِخيرِها؛ فَهل مَن يُفسِّر لَنا هذه المَشيئة البَديعة؟! أقصِد أن يَضَع لَنا قانُونا أشبَه بالقَوانين العِلميَّة المَعرُوفَة في العُلوم التَّجريبيّة المُختَلفة حتَّى نستَطيع التَّحكُّم في نُزول القَطر مِن السَّماء؟! سُبحان مُدبِّر الأُمور وتَعالى عمَّا يَصفُون.

   نَعم! قَد أوصَل الباري عزَّ وجل العُلماء لوَضع قوانين مُحكَمة مُطَّرِدة في عدَّة مجالات أرادَها الله أن تكُون ناظِما؛ وكما يقُول المُختصُّون أنَّ ثبات خَصائِص المَواد مَثلا نِعمَة كُبرى مِن الله عزَّ وجل؛ فلكُلّ مادَّة دَرجَة تجمُّد وانصِهار؛ وكَثافَة مُعيَّنَة، وتفاعُل مُعيَّن مَع المَواد الأُخرى؛ ولَكن هَل ينسَحبُ هذا الاطِّراد على آيات المَشيئَة التي نُوردُها الآن، أم هَل يُمكِن أصلا ذَلِك ولَو بعدَ قُرون؟! طَبعا لا! وهُنا نقُول أنَّ الإبهام واستئثار الباري عزَّ وجل بالسِّر هُو الأَصل في هذا النَّوع مِن المَشيئة؛ وإقدار بعض النَّاس الوُقوفَ على بَعض القَوانين لا يكرُّ على هذا الأصل بالإبطال!

   وحتَّى يُبيِّن لَنا الله عزَّ وجل أنَّ مشيئَته مُتعالِيَة فَوق أَيِّ قانُون، ومُهيمِنة على كُلِّ شَيء؛ يَضرِب لَنا أمثالا في القُرآن الكَريم لحالات مُستَعصِيَة أو مُستَحيلَة عندَ البَشر؛ كيفَ أنَّه سُبحانَه أجرَى مشيئتَه، ولم تُحدَّ قُدرتُه بشيء!

   فمثال الأُولى سيِّدُنا زكريَّا "عليه السَّلام" الذي لَو عَرضَ حالتَه على أيِّ طَبيب لجَزم (بناء على عِلمِه المَحدُود) أن لا أمَل لَه في ما يَبتغي مِن الوَلد؛ ولَكن مَشيئة الله فَوق قُدرات وتوقُّعات جَميع البَشر!

{قَالَ رَبِّ أَنَّىَ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران : 40].

ونَفس الأَمر وقع لمَريم البتُول الطَّاهِرة؛ وهي تُبشَّر مِن قبَل رسُول الباري عزَّ وجل بمَقدَم ولَد مِن غيرِ أن يمسَّها بَشر!

{قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}[آل عمران: 47].

   وحتَّى تَزداد القضيَّة وُضوحا نَضرِب مِثالا آخَر في سُورة آل عمران في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[آل عمران : 6].

   هَل مِن إنسان استَطاعَ – عبرَ التَّاريخ الإنساني المَديد- أن يَقتَرحَ شكلَ صُورتِه أو لَونَ بَشرتِه على الله تَعالى؟! أو أنَّ هُنالِك قَوانين مُتعارَفَة في عِلم الجينات والهَندسَة الوِراثيَّة بها يَستَطيع النَّاس التَّحكم في أشكالِهم وصُورِهم؟! هيهاتَ طَبعا؛ فمشيئة الله قاهِرة فَوقَ البَشر! فكَم سَمِعنا عَن أولاد وُلدوا سُودا مِن أبوين أبيَضَين، أو سُمرا تناسلُوا مِن أبَوين شَقراوين؛ والعَكس.

{ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (8)} الانفطار.

   ومسألة الخَلق عُموما وكيفيَّتها ونمَطَها لا دَخل للبَشر فيها أبَدا؛ بل هُو مَحض القَهر مِن الله عزَّ وجل؛ ليستبين الإنسان ضُعفَه وأن لا حَول لَه ولا قُوَّة إلاَّ بالله عز وجل.

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص : 68].

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}[الروم : 54].

{ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [النور : 45].

ولنُعرِّج إلى مسألة أُخرى تحيَّرت فيها الأفهام وعَجزت عَن وصفِها الأَقلام هي مَسألَة الرِّزق! وما أدراك ما الرِّزق!

 يقُول الباري الحَكيم: {إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً} [الإسراء : 30] .

   رُبَّ طِفل حَديث عَهد بالوِلادَة؛ خَرج إلى الدُّنيا عارِيا، وآلاف الدُّولارات تَنتَظِرُه في خِزانتِه ميراثا مِن أحدِ والِديه؛ ورُبَّ كادِح طُول عُمرِه في أعمالٍ تِلوَ أعمالٍ؛ ليسَ لَه مِن حُطامِ الدُّنيا إلى النَّزر القَليل! فقَد شاءَ الله أن يُخفيَ عنَّا حكمَة الرِّزق، وأن يَجعلَه شَيئا مُتقلِّبا غيرَ مُفسَّر بِقوانين البَشر حتَّى يكُون وسيلَة يبتليَ بِه عبادَه أيُّهم يصبِر ويَحتَسب؛ وأيُّهم يَطغى أن رآه استَغنى! غايَة ما نَفعَل أن نُسلِّمَ بإرادَة الله العَليَّة وبِعلمِه المُطلَق، ولا نبتغيَ شيئا وراءَ ذَلِك!

{ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الشورى : 12].

   ولا يَعني هذا أبدا تواكُل الإنسان في طَلبِ رِزقِه وعَدم السَّعي في مَناكِب الأَرض لاستثارَتها والتَّمتُّع بخيراتِها؛ أو أن يتخلَّى عَن إعالَة مَن توجَّب عَليه الإنفاقُ عَليه بحجَّة أنَّ الله تَعالى لَو شاءَ بسَط عَليه! كلَّا! فهذا فِكر كُفري بيَّن الله عُواره في سُورة يس.

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ}[يس: 47].

    فمشيئة الله إذَن لا تُلغي الواجِب التَّكليفي الذي أُنيطَ بالإنسان مَهما كان نَوعُه؛ فالله شاءَ أحيانا أن يُجريَ مَشيئتَه بأفعالِ العباد ظاهِرا؛ غَير مُحتاج ولا مُفتَقر إلى أحد مِنهُم أبدا سُبحانَه!

   وحتَّى قضيَّة إرسال الرُّسل وبَعث الأنبياء؛ فإنَّها خاضِعة لهذا النَّوع مِن المشيئة؛ فلسنا نَدري – ولا يُمِكن أن نَدري- لماذا اختارَ الله أولئك الأشخاص بالضَّبط، ولماذا لَم تذهب الرِّسالَة لِغيرِهم بحَيثُ يُمكن أن نسنُّ قانونا عامَّا مِن خِلالِه؟!

   لا شكَّ أنَّ هنالِك حكَما وأسرارا وراءَ القضيَّة؛ وأنَّ الله حاشاه أن يُحابي أحدا مِن غيرِ مزيَّة؛ ولَكن هَل نَحفظُ لهذا الأَمر قانونا ضابِطا؟! طبعا لا فذاك ممَّا استَأثَر الباري عزَّ وجل بِعلمِه وحِكمَته.

{ يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ} [النحل : 2].

{مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة : 105].

* وحتَّى يُبيِّنَ الله عزَّ وجل لَنا أنَّ ما هُو كائِن ليسَ بقاضٍ عَليه ولا حاكِم في مَشيئتِه؛ يُكثِر الباري سُبحانَه مِن استِعمال عبارَة "لَو شاء"، و "لَو نشاء"، و "لو شِئنا" وما شابَهها حتَّى يَرتَفع عنَّا وَهم المَحدُوديَّة أوَّلا؛ وحتَّى نُدرِكَ فضل الخالِق ثانيا بِجَعل شَيء على ما هُو عَليه إكراما ولُطفا بالإنسان؛ لأنَّه عادَة ما تأتي تِلك العبارات في سياق النِّعم ورَفع المَصائِب.

يقُول الباري عز وجل مَثلا: { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70)} الواقِعة.

ويقُول: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاء لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً. ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً}[الفرقان : 45- 46].

ويقُول أيضا: { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً} [الإسراء : 86].

ويقُول كذلك: { أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} [سبأ : 9]... يَعني لَم يشأ الله أن يَخسِفَ الأَرض ويُسقِط الكِسَف رَحمَة وفضلا وتَوفيرا لمَزيد مِن الفُرصَة للتَّوبَة والإنابَة!

* والآن: كُلُّ مَن أدرَك هذه المَشيئَة بعُمق؛ وترسَّخَت في أعماقِ فؤادِه؛ فإنَّه ولابُدَّ مُعتَرف لله تَعالى بِها؛ بل وتَلفاهُ ذاكِرا لله تَعالى مِن خلالِها!

   لنستَشرِف هذا التَّأديب الرَّباني الرَّاقي لعبادِه المُؤمنين في سُورة الفَتح؛ وهُو يبشّرُهم بِفتح قريب لمكَّة جازِما غَير مَظنُون مِن خِلال رُؤيَة صادِقة للصَّادِق المَصدُوق عليه السَّلام.

{لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح : 27]

   لنتأمَّل كَيفَ يَقرِن الباري ذَلكم الفَتح بمشيئة الله وَحدَه تسبيحا وتَمجيدا لا مِن قبيل البَدوات التي تَطرأ على الله عزَّ وجل حاشاه! فالعَليم الخَبير قَد رأى ذَلك الفَتح قَبل أن يخلَق الكَون بأسرِه؛ ولا جَديد على الله أبدا؛ فعلمُه سُبحانَه قَديم أزلي؛ يعلَم كُلَّ شَيء عَن أيِّ شَيء قَبل أن يبرأه ويُسوّيَ خَلقه! ولا يُمكِن نِسبَة التَّريُّث والتَّرقُّب والفَصل في الأَحداث تزامنيا لله؛تعالى عَن ذَلِك؛ فما تَفسير المشيئة في الآيَة إذَن؟!

   التَّفسير الوَحيدللآيَة الكَريمَة أنَّ فيها تَنبيها واضِحا لأولئك الصَّفوَة مِن المُؤمنين إلى ضَرُورة تسبيحِه عزَّ وجل مِن قبلُ ومن بعد! أي مِن قَبل الفَتح ومِن بعد الفَتح؛ والتَّبرِّي مِن أيِّ حَول لَهُم أو قُوَّة؛ وفي هذا ما فيهِ مِن نسبَة الفَضل والخَير والتَّوفيق إلى الله وَحدَه.

   ولننظُر أيضا كيفَ يُنبِّه الباري عزَّ وجل عَبدَه المُصطَفى (صلى الله عليه وسلَّم) حينَ سَهى في شأن مِن الشُّؤون إلى أن يَستَثني بمشيئَة الخالِق العَظيم؛ وكيفَ اعتَبَر ذلِكَ السَّهو نسيانا وغَفلَة عَن ذِكره سُبحانَه...{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}[الكهف : 24] .

فالله تَعالى يُريدُ منَّا أن ننسِب إليه المَشيئة المُطلَقة ونُقرَّ لَه بِها كذِكر مِن الأذكار، ولا نحمِلَها في أذهانِنا كمَعلُومَة عَقديَّة فَحسب!

وهذا أيضا سيِّدنا مُوسَى في رِحلَته العِلميَّة مَع العَبد الصَّالِح؛ لمَّا استَبعَد مِنه الصَّبر لِما سيُكشَفُ لَه مِن حُجُبِ الغَيب وأسرارِه؛ ما كانَ مِن نبي الله مُوسَى إلاَّ أن آنَس مِن نَفسِه الصّبر؛ ولَكن لا بِحَولِه وقُوَّتِه؛ بل بمشيئَة الله تَعالى وعَونِه وتسديدِه!

{قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً. قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف : 69].

  ولا يَعني بعد ذَلك أن يتحقَّقَ الأَمر المَقرُون بالمَشيئة على وَجه الحَتم واللُّزوم؛ بل ذَلك يعُود إلى عِلم الله تَعالى المُحيط وحكمتِه المُطلَقة؛ فهذا سيدنا مُوسى عليه السَّلام في النِّهايَة لَم يكُن مِن الصَّابرين. ونجدُ هذا في كَلام العَبد الصَّالِح في ثلاثِ مواطِن!

{ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف : 72]. { قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً} [الكهف : 75]

{ قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} [الكهف : 78].

    وعلى نَفس السَّنن سارَ سيِّدُنا يُوسف عليه السَّلام؛ وهُو في قمَّة عزِّه وتَمكينِه مِن أرض الكِنانَة مِصر؛ وقد كانَ قادِرا أن ينفُخَ نَفسَه ويتشامَخ ويتَولَّى عَن الله برُكنِه؛ ولَكن كانَ في غايَة الأَدب مَع خالِقه؛ ومُرجِع كُلَّ فَضل إلى مَشيئته وإرادَته سُبحانَه!

{وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف : 100].

وهذا نبي الله إسماعيل وهُو يتلقَّى النَّبأ المُفزِع بذَبحِه على يَد والِده الخَليل (عليهم السلام جميعا)؛ ما كانَ مِنه إلاَّ التَّسليم المُطلَق لإرادَة الله ووحيِه؛ والتَّشمير على ساعِده للصَّبر الجَميل على هذا القضاء الإلهي المَحتُوم؛ مُستعينا بالله تَعالى وَحدَه لا بشيء غيره أبدا!

{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات : 102].

  * والآن: بِفهمِنا لِهذا المَعنى الجَميل للمَشيئة؛ وكَيفَ أنَّها تَردُ في سياقِ الذِّكر والتَّسبيح؛ وتنزيه الله عَن الشَّريك في الفِعل والتَّأثير؛ سيسهُل عَلينا جدا فَهم بعض الآيات المُتشابِهة التي اشتطَّت فيها الآراءُ كثيرا؛ وحُمِلت على غَير محامِلِها.

   مِنها مَثلا قَولُه تعالى في سُورة الأَعلى مُخاطِبا نبيه (عليه السَّلام): {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى. إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الأعلى :6-  7].

   فقَد ذَهَب بعضُ المُفسِّرين إلى جَواز نسيان النبي (عليه السَّلام) لبعض الوَحي ثُمَّ تذكيرُه بعد ذَلك مِن قِبَل ربِّه؛ وبعضُهم حَمل ذَلِك على إنساءِ الله تَعالى لَه قَهرا تمهيدا لنَسخِ ما أُنسيَه صلى الله عليه السَّلام على نظريَّة النَّسخ المَزعُومَة؛ وكُلُّ هذا شَطط واضِح في فَهم النَّص! إنَّ قوله تعالى : {إلا ما شاءَ الله}يَعني إنَّك يا رَسُول الله لَن تَنسَى ما أقرِئتَه بمشيئة الله؛ ولَو شاءَ لأنساكَه قَسرا عَنك؛ فسبِّح بِحمدِ ربِّك!

   ومِن الآيات التي أسالَت مِدادا كَثيرا قَوله تعالى في سُورة الأَنعام: { وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ} [الأنعام : 128].

   وصِنوُها في المَعنى آيَتي سُورة هُود: { فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود :106-  108].

   فقَد اتَّخذَ أصحاب "عقيدَة عَدم الخُلود في النَّار" هذه الآيَة مُتَّكأ ليقُولوا أنَّ المَشيئَة في الآيَة إيذانٌ بأنَّ هُنالِك صِنفا مِن النَّاس سيخرُجون مِن النَّار؛ وهُم العُصاةُ المُوحِّدُون بَعدَ أن يأخذُوا نَصيبَهُم مِن نارِ جهنَّم كُلُّ حَسبَ حجم جرائِمِه!

أبسَط جواب يُبيِّن تهافُتَ هذا الرَّأي أن يُقال لَهُم إنَّ العبارَة نفسُها ورَدت في حقِّ أصحابِ الجنَّة؛ فهَل تُجوّزُون خُروجا مِن الجنَّة كذَلك؛ فإن قُلتُم بالأُولى فقُولوا بالثَّانيَة بالضَّرُورَة؛ وتَفريقُكم بينَ الحالَتين لا يَنتهِض لُغَة قَبل أن يُعارِضَه صَريحُ القُرآن!!

   التَّفسير البيِّن الشَّافي للآيتَين بِناء على ما سَبق؛ أن يُقال إنَّ كُلاًّ مِن أصحابِ النَّار وأصحابِ الجنَّة خالِدين في مُقامِهم الأَخير بمشيئَة الله وقُوَّتِه ما دامت سموات الآخِرة وأرضُها! واللَّتان لا تَفنيان طَبعا أبَد الدَّهر! ولَو شاءَ غيرَ ذَلِك لكانَ ما شاءَ مِن غيرِ أن يُعيقَ سبيلَه شَيء!

{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم : 48].

   إنَّ تِلك المَشيئَة تُريدُ أن تُصوِّر لَنا قَهر الله لعبادِه؛ وأن لا وَزَرَ لَهُم ولا مَفر مِنهُ إلاَّ إليه؛ فليتُوبوا وليُنيبُوا قَبلَ أن يفجَأهُم رَيبُ المَنُون؛ وما أمرُ السَّاعَة إلاَّ كَلمَح البَشر أو هُو أقرَب!

*لنَنتَقِل الآن إلى النَّوع الثَّاني مِن المَشيئَة الإلهيَّة؛ وهي المُتعلِّقَة خُصُوصا بفِعل الله بالإِنسان (في جانبه الغيبي خُصوصا)؛ مِن هدايَة وإضلال؛ ومَغفِرة وعذاب؛ ونجاة وهَلاك؛ وإذلال ونَصر؛ وسَنرى أنَّ هذه ليسَت كتِلك؛ لا مَسًّا في إرادَة الله المُتعالِيَة وتدخُّلا فيها؛ بل إنَّ هذه المَشيئة – برَحمَة الله وفَضلِه- محكُومَة بِقوانين بيَّنَها الله بوُضوح في كِتابِه ولَم يُخفِها حتَّى يَطمئنَّ المَرء إلى تعامُلِه مَع خالِقِه؛ وتتَّضِح لَه قَوانين العُقوبات والمُكافآت الدُّنيويَّة والأُخرويَّة؛ فيكون على بَصيرَة مِن أمرِه.

{قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ} [الأنعام : 104].

   فإذا قالَ الباري عزَّ وجل مَثلا "إنَّه يَهدي مَن يشَاء" ؛ فلا يُمكِن أن نقُول إنَّ هذه المَشيئة شَبيهَة بمشيئته في الرِّزق مَثلا؛ بحيثُ لا يَحقُّ لإنسان أن يَحصِر سُبلَ الهِدايَة في شَيء؛ بل إنَّ سُنَّة الله في هِدايَة عبادِه مَعلُومَة مَبنيَّة على مُقدِّمات لابُدَّ لهُم أن يأتُوا بِها.

مِنها مَثلا قَوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69].

   فالهِداية هُنا مُتوقِّفَة على الجُهد الذي يَبذُله الإنسان في البَحث عَن الحَقيقَة والصِّدق الذي يُكنُّه في صَدرِه تُجاهَ ذَلك؛ ولَكن مَن لا يهمّه أمرُ هِدايَتِه ورَضي بِحياة الأَنعام؛ فليسَ لَه إلى الهِداية مِن سَبيل!

وكذا قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27].. فالمُنيب المُتوجِّه إلى الله تَعالى بالنَّظر في ملكُوتِه، والتَّعرُّف على دَلائِل عَظمَته هُو مَن يأخُذ الله بيَديه نَحوَ شاطئ النَّجاة، ويُزكِّيَ قلبَه بأنوار الهِداية!

   وأمَّا الذين اختارُوا سَبيلَ الكُفر والتَّكذيب والضَّلال والفِسق؛ فالله لا يَهديهم ولَو استَظهروا بالعالَمين للدُّعاء؛ كَما هُو دَيدَن كثير مِن العُصاة! يسأل الغادي والرَّائِح أن يدعُو لَه بالهِدايَة في حينِ أنَّه غارِقٌ إلى مَفرَق رأسِه في مُستنقعات المَعاصي والآثام لا يَبغي عَنها حِولا!تُذكِّره بالتَّوبة النَّصُوح يقُول لك (بالعامِّية): "ادعيلي ربِّي يَهديني، كي يَبغي ربِّي يَهديني يَهديني"؛ يَخالُ الهِدايَة ريحا قَد تهبُّ على قَلبِه في يَوم مِن الأَيَّام فتُحييه بَعد مَوات مِن غيرِ أن يبذُل شِروى نَقير لسُلوكِ مسالِكِها!

{وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة : 13].

{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} [يونس : 99].

   وما قُلناه في الهِدايَة نقُوله في الضَّلال؛ فقَدقَطع الله بأنَّه لا يَهدي الظَّالِمين والفاسِقين؛ بل يُضلُّهم ويُغويهِم! فكُلُّ مَن سَلك سبيلَ الظُّلم ورَضِيَ بِه يسَّرَ الله لَه سَبيلَه، ووضَع الأسباب بينَ يَديه لتَحقيقِ مُرادِه! ويستَحيلُ في المُقابِل أن يُضلَّ الله إنسانا يبحَثُ عَن الحَقيقَة ويتلمَّس النُّور مِن دياجير الظَّلام التي يتخبَّطُ فيها؛ لا لِعجز في الذَّات الإلهيَّة حاشاه؛ بل إنَّه تَعالى آلى على نَفسِه أن لا يَهدي إلاَّ المُنيبين ولا يُضلُّ إلاَّ الفاسِقين؛ ثمَّ إنَّه بيَّن مَشيئته تِلك بوُضوح حتَّى يَرتاحَ النَّاسُ في التَّعامُل مَعه.

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم : 4].

في نفسِ السُّورة يأتي بيان المَشيئة{يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم : 27].

   يعني أنَّ الله تَعالى يُبلِّغُ لَنا مَنهجَه بُكلِّ وُضوح: أنِّي أثبِّتُ المُؤمنين وأهديهِم وأُضلُّ الظَّالمين وأُشقيهِم؛ ولا تسألُوني عمَّا أفعَل فأنا أفعَل ما أشاءُ؛ وقَد كُنتُ قادِرا على أن أُضلَّ النَّاسَ أجمَعين أو أَن آتي كُلَّ نَفس هُداها؛ ولَكن شاءَت إرادَتي أن تكُون على هذا السَّنن فاستَسلمُوا لحُكمي وارضَوا بِقضائي!

   نُعرِّج إلى قانُون آخَر مِن قَوانين الله؛ وهُو قانُون النَّصر والإعزاز والإذلال؛ ونَفهَم مِن خِلالِه بُوضوح لماذا لَم ينصُر الله "المُسلمين" في مشارِق الأرض ومَغارِبها؛ وأئمَّة الحَرمين (وغيرهم) تبحُّ حناجِرَهُم كُلَّ سَنة بالدُّعاء: اللهم انصُر المُسلمين! اللهم أعزَّ الإسلام والمُسلمين! اللهم اخذُل مَن خذل الدِّين؛ ولَم نرَ نَصرا ولا فَتحا؛ بل مَزيدا مِن الذِّلة والمَسكَنة والعياذ بالله... لأنَّ قانُون النَّصر فَوق الجَميع مُبيَّن بأجلى عبارَة وأكثَر النَّاس عَنه سادرُون!

   يقُول تعالى{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم : 47].

   ويقُول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد : 7].

ويقُول في غافر: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر : 51].

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} [البقرة : 214].

{بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم : 5].

   فمِن غَير المُمكِن أن ينصُر الله المُسلِمين وحالُهم على ما نَراه عَليه مِن فِسق وفُجور، ونَكث للعُهود، وخَفر للذِّمم، وهَتك للأَعراض، وأكل لأموال اليَتامى، وهضم للحُقوق، وتضييع للصَّلوات، ومسارَعة في تَقليد اليَهُود والنَّصارى... الخ! هَل هذا هُو الإيمان الذي يستَحقُّ أربابُه النَّصر مِن صاحب العزَّة والجَبروت؟! كلا والله فمشيئة الله قَد سَبقَت، والله لا يُدخِل فيها إلاَّ من استحقَّها بِجدارَة؛ أم حَسب الذين يَعملون السيئات أن يسبِقُونا؟ ساءَ ما يحكُمون!

{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ. كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة : 20- 21].

{سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ} [الأنعام : 124].

{مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر : 10].

   ونأتي الآن إلى بَيت القَصيد؛ وقضيَّة مَغفِرة الذُّنوب والرَّحمَة الإلهيَّة في الآخِرة؛ لتَجدَ أنَّ جماهير عَريضَة مِن المُسلِمين نتيجَة نأيِهم عَن كِتاب ربِّهِم؛ وعَدم فهمِهم لِهذا المَوضُوع الحسَّاس؛ يغترُّون بِظواهِر بعض آياتِ المَشيئة؛ ليُؤصِّلُوا لقاعِدة عَقدية مَعرُوفَة في الأَوساط تَنضافُ إلى سِلسِلة الأَماني المُتكاثِرة التي تملأ ساحَة الفِكر الإسلامي، وتُغبِّشُ على نَصاعَة البيان الإلهي في القُرآن المَجيد؛ تقُول هذه القاعِدة: إنَّ المُوحِّد العاصِي إذا ماتَ مُصرا غيرَ تائِب؛ ذاكِرا غَير ناس لِما اجتَرح؛ فهُو تَحتَ المَشيئة الإلهيَّة إن شاءَ غفَر لَه وأدخلَه الجنَّة مِن غيرِ سابِق عَذاب؛ وإن شاءَ عذَّبَه على قَدر ذُنوبِه ثُمَّ أُدخِل الجنَّة بعدَ ذَلك! ولَو بَلغَت ذُنوبه عَنان السَّماء!

وإ ن سُئلُوا ما دَليلُكم على ما تقُولون: أجابُوا مباشَرة ألَم يقُل الله تَعالى إنَّه يَغفِر لِمن يشاء؛ ويُدخِل في رَحمَته مَن يشاء؟! ثُمَّ إنَّه يُعتَرضُ عليهم: ولكن الآيَة عامَّة فلمَ لا تُجوِّزُون المَغفرَة أيضا على اليهُود والنَّصارى؟! فيُجيبُون: إن الله تَعالى قرَّر في سُورة النِّساء قاعِدة: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء : 48].

   وبِجَهل مُطبِق إذَن لمَفهُوم المَشيئَة في القُرآن؛ وبتَعام عَجيب عَن مَفهُوم الشِّرك الحَقيقي كما يُصوِّرُه القُرآن؛ يُصبِحُ ذَلك الطَّاغي (المُوحِّد) الذي دمَّر البِلاد وأفنى العباد مرجُوَّة لَه النَّجاة بدُخولِه تَحت المَشيئَة، ويُحرَم مِنها ذَلِك القسيس المُتنسِّك الذي قضى عُمرَه في خِدمَة عباد الله في غاباتِ إفريقيا ومَجاهِل آسيا؛ وليسَ لَه مِن ذَنب إلاَّ أنَّه استمرَّ على دين الآباءِ والأَجداد!! أيُّ مَنطِق سوي بربِّكُم يَقبَل هذا؟!

كَي لا نُطيلَ الجَواب في هذه القضيَّة لوُضوحِه؛ نقُول إنَّ هذه المَشيئة لا تَختَلف عن مَثيلاتِها التي ذَكرنا طَرفا مِنها فيما سَبق؛ فهيَ مُقيَّدة بِقانُون ضابِط يحُكُمها لا يُبقي بَعدَها حُجَّة لمُعتَرض أبدا؛ أو لِعائِم في سَرابِ الأَوهام!

يقُول تعالى في سُورة طه: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه : 82].

أربعة شُروط واضِحَة لاستِحقاق المَغفرة إذَن: تَوبَة وإيمان وعَمل صالِح ثُمَّ اهتِداء بِمنهج الله؛ ومَن صَدفَ عَن هذا الطَّريق المُستقيم فليسَ لَه إلا الخِزي والهَلاك في الدنيا والآخِرة نسأل الله العافيَة والمُعافاة.

وتتأكَّد هذه المسألة أكثَر على لسان المَلائِكة الذين يُسبِّحُون الله باللَّيل والنَّهار وهُم لا يفتُرون في سُورة غافِر: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر : 7].

وهُنالِك آيَة كثيرا ما تُعومِل مَعها بِمنهج "ويل للمُصلِّين" هِيَ أرجى آيَة في كِتاب الله عزَّ وجل ولَكن على أن تُفهَم كما نَزلت؛ لا كما تُريدُه نَزوات البَشر!

يقُول تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55)}.

إن الله غفَّار للذُّنوب مَهما كثُرَت، غفُور لَها مَهما عَظُمَت؛ ولَكن بشَرط الإنابَة وإسلام الوَجه لله تعالى، واتِّباع بيِّنات الوَحي بعد ذَلِك؛ أليسَ القُرآن يُصدِّقُ بعضَه بَعضا؟! ما الفَرق بينَ هذه الآيَة وآيَة طه؟! صدقتَ يا رب حينَ قُلت: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} [النساء : 82].

نشهَد لَك يا رب بأنَّنا وَجدنا في كُتبِ البَشر اختِلافا كَثيرا؛ وما ذَاك إلاَّ نتيجَة الهُجران؛ واستِبدال وَحي الله بِوحي الشَّياطين!

{َكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)} الأَنعام.

وما يُقال عن المَغفِرة يُقال عَن التَّنجية الدُّنيويَّة مِن العَذاب؛ والرَّحمَة بدُخول الجنَّة والزَّحزَحة مِن العذاب في الآخِرة. فقَد ورَد الإطلاق في قَوله تعالى: {يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَن يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [العنكبوت : 21].

وورد التَّفصيل في كثير مِن الآيات أختارُ مِنها قوله تعالى{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 156].

وقوله{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه : 48]

والنَّجاة كذَلك ورَدت مُطلَقة في قَوله تعالى: {فَنُنجي مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف : 110].

وورد البيان في قَوله تعالى مَثلا: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس : 103].

وقوله: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم : 72].

وهكذا السَّبيل المُتَّبَع في سائِر مَوارد المَشيئة مِن هذا النَّوع في بيانِ الله عزَّوجل الذي لا يأتيه الباطِل مِن بينِ يَديه ولا مِن خَلفه؛ تنزيل مِن حكيم حميد!

* نَختِم مَوضُوعَنا بمشيئة العَبد؛ وهيَ مَشيئة ثابِتة لا مِراءَ فيها على عَكس ما يدَّعي أصحابُ الجَبر، وأدلَّتها بيِّنة في القُرآن.

منها قَوله تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف : 29].

وقوله تعالى: {َأفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت : 40].

وكما أسلَفنا فإنَّ مشيئة العَبد لا تَعني تألُّهه وخَلقه لأفعالِه؛ ولا يَعني أنَّ الله – حاشاه – سيتفاجَأُ بما سيُقرِّرُه عبادَه بعد أن يخلُقَهم؛ بل إنَّها لا تَعني أنَّ الله ملّك العَبد نيَّتَه وقَصدَه؛ فأينَما وجَّههما تصرَّف الله مَعه بِحسبِ مُرادِه وقَصدِه، وجَعل الأَسباب طيِّعَة بينَ يديه ليشكُر أو يفجُر! والقاعِدة العَظيمَة في هذا الشَّأن: نَحنُ لا نَملِك ذرَّة في هذَا الكَون إنَّما نَملِك نيَّة فَحسب!

{وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإنسان : 30].

{فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)} اللَّيل.

   ما يُلفتُ الانتباه في الآيات التي تتحدَّثُ عَن مَشيئة العَبد أنَّها سُبِقت بالحَديث عَن الذِّكر ثُمَّ إتاحَة المَشيئة للعبد كامِلة بعد ذَلك؛ وكأنَّ فيها إيماءَة طريفَة إلى أنَّ نوعيَّة مشيئة العَبد إنَّما تتحدَّد تَبعا لعلاقته مَع الكِتاب وتعامُلِه مَعه؛ فالقُرآن هُو المُحدِّد وهُو البَوصَلة لِجميع تقلُّبات الإنسان ومَناشِطه! لنتأمَّل.

يقُول تعالى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف : 29].

ويقُول: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ. لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ} [التكوير :27-  28].

وفي آية أُخرى: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الإنسان : 29].

وفي المدثر: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ. فَمَن شَاء ذَكَرَهُ. وَمَا تَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدّثر : 54-56].

   لا نَملِك في الأَخير إلا أن نسألَك يا ربِّ أن تُثبِّت أفئَدتنا بِقولِك الثَّابِت في الدُّنيا والآخِرة؛ وأن تَهدينا إلى طريقِ الحق والاستِقامَة؛ وأن ترزُقنا نُور الاعتِصام بِكتابِك؛ غيرَ فاتِنين ولا مَفتُونين؛ ولا ضالِّين ولا مُضلِّين؛ إنَّك سَميع قريب.

والحمد لله ربِّ العالمين

اجمالي القراءات 35724