الإعلام الرسمي الأردني ومظاهر ظلامه

د. شاكر النابلسي في الإثنين ٢٠ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

الإعلام الرسمي الأردني جزء لا يتجزأ من الإعلام الرسمي العربي. فكلهم كما يقال “في الهوى سوى”، وكلهم كما قال أحمد شوقي “في الهم شرقُ”. ولكن الإعلام الأردني رغم هذا يظل متميزاً وذا نكهة خاصة، ورائحة خاصة، ولكنها رائحة كريهة في معظم الأحيان، خاصة بعد فضيحتين كبيرتين. الأولى، عندما نشرت جريدة “المدى” العراقية في عام 2004 قوائم المنتفعين من عطايا بترول صدام المسروق من بترول الشعب العراقي. والفضيحة الثانية، القائمة التي نشرها مدير المخابرات الأردني السابق (محمد الذهبي) الذي يحاكم اليوم بتهم الفساد وغسيل الأموال، والتي تضم أسماء بعض الإعلاميين الأردنيين الذين كانوا يتقاضون رواتب شهرية من دائرة المخابرات، إضافة إلى المنح الأخرى. وبهذا تحول الإعلام الأردني إلى مجموعة من المرتزقة. وهذه الصفة سوف تثير عدة إعلاميين، وتستفزهم وتغضبهم. ولكن غضبهم لا يخفي حقيقة أن الإعلام الرسمي الأردني عبارة عن جاريات في البلاط الهاشمي، أو البلاط الخليجي، أو البلاط الصدامي السابق، والبلاط الحمساوي أو البعثي اللاحق، يقمن بالرقص والغناء، والمداعبة في آخر الليل.
أسباب ظلامية الإعلام الأردني
وهناك إضافة – إلى ذلك كله – عدة أسباب جعلت من الإعلام الأردني إعلامياً متحجراً متحيزاً وظلامياً، ومرآة عاكسة وصافية للدكتاتورية العربية المتمثلة بالملكية التي تحكم الأردن منذ أكثر من تسعين عاماً، والمتمثلة بدكتاتورية صدام المنهارة، وبدكتاتورية الأسد القائمة منها:
1ـ أن قسماً كبيراً من الإعلاميين الأردنيين، ومن كتّاب الأعمدة اليومية والأسبوعية هم من حركة فتح. إضافة إلى وجود عدد كبير من البعثيين الموالين للنظام العراقي السابق والموالين للنظام السوري الحالي، ووجود عدد آخر من “جماعة الإخوان المسلمين” وحزب التحرير وبقية الجماعات الإسلاموية الأخرى. ومن هنا نرى أن الإعلام الأردني في معظمه هو مجموعات من الجزر الموبوءة من الإيديولوجيين القومجيين والسلفيين التي ما زالت تتبنى أفكار فترة الحرب الباردة، وما زالت تعتقد أن الاتحاد السوفيتي ما زال قائماً، وأن عبد الناصر ما زال حياً، وأن بالإمكان تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وحتى آخر ذرة تراب منها، وأن المهدي المنتظر في طريقة إلينا.. الخ.
2ـ إن أفكار الحرب الباردة التي ما زال الإعلام الرسمي الأردني يتبناها ويدعو إليها دون أي إدراك للمتغيرات الدولية دفعت بهذا الإعلام إلى أن يكون متخلفاً تخلفاً كبيراً عن الإعلام الدولي الحديث بمراحل كثيرة مما جعل الملك عبد الله يستاء من هذا الإعلام، ولا يركن إليه، ويحاول أن يُدلي بتصريحاته وبياناته عبر الإعلام الدولي الذي يوفر لنهجه السياسي الانتشار والوصول والتفهم والوعي من لدن المتلقي في الأردن وخارج الأردن، سيما وأن المتلقي الأردني أصبح لا يثق بالإعلام الأردني، ويبحث عن الحقيقة في الإعلام الخارجي العربي منه (وما أندره) والإعلام الغربي. وربما كان هذا الحال أيضاً هو حال المتلقي القُطري في معظم أنحاء العالم العربي. ولكن هذه الدرجة ترتفع في الأردن أكثر من مثيلاتها في العالم العربي.
3ـ أن الإعلام الرسمي الأردني كان منذ 1980 وبداية الحرب العراقية ـ الإيرانية إعلاماً مخترقاً من قبل صدام حسين الذي أغرق سوق الإعلام الأردني بالهدايا والعطايا والمطايا. فبني لنقابة الصحافيين الأردنيين مساكن في حي نقابة الصحافيين، وأهداهم سيارات المرسيدس، ودفع لمعظمهم رواتب شهرية، وابتعث أبناءهم للدراسة في أرقى الجامعات ومنحهم الأموال لإنشاء صحف جديدة، ومنابر إعلامية جديدة. وأصبح معظم الإعلاميين الأردنيين موظفين غير رسميين في وزارة الإعلام العراقية السابقة. ولعلنا نذكر جميعاً موقف الإعلام الأردني من حرب الخليج 1991 وكيف وقف الإعلام الأردني ذلك الموقف الفاضح الصارخ المشين، وهيّج الشارع الأردني ضد الكويت والسعودية، واضطر القيادة السياسية الأردنية إلى مخالفة الشرعية الدولية والإجماع العربي والإسلامي والعالمي، والوقوف إلى جانب العدوان العراقي على الكويت. وتكبد نتيجة لذلك خسارة مالية تجاوزت الخمسة مليارات دولار، مما أدى إلى تدهور الاقتصاد الأردني وانهيار سوق عمان المالي فيما بعد. كما أدى إلى طرد العاملين الأردنيين والفلسطينيين من الخليج، مما زاد في معدلات ارتفاع البطالة الأردنية وزيادة انتشار الفكر السياسي السلفي الذي أنتج الإرهابي الزرقاوي والمقدسي وغيرهما من رموز الإرهاب.
4ـ تسيطر على جزء كبير من الإعلام الأردني الفاشية الدينية المناصرة للعمليات الانتحارية في فلسطين والعراق، والتي تموّل من الصندوق نفسه الذي يتموّل منه “حزب الله” و”حركة حماس” و”الجهاد الإسلامي”، وكافة الحركات الأصولية المسلحة التي تنشر الإرهاب والخوف وتشيع الفوضى والدمار في العالم العربي وفي الغرب. وهذه الحركات أصبح لها شعبية كبيرة في الشارع الأردني لقيامها بأداء خدمات اجتماعية متعددة للمتلقي الأردني منها الطبابة، والتعليم، والتدريب على الحِرَف، وإيجاد فرص عمل، والتعليم الجامعي، ومحو الأمية، وخلاف ذلك. ومن هنا، أصبح إعلام هذه الفئات في الشارع الأردني هو الإعلام المُرحب به من قبل المتلقي الأردني، وهو الذي يعكس الصدقية والشفافية برأي الكثيرين من المتلقين المستفيدين من الخدمات الاجتماعية لقادة ورموز هذا الإعلام. ومن هنا يظهر لنا أن القيم النفعية اليومية هي التي تروّج للإعلام القومجي الفاشستي، والإعلام الأصولي الفاشستي أيضاً.
5ـ لقد ساهمت الحكومات الأردنية المتعاقبة على إطلاق يد “دائرة المطبوعات والنشر” الأردنية لمحاربة الحداثة الفكرية والحداثة الثقافية ومنع الكتب والكتابات الحداثية العربية وغير العربية من دخول السوق الأردني، والسماح للكتب الدينية الظلامية بأن تجول وتصول في السوق الأردني دون رقيب أو حسيب بفضل سيطرة “جماعة الإخوان المسلمين”، التي كانت طيلة أربعين عاماً (1957-1987) الناشط السياسي الوحيد المُصرَّح له على الساحة السياسية الأردنية، وكذلك بفضل تغلغل الرقباء الدينيين الأصوليين في “دائرة المطبوعات والنشر” إضافة إلى تغلغل القومجيين الأصوليين كذلك. ولعل ما أثاره الشاعر والإعلامي الأردني موسى برهومة قبل مدة، من عسف واستبداد وطغيان “دائرة المطبوعات والنشر” ومحاربتها للحداثة ودعاتها في الأردن وخارج الأردن أكبر دليل على وطأة “دائرة المطبوعات والنشر” وتأثيرها على صناعة الإعلام الأردني. وقد دعونا عدة مرات إلى إصلاح هذا الخلل ولكن ما من مجيب، وظل الحال على ما هو عليه.
فهل هذا يعني أن الدولة الأردنية راضية عن أداء “دائرة المطبوعات والنشر”، أم أنها لا تعلم ما يدور في هذه الدائرة الخطيرة التي تُعتبر بمثابة “البوليس الحديدي الثقافي” في الأردن؟
اجمالي القراءات 8909