مجلس القفة
أوتوبيس السياسة

محمد حسين في الأربعاء ٠٨ - فبراير - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مجلس الشعب ، وياله من مجلس ، فى كل مرة يبعث لى صديق بجزء من إحدى جلساته يظن أنها جديرة بالمتابعة نظرا لهلسها المتناهى فأشاهدها ، وحينها يحضرنى دائما مشهد من المشاهد المتكررة لكل من أسعده الحظفى أن يستقل أوتوبيسا فى ضاحية من الضواحى الشعبية فى القاهرة. وقبل أن أسترسل فيما أريد الكتابة عنه ، أنا أشهد أننى ممن يتمتعوا بمميزات سرمدية من ناحية الإنتخابات فى بلدنا الحبيب. وتلك المميزات تتلخص فى كلمة واحدة يحلو لمثقفى الأمة ان يطلقوا عليها (السلبية). نعم فأنا منهم ، لعقد وبضع سنوات رغما عنى لأن مبارك "المخلوع" كنت من ضمن الكثيرين ممن يوفر لهم تلك الخدمة وهم فى منازلهم (انتخابات دليفرى) وفى السنة الماضية إخترت أن اكون سلبيا لأسباب لا تحتاج لسرد ولا يوجد غيرها أسباب على أية حال. وتلك الأسباب هى ما وثقتها لدى قناعاتى الشخصية تلك المشاهد التى يقتطعها ويقتطفها صديقى ليبعثها الى وتملأ بطبيعة الحال فضاء الإنترنت الرحيب. 
 
وبغض النظر عن وجهة النظر التى لا تكاد ان تكون رأيا صائبا يحتمل الخطأ ، والعكس جائز ، فلنا أن نعود للمشهد وهو مشهد الأوتوبيس. 
 
ما أن تطأ قدمك الأوتوبيس حتى تجد من يهرس أقدامك ، وآخر (يزنقك) وغيره يضع يده فى مؤخرتك والمحصل (او الكمسرى) يعلو بصوته زاعقا وناعقا لأحدهم او بعضهم والسائق بدوره يدير الأتوبيس بيد والأخرى بها كوب شاى يتطاير منه قطرات على (قفا) الواقفين وعلى ملابسهم وإن تحدث أحدهم او تأفف بصوت مسموع إما يتم لزقه على القفا (ان كان الكمسرى مزاجه رايق) او يتم طرده تصحبه بضع من الشتائم والسباب وفى الغالب يترك فى العدم حيث لا شئ او ينزل وقد اختطف جزءا من ملابسه العدم. وتجد نفسك فى النهاية فى وسط الأوتوبيس تتداخل كل الأشياء وتنعدم القيم وتتهاوى الأخلاق ويتنافى المنطق وبعضهم يقرأ القرآن بصوت عالى فلا تكاد تسمع نصف شئ هنا ويكمله نصف آخر لا علاقة له به هناك. 
 
تنعدم فى تلك اللحظات كل معانى الفهم ، ويصبح العقل أداة مصمته (فى الغالب جزمة) يصيبه الحول فى الفكر يلزمه راحة بعدها يومين أو ثلاثة يتصرف فيهن صاحبه كالحمار. ويختلط الحابل بالنابل. ويكون حظك سعيدا لو نطق أحدهم بموضوع ما فى السياسة او فى مشكلة او امر من الأمور العامة تمت إثارته مؤخرا. فلك فى تلك اللحظات أن تستمع بأسمى معانى الديموقراطية ومساوئها فى آن واحد عندما يتحدث الفاهم والغير فاهم وكلاهما يكاد يقفز فى فم الآخر. وقضية كقضية الخرطوش مثلا والتى تحولت الى (فارغة ام سليمة) وكأن الداخلية كلها كانت تطبق الإشتراكية فى تلك الطلقة التى أطلقتها كل البنادق فى آن واحد ، تلك القضية أشبه بأن يكون الموضوع المثار فى الأتوبيس عن شخصية سياسية كانت مثار إتهام ما ، فتجد أحدهم يقطع الحوار قبل أن يبدأ لمجرد سماع إسم الشخصية ويقول (وش امه عكر وعليه شنب ما بيخلنيش أطيق أسمع عنه حاجة ، وكفاية قرعته) فيبادره أحدهم (تصدق ان انت كحول وشكلك ما تعرفهوش ولا نيلة وبتتفزلك ، طب ايه رأيك اللى بيتكلموا عنه ده شعره أكرت ومش مربى شنب) فيأتى ثالث ويكون أقل تطرفا من الإثنين ومستظرفا يقول (جايز مربى حواجبه ومنزلها ناحية شنبه يا جماعة). وفى الغالب ينطلق مفتى الأتوبيس (ماهو كل أتوبيس ليه مفتى بينط فى الآخر) صاحب الدرجة الثالثة فى الكادر وببدلته وقد يبدو عليه العلم والمعرفة (على فكرة يا جماعة ده قصده على فلانة الفلانية) فتصمت إحدى دوائر النزاع فى الأتوبيس للحظة يفرز فيها الآخرون الرجل ثم بهيئته يبسط يديه على الجلسة وينطلق يتحدث بكلمة شرقية وكلمة غربية ويتغير الموضوع ويتبدل ولا يزال الكمسرى يزعق وينعق والسائق لا يزال يحتسى الشاى!
 
تلك هى السياسة يا سادة ، سياسة الصوت العالى ونتاج عصر من التغييب والتعتيم والحكم بالإعدام على العقول فى فترة سمجة ووقحة من التاريخ المصرى. الكل يتداخل والكل يتنافر فى أتوبيس الشعب. القضايا تتحول لفرعيات وتتحول الجلسات لعبثيات ومشاحنات ومقارعات فارغة (أهى خرطوشة سليمة أم فارغة) ويقطعها صوت من أقاصى احد الإتجاهات الأربعة رافعا الصلاة!!! 
 
أسمى معانى الديموقراطية وما يفترض (يفترض فرضا غائبا بكل معانى التلاشى والعدمية) ان يكون هؤلاء صفوة المجتمع (أى نعم سيدى الفاضل حامل الدكتوراة والماجستير هؤلاء الصفوة شئت أم أبيت) ويتبعون سياسة من مبادئها الرأى والرأى الآخر - ولكن القاعدة هنا تحتاج توصيفا أدق الا وهو رأيى صواب لا يحتمل الخطأ اما رأى الأبعد جحشوى يحتمل الحمورية.
 
تلك هى الحال فى الشارع والبيت. فى الحانة والجامع. فى المدارس والكنائس. كل له ديكتاتوره. كل له أصوات متداخلة. كل يبتعد عن القضية. كل ينتهى به المطاف لرافع الصلاة. فالصلاة على المؤمنين كتابا موقوتا ، أما فى أتوبيس الشعب فإن الصلاة كانت على النائبين مخرجا مظبوطا!!!
 
********
 
الحل فى الميدان. برلمان الثورة لم يأت بعد. فالثورة لم تنتهى بعد. وبرلمان الثورة سيكون به الثائرون المحبون للوطن المخلصون للقضية. أما المبنى الموجود الآن المسمى بمبنى مجلس الشعب فلنعتبره كعمارة يعقوبيان إستأجره (ولم يتملكه بعد) تاجر حشيش بعد أن كان يملكه الباشوات وأفاضل القانون والدستور. 
 
أما أنا شخصيا فلا زال عندى أمل فى ظهور ماكسميليان روبيسبيير المصرى.
 
********
 
إلى صديقى العزيز شريف منصور - ما يحدث الآن هو ثمن يدفعه الشرفاء ولابد من دفعه حتى ان يشرق الحق مشرق الشمس ، شمس الحرية. وهى على بعد لحظات تكاد تفنى. لا تستوحش طريق الحق وإن ندر سالكيه. وأنت من القلائل سالكى طريق الحق.
اجمالي القراءات 9011