التفكير طريق للنهضة والتغيير

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٥ - يناير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

التفكير طريق للنهضة والتغيير

مما لاشك فيه أن الأمة تمر بأزمة ثقافية من الدرجة الأولى، وكان ذلك نتيجة تراكمات ثقافية سياسية للمجتمعات السابقة، والأمر أشبه بكرة الثلج التي تتدحرج كلما استمرت بحركتها كلما كبرت، لذا الحركة ليست هي غاية بحد ذاتها وإنما ينبغي على الإنسان أن يحدد هدفه أولاً, ويتأكد من صحة الطريق الذي يصل به إلى هدفه, وبعد ذلك يقوم بعملية الحركة واضعاً نصب عينيه النهاية ,لأن رؤية الهدف بصورة مستمرة هي بمثابة البوصلة التي تُقَوِّم حركة الإنسان وسيره في طريقه للوصول إلى الهدف. وهذه العملية تحتاج من الأمة أن تقف وتحدد اتجاهاتها وتعرف المشكلة أولاً وتدرسها, ومن ثم تقوم برسم خطاها بناء على رؤية مستقبلية، وهذا الأمر يقتضي من الأمة أن تعيد دراسة المفاهيم الثقافية, بل وتعيد النظر في معرفة نفسها وآلية التفكير لأنه إذا لم تتغير آلية التفكير وأدواته فالأمة تعيد نفسها مرة ثانية وثالثة ورابعة... وتصبح حركة الأمة كحركة الإنسان في وسط الرمال المتحركة كلما تحرك زاد في عملية غوصه، وإذا أسرع في حركته سَرَّعَ عملية ابتلاع الرمال له، و من هذا الوجه يظهر أهمية وضرورة تحديد الحركة ودراستها وفق الهدف، ومن خلال تحديد الهدف يتم تحديد الحركة، فالحركة تنبثق من الهدف وتكون من جنسه ، ويكون الهدف بالنسبة للحركة بوصلة يُصاحب الإنسان في كل خطوة يُقَوِّم حركته من الاعوجاج أو الضياع ,ويشكل له داافعاً وحافزاً للمضي في حركته, ومقياساً مرحلياً لدرجة قربه من تحقيق غايته.

إن الأمة العربية والإسلامية مصابة في تفكيرها, وهذا واضح من خلال اعتقادها أن المشكلة تكمن هناك في الخارج في الآخر وليسَ في الداخل والذات، وهذه النظرة هي المشكلة في حد ذاتها. واستمرار هذه النظرة في التفكير نتج عنها حركة غير هادفة ولا مدروسة, وبالتالي لا ينتج من هذه الحركة الفوضوية العبثية سوى هدر طاقة الأمة واستمرار تخلفها, بل والغوص في ذلك إلى الأعماق حيث الظلمات والوحل تتخبط فيه تتنفس وَحْلاً وتخرج طيناً أسوداً!.

إن النهضة بالإنسان وإخراجه من وَحْل التخلف ,وإنقاذه من الرمال المتحركة يجب أن يكون من داخل هذا الإنسان نفسه وليس من خارجه، فتغيير الأشياء لا يغير الأفكار والمفاهيم، بينما تغيير الأفكار والمفاهيم يغير الأحداث والسلوك الإنساني، لأن الإنسان يكيف سلوكه في الحياة حسب مفاهيمه ورؤاه عنها لذلك يجب تغيير طريقة التفكير والتعامل مع الأشياء والاعتماد على الواقع كونه مصدراً وموضعاً للأفكار والمفاهيم, والانطلاق منه في تكوين أفكارنا ومفاهيمنا الداخلية حتى ينبثق منها سلوك ورؤى واقعية, ونسير بخطى ثابتة على أرضية معرفية صلبة، وتتوسع دائرة التأثير وتتفعل عندنا، لأننا نسيطر عل سلوكنا ولكننا لا نسيطر على عواقب سلوكنا، فالنوايا الطيبة لا تؤثر بالعواقب سلباً أو إيجابا, وهذا يوجب علينا أن ننظر إلى الأمور من خلال العواقب أولاً.

فالصدق والإخلاص لا يكفيان لإنجاح العمل بل لابد من إضافة الصواب في حصول العمل، والصواب هو الدراسة الحقيقية لكيفية إنجاز هذا العمل على أرض الواقع، وهذا أمر يكاد أن يكون مثل الشمس وضوحاً، ولكن يبدو لشدة وضوحه غاب عن النظر ولم تعد الأمة تهتم بالصواب وتحصيله في الواقع وإنما اكتفت بالدعاء والصدق والإخلاص واستمرت في عملية الغوص في وَحْل التخلف .

إن عملية تغيير ما بالنفس تقتضي منَّا أن نعرف النفس والروح والفطرة والعلاقة بينهم حتى نقوم بعملية التغيير حسب الرؤية العلمية وبخطى ثابتة، لأن تغيير ما بالنفوس لا يتأتى من قطع الرؤوس كما هو سائد في المجتمعات العربية والإسلامية!!، كما أن النظام الذي يوضع لتنظيم حركة الإنسان في المجتمع يجب أن يقوم على الفطرة الإنسانية وانسجامها وتكاملها مع الواقع وفق فكر روحي منسجم مع النفس قام العقل بالبرهنة عليه، وبالتالي يتم الانسجام والتناغم والتكامل ما بين النفس والروح والفطرة والعقل والواقع ليظهر الإنسان المطمئن في نفسه ويصير إنساناً فاعلاً يرفد المجتمع بالنهضة والتقدم والرقي ، وإذا حصل عكس هذه العلاقة يظهر الإنسان المتخلف المنفعل بالأحداث، وأي نظام يوضع لهذا الإنسان المقهور الانهزامي سوف يترتب عليه ولادة مشاكل معقدة اجتماعياً تغيب في سراديب المجتمع وتنخر في بنيته التحتية، لأن النظام لا يمكن إدخاله إلى نفس الإنسان والمجتمع بالعنف والقهر فهكذا نظام لا يتجاوز السيطرة على الجسد والسلوك الظاهر، وفي أي لحظة يتم الانفجار في النفس ويحصل الانتحار للمجتمع، فالأمر على درجة من الخطورة والأهمية في دراسة ومعرفة الإنسان لنفسه قبل دراسة الفضاء الخارجي وصرف المليارات من الأموال للوصول إلى المريخ، وها هو الإنسان لا يرتفع عن الأرض كحد أقصى إلى المترين ومع ذلك مبعد من سلم الأوليات في الدراسة!!.

فإلى متى يهمل الإنسان نفسه ويجري وراء الأشياء؟ ألم يئن الوقت إلى وعي المجتمع إلى إقامة المراكز العلمية التي تعني ببحث العلوم الإنسانية كوعيه لإقامة أماكن العبادة ,وأخذه في زمام الأمور والمبادرة الاقتصادية لأمثال هذه المشاريع عوضاً عن السباق في عملية التسلح لقتل الإنسان !!.

إلى متى تبقى عضلات فك الإنسان العربي والإسلامي مرتخية وفاتحاً بين شفتيه وظاهرة عليه البلادة والذهول؟!.إن التفكير والعلم والثقافة هو الطريق الوحيد لشد عضلات الفك وإطباق الشفتين على بعضهما وذهاب حالة البلادة والغباء من هذا الإنسان المقهور المستسلم للأقدار التي تلعب به كيفما شاء الذي يستخدمها.

فتفعيل هذا الإنسان بالفكر والتفكير هو أشبه بعملية الإضاءة في مكان مظلم، ومن هذا الوجه كان الفكر والتفكير انفتاح على الواقع، وكان العلم نوراً تضيء به العقول والمجتمعات. بخلاف الكفر والتكفير فهما انغلاق على ما بأنفسنا وتغطية للحقيقة الذي يوصل إلى الجهل والتخلف والتعصب الأعمى الذي ينتج عنه الظلمات التي تخيم على العقول والمجتمعات.

فشتان ما بين الفكر والكفر، وما بين التفكير والتكفير، وما بين النور والظلمات !! هل يستويان؟!.

إن عملية التفكير عند الإنسان تجعله ينهض من رقوده وسباته التاريخي يعرف ماذا له وماذا عليه من حقوق وواجبات كإنسان اجتماعي فاعل. فالحرية والكرامة هي حاجات للنفس الإنسانية ضرورية لا بد من إشباعها وعدم إشباعها أو كبتها قهراً يؤدي إلى الموت المعنوي لهذا الإنسان، والإنسان المقهور هو كائن كَلُّ لا يأتي بخير أينما توجهه وهو عالة على الأمة بل عار عليها، فكيف إذا صارت الأمة كَلَّةٌ على الأمم الأخرى بل عبئ عليها وحجر عثرة في التقدم والرقي!!. متى يعرف الإنسان والمجتمع أنه ليس ملكاً لأحد؟ ألا يعلم الإنسان أن الملكية هي خاصة للأشياء والحيوانات، وهو ليس منهما حتى يملكونه الآخرون ويرعونه ضمن مواشيهم؟

متى يعرف الإنسان أنه خليفة في الأرض مسخر له كل شيء فيها؟

متى يعرف الإنسان أنه يولد حراً كريماً؟

متى يعرف الإنسان أنه إنسان بكل ما تعني هذه الكلمة من معاني سامية؟

متى يكف الإنسان والشعوب عن تأليه الإنسان؟

متى يكف الشعوب عن تقبيل أيدي الأمير والانحناء له؟

متى يقول الإنسان(لا) عندما يجب أن يقول(لا)؟

متى يملك الإنسان حرية التعبير عن رأيه؟

متى يملك الإنسان حرية اعتقاده وفكره؟

متى يبدأ الإنسان في عملية التفكير ولا يسمح للآخرين بالتفكير عنه؟

متى يهتم الإنسان بإشباع نفسه كاهتمامه بإشباع جسمه؟

متى يرتقي الإنسان من حالة الانفعال إلى حالة التفاعل والفاعلية؟

متى ينتقل الإنسان من حالة الرعاية إلى حالة العناية ؟

كل ذلك وغيره مرتهن بوجود التفكير ومعرفة الإنسان بنفسه و تجليس ظهره ليسقط من يمتطيه من تلقاء نفسه، فالتفكير هو الذي يميز الإنسان الحي من الميت, وصدق من قال: أنا أفكر إذن أنا موجود. لأن انتفاء التفكير هو انتفاء للوجود الإنساني مع بقاء الكائن البشري مثله مثل أي كائن حيواني.

إن الإنسان ينهض بما عنده من فكر عن الإنسان والكون والحياة وعلاقتهم ببعضهم وبما قبلهم وما بعدهم، والفكر هو نتيجة التفكير، إذاً التفكير هو طريق للنهضة.

لذا يجب على الإنسان أن يمارس حقه في التفكير ويتعلمه ويعرف نفسه كي يتعامل معها بشكل صحيح يؤدي إلى الصحة النفسية والتوازن ويحقق الانسجام والطمأنينة والسعادة في حياته الاجتماعية.

قال تعالى [ وفي أنفسكم أفلا تبصرون]

وقال: [ وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير]

فعدم ممارسة التفكير في الدنيا هو الذي أوصلهم إلى النار في الآخرة، وذلك لأنهم رضوا بأن يكونوا كالأنعام مطية للآخرين وسخرة لهم، فليدفعوا ثمن تخلفهم ذلاً في الدنيا، وفي الآخرة خزياً وعذاباً أليما، لقد خسروا دنياهم وآخرتهم لبئس ما كانوا يصنعون، إنه الغباء والبلادة بحد ذاتها!!.

لماذا يكون التفكير تهمة بالزندقة والمروق والانحلال والعمالة والخيانة في المجتمعات العربية والإسلامية؟

أليس التفكير من أكبر النِعَمْ التي أنعمها الخالق على الإنسان؟

أليس التفكير هو الميزة التي اختصها الخالق للإنسان عن الحيوانات؟

أليس التفكير هو القاعدة والأساس لممارسة الحرية في عملية الابتلاء في الحياة الدنيا؟

لماذا يستبدلون التفكير الذي هو انفتاح وتواصل مع الآخرين وتحديث مستمر للأفكار والمعلومات بالتكفير الذي هو انغلاق على ما بالنفس وقطيعة للآخرين ورفض للتطور والجديد؟

لماذا يستبدلون النور بالظلمات؟

لماذا يستبدلون العلم بالجهل والتخلف؟

ماذا يقصدون من قولهم: أنت تفكر بعقلك. هل هناك شيء آخر يتم استخدامه للتفكير في الواقع ونحن لا نعلمه!! وبماذا يفكرون هم؟!

لا يرفض العلم والخير والسعادة إلا من تعود أن يعيش في الحفر وفي السراديب وألفت عيناه الظلمات فالنور يؤذيهما لذلك يقوم برفض ومحاربة النور. فإنسان الظلمات هو عدو لنفسه قبل أن يكون عدواً لغيره.

لذلك ينبغي أن نحمل شعلة من النور ونضيء بها هذه السراديب ونخرج هؤلاء من حفرهم وسجونهم الظلامية التي وضعوا أنفسهم فيها، ولنأخذ بأيديهم في طريق العلم والحق، والمصباح الذي سوف نستخدمه هو التفكير والعلم والقرآن ليشع النور ونجعلهم يروا الحقيقة من خلال فتح أعينهم وآذانهم وقلوبهم ليبصروا ويسمعوا ويعقلوا بهم.

الجهلاء يتقاتلون .....والعقلاء يتحاورون

[ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم]

اجمالي القراءات 20376