القاموس القرآنى
القسم بالله جل وعلا

آحمد صبحي منصور في السبت ٣١ - ديسمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا : بكسر القاف ( قسمة ) تأتى بمعنى القسمة وتوزيع الأنصبة :

1 ـ ففى قسمة الميراث يقول جل وعلا : (وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ) ( النساء 8)

2 ـ وجاءت فى تشريع الوصية فى السفر عند الموت ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يَأْتُواْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُواْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُواْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) ( المائدة 106 : 107 : 108)

3 ـ وفى قصة ثمود والنبى صالح عليه السلام طلبوا منه آية ، فكانت الآية ناقة خلقها الله لهم من الصخر،يشربون من لبنها كلهم مقابل أن تشرب من الماء مقدار ما يشربون ، أى تقسيم الماء بينهم وبينها مقابل ما يشربون من لبنها :(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ) ( القمر 27 : 28  )

4 ـ وفى عقائد الشرك حيث جعلوا الالوهية شركة وقسموها بين الله جل وعلا وغيره ونسبوا له الملائكة بناتا بينما يرفضون لأنفسهم البنات ، يقول جل وعلا :( أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ) ( النجم  21 : 22 )،أى هى قسمة ظالمة .

5ـ للمشركين مقياس خاص فى العظمة الانسانية يقوم على الثروة والسلطة والظلم والطغيان والاستكبار وليس على القيم العليا.وأكرم الناس عنده جل وعلا هو أتقاهم وليس أقواهم:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات 13). ولقد احتج المشركون على أن الله جل وعلا إختار محمدا من بينهم ليكون رسولا،لأنهم يرون أنفسهم أفضل منه بمقاييسهم فى الثروة والسلطة، وهى عادة سيئة لدى مجرمى البشر،أو ( زعمائهم وقادتهم ) ،يقول جل وعلا:(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ )(الأنعام 123: 124 ).وخاتم النبيين لم يكن أثراهم وأقواهم بل كان رجلا عادى المظهر يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق . رأوا إن الرسول يجب أن يكون أحد إثنين من العظماء بين العرب،فتدخلوا فى مشيئة الرحمن وإختياره ورحمته جل وعلا ، فقال جل وعلا يرد عليهم بأنه جل وعلا هو الذى شاء أن يكون هذا غنيا بسط الله له الرزق وأن يكون هذا فقيرا قد قدر الله جل وعلا رزقه ، وليس هذا مقياس العظمة بأى حال ـ برغم إنه لا يزال المقياس الظالم فى عصرنا ، يقول جل وعلا : (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)( الزخرف31 : 32 )

ثانيا : القسم بفتح القاف ، بمعنى الحلف :

 قسم المشركين فى مكة :

1 ـ سكان الجزيرة العربية وقت نزول القرآن كانوا من أهل الكتاب ـ اسرائيليين ونصارى ـ ومن العرب من ذرية اسماعيل وبنى قحطان الذين لم يأتهم رسول لعدة قرون . وكان لقب العرب وقتها ( الأميون ) مقابل أهل الكتاب :(وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ )( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ) ( آل عمران 20 ،  75 ). وكان العرب الأميون يشعرون بالنقص بسبب عدم مجىء رسول لهم ، ويتمنون ذلك ، ويزعمون لو جاءهم رسول ليكونن أهدى من اليهود  والنصارى ، بل كانوا يقسمون على ذلك بالله جل وعلا جهد أيمانهم ، فلما جاءهم خاتم النبيين بالقرآن كفروا به،يقول جل وعلا:( وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا)(فاطر 42 )،ويقول:(أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ)(الأنعام 156: 157 )

2 ـ وكانت كراهيتهم للقرآن الكريم هائلة لأنه فضح عقائدهم وأوضح زيفها ، فاشترطوا لكى يؤمنوا أن يأتيهم الرسول بقرآن آخر أو يبدل هذا القرآن ، وردّ عليهم رب العزة : (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ قُل لَّوْ شَاء اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)( يونس 15 : 17 ). وبعد نزول هذه الآية بقرنين عادت الكراهية للقرآن ، وظهرت فى أكذوبة النسخ أو تبديل وحذف تشريعات القرآن،وصناعة الأحاديث،أى الكذب على الله وتكذيب آياته . وكذلك يفعل المجرمون  بداية من مالك والشافعى والبخارى الى ابن تيمية وابن عبد الوهاب .

ومشركو قريش بالأمس مثلهم مثل مشركى اليوم ليس فقط فى عدائهم للقرآن ولكن ايضا فى إعتقادهم أنهم على الحق  الى درجة أنهم دعوا الله جل وعلا إن كان هذا القرآن هو الحق من عنده فليسقط عليهم حجارة من السماء أو يأتيهم بعذاب أليم :( وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ  )(الانفال 32 ). ومعنى قسمهم بالله ودعائهم لله جل وعلا أنهم يؤمنون به،ولكن يتخذون معه شركاء من أولياء وأئمة وقبور مقدسة ، يعبدونها لتقربهم الى زلفى،ولذك كرهوا القرآن لأنه فضح خرافاتهم.    3 ـ ومن هنا انتقل عنادهم الى مرحلة جديدة فى رفض القرآن ـ ليس فى الاتيان بقرآن بديل بل الاتيان بمعجزة أو آية حسية كما كان للأنبياء السابقين ، وهنا أيضا كانوا يقسمون بالله جل وعلا ( جهد أيمانهم ):(وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) ( الانعام 109 )،أى مهما جاءتهم من آيات حسية فلن يؤمنوا إلاّ إذا أرغمهم الله جل وعلا بمشيئته وحده أن يؤمنوا : (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ ) ( الأنعام 111 )لأن الآيات الحسية لم تنفع فى هداية الأمم السابقة، حتى لقد قتلت ثمود الناقة الآية التى رأوها رؤية العين (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا ) ( الاسراء 59 )

4 ـ ومن كراهيتهم للقرآن تركيزه على اليوم الآخر ويوم الحساب وما يعنيه من بعث ونشور، لذلك كذبوا بالبعث، بل جادلوا خاتم النبيين : كيف يحيى الله العظام الميتة ،ولم يرد عليهم خاتم النبيين لأن وظيفته التبليغ وليس أن يتكلم فى الدين من عنده ،فانتظر الى أن جاء الرد عليهم : (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  ) ( يس 78 ـ ). وفى كراهيتهم لعقيدة البعث كانوا أيضا يقسمون بالله جل وعلا ( جهد أيمانهم ) : (وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) (النحل 38 ).وهم فى جهنم سيؤنبهم الله جل وعلا وكل من ينكر البعث بذلك القسم بالله على إنكار البعث :(وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ ) ( ابراهيم 44 : 45).

5 ـ وعند الأعراف ستذكرهم ملائكة الأعراف بشىء آخر هو إحتقارهم للمؤمنين الفقراء البسطاء فى الدنيا ، والذين سيكونون أصحاب الجنة :(وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ )(الاعراف   48 : 49 ). وهذا يذكّرنا بقوله جل وعلا عن سخرية الملأ المستكبر من المؤمنين فى مكة ـ وغيرها ـ يقول جل وعلا (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) ( المطففين 29 ـ )

6 ـ ويقع الانسان فى القسم على العصيان ، وضرب الله جل وعلا لهذا مثلا :( إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ) ( القلم 17 ـ )

قسم المنافقين فى المدينة :

1 ـ وواجه خاتم النبيين عليهم السلام نوعا آخر من المشركين أكثر عداءا وأشدّ خطورة هم المنافقون الذين إتخذوا أيمانهم وقاية لهم وطريقة للخداع : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) ( المنافقون 1 ـ ). وسنعرض لهم بتفصيل فى القاموس القرآنى الخاص بكلمة(حلف)، ولكن نستشهد هنا بما جاء خاصا بهم فى ( أقسم ) ومشتقاتها.

2 ـ إذ كانوا يتطرفون فى إظهار ولائهم الى درجة أن يقسموا بالله جل وعلا ( جهد أيمانهم ) أن النبى لو أمرهم بالخروج من المدينة ليخرجنّ،ولا يرد النبى على هذا،وينتظر الى أن يأتى التعليق من رب العزة،يقول جل وعلا:(وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )(النور 53 ). وهو تعبير ساخر (قُل لّا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ). وهم يستحقون هذه السخرية لأنهم أقسموا بالله جل وعلا ( جهد أيمانهم ) بالباطل وهم يعلمون ، والله جل وعلا خبير بما كانوا يعملون.

3 ـ ومن شأن الكاذب الذى يدم الحلف بالباطل أن تفضحه أعماله مهما أقسم من أيمان مغلظة. وهكذا كانت أفعال المنافقين تفضحهم،ويتخذ منها المؤمنون حجة على كذبهم : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ ) ( المائدة 53 ـ  )

القسم فى اليوم الآخر :

1 ـ والذى يموت بعقيدة باطلة سيلقى الله جل وعلا بهذه العقيدة ، والذى أدمن القسم كذبا سيواصل هذه العادة السيئة فى الآخرة . وبمجرد قيام الساعة سيقسم المجرمون مالبثوا غير ساعة:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)(الروم 55 ). ومنافقو المدينة الذين أدمنوا القسم بالله جل وعلا كذبا وخداعا للمؤمنين وهم يعلمون بكذبهم وخداعهم ، سيأتون يوم القيامة ليواصلوا كذبهم أمام رب العزة وبنفس الطريقة : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) (المجادلة 14 : 18 ).

2 ـ وينطبق هذا على كل الكفرة يوم القيامة،فسيأتى كل منهم يوم الحساب يقسم بالله جل وعلا  أنه لم يكن من المشركين:(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ  )( الأنعام22 : 24 ). بعد هذا ..أنتنظر من أصحاب الأديان الأرضية أن يعترفوا بضلالهم؟إذا كانوا سيكذبون على ربهم جل وعلا يوم الحساب فكيف بهم فى هذه الدنيا ، وهم أصحاب سلطة وجاه .؟

ثالثا : الله جل وعلا يقسم بذاته ولا يقسم بمخلوقاته :

1 ـ الله جل وعلا لا يحتاج الى القسم بمخلوقاته،ولكن يذكرها لبيان آلائه جل وعلا فى الخلق. ـ 1/1 ـ ومن آلائه جل وعلا مواقع النجوم،ويذكرها فى معرض عظمة القرآن الكريم :( فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ)( الواقعة 75 : ـ ).

1/2 ـ ومثل ذلك فى النجوم والليل والصبح على عظمة الوحى القرآنى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ   الْجَوَارِي الْكُنَّسِ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ )(التكوير 15 ـ ).

1/ 3 ـ ونفس الحال فيما نبصر وما لا نبصر:( فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ) ( الحاقة 38 : ـ )

1/ 4 ـ وعن يوم القيامة والنفس اللوامة والبعث يقول جل وعلا:(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَجْمَعَ عِظَامَهُ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ) (القيامة 1 ـ  )

1 /5 :وعن الشفق والليل والقمر وتتابع الأجيال يقول جل وعلا :(فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ )(الانشقاق 16ـ )

1/ 6 ـ وعن مكة والوالد والولد والانسان المخلوق فى تعب ونضال :(لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ   وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ) ( البلد 1 ـ  )

2 ـ الله جل وعلا يقسم بذاته للرسول ،يقول له ( وربّك )، وفى هذا تكريم هائل له عليه السلام  . ويأتى هذا فى سياق مواقف تعرض فيها لعناد المشركين :

2/ 1 :ففى مكة واجهوه بإنكار القرآن فقال له رب العزّة :( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) ( الحجر: ـ 92 ـ ). الشاهد هنا : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ  ).

2/2 : وفى مكة واجهوه بإنكارالبعث فقال له رب العزة : ( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا ) (مريم : ـ 68 ـ  ). الشاهد هنا (فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) .

2/ 3 : وفى المدينة تعرض لخداع المنافقين ومكائدهم ، فقال له رب العزة جل وعلا :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا )( النساء 64 : 65 ). الشاهد هنا (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)

هذا ... ويقسم رب العزة بذاته باعتباره رب السماوات والأرض على أن القرآن حق ملموس مثل حقيقة أننا ننطق :(فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)(الذاريات 23 )

اجمالي القراءات 19286