عمر ابن الخطاب – نظرة إنصاف
عمر ابن الخطاب – نظرة إنصاف

غالب غنيم في الإثنين ٢١ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

إنني من الذين يكرهون الخوض في الصحابة والرهط الأقدمين ، ولكنني مجبر على الرد على ما ذكره استاذي الحبيب أحمد منصور في هذا الشأن، بسبب تتابع البعض في الكتابة في هذه الأمور اللتي هي ليست من العقيدة أو الدين بل جانبية وهامشية نسبيا لما يحيط بنا اليوم من فساد في الأرض وابتعاد عن سنة الله في قرآنه الكريم وكلماته.

وأن من أهم ما أريد التذكير به هو أن الله تعالى قال في كتابه العزيز:

"تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  " (البقرة – 134، 141)

وكذلك أن أهم مباديء أهل القرآن هو الأخذ بالقران وترك البخاري وأمثاله.

 

وعلى هذا الأساس، فليس لنا الحق ترك "هذا" والأخذ "بذاك" ..فنقع في الشيع الثلاث وسبعون من المسلمين باتباعهم هذا الأسلوب من أخذ ما يعجبهم وترك ما لا يروق لهم...

فمقال أستاذنا الحبيب مبني على روايات "تاريخية أصلها معنعن" فهي بالتالي مرفوضة جملة وتفصيلا بناءا على مبدأ أهل القران ، صادقة كانت أم كاذبه، فأغلب من خاض في التاريخ والأحاديث هم من أهل الفرس، وهم قاموا بدس السم بخبث بين السطور عن الرسول عليه السلام وأزواجه وأصحابه بكل مكر وخبث وذكاء، فهم قدسوهم في أخبار وأحاديث كثيرة، ومن بين السطور قاموا بنشر ما أرادوا نشره من تشويه لكل الرهط الأول، فهم في "هذا" أوصلوا عمرا وأبو بكر..الخ الى درجة القدسية والأقطاب الرئيسية في الإسلام ثم قاموا بدس السم في "ذاك" لتشويههم وجعلهم من المنافقين الذين مردوا على النفاق ... وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم..فليس للرسول عليه السلام الحق في التكفير والتشهير، فكيف يكون لنا الحق في ذلك؟

 

النظرة التاريخية المعاصرة:

فمن نظرة تاريخية معاصرة، نرى أن كل الدول والإمبراطوريات كانت بحاجة لما يسمونه في عصرنا ب "دكتاتورية البروليتاريات"، والتي تقوم بدورها الأساسي في "تدعيم" اسس الدولة الناشئة، اللتي يتكالب عليها كثير من الدول المحيطة المنهارة، والمنافقين والأعداء الداخليين، وأنا واثق كل الثقة بأن عمر ابن الخطاب قام بدوره على أكمل وجه في تدعيم أسس تلك الدولة اللتي تكالب عليها الفرس والروم معا، ناهيك عن الأعراب الذين أسلموا ولم يدخل الإيمان قلوبهم، وهذه النظرية العلمية دقيقة،  ويمكنكم الأخذ والنظر بها والتأكد منها بإعادة النظر في كل العصور منذ القدم حتى يومنا هذا، وقد حصل في أمريكا لتدعيم أسسها منذ خمسمائة عام، وحصل في الإتحاد السوفييتي، ويحصل في كل دولة ناشئة من روما، ألكسند المقدوني، نبوخذ نصر... حتى يومنا هذا في دول العرب...

العودة للقرآن الكريم
 

وفي مقالي هذا لن أتعرض لأي حادثة ذكرت عن عمر إلا لتمحصها إن تعرضت، فليس العبرة بالأحداث  لكي أحكم بما ليس لي الحق في الحكم فيه.

 وفي رأيي أن العرب في الجاهلية كانوا قبائل وشراذم، فأتى الإسلام وقام "الله تعالى" بالتأليف بين قلوبهم وجمعهم مع بعضهم البعض في مجتمع صغير يمكننا إطلاق اسم دويلة المدينة عليها، ومن القرآن نرى بالفعل أن أمر المسلمين شورى بينهم، ولكننا لا نرى من الآيات ما يمنع تكوينهم للدولة أو الخلافة أو المملكة أو غير ذلك من التسميات، فالله بعث طالوتا "ملكا" على بني إسرائيل، ووهب داوود وسليمان الملك، وهنالك آيات تشير الى إطاعة أولو الأمر بالمعروف ، وهذا يعني أن لهم الحق في اختيار ملك / خليفة...الخ عليهم هو ولي أمرهم، ومن حوله مجلس / مجالس شورى، فلا بأس في الدولة في الإسلام والقرآن، والمسألة تكمن في طبيعة الدولة وليس في مسألة دولة أم لا، ومن المضحك تصور جماعات من البشر لا يجمعهم كيان سياسي، وحين توفى الله تعالى رسوله اجتهد أولو العلم من الصحابة فاختاروا خليفة ليحكمهم ، وهذا أمر آخر يحتاج لمقال مستقل لإنصافه، المهم هنا ولكي لا يتشعب الحديث، دعونا نرجع للقرآن لنرى ما قاله الله الخبير اللطيف في من آزر و هاجر وجاهد في الله وبايع الرسول ثم نرى إن كان لهذا علاقة مع "منافقي المدينة" الذين لم يهاجرو ولم يجاهدو ولم يبايعو ...!

" إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *  وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ * وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ " (الأنفال – 72:74)

وهذه آيات بينات ليست بحاجة للتعليق عليها!

أما الآيات التالية فيناقش الله تعالى أنواع العرب والمنافقين والمؤمنين:

" الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ * وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (التوبة – 97:103)

وهنا يذكر الله شخص بعض الصحابة:

"إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " (التوبه - 40)

وهنا يذكر بعض أخطائهم:

"إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ" (آل عمران - 155)

وهنا أناس -محددين-

"إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " (التوبة - 111)

 

 

ومن هذه الآيات الكريمة نرى التالي:

1 – أن الذين مردوا على النفاق (وهم ممن لا يعلمهم الرسول عليه السلام) هم من أهل المدينة والأعراب من حولها وليسوا من المهاجرين قطعيا.

2 – أن الله تعالى في أكثر من آية وعد المهاجرين  بالغفران والرحمة.

3 – أن الله تعالى في أكثر من موقع عفا عنهم وكفى بالله شهيدا.

4 – لن يذكر الله تعالى صاحب الرسول في الغار ويكرمه بذلك (وكلنا نعلم من هو) وهو العليم بأمور عباده، عبثا.

5 – إن الله يعظ عباده المخلصين بنصحهم ترك ما ليس لهم به شأن وبعدم الخوض في الأمم السابقة وبأن عليه هو تعالى حسابهم والجميع حتى لا نقع في الإثم  (ان بعض الظن اثم) وفي سبل الشيطان.

 

الخلاصة:

إنني هنا لا أدافع عن أحد، فلا يحق لي الدفاع، ولا أهاجم أحدا، فلا يحق لي الهجوم، ولكنني أحببت أن أشرح سبيلا من سبل الشيطان علينا بالخوض في المهاجرين وغيرهم، وهذا من أدعى الأمور اللتي تنشيء الخلافات بين الناس، فيتفرق المسلمون الى فرق بسبب إعلاء هذا الصحابي على ذاك، وبسبب تقديس هذا على ذاك، وبسبب نعت هذا وذاك ...!

ولقد استند استاذنا المحبوب وشيخنا على بعض  "الروايات" في عمر ليحكم منهن عليه، فالأولى أن يرى الجوانب المشرقة الأخرى في عمر مذ كان عمره 26 عاما ورفع سيفه في وجه قريش، وكيف أنه كان له أكثر من اجتهاد في القرآن في حياة الرسول عليه السلام، من أخذ أسرى وغيرها من المواقف، وحتى في المجاعة كيف شارك المسلمين جوعهم حتى اسود لونه وكان قادرا على الحصول على أفضل الطعام... وإني لأرى ما أوقع الشيطان به لأستاذنا الحبيب  -في كل مرة أقرأ مقاله ذلك- حين يذكر فيه ما قاله عن عمر ومصر وذلك المصري، وكأن دكتورنا وقع في مصيدة الشيطان بأن حكم على عمر بالظلم لأهل مصر من حادثة ليست من اليقين القرآني بشيء..! وربما هي من سم الأفاعي التي أتت من بعده وكتبت ما كتبت عن الجميع ومنهم رسول الله وأزواجه...!  

وأعود القول بأنني لا أقدسه، ولكنني لا آخذ لا هذا ولا ذاك مما يؤذي عقيدتي وتمسكي بديني وظني الحسنى بالأمور والناس، فالله أمرنا أن نأخذ أحسن الحديث لا الذي هو حسن وأقل حسنا فكيف إذا أخذنا بأقبحه مما قد يثير الفتنة والبغضاء.

أما بالنسبة لمقال الأخ رمضان عبد الرحمن (هل فعلا قاموا بنشر الإسلام للكيد في الإسلام .؟) فهو في نظري مغرض جدا ولا بأس لو هداه الله وحذفه، فأنت تخوض في بشر لم تعايشهم، ولم تكن مكانهم لتحكم عليهم من موقف سياسي ليس لنا من علم على صدقه من كذبه!

  فأنا لا أتوقف عند إعراض النبي عن رجل أعمى لظنه بأن يكسب إيمان أحد ساداة قريش وأحكم عليه من خلال ذلك! فأرجعوا النظر وفقنا الله جميعا على حسن تدبر القرآن وعلى إتباع أحسن القول والحذر من نزغات ابليس ..

"وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "( فصلت - 36)

 

"وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ " (الحجر - 47)

والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور

 

اجمالي القراءات 10548