الملك الصالح .والملك لويس التاسع . وشجرة الدر
الحملة الصليبية السابعة . وموقف قبيلة بني كنانة

نجلاء محمد في الإثنين ٢١ - نوفمبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

الأخوة الأفاضل على هذا الموقع الكريم موقع أهل القرآن السلام عليكم ورحمة الله .

تتعرض مصر في هذه الأوقات العصيبة لغزو داخلى من المفترض انهم أبناء مصر، أراه أشد وأفظع مما تعرضت مصر له على مر تاريخها ، فالحملات الصليبية وما أحدثته من دمار وتخريب لم يكون لها هذا الوقع على المصريين كالذي نراه اليوم مما يفعله أعداء مصر الذين ينتمون إليها إسما فقط  ولكن أحلَّوا لأنفسهم نهب خيراتها وتجويع أهلها وتعذيبهم وقتلهم تحت مسميات ومبررات من عند أنفسهم.

والسبب في سرد هذا التاريخ القديم هو تعريف المصريين - لمن لا يعرف - بماضيهم وأخذ العبرة والعظة منه وما فعله الملوك والسلاطين القدماء من إيجابيات وسلبيات ، والمقارنة بينه وبين ما يفعله الرؤساء في وقتنا الحاضر.

ندعوا الله العلي القدير أن يحفظ مصر ممن يتربصون بها في الداخل والخارج .

وهذه مقدمة لبداية الحملة الصليبية ، ودور شجرة الدر ومساندتها للسلطان الصالح نجم الدين وموقف قبيلة كنانة والحكم الذي صدر بحقهم .

مقدمة لبداية الحملة الصليبية

كان يوم 25 أغسطس سنة 1248م بداية الحملة الصليبية السابعة، ففي ذلك اليوم أبحر ملك فرنسا لويس التاسع "القديس لويس" الذي كان يبلغ من العمر ثلاثين عاماً من ميناء "إيج ــ مورت"  ومعه 1800 سفينة و50000 رجل ..!  وبرفقته زوجته الملكة مارجريت أميرة بروفانس وأخواه روبير كونت أرتوا  وشارل كونت آنجو وزهرة نبلاء فرنسا، ليشتبك في حرب مقدسة مع نجم الدين الصالح أيوب حفيد صلاح الدين سلطان مصر وسوريا وصاحب بيت المقدس.

  وكان من بين جماعتهم  .. جان دي جوانفيل ..  رئيس دائرة  أمين شامبين الذي كتب تاريخ ما شاهده من أحداث، وانضمت إلى الأسطول الملكي الفرنسي في عرض البحر السفن الإنجليزية التي كانت تحمل فرق الجنود البريطانية المؤلفة من النبلاء وأتباعهم تحت إمرة وليم نونجسورد ، وإيرل سالسبوري، وكان من المقرر أن تكون قبرص  قاعدتهم الشرقية، حيث كان الملك هنري قد وافق على الترحيب بهم وقد تمت الاجراءات الأولية لتخزين المؤن قبل وصولهم.

  وفي أقل من شهر ، وصل أسطول الصليبيين إلى خارج مياه ليماسول، في 17 سبيتمبر سنة1248 م  وانضم إليهم نائب قائد فرسان  سان جون الاسبارتية في بيت المقدس  وقائد فرسان الداوية (فرسان هيكل سليمان) والبارونات والفرسان المسيحيون من مملكة عكا الصليبية. وقد جاءوا معهم بأنباء تفيد بأن السلطان الصالح قد انتشرت الأقوال عن مرضه بمرض عضال، وأن إبنه توران شاه لا يمكن أن يعمل له حساب لأنه كان ثملا على الدوام وقد أفسدته الملذات، واقترح بعض العظماء الذين كانوا في قبرص بأنه من الأفضل الانتظار وكانت حجتهم في ذلك انه إذا حدثت وفاة السلطان ..فإن ابنه سيكون عدوا أقل خطراً.

  بل ووصل الأمر ببعضهم  إلى حد النصح بالاتصال بالخليفة في بغداد الذي كان يعتبر الرئيس الديني والاسمي للعالم الإسلامي. فإذا اتضح له أن قوتهم الصليبية هائلة لدرجة كبيرة فربما يوافق على أن يٌجبر نجم الدين الصالح أيوب  على التنازل عن بيت المقدس  في مقابل بعض البلاد الأخرى التي كان المسيحيون يحتلونها.

  ولكن لويس الذي كان يبدو ضعيف البنية نحيلا رقيقاً كان ذا خلق عنيد،  إنه أتى ليشن حرباًً مقدسة ضد  العرب الذين كانوا في نظره كفاراً وليأخذ بيت المقدس إلى الأبد من خليفة وسلطان المسلمين. وعلى هذا فقد استقر الرأي على خطة أخرى إنهم يمضون شهور الشتاء في قبرص ليهيئوا الفرصة لانضمام مجندين جدد إلى الحملة، وفي الوقت نفسه يكون قد تحسن الجو وأصبح أكثر ملائمة لسفنهم الصغيرة، ويشيعون بأنهم كانوا يستعدون لغزو سورية وبهذا يبعدون السلطان وجيشه عن البلاد، وربما أدت هذه الخطة إلى جعل السلطان يترك مصر ، القلب النابض لإمبراطوريته، وأغنى أقاليمه، مكشوفة وعرضة للهجوم، فإذا أمكنهم النزول إلى البر بسلام  على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من دمياط  على المصب الرئيسي للنيل فإن ذلك سوف يمكنهم من السفر مصعدين بطريق النهر  والاستيلاء على استحكامات قلعته وعلى عاصمته القاهرة دون مقاومة كبيرة.

  وقامت الاشاعات الكاذبة التي روجها العملاء بطريقة خبيثة بما كانوا يتوقعونه منها ، فقد اتجه السلطان بجيوشه إلى سورية، ناحية أخرى.

 

  كان الحمام يصفق بأجنحة ذات ألوان برونزية وشقراء ورمادية وذات علامات واضحة،  وهو يحلق في الجو المصري الدافئ، من أبراجه ذات الفتحات والمشيدة بقوالب الطوب اللبن او الجير الأبيض والمبنية على شكل المعابد ذات الأبراج،  وقد احيطت بأشجار النخيل وهى تعكس صورتها في مياة النيل الداكنة. وكان الحمام يحلق بالمئات ويدور بسرعة ثم يهبط مرة اخرى ليلتقط غذاءه في حقول قصب السكر والأذرة والبرسيم كما كان الحال عندما كانت حتشبسوت ونفرتيتي وكليوباترة  ملكات يحكمن مصر،  وكان قد مضى ما يقرب من ألف وثلاثمائة عام منذ وفاة كليوباترة.

  وكان البطالمة والرومان قد ذهبوا ودحرت الجيوش  العربية الاسلامية خلفائهم من البيزنطيين المسيحيين. وأصبحت مصر دولة إسلامية تعتنق عقيدة الاسلام ما عدا أقلية صغيرة نشيطة من القبط تنتسب إلى سلالة الفراعنة وشعبهم.

  لم يعد الحمام يسمع في أثناء طيرانه صوت آلات السستروم (الشخاشيخ) تنبعث من  فناء المعبد أو جلجلة الأجراس تدوي من أبراج الكنيسة، وأصبحت تسمع آذان المؤذن للصلاة ينبعث من مآذن المساجد العالية خمس مرات كل يوم.

إلا أن حمامة بيضاء كان طيرانها يختلف عن طيران الحمام الآخر . فقد كانت تطير مارة بالطيور الأخرى متجهة نحو المدينة دون ان تلقي بالا إلى غيرها ، بدلا من الدوران السريع العابث أو النزول إلى الأرض لإلتقاط الأكل  أو تفرد ريش أجنحتها في أشعة الشمس الدافئة...  إنها حمامة ملكية ، رسول من رسل الملك الصالح أيوب تحمل رسالة سرية لسيدة شابة تقيم في حريم السلطان، الذي كان يحرم الاتصال به على أي إنسان .

ظلت الحمامة تطير قدما بدون أن تخطئ في المرحلة الأخيرة في رحلة طويلة متتابعة .. فوق الصحراء وفوق المسلة وأطلال المعبد الذي كان قد شيد لعبادة الشمس في هليوبوليس  فوق حديقة البلسم وشجرة العذراء قاصدة الأسوار القوية والبوبات الضخمة لمدينة القاهرة (المحروسة) وفي الشوارع والأسواق المزدحمة التي كانت تطير فوقها ، كان يوجد حمام محبوس في أقفاص ، كما كان يوجد أرقاء من بني الانسان من كل لون، كانوا يباعون ويُشترون ولكن الحمامة البيضاء لم تلق بالا إلى هؤلاء أو أولئك واستمرت في طيرانها محلقة فوق المدينة الصاخبة لترتفع فوق الجبل وأسوار"قلعة الجبل"  ذات البروج المحصنة.

  - واسم قلعة الجبل هو الاسم العربي  للقلعة التي كان صلاح الدين يوسف بن أيوب، الذي كان الصليبيون يسمونه "سلادين" فقط ، وهو السلطان صلاح الدين الأيوبي قد بناها على مرتفع من تلال المقطم المتجهة والتي تشرف على المدينة، وفي الفناء الشمالي الخارجي كانت هناك أبراج حمام ، ولكن هذه الأبراج كانت للحمام الزاجل العادي لتسلم فيها رسائلها.

  أما الحمامة البيضاء فقد تجاهلت هذه الأبراج واستمرت في طيرانها إلى "البوابة السرية "  في السور الداخلي وكانت مغلقة ومسدودة بقضبان حديدية  ويحرسها عبد عملاق،  وكان الموت ينتظر من يدخل هذا المكان، اللهم إلا السلطان نفسه أو وزيره .

  لكن الحمامة لم تهتم أبدا بالأسوار والأبواب المغلقة أوالحراس من الأرقاء المتوحشين، وبعد أن طارت فوق رءوسهم حطت في النهاية فوق برج الحمام الملكي في فناء مدينة القصر المسورة لتجد ما تستحقه من مكافاة .. لتجد أليفها وشربة ماء محلى بالسكر.

  حتى المشرف على الحمام لم يكن ليجرؤ على أن يعفي الحمامة المنهكة من الرسالة  التي حملتها من مكان بعيد..!! إذ أنه  لا يمكن ان تقوم أي يد بعمل ذلك إلا يد مِلكية..!

 وكان السلطان نجم الدين .. الصالح أيوب.. في خارج البلاد وكذلك كان ابنه توران شاه. ولم يكن هناك إلا شخص واحد فقط يسمح له ــ باعتباره السلطان ــ بأن يأخذ الرسالة ويقرأها..

  وكان هذا الشخص سيدة ملكية تكاد تعيش في عزلة في حريم القصر طبقا للعادة المتعبة بين المسلمين. وكان من الضروري ان يصل إليها أفواج من الرسل واحد بعد الآخر ، وكان يتحتم عليهم أن يسرعوا في تأدية عملهم.. ولكن كان يتحتم على هذه السيدة الملكية  أن تترك كل شئ وتأتي في الحال لتأخذ المكاتبة السلطانية.. لأن مثل هذا الأمرلايمكن أن تهمله أو تحيد عنه.

  بعد لحظات قليلة، كان شخص محجب تماماً يميل على الطائر، بأنامل يدينِ بيضاوين مخضبتين بالحناء الوردية وحلت الرسالة المثبتة في ساق الطائر، وأصبح الطائر طليقاً.

  كانت الأنباء التي أتت بها الرسالة أنباء مثيرة. كانت الرسالة من زوجها السلطان الصالح أيوب الذي كان طريح الفراش في حالة خطيرة في دمشق، مريضاً بالسل وساقه متقرحة متقيحة، بينما كانت قواته تهاجم قلعة حمص، كان هجوم الصليبيين على سورية خدعة منهم.

لقد شوهد جزء من أسطول  الفرنجة مندفعاً نحو الشاطئ المصري في منطقة دمياط. فلم يتردد  الملك الصالح في الأمر بالانصراف عن حصار حمص وبالرغم من حالته، قرر العودة بجيشه إلى بلاده ليشتبك مع المهاجمين.

 كانت تلك السيدة هى شجرة الدر.. زوجة الملك الصالح أيوب  وكان يجب عليها في الوقت نفسه ان تلم شعث المماليك الباقين تحت قيادة الوزير الثقة فخر الدين،  وأن ترسلهم بطريق النهر ليمنعوا نزول الصليبيين إلى البر.

أما الدفاع عن مدينة دمياط فيجب أن يعهد به إلى قبيلة بني كنانة العربية ويجب أن تجهز المدينة جيداً بالمؤن والسلاح والزخيرة ، خوفاً من تعرضها لحصار طويل، وكان يجب عليها أخيراً أن تهتم بتحصينات القاهرة، إذا أن العاصمة ستكون هدف الفرنجة الأول إذا ما نجحوا في هجومهم.

وكان الملك لويس قد انتظر الشتاء كله ليبدأ الحرب مع المسلمين . وكان يحس أنه لا يستطيع أن ينتظر أكثر من ذلك ،ففي فجر اليوم التالي الموافق الخامس من مايو قاد بنفسه أول جماعة تنزل إلى البر ، فكان ما رآه في انتظارهم مخيفا ، فقد وجدوا جيش السلطان كله على الشاطيء، وكانوا قوما على درجة كبيرة من الجمال ، وكان الوزير فخر الدين يلبس عدة حرب ذهبية انعكست عليها اشعة الشمس ببهاء .

وقد ساد الجيش تمرد شديد بسبب مرض السلطان الصالح نجم الدين أيوب . ولم يعلم الصليبيون شيئا عن هذا الأمر . واظهر الملك لويس شجاعة شخصية عظيمة وهو يقود عملية النزول إلى البر ، بالرغم من سهام وحراب المماليك والبدو من العرب ، وكانت قواته كثيرة العدد، وبالرغم من انهم قد أنزلوا خسائر جسيمة بالمسلمين فقد تولتهم الدهشة عندما فوجئوا بمفاجأة غير مرتقبة لهم عندما تحطم الدفاع العربي فجأة واصبح في استطاعتهم أن يثبتوا مراكزهم جيداُ في ارض مصر.

وعندما أرخى الليل سدوله تقهقر فخر الدين الذي لم يستطع السيطرة على مماليكه الذين لا يطيعون الأوامر، وانسحب عبر جسر القوارب آمراً بني كنانة بأن يضرموا النيران في القوارب بعد ان يعبر هو والمماليك وأن يظلوا هم بالمدينة محتفظين بها من أجل السلطان.

وبدلاً من إطاعة أوامره فإن روساء البدو الذين اصابهم الرعب عندما أصبحوا دون قائد ودون جيش يساعدهم ، أغفلوا أن يحرقوا الجسر وأخذوا يصيحون وهم يعدون داخل دمياط بأن كل شيء قد ضاع ، وأضرموا النيران في الأسواق وهربوا.

ولكن عندما عادت إلى أذهان سكان المدينة المسلمين ذكرى المذبحة القاسية التي حدثت عندما استسلمت المدينة إلى حملة صليبية سابقة ، هربوا هم أيضاً في هلع وتركوا ورائهم في المدينة الأقلية المسيحية الصغيرة فقط التي لم تكن خائفة من وصول أبناء ملتهم، وعبر أحد المسيحيين المصريين النهر ليخبر الفرنجة أن الحامية العربية والسكان المسلمين قد ذهبوا وأن المدينة قد أصبحت لهم .

وفي اليوم التالي تقدم الملك لويس وقواته في زهوا فوق الجسر ، ودخل الدينة واستولى على جميع الأسلحة والذخيرة والأطعمة التي كانت شجرة الدر قد أمرت بتخزينها هناك بناء على تعليمات زوجها لاحتمال مواجهة حصار طويل.

ولكن الملك لويس تريس ولم يتقدم هو وقواته نحو الدلتا  لخوفه من اقتراب وقت فيضان النيل هذا من ناحية .

ومن ناحية أخرى فإنه لم يكن يعلم بالحالة في معسكر السلطان ، ولهذا فضل أن ينتظر سفن النقل المختلفة ، وكذلك وصول أخيه الثالث (الفونسو)أمير بواتو ليعزز بقواته جيشه الصغير .

وتحولت دمياط إلى مدينة من مدن الإفرنج وكانت شعائر الدين المسيحي تقام في المسجد الكبير ، وتم تعيين اثقف لها وأٌعطيت الشوارع التجارية للصليبيين القادمين من المدن التجارية في إيطاليا .

وأوقع وصول فخر الدين وجيشه المتقهقر معسكر السلطان في ذعر ، فمن الذي يجرؤ ويخبر السلطان ! لقد كان مزاجه ثائراُ نتيجة لآلامه وإحساسه بعدم القدرة على العمل المنتج .

ومن المرجح ان زوجته شجرة الدر هى من نقلت له هذا الخبر ،

فقد هاج وثار غضبه ضد فخر الدين والمماليك اولاً ، وبذلت شجرة الدر كل ما تستطيعه لتمنعه من أن يصدر حكمه في الحال بإعدام الوزير المخلص واحد الرجال القلائل التي كانت تعرف أنهم جديرون بالثقة فيهم ولكنه أبقى على الرجل الشيخ لخدمته الطويلة وولائه الذي لا ريب فيه بالرغم من أنه طرده وأعفاه من قيادة الجيش .

أما رجال قبيلة بني كنانة الجبناء فلسوف يحكم عليهم بالموت شنقاً ولم يكن لدى شجرة الدر ما تقوله حيال أولئك ، فقد كان الوقت عصيباً وكان من الضروري اتخاذ تدابير صارمة ضد من خانوا الأمانة .

وكان ضياع دمياط ضربة خطيرة وكان على بني كنانة ان يدفعوا ثمن ما اقترفوه .

وقبل أن يصدق السلطان على حكمه على زعماء القبيلة اراد التأكد من أنه لم يكن يٌجانب أحكام الله واستدعى مستشاريه الدينيين من رجال الشرع وسالهم عن العقاب الذي يجب أن يوقع على الجنود الذين يتخلون عن مواقعهم ؟ وكانت الفتوى باجماع الاراء هى القتل !

وهكذا نفذ   حكم الاعدام شنقا في زعماء قبيلة بني كنانة !

واعتقد أن هذا الحكم لابد من التعليق عليه ،وهو حكم الإعدام شنقاٌ الذي نفذه السلطان الصالح نجم الدين أيوب في زعماء قبيلة كنانة هل هو حكم عادل وما الدليل الذي استند إليه مستشاريه الدينين من القرآن الكريم على قتل من يترك ويتخلى عن موقعه في الحرب ؟!

 نعلم أن هذه جريمة نكراء -وهى التخلي عن القتال وترك المواقع بدون تأمين حتى تمكن العدو من الاستيلاء عليها ، ولكن ايضاً لا تستحق القتل فالله تبارك وتعالى لم يحل قتل النفس إلا بالنفس  { .. مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }المائدة.32.

فجزاء من يفعل ذلك كما أخبرنا القرآن الكريم في قوله تعالى  {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }الأنفال16.

الجزاء هو الغضب من الله تعالى ، ولم يأتِ ذكر لقتل من يرتكب هذا الجرم! وأترك التعليق على هذه الفتوى للأخوة على الموقع لأهميه هذا الموضوع وهو قتل النفس والحكم بغير ما أنزل الله لأنه يتم بصورة متكررة في دول عربية إسلامية .

وعرف السلطان الصالح وقتئذ أنه على وشك الموت وعرفت شجرة الدر ذلك أيضاً ، ولم تكن من أولئك الذين يغمضون أعينهم عن الواقع مهما كان قاسياً .

لقد كان قلبها يتمزق لضعفه وآلامه ولكنها لم تجرؤ على التفكير في مصير حياتها بعد ،

وكانت شجاعتها مساوية لشجاعة كليوبترا ، ويجب أن يكون إنقاذ مصر من الغزاة الأجانب مقدما على كل الأحزان الشخصية .

وكان الموقف خطيراً وكان هناك الكثير مما يستدعي الاهتمام به !

إنها كانت ترتاب في إخلاص رؤساء الأمراء المماليك وخشيت قيام الصليبيين بهجوم مباشر من دمياط مدفوعين بنجاحهم السهل ، وربما يكون من الأفضل التفاوض معهم وعرض التنازل عن بيت المقدس مقابل رحيلهم عن دمياط ، كما سبق أن فعل والد الصالح قبل ذلك بعشرين عاماً. إذ من الأفضل أن يخسروا المدينة المقدسة على أن يحتل الفرنجة جزءا من مصر مهما كان صغيرا.

وكانت هذه النصيحة قاسية على الصالح فقد كان يكره المسيحيين وكان قد استولى بنفسه ثانية على بيت المقدس بعد اعتلائه العرش، ولكنه أصغى إليها ووافق في النهاية على أن يرسل رسالة إلى لويس يبلغه فيها العرض رسمياً .

وكانت الإجابة قد جاءت من الملك لويس بالنفي وأن الملك لويس لن يساوم مع من اعتبرهم كفاراُ واستشاط الصالح غضباً .

وجاءت أنباء سيئة في أعقاب الأنباء السيئة .

وهذا ما سوف نتعرف عليه المقال القادم بعون الله تعالى

اجمالي القراءات 13467