-1-
تجتاح أعاصير الثورة العربية الوطن العربي الآن.
من زيتونة تونس إلى أزهر مصر..
ومن باب العزيزية في ليبيا، إلى درعا السورية، مروراً بـ "ساحة التغيير" اليمنية، و"ميدان اللؤلؤة" الذي أزالته السلطات البحرانية من خارطة البحرين لخلع الثورة من رؤوس وقلوب المواطنين، ولكنه بقي محفوراً في قلوب البحرانيين إلى الأبد.
فجغرافيا الشعوب أقوى وأبقى من جغرافيا السلطة.
-2-
فمن الخليج العربي إلى المحيط الهادرِ..
ومن الشام لبغدان..
ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصر فتطوان..
تتابع الباحثة الأمريكية الفذة، ليزا وادين، بحثها الجاد والجديد عن الدكتاتورية القروسطية العربية، متمثلةً وراصدةً الدكتاتورية السورية، وعينها على كافة الدكتاتوريات العربية من ملكية وجمهورية، بحذق، وعلم، وتوثيق متين.
-3-
ومن هنا، قالت وادين:
"إن مثال سوريا يُمثِّل فرصة لاستكشاف الطريقة، التي من خلالها تَنتجُ دولة في طور التشكُّل والتطويع السياسي، باستخدام الرموز، والبلاغة السياسية."
وتضيف وادين:
"ومع أن هذه الدراسة ليست مقارنة بالمعنى الحرفي، فإن دلالاتها يجب أن تكون ذات صلة بالدراسات المقارنة للخطاب، والرموز، والإكراه."
وفي هذا القول برهان كبير، ودليل واضح، وبيان أكيد على "عمومية" الأحكام العربية الكثيرة، التي تطلقها وادين، في كتابها.
-4-
تتابع وادين في كتابها، رصد ظاهرة تقديس الحاكم الدكتاتوري السوري، وهي تعني بذلك الحاكم العربي الدكتاتوري القروسطي، في كل أنحاء الوطن العربي، دون استثناء. فكلهم كما سبق وقلنا في مقالنا "كلهم.. دقَّة خويلتي"، وكلهم طينة من (مَطْيَنَة) واحدة. إنهم يختلفون في الأشكال، والأعمار، والأموال، وحجم السرقات، ولكنهم من طينة واحدة. أو كما تقول جدتي مفيدة شاهين:
طينة من (مَطْيَنَة) واحدة.
-5-
تقول وادين:
" إن ظاهرة تقديس الحاكم العربي تستمد إلهامها الجمالي من الواقعية الاشتراكية، لظاهرة تقديس ستالين. فقد ورث ستالين ظاهرة التقديس من لينين."
ألم يحدث هذا في سوريا، وفي كل بلد عربي آخر.
ألم يُقلِّد كافة الحكام العرب "عبد الناصر" في تقديس الذات، عندما كانت إذاعة "الشرق الأوسط" تذيع عشرات المرات كل يوم:
من الخليج الفارسي إلى المحيط الهادرِ..
لبيك عبد الناصرِ..
ألم يصبح الحاكم في بلاد الشام، والعراق، والسودان، ومصر، والمغرب العربي، والخليج، بمثابة إله الأرض المقدَّس، الذي لا يحاسب ولا يعاقب، و (يبوس) كثير من المواطنين يده وقفاه، ويتبركون بهما. ويجد هؤلاء الحكّام من يتبرع بحرق البخور، وترديد التمائم، في معابدهم، كسدنة مخلصين، أوفياء؟
-6-
ولكن هذا التقديس بدأ يضمحل، وزال الخوف من نفوس المواطنين، وقال إبراهيم القاشوش (مغني الثورة السورية الذي نزع "الشبيحة" زلاعيمه ورموه في نهر العاصي) لبشار الأسد:
طز فيك..
ويا بشار يا "شرتوح"..!
وهرب القذافي كأي جرذ آخر إلى الصحراء..
وهتف الأردنيون الأحرار، بعد أن كسَّر "الشبيحة" سيارة ليث الشبيلات، ومنعوه من إلقاء بقية محاضرته في ضواحي "جرش"، وأجبروه البارحة، على ترك البلاد، في إجازة مفتوحة:
"قبَّعت".. أي انكشف الغطاء، وزالت الضرَّاء..
و"لن تخدعونا" .. بعد اليوم..!
وهتف المتظاهرون - لأول مرة - ضد "الباب العالي" في الحُمَّر.. بعد أن كانوا يهتفون بسقوط الجواري والقيان، دون سقوط السلطان، صاحب: "ليلة القبض على المليار دولار" المسروقة..
فلقد هلَّت بشائر الحقيقة..
و"قبَّعت"..!
و"لن تخدعونا" بعد اليوم..!