من الثورة إلى الهاوية

كمال غبريال في الخميس ٠٦ - أكتوبر - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 
لو عاد بي الزمن إلى يوم 25 يناير 2011 فسوف أكرر نفس موقفي داخل الثورة ومعها، وسوف أسير كما فعلت مع الحشود، مطالباً بالحرية والعدالة وبسقوط نظام الطاغية الذي أراد توريثنا لنجله بعدما حكمنا لثلاثة عقود، شاع فيها الفساد وخربت الذمم، ونمت وتوحشت كافة التيارات الدينية المهووسة بالكراهية والعداء للحياة. . من حقنا أن نتحرر من الأغلال، وليكن بعدها ما يكون، لندخل الأتون وتحتدم الصراعات المجتمعية، لنتعلم معنى الحرية ونقدر قيمتها، ومهما اشتد نقدي لما يجري فهو جزء من تفاعلات الثورة ومحاولات تصحيح مسارها، عبر النقد من موقع الانتماء لها، بما لا يعني بأي حال النقمة عليها، أو الانضمام لفلول المولولين الندابين، الذين يفضلون الخبز الجاف مع العبودية!!
نعم الفوضى تعم مصر الآن، والنظرة العامة تشفق على هذا الشعب المسالم دوماً أن ينجرف إلى هاوية الدولة الدينية، والتي نعرف طبيعتها من السودان والصومال وإيران وأفغنستان قبل تحريرها، لكن التواجد في هذه الحالة من الصراع المجتمعي الخطر هو الثمن الذي يجب أن تدفعه الشعوب عن طيب خاطر، إذا ما أرادت مبارحة عصور الظلمة، والولوج إلى حداثة القرن الحادي والعشرين!!
أثناء سيري في مظاهرات الثورة في أيامها الأولى كنت أجهش بالبكاء وأنا أهتف مع الجميع للحرية، كان بكاء على ما تصورته يومها فشلي ككاتب في تقييم هذا الشعب تقييماً صحيحاً. . الآن لا أبكي وإنما أضحك بمرارة على نفسي وسذاجة تقديري يومها، فقد تصورت أننا أقرب ما نكون لحالة ثورة حقيقية عميقة، تشمل جميع مناحي التخلف في حياتنا، وفي مقدمتها ثقافتنا وقيمنا وسلوكياتنا، لكننا كنا في الحقيقة على موعد مع فتح "مغارة على بابا"، فما أن أزلنا الصخرة التي تسد الطريق حتى صرخ "علي بابا": فاسدين. منافقين. اخوانجية. سلفيين. أقباط البابا. عروبجية. اشتراكيين. . . . أحمدك يا رب!!
الآن وعلى ضوء استمرار مسلسل الاعتداءات الغوغائية على الأقباط، ينبغي على الأقباط ألا يركزوا اللوم على الثورة فيما يحدث لهم، فلقد كان عصر مبارك هو عصر سحق الأقباط بامتياز، بدءاً من القرى والنجوع التي يشن فيها الغوغاء غزواتهم عليهم، وصولاً أمام المحاكم بأحكامها العجيبة الطافحة بالتعصب والجهل بأبسط المبادئ القانونية والدستورية وحقوق الإنسان، فلقد حلت بركات الإخوان المسلمين على مصر بداية من انقلاب يوليو 52، لكن في عهد عبد الناصر لم يكن هناك من يجرؤ على فتح فمه، لا أن يمد يده لإيذاء أحد!!. . كل ما يحدث الآن مع الأقباط إن هو استمرار للحالة أو السياسة المباركية في التعامل مع مشاكل الوطن، ومن بينها قضية ما يعانيه الأقباط جراء تحريضات المتهوسين بالتعصب والكراهية، وسهولة انقياد الغوغاء لتحريضاتهم.
هكذا نسمع أن تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس الوزراء خلص إلى أنه لا توجد كنيسة في قرينة المريناب، ونشكرها ونشكر اللواء محافظ أسوان أنهم لم ينكروا أيضاً وجود أقباط من الأساس!!. . ليس الأمر إذن أمر إخوان أو سلفيين فقط، فلدينا أيضاً ذات الحكومة التي تدفن رأسها في الرمال وتدمن الكذب والتدليس وتفضح انحيازها المخزي للمخربين. . كلمة "العار" تتجسد في الفارق بين موقف إسرائيل من الاعتداء على مسجد بالجليل، حيث سارع نتنياهو بالتنديد بالفعل الإجرامي وطلب القبض على الجناة، وبين موقف مجلسنا العسكري ووزارتنا من الاعتداء على كنيسة قرية المريناب، نحن من لا نمل من وصم إسرائيل بالعنصرية، وننادي بفضح عنصريتها في العالم أجمع، فيما نحن لا نفعل أكثر من فضح أنفسنا وعنصريتنا وتخلفنا!!
نعم لدي إحساس أن المجلس العسكري مخلص في حياده وتبنيه للدولة المدنية، وأنه قد أطلق الظلاميين وفي حيرة الآن ماذا يفعل معهم، هذا مجرد إحساس لا أكثر، لكنني أيضاً بيني وبين نفسي أتساءل: هل يرغب المجلس العسكري ويستطيع إعمال القانون في مصر عموماً، وفي حادث قرية المريناب دائم التكرار خصوصاً؟!!. . إن كان لا يرغب فتلك مصيبة، وإن كان لا يستطيع فالمصيبة أعظم!!
إذا تحولنا ناحية الأقباط، لنرصد موقفهم مما يحدث في بلادهم عموماً وللأقباط خصوصاً، نجد تحسناً بالطبع من حيث الإيجابية في التعاطي مع الأحداث، لكنه أقل بمراحل من الروح الإيجابية التي سرت في الشعب المصري عموماً بعد الثورة، لتظل صورة الأقباط الغالبة هي الانطراح تحت أقدام الأنبا شنودة وأساقفته وكهنته، وهؤلاء بتعاونهم وتحالفهم الأبدي مع الممسك بالسلطة هم من أوصلوا الأقباط والبلاد كلها إلى هذه الحالة المزرية، إذا لا يقف فاعلاً في الساحة المصرية غير الظلاميين يفعلون ما يريدون، ويتسول المستنيرون من أبناء الوطن أن يمد الأقباط أيديهم لهم، لكن عبثاً فلا حياة لمن تنادي، والجالسون على كراسي السلطة والقداسة هانئون لا يهتز لهم جفن.
تقول بعض التقارير أن المتظاهرين الأقباط أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو احتجاجاً على موقف السلطات من غزوات الغوغاء لكنائس وبيوت الأقباط لا يتعدى عددهم الألف. . كم قبطي يحضر عظة قداسة المعظم ليستمع لنكاته الظريفة، وكم يتجمعون فور أي إشاعة عن ظهور للعذراء فوق قبة كنيسة، ليقولوا "بص شوف العدرا بتعمل إيه"؟!!. . من الطبيعي أن يكون هذا هو الحال، مادام الغالبية الكاسحة من الأقباط يصح تسميتهم "أقباط البابا"، وهم هؤلاء الذين قامت الكنيسة بإقناعهم أنهم كائنات ملائكية لا ينبغي لها أن تحب العالم ولا الأشياء التي في العالم، وأن لهم وطن آخر غير مصر في السماء، وأن كل المطلوب منهم هو أن يسجدوا أمام البابا على كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال!!
يا شباب الأقباط: أديروا ظهوركم لآبائكم الجسديين والروحيين، فلقد أدمنوا الذلة والمسكنة، واخرجوا للساحة المصرية، أياديكم في أيدي إخوانكم المسلمين وكافة المصريين باختلاف أديانهم وطوائفهم، لنبني معاً مصر الجديدة الحرة والعادلة والحديثة. . لا تنكمشوا كالفئران كما فعل آباؤكم وأجدادكم، فنحن في زمن الحرية، التي علينا أن ندفع ثمنها لكي نستحقها جميعاً. . لن يسمع لكم أحد أو يحترمكم طالما تقومون بالتظاهر وتفضونه بأوامر من الكهنة. . الكهنة طوال العصور كانوا عملاء وخونة للشعب، ولا يعملون إلا لصالحهم الشخصي. . أديروا لهم ظهوركم، وتحركوا بدوافع وطنية مع سائر إخوة الوطن من جميع الانتماءات.
ربما كانت مخدرات الخنوع التي تحقن الكنيسة بها الأقباط صالحة لعصور القهر، أما الآن والمصريون يؤسسون لعهد الحرية والعدالة، يكون استمرار الكهنة في تخدير الأقباط جريمة في حق الوطن كله، وليس في حق الأقباط وحدهم. . هل يتركون الشباب القبطي يبني وطنه مع سائر أخوة الوطن، ويصمتوا أو يخرسوا؟!!
يا أهلي الأقباط: لن يحترمكم المصريون ولا الدولة، ما لم تنهضوا من تحت أقدام قداسة المعظم، وتكفوا عن المسكنة والعويل والحديث عن وطن آخر في السماء، وتقفوا كالرجال لتدافعوا عن الحرية والعدالة مع سائر المصريين، فمصر الحرة تحتاج إلى جميع أبنائها بغض النظر عن انتمائهم الديني، وإلا فإن هاوية سحيقة في انتظارنا جميعاً بلا تفرقة بين مسلم ومسيحي وبوذي
اجمالي القراءات 7360