قبل ان يتحول التحرير الى أطلال

حمدى البصير في الخميس ٣٠ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أخشى أن يتحول " التحرير" إلى أطلال

بقلم - حمدى البصير

كتبت فى مقال سابق عن الإهمال السياحى لميدان التحرير ، الذى تفجرت فيه ثورة 25 يناير ، والذى شهد بجانب جمعة الغضب ، موقعة الجمل ، والتى عجلت بسقوط النظام السابق ، وطالبت بضرورة تسويق الميدان سياحيا ، من أجل زيادة عدد زائريه ، من الداخل والخارج ، بعد أصبح محط أنظار الجميع ، خاصة من خارج مصر .

وقد زار الميدان الأسبوع الماضى ، وفد أمريكى رفيع المستوى ، كان فى مقدمته جون ماكين رئيس الفريق الجمهورى بالكونجرس ، ومرشح إنتخابات الرئاسة الأمريكية السابق ، والذى إنبهر بالميدان ، وحرص على إلتقاط العديد من الصور التذكارية فى كل جنباته ، وتلك دعاية سياسية وسياحية لمصر لاتقدر بثمن .

ويبقى السؤال : هل ميدان التحرير بوضعه الحالى ، والذى يشهد مظاهرات شبه أسبوعية ، مؤهلا كى يجذب المزيد السائحين من الخارج ، أو حتى الرحلات المدرسية من الداخل ؟

بالطبع لا .

فقد تجولت فى الميدان فجر يوم الجمعة الماضى ، وقبل ساعات قليلة من عقد مظاهرة جمعة جديدة ، لا أتذكر أسمها ، وذلك قبل أن أستقل إحدى " الأتوبيسات " المسافرة إلى مرسى مطروح ، من محطة عبد المنعم رياض ، الواقعة خلف المتحف المصرى ، كما أننى كنت محظوظا عندما زرت التحرير بعد عودتى من السفر مرة أخرى ظهر اول أمس الثلاثاء ، وكان يوما خاليا من المظاهرات ، بإستثناء إعتصام محدود فى " ماسبيرو "، وتلك الزيارة مكنتنى من رؤية ميدان التحرير عن قرب ، لأن جولتى إستغرقت حوالى ثلاث ساعات فى شمس يونيو الحارقة ، ولكن إستعادة تذكر أحداث ومواقف شاهدتها فى بعض أيام الثورة ، خففت عنى حرارة الجو ، ولكن فى نفس الوقت تألمت من الحالة السيئة للميدان ، سواء على المستوى المعمارى والجمالى ، أو من ناحية وجود أطياف عديدةمن البشر ، أقل مايوصف بعضهم ، بأنهم يشوهون " جمال " ميدان التحرير ، فهم خليط من باعة جائلين وبلطجية ، بل وبعض اطفال الشوارع .

فهؤلاء يسهرون فى الميدان من مساء الخميس وحتى صباح الجمعة ، تمهيدا للإشتراك فى أى مظاهرة بالتحرير منذ بدايتها ، سواء كانت مليونية أو فئوية ، وبالطبع ليس لهؤلاء مواقف سياسية ، أو مطالب إقتصادية أو إجتماعية مشروعة ، بل بعضهم يفترشون أرض الميدان وببيعون بضائع صينية مضروبة ، والبعض الأخر يقوم بعمل شاى وقهوة للمتظاهرين ، بل وأثناء المظاهرة هناك من يسرق ويتحرش ويمارس أعمال البلطجة ضد بعض المتظاهرين ، سواء بالأجر أو بتوصية من بعض " الفلول " أو يمارسها للهواية فقط .

وهذا لايمنع من وجود غالبية من الشباب " الثورى الرائع " والذين يقضون سهرة جميلة فى ميدان التحرير ليلة الجمعة ، إستعدادا لمظاهرة جديدة يكونون فى الغالب هم منظميها والتى تبدأ فعليا بعد صلاة الجمعة، لإن الأمر يستدعى إقامة منصات مجهزة بالميكروفونات ، يتحدث فوقها شخصيات عامة ويخطبون فى المتظاهرين ، من أجل عرض المطالب المختلفة ، وبعض هؤلاء الشباب يقومون أيضا بتعليق الملصقات وتوزيع المنشورات ، وبالتالى ليس كل من يقصد الميدان يوم الجمعة بلطجية وحرامية وباعة ومحرضون ومتحرشون وجواسيس .

أما ماشهدته فى ميدان التحرير فى ظهيرة يوم عادى وخالى من المظاهرات ، فهو شىء مختلف تماما ، عن ماعشته فى بعض أيام ثورة 25 يناير ، لأننى لم أستطع أن أرى الجانب الاخر فى ميدان التحرير ، أثناء أو بعد الثورة ، أى فى المظاهرات المليونية " الحقيقية " والضرورية ، خلالها وبعدها ، لأن روح الثورة كانت تغطى على السلبيات ، ولم أشاهد فى الميدان إلا جمال الثورة ، والذى غطى على " القبح " الموجود فى التحرير ، والذى يعد من أهم واجمل الأماكن فى مصر .

فقد كان من المعتاد قبل قيام ثورة 25 يناير ، أن ألاحظ بعض الإنشاءات المقامة فى الميدان سواء تجديد فندق النيل هيلتون بعد بيعه ، أو إنشاء جراج متعدد الطوابق تحت الأرض أمامه ، أوأرى كردون أمنى غير عادى حول المتحف المصرى أو أمام مبنى جامعة الدول العربية ، ولم يلفت إنتباهى شيئا ، لأن قبل الثورة ، كان كل شىء " يشبه بعضه " أى لاجديد فى أى شىء ، ولم يلفت ميدان التحرير إنتباهى ، إلا عندما تقام فيه وقفه إحتجاجية محدودة ، فقد كان عدد قوات الأمن الذى يحاصر ويمنع تلك الوقفات يفوق عدد المحتجين مئات المرات ، رغم سلمية تلك الوقفات ، وإمساك المحتجين وأصحاب المطالب بالشموع أحيانا .

أما بعد الثورة فقد أصبح ميدان التحرير رمزا للأحرار ، وملهم للثورات فى بعض البلدان العربية ، بل أصبح مثار إعجاب معظم دول العالم ، وكتبت كبريات الصحف العالمية عن ثورة يقوم القائمون عليها ، بتنظيف ميدان التحرير ، مركز الثورة الرئيسى ، بعد الإنتهاء منها ، فى سابقة لم تحدث فى التاريخ .

ولكن ميدان التحرير الان يشكو من الإهمال والنكران ، ومظهره الجمالى يدعو إلى الشفقة ، وأخشى أن يتحول الميدان إلى أطلال إذا لم ننقذه .

وللحديث بقية

حمدى البصير

elbasser2@yahoo.com

اجمالي القراءات 8648