سيدي القاتل .. نضمن لك خروجا آمنا

محمد عبد المجيد في الخميس ٠٢ - يونيو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

الطاغيةُ يشتري الأصدقاءَ قبل السقوطِ بوقتٍ طويلٍ، وأصدقاؤه مُدَرَّبون جيّداً علىَ اللعبة حتى يظن المراقبُ الحصيفُ والذكي أنَّ القاتلَ علىَ مرمىَ حَجَرٍ من مغادرة المسرح، فإذا خصومُ النظام يرفعون الستارةَ مع بداية كل فصل ليَبين بوجهٍ يختفي خلف قناعِ جديد!

اقتل مِنْ شعبِك كما تريد ( أو ليس شعبُك أو كلابُك كلُّهم مُلْكاً حلال؟ ) وِفقا لقصيدة المأمون أبي شوشة!

يمكنك أنْ تقف بكل طاووسية وغطرسة وبرود أعصابٍ أمام عدة ملايين من اليمنيين الذين يهتفون في وجهك: إرحل .. إرحل، ثم تخنق المئاتِ منهم بغازاتٍ سامةٍ، وتُسِلّط عليهم كلابَك فتُطلق رصاصاتٍ عمياءَ، حيّة ومطـّاطية، وبعدها تستقبل وفداً من دول صديقةٍ ومجاورة وشقيقة ترجوك أنْ لا تزهق أرواحَ الكثيرين(أي لا مانع من القتل ولكن لا تُبالغ)، وهم يضمنون لك خروجا آمناً بأموالِك وحريمِك وأولادِك وأحفادِك، ولن يمسَّ أحَدٌّ حساباتِك المصرفية في الخارج فما يدخره ساكنُ الكوخ حلالٌ علىَ ساكنِ القصر.

سيدي القاتل،

دمّر ليبيا كُلَّها إنْ استطعت، وادفن شعبَك كُلَّه في رمال الصحراء الممتدة من العزيزية إلى حدود تشاد، واجعل جنودَك يغتصبون نساءَ مناهضيك، وانثر في أثير الدنيا تَخَلُّفَك، وجهلَك، وحماقاتِك، وبلاهتَك، فلا نميّز بعدها بين التهريج والوعيد، وسنرسل إليك وفداً من زعماء أفارقة أنعمت عليهم من أموال شعبِك، فهرولوا إليك لضمان (خروج آمن)، فابادةُ الزعيم العربي لشعبِه ليست جريمةً، ومفسرو ديننا أقنعونا أن الطاغيةَ وليُّ أمرِنا، وطاعتُه واجبٌ علينا حتى لو اغتصبنا جميعا أمام وكالات الأنباء وكاميراتها الضخمة.

سيدي القاتل،

لا تنس أنْ تبيد حماة وحمص واللاذقية بعد الانتهاء من آخر كائن حي في درعا، فبعثُك يؤمن بأمةٍ عربية واحدة ذات رسالة خالدة، وأجهزةُ أمْنِك تقوم بحماية شمال الكيان الصهيوني، وجبناؤك، ومنافقوك، والمتزلفون إليك قادرون على تبرير كل جرائمك، وتلفزيونك يمكن لمذيعيه أن يقنعوا العالم، شعبانياً، أن الطفل حمزة الخطيب كان يهدد كيان الدولة السورية، وأن الجيش السوري لم يستطع تحرير الجولان بسبب انشغاله في تعذيب الأطفال الارهابيين وانتزاع اعترافاتهم بأنهم خلايا مُنْدَسّة بأجندة خارجية.

سيدي القاتل،

نضمن لك منتجعا سياحيا على مقربة من فتيات روسيات كأنهن راقصات باليه يتهادين على الشاطيء بالقرب من شرفة جناحك الفاخر بالمستشفى، ولن تستطيع أيُّ قوة في مصر بعد الثورة المجيدة أن تلتقط لك صورة تشفي غليل كارهيك وهم كل أبناء أم الدنيا، باستثناء قلة منتفعة، ووصولية، وفاسدة لا تزال تحلم بعودة حذائِك فوق رؤوسنا.

ما نشرته الصحافةُ بعد انتصار ميدان التحرير على القصر الجمهوري يكفي للف سبعين حبل غليظ حول عنقك، ومثلهم حول أعناق ابنيك وكلاب عهدك، ومع ذلك فنحن محرومون من مشهد خاطف يجعلنا نتأكد أنك على قدم المساواة مع السجناء الآخرين، وأن شاويشاً ذا شارب كث يحمل مفتاح زنزانتك، ويخاف عليه، وليس عليك، لأنه عُهدة حكومية

هل صحيح أن من أتوا بعدك ينتظرون مَلـَكَ الموت ليقبض روحَك في هدوء، وينزلق نعشُك حاملا معه أسرار مُحاكمة تم تأجيلُها، ثم دفنُها في كفنٍ سيلفك، ويلتهمكما معاً دودُ الأرض؟

سيدي القاتل،

أتعهد لك أنْ لا تعتقلك أجهزةُ أمن المجرمين أمثالك، فالسودان أصبح سودانين، والسودانان يتصارعان بفضل غبائك، وجهلِك، وظلمك للنصف الآخر الأكثر سمرة من أبناء شعبك في الشمال.

يمكنك أن تتحالف مع الشياطين، وأن تأمر باغتصاب آلاف من النسوة والفتيات في دارفور، وأن تجلد إناث الوطن المسكين باسم الاسلام، كما فعل جعفر النميري، وأن يستقبلك قادة العالم العربي والأفريقي فتُخرج لسانـَك للويس مورينو أوكامبو لأنك لست مجرما صربيا يعتقلونك في أوروبا، لكنك سفاحٌ يُغمض العالم العربي والاسلامي والأفريقي عيونـَه عن جرائمك.

سيدي القاتل،

نضمن لك خروجا آمنا من العراق إلى إيران أو سوريا أو أوروبا أو في أحضان سيد البيت الأبيض مع افتراض أنَّ شعبَك غضب، وثار، وأعلن العصيان المدني في بلاد الرافدين، ولكنك لست كالطواغيت الآخرين فأنتم ثلة من أخبث من شرب من مياه دجلة العنبر كما وصفتها أغنية ( يا ليلة العيد آنستينا)، والمنطقةُ الخضراء التي تسكنونها أضحت سوداءَ بفضل عفنِكم، ومهاراتكم في فنون التعذيب في أبو غريب، وسجون صدام حسين كسجون الاحتلال الأمريكي، لكن سجونَك، سيدي القاتل، لا ترقى إليها خططُ إبليس الجهنمية.

سفكُ الدماء الطائفي المخلوط بعنصرية كريهة، وعبودية مختارة تطيع قوات الاحتلال أكثر من طاعتها لربها تؤكد أنكم، حُكام المنطقة الخضراء، من نسل الشياطين، ومع ذلك فقد وافقتْ جامعةُ الدول العربية بأمينِها العام، رئيس مصر القادم، لا قدّر اللهُ، أنْ تعقد مؤتمرَ القمةِ في حماية جيش الاحتلال.

ما أتعس زمن الطواغيت عندما يكون في كل قصر نسخة كربونية من إيلي كوهين!

 

سيدي القاتل،

نضمنُ لك خروجاً آمناً رغم معرفتِنا بأنك متحالفٌ مع العسكر، وأن آلافَ الجزائريين المفقودين تعرف أنت مصيرَهم، وأنَّ الفسادَ الذي يعشعش في جزائر الشهداء يتم التغطيةُ عليه منك ومن شقيقِك ومن حيتانٍ تنهب خيرات الجزائر الطاهرة وترتدي ملابسَ وطنية، وترفع التحيةَ بيدٍ للعـَلَم الجزائري، وتفتح باليد الأخرى أبواب زنزانات تحت الأرض.

 

سيدي القاتل،

نضمنُ لك خروجاً آمناً، ويكفي أنك عربيٌ ولو نهبتَ كلَّ أموال وخيرات شعبِك كما فعل البيبي دوك في هاييتي، وكما فرَّغ خزانةَ جمهورية أفريقيا الوسطى معتوهُها جان بيدل بوكاسا ليُنَصّب نفسَه امبراطوراً علىَ الفقراء والشحاذين والجوعى!

ادفن شعبَك كلَّه علىَ طريقةِ سرايا الدفاع في دمشق، سابقاً، وطبيب العيون حاليا، أو احرقه زنجة .. زنجة كما يفعل شيطانُ الصحراء الليبية، أو سَمّم رئات شبابِه بغازاتٍ مستوردة كما يفعل ديكتاتور القات في يمنِنا الذي كان سعيداً قبل وصول هذا المهووس، وسنرسل لك وفداً رفيع المستوى يزيّنه ثلاثةُ وزراء، ولو أردتَ أنْ يترأسه أمينُ عام جامعةِ الدول العربية أو عشرة زعماء أفارقة يطمع خمسةٌ منهم في مظروفٍ مليٍء بالعُملة الخضراء، وسنمحو كلَّ جرائمِك كما فعلتْ الشقيقةُ الكبرى عندما استقبلتْ لصاً وضع خزانةَ بلدِه في جيّبه وحقيبِة زوجته بعدما كاد التونسيون الغاضبون يشعلون النارَ في جسديهما.

ومع ذلك فبعضُكم من كُلـِّكم، وتيجانُ أشرسِكم لا تساوي مُجتمعةً كعبَ حذاءِ حمزة الخطيب، وسيشهد هذا الشهرُ، يونيو 2011، سقوطَ طاغيتين، على الأقل، من هذا العَقْد الذي انفرط لطغاةٍ يحلُم كلُّ عربي بسحل أربعةٍ منهم، وشنقِ ثلاثة، واشعالِ النار في اثنين والابقاءِ على واحدٍ في مَصَحّةٍ عقلية!

 

سيدي القاتل،

يضمنون لك خروجا آمنا، ونحن نضمن لك بصقةً في وجهِك تحـُررنا من قباحةِ صورتِك التي التصقتْ في أذهانِنا طوال عهدِك الأسود!

 

محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو في 2 يونيو 2011

Taeralshmal@gmail.com

 

اجمالي القراءات 9207