لنتعلم قليلاً من أخطاء الثورات في التاريخ

د. شاكر النابلسي في الثلاثاء ١٠ - مايو - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

استعرضنا في المقالين السابقين ستة أسباب لخلو بعض الثورات من المفكرين والفلاسفة، والتي أكد الفيلسوف المصري مراد وهبه في حديثه للتلفزيون المصري (17/4/2011) ضرورة وجود هؤلاء المفكرين والفلاسفة، لتستقيم الثورات وتنجح، في تحقيق أهدافها العظيمة. وأن الدولة لا تُبنى من الشارع. ولكن يبنيها المفكرون والمثقفون. وأن الشارع يطالب ببناء الدولة، ولكنه لا يستطيع بناءها، لأنه غير مؤهل لهذا. وأن الدولة التي تدخل من الشارع، تخ&Ncirc;خرج ولا تعود ثانية. ونكمل اليوم بقية الأسباب، التي تجعل بعض الثورات تخلو من مواقف المفكرين والفلاسفة، ومنها:

  1. لعل تزوير الثورات للتاريخ، وقلب الحقائق، من الأسباب التي أدت الى خلو بعض الثورات لفكر المفكرين وإسهام الفلاسفة. ولنأخذ مثالاً ثورة 25 يناير المصرية. وما روته الكاتبة والصحافية المصرية المثقفة لميس جابر في مقالها ("التليفزيون والعبث بتاريخ الأمة المصرية"، جريدة "المصري اليوم"، 30/4/2011) حيث تقول بقرف شديد، وأسى ملتاع، عن تزوير إعلام الثورة للتاريخ المصري الذي أصبح يقول: "قامت ثورة يوليو في عهد علي باشا ماهر رئيس الوزراء. وحدثت الهزيمة، واحتل اليهود سيناء في عهد محمد صدقي سليمان رئيس الوزراء. وقامت حرب أكتوبر، وانتصرنا في عهد الدكتور عبد القادر حاتم نائب رئيس مجلس الوزراء. وجاء مشهد مجلس الشعب في التلفزيون، حيث يدخل الرئيس السادات بالملابس العسكرية، ويرقي أحمد إسماعيل علي إلى رتبة مشير، ثم الجمسي إلى رتبة فريق. أما ترقية حسني مبارك قائد القوات الجوية إلى رتبة فريق فهي غير موجودة. أي أن حرب أكتوبر أصبحت بلا قائد للقوات الجوية. وتخيلوا معي تلميذاً في ابتدائي أو إعدادي سوف يدرس في مادة التاريخ في الفصل الدراسي الأول، أن حسني مبارك هو بطل حرب أكتوبر، وهو قائد الضربة الجوية الأولى للحرب. وفي الفصل الدراسي الثاني، سوف يدخل مدرس التاريخ، ويطلب من الطلبة تغيير الغلطة غير المقصودة في الكتاب، وشطب القوات الجوية، ورئيسها، وطياراتها، واسم حسني مبارك، ووضع اسم محمد حسنين هيكل!" وهكذا يقوم إعلام الثورة بتزوير التاريخ، ليس البعيد، ولكن القريب منه، ويدفع المفكرين والفلاسفة إلى القرف من هذا العبث المجاني، والوقوف ومجرد النظر إلى الثورة، ومجرياتها، على أرض الواقع.

2- اختلاط الأبيض بالأسود بالنسبة لثورة 25 يناير المصرية. فلا أحد يعرف حتى الآن مصير هذه الثورة. هل سيكون مصيرها إقامة دولة مدنية أو دولة دينية؟ وبعض المحللين السياسيين المصريين خائفين من الأحزاب الدينية والسلفية المصرية. ويقول عادل حمودة في جريدة ("الفجر"، 1/5/2011) من أن " أصبح الإخوان المسلمون على درجة من الذكاء، بحيث أعطوا الأمان للأمريكيين - عبر القطريين – مبكراً، بأنهم لنيعودوا إلى العنف. لكن ما لاحظه خبراء معاهد الدراسات الإستراتيجية في واشنطن، أنالإخوان لم ينفذوا طوال تاريخهم الطويل عهدا قطعوه على أنفسهم. كما أنهم قد يكررونتجربة حماس، بأن يصلوا إلى السلطة، ثم يماطلوا في الدعوة لانتخابات جديدة، يعرفونمقدماً أنهم سيخسرونها. فالديمقراطية بالنسبة للإخوان تذكرة ذهاب بلا عودة. طريقذو اتجاه واحد.ويشعرالأمريكيون، بأن الوقت ليس في صالح التيارات والأحزاب السياسية غير المغطاة بالدينبما في ذلك تجمعات شباب الثورة. بل يرون أن هذه القوى المؤمنة بالدولة المدنية، لاتعرف بعد القواعد التي ستجري عليها اللعبة الانتخابية القادمة." ومن هنا، يأتي اختلاط الأبيض بالأسود، ولا يعود الطريق السليم واضحاً. ويفضل المفكرون في هذه الحالة الانتظار، إلى أن تنجلي الأمور، وتتضح.

3- من المعروف أن الثورة العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين، قد أدت إلى ظاهرتين رئيسيتين: الأولى الجماهيرية والثانية العقلية الإليكترونية. ويرى المفكرون أنه بدون هذا الفهم، فمن الصعب على الثورات تحقيق أهدافها العظيمة التي قامت من أجلها. ويقول الفيلسوف المصري مراد وهبة في مقاله "مولد الديمقراطية الإليكترونية" (جريدة "المصري اليوم"، 27/2/2011) "أن ثورة الشباب تغيير جذري لوضع قائم، بفضل وضع قادم، هو رباعيةالديمقراطية – العلمانية، والعقد الاجتماعي، والتنوير، والليبرالية - مختزلة في عدم الخضوع لسلطة دينية، أو لسلطة سياسية. وهكذا يمكن اختزال القرون الأربعة إليكترونياً. وبعد ذلك يبقى سؤال:إذا كان في الإمكان تحقيق رباعية الديمقراطية إليكترونياً، فمعنى ذلك أن السمةالإلكترونية، ينبغي أن تسود مؤسسات الدولة والمجتمع. ومع ذلك، فهذه السيادة لن تكونممكنة من غير عقول إليكترونية." وحيال هذه "المعضلة"، ماذا يمكن أن يفعل المفكرون غير انتظار تحول العقول الحالية القائمة إلى عقول اليكترونية؟ وهل ينفع الآن التنظير التقليدي للثورة سواء في مصر، أو في غيرها من البلدان العربية، التي انفجرت فيها الثورات، وهاجت الشوارع، وبدأت الدكتاتوريات العربية تنهار الواحدة تلو الأخرى؟ وهل يمكن للتنظير التقليدي بعقول تقليدية، أن يُغني عن ظهور العقول الإليكترونية التي ستحقق مولد "الديمقراطية الإليكترونية" عن طريق تحقيق رباعية "الديمقراطية الإليكترونية" وهي: العلمانية، والعقد الاجتماعي، والتنوير، والليبرالية، كما يحلم فيلسوف ومفكر كمراد وهبة.

  • من أخطر ما يواجه الثورات العربية الآن سواء في مصر، أو في تونس، أو في غيرهما من البلدان العربية، ما يطلق عليه المفكر التونسي العفيف الأخضر بـ "حزب الانتقام" في مقاله ("كيف تردون على تحديات المشروع الطالباني؟"، 12/4/2011) وهذا الحزب يسعى إلى الانتقام والتشفي، ويذكرنا بما حصل عقب الثورة الفرنسية في 1789، ويرفض المصالحة الوطنية التي جرت مثلاً في جنوب إفريقيا عقب الإفراج عن الزعيم الإفريقي نيلسون مانديلا عام 1990. ويقول العفيف الأخضر عن "حزب الانتقام" وسعيه إلى العنف:"المسألة المركزية لكل مجتمع هي التحكم في العنف؛ أو في ]حالة الطبيعة[كما سماها توماس هوبز؛ أي حالة حرب الجميع على الجميع. ويكون ذلك أولاً، باحتكار الدولة وحدهاللعنف المشروع: فمحظور على أي كان غيرها، أن يطهر أو يطرد من الجامع، أو الجامعة أوالبنك، أو يحمل السلاح. وثانياً، بتوسيع قاعدةالنظام الاجتماعي، بفتحه أمام النخب والفئات التي بقيت على هامشه. وثالثاً، بتوسيعحقوق المواطنة الكاملة للجميع: للنساء والأقليات ، ليشترك الجميع في تقاسم السلطةوالثروة والخدمات. الغاية من المصالحة الوطنية هي التحكم في العنف." وإلى أن تقوم السلطة في البلدان التي أسقطت الدكتاتورية، وإلى أن تتم المصالحة الوطنية، التي تستطيع أن تكون هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في وضع عصا العنف، لن يكون للمفكرين والفلاسفة ذلك الدور المطلوب. فهؤلاء المفكرون يخشون من عنف "حزب الانتقام" فيما لو قالوا ما يعتقدون أنه الصواب وتعتقد الثورة أنه الخطأ. وهؤلاء المفكرون لا يريدون أن يقفوا أمام قضاة الثورة الذي عادة ما يضعون أحكام الإعدام في جيوبهم في مثل هذه الحالات التي يكون فيها "حزب الانتقام" في أعلى درجات هيجانه ونقمته على الماضي.

فهل نتعلم قليلاً من أخطاء الثورات الماضية، ونتحاشى هذه الأخطاء؟ أم أننا بحاجة أولاً إلى العقلية الإليكترونية التي يقول بها الفيلسوف مراد وهبة؟    

 

 

اجمالي القراءات 11874