المستبد خائن لشعبه ، وبموته يحيا شعبه

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٣ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 1 ـ قلنا من قبل ونؤكدها اليوم أن المستبد خائن لشعبه ، ونضيف أن بموته حياة لشعبه . قد لا نقصد الموت الجسدى ولكن موت استبداده ليعود شخصا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق . قلت فى ندوة علنية فى معرض الكتاب فى منتصف التسعينيات ، ما لم يجرؤ أن يعلنه مصرى فى أوج استبداد مبارك ، قلت : لا بد من ديمقراطية تفرض تداول السلطة وتلغى الاستبداد بحيث يكون الرئيس بعد انتهاء مدته شخصا عاديا يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق . وحين جلجل بها صوتى أخذ مديثر الندوة د. أسامة الغزالى حرب  يلكزنى من تحت & المائدة وهو يهمس : حتودينا فى داهية .

حقيقة (أن المستبد خائن لشعبه) ـ  والتى قلناها قبل زلازل الثورات فى تونس ومصر وليبيا ـ تؤكدها تصرفات المستبدين بن على ومبارك والقذافى . كل منهم يؤمن أنه يملك شعبه ، ومقدرات شعبه وحياة وموت شعبه ، وله حق تعذيبهم ومطاردة أفكارهم والتفتيش على خطرات قلوبهم واستحلال اموالهم واعراضهم ، ثم ليس من حقهم أن يثوروا ، فإذا ثاروا عليه انتقم منهم أفظع انتقام ، على أساس المعادلة الصفرية : إما هو وإما الفوضى . ويعجل بانتهاج أفظع سبيل بتسليط الشرطة والجيش والمرتزقة من الداخل أو الخارج ليحيل الوطن الى فوضى ليذعن الشعب ويعود الى الخنوع و الموت السريرى . ولكن تجرى الأمور خارج سيطرة المستبد ـ الذى عادة ما يكون معزولا مع أوهامه لا يكلم سوى نفسه تاركا إدارة البلاد الى أبنائه وقرابته وبعض السفاحين المحيطين به . وحين يستيقظ على طبول الثورة يسارع باستخدام جيش الشعب ضد الشعب . ولهذا أمر مبارك بسحق مظاهرات التحرير بالأمن فلما عجز الأمن عقد اجتماعا مع القيادة العسكرية وطلب منهم سحق المتظاهرين بالدبابات و الطائرات ، ولو أطاع الجيش أوامره لامتلأ ميدان التحرير بجثث مئات الألوف من أنبل شباب مصر . وبعد هزيمة شرطة مبارك سحقوا المتظاهرين بالسيارات العسكرية و السيارات الدبلوماسية الأمريكية المسروقة للايقاع بين مصر وأمريكا ، وحاوا ما أمكنهم التخريب فى متحف التحرير ومنشئات الكهرباء و البنك المركزى وقتل جنود وضباط الجيش الذى نزل ليحفظ الأمن ليوقع بين الشعب  والجيش . لا يفعل هذل سوى خائن لشعبه يؤمن أنه إما هو وإما الدمار والخراب . فعل نفس الشىء بن على فى تونس ، ويفعله الآن قذافى ليبيا الذى يستورد مرتزقة لقتل شعبه ويسلط علي الشعب الليبى البوارج والطائرات ويهدد علنا باحراق ليبيا واصفا ثوار الشعب الليبى بأقذع الألفاظ. 

2 ـ حالة القذافى فريدة بين المستبدين ، يقترب من شخصية الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله ، كلاهما بدأ حكمه وتحكمه صغيرا ، وكلاهما وصل به تألّهه الى أن أصبح مجنونا غريب الأطوار فى تناقض تصرفاته وفى وحشيته . والعجيب أن الحاكم بأمر الله اشتد غضبه عندما سخر منه المصريون فأمر مرتزقته من العسكر الأفارقة بقتل سكان القاهرة فاستباحوها قتلا و سلبا واغتصابا ، وهو نفس ما يرتكبه القذافى الآن حين ثار عليه الليبيون فاعتبرهم جراثيم وجرذانا وخونة لأنهم وفق اعتقاده المريض قد كفروا بألوهيته ومجده وعليائه .

هذا المرض العقلى الذى يأخذ بتلاليب القذافى تسبب من طول إقامته فى سلطته المستبدة ، نجح فى انقلابه وصار رئيسا وهو شاب غرّ فى السابعة و العشرين ، والمفارقة صعبة بين القذافى عندئذ والقذافى الآن . الاستبداد الطويل هو المسئول عن جنونه ووحشيته . هو أول ضحية لاستبداده ، ويأتى شعب ليبيا ضحية ثانية ، ولولا سكوت الليبيين عليه طيلة أربعة عقود ما وصلت حالته العقلية الى هذه الدرجة من السوء . لمدة عشرين عاما تقريبا ظل القذافى اعجوبة يتندر بها العالم ويتعجب من سكوت الليبيين على هذا البهلوان فى أقواله وأفعاله و أزيائه وتقلباته وندواته وتصريحاته . وعندما قرر الليبيون أخير الثورة كانت حالته المرضية قد استفحلت واستعصت على العلاج ، ويدفع ثمنها الآن الليبيون من دمائهم .

3 ـ قبل  الثورة على مبارك وبعد نشوب ثورة تونس كتبنا مقالا بعنوان ( مبارك الطريد بلا توريث ولا تمديد ) وأكّدنا من قبل ـ أثناء وجوده معاندا فى السلطة ـ أنه انتهى .ونؤكد اليوم أن القذافى قد انتهى . حقائق عصرنا الراهن تؤكد أن المستبد يفقد شرعيته حين يواجه المظاهرات السلمية بالرصاص الحى لأن الشعوب تغيرت واستعذبت الموت فى سبيل حريتها وكرامتها . فى الماضى القريب كان المستبد يقتل الآلاف من شعبه عيانا جهارا وسط تعتيم اعلامى ونفاق المجتمع الدولى و خوف الشعب من الهمس ،  كما فعل حافظ الأسد فى حماة وحلب ، وكما فعل صدام فى حلبجة والأنفال ، وكما ظل مبارك يفعل ببطء خلال التعذيب والاختفاء القسرى والاهمال . اختلفت الصورة الآن ولم يعد ذلك مقبولا محليا أو دوليا .إذن هى مسألة وقت ويسقط المجنون الليبى .

4 ـ ولكن المشكلة هنا فى طبيعة القذافى وعقليته الوحشية وجرأته بلا رادع ولا وازع على سفك الدماء واسرافه فى شراء المرتزقة بأموال الشعب الليبى ليقتلوا الشعب الليبى ، وتصميمه المعلن على مقاتلة الشعب الليبى الى النهاية معتقدا أنه الذى ( خلق ) ليبيا وهو الذى يملك حق تدميرها طالما خرجت عن طاعته. هى حالة مرضية خاصة ( من المرض ) تستدعى تصرفا خاصا مختلفا عن وضع مبارك وبن على . هذه الحالة الخاصة تجعل الوقت حرجا ، فكل دقيقة تمر تعنى المزيد من الشهداء ، اى لا بد من تصرف سريع فى مواجهة مجنون مصمم على إحراق ليبيا . هذا يستلزم تدخلا فعليا وسريعا من مصر و المجتمع الدولى لانقاذ ما يمكن إنقاذه .

فى نهاية الأمر هناك فرد واحد يواجه شعبا بأكمله ، وهو مصمم على أن يقاتل الى آخر رصاصة شعبا مسالما ، وطبقا لتلك المعادلة الصفرية فإما هو وإما ملايين الشعب الليبى . كل التوقعات تؤكد هزيمته ، وأن الشعب الليبى هو الباقى ، أى إن مصالح أوربا وأمريكا مع الشعب الليبى ، وبالتالى فإن وقوف أوربا وأمريكا مع الشعب الليبى فى محنته هو الذى سيحافظ على مصالح الغرب فى استمرار تدفق البترول الليبى . وهذا يستوجب تدخلا غربيا فوريا لانقاذ الشعب الليبى . ونتذكر هنا أن الرئيس الأمريكى ريجان لم يتردد فى قصف قصر القذافى فى طرابلس انتقاما لبعض الدماء الأمريكية ، وحرمة الدماء الليبية لا تقل عن حرمة الدماء الأمريكية . ويمكن تحديد أماكن تواجد القذافى وقصفها لانقاذ الشعب الليبى ، وتقديم خدمة للانسانية وليس للشعب الليبى وحده .

يبقى التدخل المصرى حفظا لأمن مصر من الغرب ، وانقاذا للعمالة المصرية فى ليبيا والتى تصل الى حوالى مليون ونصف مليون ، وهم مهددون فى حياتهم . والتدخل العسكرى مطلوب هنا ، وهو أول تحدى يواجه المجلس العسكرى الأعلى الحاكم فى مصر الآن . مطلوب منه المشاركة فى أنقاذ ليبيا والمسارعة بتأمين حياة المصريين فى ليبيا .

5 ـ هى مسألة وقت ويسقط  طاغية ليبيا .. ولكنه وقت ملطخ بدماء الأبرياء و الشرفاء.

اجمالي القراءات 15166