النذير والبشير الذى جاء به الرسول الكريم أثناء حياته وبعد مماته
من المعبود على أرض الواقع؟الجزء الثالث والأخير

محمد صادق في الإثنين ٢٧ - ديسمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

من المعبود على أرض الواقع؟

الجزء الثالث والأخير

 

محتويات الجزء الثالث:

 هل هناك نذير وبشير بعد موت الرسول؟

* الغلو فى الدين

* من كتبهم نرد عليهم

يقول اللــه سبحانه فى سورة الأحزاب: الآ&ialde;حزاب: الآيات 45 إلى 48

" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا "

إنتهى الجزء الثانى بهذه الآيات الكريمات والتى تحدد المهمة الرئيسية للرسول محمد عليه السلام. هذا هو قرار اللـــه سبحانه وتعالى ولا يوجد أى رأى من أى بشر أى أن كان ليضيف أو يحذف من قرار اللــه سبحانه حرفا واحدا وما على المؤمنين إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا.

ولنبدأ الجزء الثالث بإذن اللـــه تعالى بهذا السؤال: هل هناك نذير وبشير بعد موت الرسول؟

النذير والبشير الذى جاء به الرسول الكريم أثناء حياته وبعد مماته هو القرءآن الكريم. ولو تدبرنا فى آيات اللـــه خلال القرءآن لوجدنا الإجابة واضحة وضوح الشمس وسط النهار ولكن للذين يعبدون اللـــه وحده ولا يشركوا به شيئا. فلنقرأ سويا هذه الآيات التى ستبقى خالدة إلى يوم القيامة وتكون شاهدة على الذين لا يؤمنون بها ويبتغونها عوجا.

فلنقرأ فى سورة فصلت الآيات 2 إلى 4

تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ *  بَشِيرًا وَنَذِيرًافَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ".

فكان رد الخالق الأعظم لهم فى الاية رقم 6 ،  بأنه أمر الرسول أن يقول: "  قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ ".

ولنقرأ ايضا فى سورة الأحقاف الآية 12، ما يؤيد ما جاء فى سورة فصلت:

" وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ".

وبما أن القرءآن هو النذير فى أثناء حياة الرسول عليه السلام، فقرر اللـــه سبحانه أن يكتفى بالقرءآن نذيرا، فأمر رسوله بأن لا يطيع الكافرين ويجاهدهم بالقرءآن، فذلك دليل على أن ما أوحى إلى الرسول هو النذير والبشير الذى يبقى حيا إلى يوم القيامة يوم التغابن. وعلى ذلك قد أخبر اللـــه سبحانه رسوله بأنه يعلم ما يفترون فلا تبالى وذكرهم بالقرءآن لأن فيه الوعد والوعيد وأيضا العقاب والثواب على حد سواء. فلنقرأ من آيات اللــه جل وعلا فى سورة الفرقان وسورة ق:

  وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِجِهَادًا كَبِيرًا " 52-25:51”

نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ ۖ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِمَنْ يَخَافُ وَعِيدِ " 50:45”

* الغلو فى الدين

التعريف

الغلو في اللغة : ارتفاع الشئ ومجاوزة الحد فيه ومنه قوله تعالى :" لا تغلوا في دينكم " أي لا تجاوزوا المقدار

وفي الاصطلاح : مجاوزة حدود ما شرعه الله بقول أو فعل أو اعتقاد

الغلو وعدم الفهم الصحيح للدين جعلهم يستبيحون دماء كل من خالفهم من المسلمين فهذا الغلو هو الآفة الكبرى في فساد التدين

إن مشكلة الغلو التي ظهرت عند أهل الكتاب لا يمكن أن تحدث في الإسلام, لكن يمكن أن تحدث عند المسلمين أو عند بعضهم, ومن المفترض أن لا تحدث أساساً لأن الإسلام نزل بلسان عربي مبين, ويهدى من يتبعه سبل الرشاد, ولأنه نزل كاملاً: "  ..... ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا .."5:3. ولأنه يمثل سواء السبيل أي انه دين الوسطية والاعتدال والتوازن. والغلو يضل صاحبه عن سواء السبيل أي ينتهي بصاحبه إلى التطرف والتحجر والجمود.

ومن أساليب التحذير من الغلو: الدعوة للاعتبار بالأمم السابقة ومعرفة أسباب هلاكها، وضرورة اجتنابها

قال تعالى:" لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ ...... "  12:111

ومن الأممالتي ضلت وهلكت: النصارى، وكان من أسباب هلاكها الغلو في الدين، وقد تجلى غلوهم في عدة أمور منها:

تقديس نبي الله عيسى ورفعه إلى مكانة الألوهية ، تعظيم أحبارهم ورهبانهم إلى حد العصمة ،  ابتداع نظام الرهبانية.قال تعالى:"  يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا " 4:171

ففي هذه الآية" ينهي الله تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه  بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه فادعوا فيهم العصمة ، واتبعوهم في كل ما قالوه سواء كان حقاً أو باطلاً أو ضالاً أو رشاداً أو صحيحاً أو كذبا. ً

ولهذا قال الله تعالى: "  اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ " 9:31

قوله‏:‏ ‏(‏أربابًا من دون الله‏)‏‏.‏ أي‏:‏ مشاركين لله عز وجل في التشريع، لأنهم يحلون ما حرم الله فيحله هؤلاء الأتباع، ويحرمون ما أحل الله فيحرمه الأتباع، أو يحلون ويحرمون ما ليس له سند فى كتاب اللــه إعتمادا على الروايات.

قوله‏:‏ ‏(سبحانه عما يشركون). سبحان ‏"‏‏:‏ أسم مصدر، وهي معمول أو مفعول لفعل محذوف وجوبًا تقديره يسبح سبحانًا،أي‏:‏ تسبيحًا،والتسبيح‏:‏ التنزيه، تنزيه الله عن كل ما لا يليق به من نقص أو مماثلة المخلوقين‏.‏

 وقوله‏:‏ ‏(‏عما يشركون‏)‏‏.‏ أي‏:‏ مما سواه من المسيح ابن مريم والأحبار والرهبان، فهو متنزه عن كل شرك و كل مشرك به‏.‏

وينهاهم الله سبحانه وتعالى عن الغلو في موضع آخر بقوله: "  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ " 5:77

وصف الغلو بالاعتداء

وقد عدَّ الله المبالغة في الزهد والتقشف اعتداءفقال سبحانه وتعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " 5:87

فالتحليل والتحريم، والحظر والإباحة من اختصاص الله وحده

قال تعالى: "وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ " 16:116

فمن استخدم هذا الحق في أي شأن من الشئون، صغيراً كان أم كبيراً فقد اعتدى على حق الله

من كتبهم نرد عليهم

*  فها هم أولاء النصارى قد هلكوا وضلوا وكان من أسباب ذلك غلوهم في دينهم ومن غلوهم المبالغة في مدح نبي الله عيسى حتى  أضفوا عليه صفات الألوهية وعبدوه. وبما أن النصارى أضفوا على عيسى نبى الله صفات الألوهية فعبدوه.

 فماذا تقولون فى كتبكم: كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد أطلق كلماته الشهيرة بعد ساعات من وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم أملاً في التخفيف عليهم من وقع المصيبة حيث قال رضي الله عنه ( من كان يعبد محمد فمحمدا قد مات ومن كان يعبد الله فان الله باقي حي لا يموت).

ولنقرأ ما جاء فى الذكر الحكيم: " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَأَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِفَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ" 3:144

فما الذى دعى ابوبكر ان يتلفظ بكلمة " من كان يعبد محمد "، هل هذا لا ينُم على ان هناك من كان فعلا يعبد محمد أثناء حياته، فما بالكم بعد وفاته عليه السلام؟ ومن كان المعبود على أرض الواقع اناذاك؟

ولا أقول ان العبادة هنا هى الصلاة لمحمد عليه السلام أو السجود لمحمد عليه السلام كرب للناس. ليس هذا المقصود لأن العبادة على أنواع وأشكال وكلها تقع تحت مصطلح العبادة من دون الله والتى سماها سبحانه وتعالى عبادة من دون الله عبادة اوثان.

لم يكن بين هارون وسحرة فرعون مناقشة ولا حوار، ولا ألقى لهم عصًا ولا أخرج لهم يدًا بيضاء، ومع ذلك قالوا "آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى" 20:70. وسبب ذلك أنهم أرادوا الإعلان أن إيمانهم بالمبدأ والمنهج لا بالشخص والمعجزة فقط، وكأنهم يقولون: آمنا برب هارون الذي لم يحاورنا ولم يبطل سحرنا، تمامًا كما آمنا برب موسى.

ومن هنا لا بُدَّ للداعية أن يعرف أن (الارتباط بالمنهج لا بالأشخاص) مبدأ أصيل في الدعوة، لا بد أن يلقنه للناس ويوصِّله لهم من خلال كلماته وكتاباته، وأن يطبعه في نفوس المدعوين من خلال مواقفه وأحواله، وذلك يعود عليه وعلى الناس بالفائدة، ويحميهم من الزيغ والانحراف. ومع ما سبق يدرك الداعية أيضًا أن الله ناصر دينه به أو بغيره، فالشرف والفائدة له أنه هو بذل واجتهد، وأنه تخلى ونكص؛ فالركب ماضٍ والدعوة سائرة وهو الخاسر الأكبر، ولن تتوقف المسيرة بوقوفه " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ "  47:38

*  وعن عدي بن حاتم‏:‏ أنه سمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ هذه الآية‏:‏ ‏ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ "9:31، فقلت له‏:‏ إنالسنا نعبدهم‏.‏ قال‏:‏‏(‏أليسيحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه‏؟‏‏)‏‏.‏ فقلت‏:‏ بلي‏.‏قال‏:‏ ‏(‏فتلك عبادتهم)‏‏.‏ رواه أحمد والترمذي وحسنه‏)‏ ‏.

‏(‏فتلك عبادتهم)‏‏.:

قوله‏:‏ ‏"‏ فتلك عبادتهم ‏"‏‏.‏ ووجه كونها عبادة‏:‏ أن من معني العبادة الطاعة، وطاعة غير الله عبادة الله عبادة للمطاع، ولكن بشرط أن تكون في غير طاعة الله، أما إذا كانت في طاعة الله، فهي عبادة لله، لأنك أطعت غير الله في طاعة الله، كما لو أمرك أبوك بالصلاة فصليت، فلا تكون قد عبدت أبوك بطاعتك له، ولكن عبدت الله، لأنك أطعت غير الله في طاعة الله، ولأن أمر غير الله بطاعة الله وامتثال أمره هو امتثال لأمر الله‏.‏

ويستفاد من الحديث‏:‏

1- أن الطاعة بمعنى العبادة عبودية مقيدة‏.‏

2- أن الطاعة في مخالفة شرع الله من عبادة المُطاع، أما في عبادة الله، فهي عبادة الله‏.‏

3- أن اتباع العلماء والعباد في مخالفة شرع الله من اتخاذهم أربابًا‏.‏ وأعلم أن أتباع العلماء أو الأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ أن يتابعهم في ذلك راضيًا بقولهم، مقدمًا له.

الثاني‏:‏ أن يتابعهم في ذلك راضيًا بحكم الله وعالمًا بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد، ولكن لهوي في نفسه أختاره.

الثالث‏:‏ أن يتابعهم جاهلًا، فيظن أن ذلك حكم الله، فينقسم إلى قسمين‏:‏

أ‌- أن يمكنه أن يعرف الحق بنفسه، فهو مفرط أو مقصر، فهو آثم، لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم‏.‏

ب‌- أن لا يكون عالمًا ولا يمكنه التعلم فيتابعهم تقليدًا ويظن أن هذا هو الحق.

أما بالنسبة لمن وضع قوانين تشريعية مع علمه بحكم الله وبمخالفة هذه القوانين لحكم الله، فهذا قد بدل الشريعة بهذه القوانين، فهو كافر لأنه لم يرغب بهذا القانون عن شريعة الله إلا وهو يعتقد أنه خير للعباد والبلاد من شريعة الله، وعندما نقول بأنه كافر، فنعني بذلك أن هذا الفعل يوصل إلى الكفر‏.‏

فيوجد بعض العلماء وإن كانوا مخطئين يقولون‏:‏ إن مسألة المعاملات لا تعلُق لها بالشرع، بل ترجع إلى ما يصلح الاقتصاد في كل زمان بحسبه، فإذا اقتضي الحال أن نضع بنوكًا للربا أو ضرائب على الناس، فهذا لا شيء فيه‏.‏

وهذا لا شك في خطئه، فإن كانوا مجتهدين غفر الله لهم، وإلا، فهم على خطر عظيم، واللائق بهؤلاء أن يلقبوا بأنهم من علماء الدولة لا علماء الدين.‏

ومما لا شك فيه أن الشرع جاء بتنظيم العبادات التي بين الإنسان وربه والمعاملات التي بين الإنسان مع الخلق في العقود والأنكحة والمواريث وغيرها، فالشرع كامل من جميع الوجوه، قال تعالى‏:‏ ‏"‏اليوم أكملت لكم دينكم‏"‏ ‏المائدة‏:‏ 3‏‏‏.‏

وكيف يقال‏:‏ إن المعاملات لا تعلق لها بالشرع وأطول آية في القرآن نزلت في المعاملات، ولولا نظام الشرع في المعاملات لفسد الناس‏؟‏‏‏

وأنا لا أقول‏:‏ نأخذ بكل ما قاله الفقهاء، لأنهم قد يصيبون وقد يخطئون، بل يجب أن نأخذ بكل ما قاله الله سبحانه ورسوله ـ عليه السلام- ولا يوجد حال من الإحوال تقع بين الناس إلا في كتاب الله ما يزيل إشكالها ويحلها، ولكن الخطأ إما من نقص العلم أو الفهم، وهذا قصور، أو نقص التدبر، وهذا تقصير‏.

‏أما إذا وُفقَ الإنسان بالعلم والفهم وبذل الجهد في الوصول إلى الحق، فلابد أن يصل إليه حتى في المعاملات، قال تعالى‏:‏ ‏"‏أفلا يتدبرون القرآن‏" ‏‏النساء‏:‏ 82‏ وقال تعالى‏:‏ ‏"أفلم يدبروا القول‏"‏ ‏‏المؤمنون‏:‏ 68‏‏، وقال تعالى‏:‏ ‏"كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته‏"‏ص‏:‏ 29‏‏ وقال تعالى ‏"ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء‏" ‏النحل‏:‏ 89‏‏، فكل شيء يحتاجه الإنسان في دينه أو دنياه، فإن القرآن بينه بيانًا شافيًا‏.

ومن سَنَّ قوانين تخالف الشريعة وأدَّعي أنها من المصالح المرسلة، فهو كاذب في دعواه لأن المصالح المرسلة والمقيدة إن أعتبرها الشرع ودل عليها فهي حق ومن الشرع، وإن لم يعتبرها، فليست مصالح، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولهذا كان الصواب أنه ليس هناك دليل يسمي بالمصالح المرسلة، بل ما اعتبره الشرع، فهو مصلحة، وما نفاه، فليس بمصلحة، وما سكت عنه، فهو عفو‏.‏

 

* من كتبكم تقولون إطاعة الرسول فى كل ما قاله وما فعله وما أقره‏

 إن الله يقول سبحانه " أطيعوا الله واطيعوا الرسول" بمعنى إطاعة الرسول فيما جاء به من رسالة، وأنتم تقولون إطاعة الرسول فى كل ما فعله وقاله وأقره، وبالطبع هذا مخالفة لما قاله الله سبحانه حيث حدد مهمة الرسول فقال:  " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا * وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا * وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ".

فمن المعبود على أرض الواقع؟

* معظم الكُتاب والدعاة ينهون كلامهم بهذه العبارة التى فيها تفرقة بين الرسل:

" والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسليننبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"

فى هذه المقولة اكثر من مخالفة لما قاله الله سبحانه فى محكم كتابه:

 أولا: عبارة أشرف الأنبياء والمرسلين، يقول رب العزة واصفا الرسول والمؤمنون معه وهى شهادة من رب العالمين على الإيمان السليم فقال: " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " 2:285

فلماذا تقولون " أشرف الأنبياء والمرسلين" أليس هذا يناقض كلام رب محمد ورب العباد، فلماذا تقولون سمعنا وعصينا. ألكم كتب أخرى تدرسونها وتتخذون منها تعاليم وأوامر ونواهى، أم إفتريتم على الله ورسوله وكتابه الكريم بما لا يرضى الله ولا يرضى رسوله الذى على خلق عظيم.

ألم يقل لكم رسول الله " لا تسَيدُونى " وأنتم تقولون سيد البشر ولقد خلقت الارض له خاصة، وأن عبارة " لا إله إلا الله محمد رسول الله" مكتوبة على باب الجنة باللغة العربية. ولم تكتفوا بتسييد الرسول ، بل جميع الصحابة أيضا سيدنا ابوهريرة، سيدنا عمر، سيدنا فلان وفلان...الخ.

ثانيا: بدءت العبارة التى نحن بصضضها بالصلاة والسلام .... على نبينا على آله وصحبه أجمعين".

بدأت بالصلاة على النبى وهذا لا غبار عليه ولكن لماذا أضيف إليها " آله وصحبه أجمعين " هل هذا امر الله الذى أمرنا بالصلاة عليه، فلنقرأ ما أمرنا به ربنا: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " 33:56. لم يذكر الله سبحانه " آله وصحبه أجمعين " فلماذا هذه الإضافات على كلام الله سبحانه والذى قال فى كتابه الكريم " وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " 6:115

والأدهى من ذلك انهم لم يتدبروا هذه الاية الكريمة وينفذوا الأمر الذى جاء فيها، النصف الأول من الآية عبارة عن شهادة من الله والملائكة، وليس لنا دخل بها، أما الأمر جاء للذين آمنوا وهنا تبدأ مسؤليتنا فى تنفيذ الأمر وبذلك نكون من الذين آمنوا.

ولكن شيوخنا المحترمين غيروا وأضافوا على كلمات الله ما لم يقره سبحانه، فمن المعبود على أرض الواقع ؟

فما موقف أمة محمد عليه السلام من كل هذا، ألم ينهى الرسول عليه السلام عن المبالغة فى مدحه وإطرائه فلننظر ماذا تقول كتبكم: النهي عن الإطراء

عن أبن عباس سمع عمر – رضى الله عنه – يقول على المنبر :" سمعت النبي صلى الله عليه وسلم – يقول : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله."

لا تطروني : لا تجاوزوا الحد في مدحي

ومن الحرص الكامل للرسول عليه السلام على حماية التوحيد، مقاومته للمدح والمداحين فعن أنس رضى الله عنه " أن أناساً قالوا : يا رسول الله يا خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا . فقال: يا أيها الناس، قولوا بقولكم ولا يستهويكم الشيطان أنا محمد عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل."

وقال صلى الله عليه وسلم في المداحين :" إذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب"."

ينبغي الإشارة في هذا المقام إلى أن النهي عن الإطراء والمبالغة في المدح لا يعني التقليل من توقيره وتعظيمه عليه السلام  كلا .. كلا فإن للتوقير معالمه ووسائله المشروعة من الحب والدفاع عن ما يُنسب إليه ظلما وعدوانا وإتباع ما جاء به من رسالة ربه.

لكن هناك أناساً شق عليهم التوقير المشروع فلجأوا إلى التوقير غير المشروع فنسجوا قصائد مطولة وأشعاراً مرسلة في المديح المجاوز للحد أي لا يرضى به رسول الله.

فمن ذلك قول البوصيري في مدح سيد المرسلين

يا أكرم الخلق مـالي من ألوذ به    ***   ولن يضيق رسول الله جاهك بي

 سواك عند حلول الحادث العمم   ***   إذا الكـريم تحلى باسـم منتقم

 وقوله

فإن من جودك الدنيا وضرتتها   ***    ومن علومك علم اللوح والقلم

ومن شعر البرعي قوله

وحل عدة كربي يا محمـد من    ***      أرجوك في سكرات الموت تشهدني

وإن نزلت ضريحاً لا أنيس بـه    ***     وارحم مؤلـفها عبد الرحيمومن

وإن دعـا فأجبـه واحم جانبه   ***      هم على خطرات القلب مـطرد

هذه نماذج يسيرة من الإطراء الخارج عن الحد

وقد فزع عليه السلام عندما سمع أقل من ذلك بكثير جداً .. فقد روى الطبراني باسناده عن عبادة بن الصامت – رضى الله عنه -:" إنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين فقال بعضهم : قوموا بنا نستغيث برسول الله من هذا المنافق، فقال – النبي صلى الله عليه وسلم -:" إن لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله"."

وهكذا فزع الرسول عليه السلام من هذا اللفظ " نستغيث برسول الله " وكره أن يستخدم في حقه بل أرشدهم إلى الأدب الكامل في استخدام الألفاظ. فماذا لوسمع إطرآت هؤلاء الشعراء؟ اللهم ألهمنا رشدنا والله يقول فى كتابه الكريم:

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ *  وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ " الشعراء 224

فما مصير الذين يقولون ما لا يفعلون، فلننظر فى هذه الآيات الكريمات لتكتمل الصورة: فى سورة الصف 2و3

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".

لماذا تقولون ما لا تفعلون، والكتاب بين أيديكم، والله يحذرنا من ذلك بوصفه " كبر مقتا ". هل لم تتدبروا هذه الكلمات القليلة والتى هى عند الله عظيمة، فمن المعبود على أرض الواقع ؟

* الخفوت خلال بعض الصلوات

يقول الله سبحانه وتعالى فى سورة الإسراء الآية 110 "  قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا" .

نجد فى السنة على المذاهب الأربعة للشيخ سيد سابق، يقول بالحرف الواحد " خفوت ". عدانا عن مخالفة أمر الله سبحانه، اقول لكم الم تستحوا من الله وانتم على دراية من العلم باللغة، وتنتقوا كلمة تؤدى نفس المعنى ولكن بعيدا عن لفظ "خفوت" التى إستخدمها رب العالمين. بهذه الجرأة على كلام الله ومخالفة تعاليمه وللأسف الشديد أن معظم عامة المسلمين لا يدرون أن هناك آية فى القرءآن الكريم تحدد درجة الصوت فى الصلاة ويتبعون أقوال وتفاسير العلماء والمشايخ الذى لم يقدروا الله حق قدره. اقول الذين إختشوا ماتوا.

والكلام عن الصلاة، يقتضى أن أذكر هذه الاية الكريمة التى إخطلت فيها المفاهيم، يقول رب العزة فى سورة الجن:

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا * وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا * قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا ". وحتى تكتمل الصورة نقرأ فى كتاب ربنا سبحانه وتعالى فى سورة طه: "  إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ".

كلمة سريعة ومختصرة لهذه الآيات الكريمات التى توضح بدون أى فلسفة لغوية أو غيرها أن فى المساجد – أى مكان تقام فيه الصلاة والسجود يكون مسجد – قد حدد الله سبحانه ماذا نفعل وماذا نقول فى المساجد أثناء الصلاة. وللأسف أن غالبية المساجد وبما فيها من شيوخنا الكرام يخالفون بكل جرأة ما حدده رب العباد أثناء تأدية فريضة العبادة، " فأعبدنى" وحدد أن سبب هذه الفريضة هى لذكر الله سبحانه وتعالى. أنظر إلى عظمة الصياغة القرءآنية والتى هى واضحة وضوح الشمس وسط النهار: لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا. لماذا كادوا يكونون عليه لبدا؟ ما هو الخطأ الذى لم يرضوه هؤلاء، انظر بالله عليك الإجابة: إنما ادعو ربى ولا أشرك به أحدا. الخطاب واضح ولا يحتاج إلى فلسفة المتفلسفين. فلماذ أيها العلماء والأكابر ومن مشياخنا المحترمين تخالفوا أمر من أهم الأمور فى العبادة وهى الصلاة لذكر الله وليس لذكر قصص مر عليها دهر وإندثرت ولم تعد صالحة فى هذا العصر ولا من بعده او ذكر أسماء تعدونهم من المعصومين والذى يجب إتباعهم. اليس هذا ردا عليكم بأن الآية التى تلفظ بها الرسول الأمين " أدعو ربى ولا اشرك به أحدا." فمن المعبود على أرض الواقع؟

أيها الأخوة الكرام، بعد هذا السرد المختصر، ولو أردت أن أطيل فلا تكفى مقالة أو مقالات ولكن كتب وملاحم لا حصر لها لنعدد أخطاء تديننا وفهمنا لكتاب الله الذى لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذى ظل مغيبا عنا خلال 1430 سنة ولا أقول عام بل سنين بالمعنى القرءآنى لكلمة السَّنة، فهل آن الآوان ان نتعظ ونتدبر كلمات ربنا جل وعلا حتى يرضى علينا ويدخلنا مدخل صدق ويخرجنا مخرج صدق ويغفر لنا خطايانا ويكفر عنا سيئاتنا إنه هو السميع العليم.

الخطاب للتذكرة والتحذير

جاء خلف أضاعوا القيم، ولم يهتموا بكتاب ربهم. هان الله في نفوسهم، فأهانهم الله بما اقترفوه من ذنوب. وقد ضرب لنا القرآن المثل على الأمة التي تضيع العمل بكتابها، فقال تعالى مخبرا عن بني إسرائيل، " فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا اْلأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ َلا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إَِّلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ اْلآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفََلا تَعْقِلُونَ " الأعراف:169

يحكي الله تعالى عن اليهود أنه قد خلفهم خلف سوء، ورثوا التوراة عن أسلافهم، ولم يلتزموا بما أُخذ عليهم فيها من عهود، على الرغم من قراءتهم لها. فقد آثروا الدنيا على الآخرة، فاستباحوا الربا والرشا وسائر المحرمات، ويدّعون أنهم سيغفر لهم. وكلما أتاهم مال حرام أخذوه، ومنوا أنفسهم بالمغفرة كذبا على الله تعالى. وقد قرأوا في كتابهم ألا يقولوا على الله إلا الحق وفهموه، ومع  هذا يجترئون على الله ويكذبون عليه بأنه سيغفر لهم.

* من كتبكم تقولون وهذا ليس كلامى : 

وقال القرطبي في تفسيره: " وهذا الوصف الذي ذم الله تعالى به هؤلاء موجود فينا. فقد روى الدارمي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: سيبلى القرآن في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت, يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة, يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب, أعمالهم طمع لا يخالطه خوف, إن قصروا قالوا سنبلغ, وإن أساءوا قالوا سيغفر لنا, إنا لا نشرك بالله شيئا."

واستمر خط الابتعاد عن كتاب الله يمضي قدما، بطيئا وبشكل يخفى عن العامة في أول الأمر، ثم بخطى متسارعة وبصورة سافرة بعد ذلك. فبعد أن كانت الأمة مجمعة الكلمة على العمل بكتاب ربها، وتستمد تشريعاتها من أحكامه، بدأت في التخلي عنه شيئا فشيئا، فعاقبها الله بأن سلبه من يدها، إلى أن أصبحت لا تعمل به.

وهكذا بدأت النظرة إلى القرآن واللغة العربية تتغير في نفوس الناس ومع رثاثة حال حملة القرآن وخريجي المدارس الدينية، بدأت هذه النظرة الجديدة تتغلغل في النفوس، ليتجه المجتمع بأكمله نحو هجران القرآن وصدق الله العظيم حين قال: " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ".

وبدأ المخطط الوهابى السلفى بتحويل كتاب الله من قوة حاكمة دافعة للمجتمع إلى مجرد كتاب يحمل ذكريات. وتنتشر من حوله الخرافات. وهكذا يصبح القرآن الذي هو حياة الأمة، رمزا للموت فيها، فلا يقرأ إلا في سرادقات العزاء، ولا تكاد تسمع القرآن في مكان حتى تسأل عمن توفى وجعلوا من فاتحة الكتاب - التي هي دستور حياة المسلمين، وسيلة لجلب الرحمة على الأموات، فلا تذكر ميتا حتى يقال " اقرءوا له الفاتحة " .

قال ابن القيم في كتابه " الفوائد ": وهجر القرآن أنواع: أحدها: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه. والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه، وإن قرأه وآمن به. والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم. والرابع: هجر تدبره وتفهمه، ومعرفة ما أراد المتكلم به منه."     وجميع هذه الأنواع من هجر القرآن واقعة بيننا ومتفشية فينا الآن.

إني لأعجب من أمة تهجر كتاب ربها ، ثم بعد ذلك تتوقع أن ينصرها ربها؟ إن هذا مخالف لسنن الله في الأرض. إن التمكين الذي وعد به الله، والذي تحقق من قبل لهذه الأمة، كان بفضل التمسك بكتاب الله عز وجل، الدستور الرباني الذي فيه النجاة مما أصابنا الآن. إن الذين يحلمون بنزول النصر من الله لمجرد أننا مسلمون لواهمين. ذلك أن تحقق النصر له شروط. قال تعالى: " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي اْلأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُ! دُونَنِي َلا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ "  النور: 55. كما أن ما بعد النصر له شروط. قال الله تعالى: " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي اْلأَرْضِ أَقَامُوا الصََّلاةَ وَآتَو ْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ اْلأُمُورِ "  الحج: 41.

تغيرت الأحوال، والناس لا يُحسُّون بالتغير، لأن الأمور تأتي رويدًا رويدًا، ولو غاب أحد مدة طويلة ثم جاء، لوجد التغير الكثير المزعج نسأل الله السلامة، فعلينا الحذر، وأن نعلم أن شرع الله يجب أن يُحمَى وأن يُصان، ولا يطاع أحد في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أبدًا مهما كانت منزلته، وأن الواجب أن نكون عبادًا لله عز وجل تذللًا وتعبدًا وطاعة.

" أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا " النساء 60

 ‏هذه الآية الكريمة لها صلة قوية فى من أطاع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله، وهذا فيه الإنكار على من أراد التحاكم إلى غير الله ورسوله، قوله‏:‏ ‏(‏يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك‏)‏‏.‏ هذا يُعيّن أن يكون الخطاب للنبي ـ عليه السلام ـ هنا، ولم يقل الذين آمنوا، لأنهم لم يؤمنوا، بل يزعمون ذلك وهم كاذبون‏. والذي أُنزل على الرسول عليه السلام  الكتاب والحكمة، قال تعالى‏:‏ ‏"‏وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة" النساء‏:‏ 113‏، قال المفسرون‏:‏ الحكمة السنة، وهم يزعمون أنهم آمنوا بذلك، لكن أفعالهم تكذب أقوالهم، حيث يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت لا إلى الله ورسوله‏. قوله‏:‏ ‏(‏إلى الطاغوت‏)‏‏.‏ صيغة مبالغة من الطغيان، ففيه اعتداء وَبغي، والمراد به هنا كل حكم خالف حكم الله ورسوله، وكل حاكم يحكم بغير ما أنزل الله على رسوله، أما الطاغوت بالمعني الأعم، فهو كل ما تجاوز العبد به حده من معبود أو متبوع أو مطاع.‏

إذن ... فمن المعبود على أرض الواقع؟؟؟

وليعلموا أن يجب على الإنسان أن يتقي ربه في جميع الأحكام، فلا يتسرع في البت بها خصوصًا في التكفير الذي صار بعض أهل الغيرة والعاطفة يطلقونه بدون تفكير ولا رَويَّة، مع أن الإنسان إذا كفر شخصًا ولم يكن الشخص أهلًا له، عاد ذلك إلى قائله، وتكفير الشخص يترتب عليه أحكام كثيرة، ويترتب عليه جميع أحكام الكفر، وكما لا يجوز أن نطلق الكفر على شخص معين حتى يتبين شروط التكفير في حقه.

فى الختام:

لقد كرمّ الخالق عز وجل، الإنسان وأمره بالصدق والأمانة والعدل، والوفاء، والبيان والتبيان ، ونهاه عن الكذب والغش والغدر والخيانة والنفاق. يقول تعالي:  " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون" الصف2،3

لِمَ قول الخير والحث عليه، مع عدم فعله؟، ونه عن الشر، مع الاتصاف به‏.‏ إن الأقوال.. موعظة وتذكيراً لن تبلغ أثرها المنشود دون اقترانها بالعمل من لدن قائليها، وضربهم المثل العملي .. كقدوة بارزة مبادرة فيما يقولون ويعظون. إنه لوعيد شديد لمن يأمر بمعروف، ولا يأتيه، وينه عن منكر ويأتيه، قال تعالى‏:" أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"‏، ‏فهل هذه حالة تليق بمؤمنين‏؟‏. لقد كبر مقتاً عند الله أن يقول العبد ما لا يفعل‏؟ يقول شعيب عليه السلام لقومه: " و ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه ".‏ قال احد الحكماء :أفسد الناس جاهل ناسك، وعالم فاجر، هذا يدعو الناس إلى جهله بنسكه وهذا ينفر الناس عن علمه بفسقه كما أن العالـم الذي لا يعـمل بعـلمه مثـله كمثـل المـصـبـاح، يضيء للناس بينما هو يحـرق نـفـسه. وهو إذا حث على التحلي بفضيلة وهو عاطل منها، أو أمر بالتخلي عن نقيصة وهو ملوث بها لا يقابل قوله إلا بالرد، و لا يعامل إلا بالإعراض و الإهمال بل وسيكون موضع حيره للبسطاء، ومحل سخرية للعقلاء، فسيُسخر منه، ويُستهزئ به، ويتهم فى دينه وعلمه وورعه.

فالحذر الحذر..من مخالفة الأقوال الأعمال. وحذار أن يكون النصح باللسان والقول دون الجنان والعمل.

فيجب على كل من يعظ الغير أن يتعظ هو أولاً ثم يعظ ، ويُبصر ثم يُبصّر، ويهتدى ثم يهدى غيره ولا يكون دفتراً يفيد ولا يستفيد ، وأن يكون كالمسك يطيب غيره وهو طيب فى نفسه، وأن لا يناقض مقاله بفعله، ولا يكذّب لسانه بحاله.

كل شيء هو نفسه إلا الإنسان كثيرا ما يكون غير نفسه، حتى بات الظن أن اللغة لم تخترع للتعبير الصادق عن النفس بل لإخفاء ما فيها والتمويه علي الناس حتى لا يدركوا حقيقة ما فيها. إن دنيا الأقوال المخالفة للأعمال هي سبب قُرح المعدات، وانتشار الحوادث والمشاجرات، وشيوع الانهيارات العصبية والعائلية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

إن دنيا الأقوال المخالفة للأفعال، هي داء وديدن حياة الأمم المترنحة الهزيلة المتخلفة التي ليس لها في ميزان الأمم ثقل. إننا لن تقوم لنا قائمة طالما تم شيوع انتهاج سبيل هذين الأمرين، الأقوال والأفعال، النظرية والتطبيق، السياسات والتنفيذ، الظاهر والباطن، حركات اللسان وأفعال الأبدان، علي أنهما ضدين، مرنين، متوازيان، لا يجتمعان. إن إلغاء ذلكم الفصام النكد وتلكم الثنائية لمطلب مُلِّح كي تخرج الأمة الشخصية العربية المسلمة من تمزقاتها وتشطيرها ومعاناتها من اجل نهوض حقيقي، وصحوة راشدة فاعلة، ومسئولية أخلاقية وإنسانية وحضارية، وريادة رسالية مؤثرة. أن رفعة ومكان ومكانة هذه الأمة ، فرادي وجماعات، مرهون بتوجهها.. قلبا وقالبا، جوهرا ومظهراً، لله تعالي.. نية وإخلاصاً وتوافقا من شرعه تعالي ، عاملة بالخير داعية إليه، مجانبة للشر، ناهية عنه. وإذا فعلت ذلك فقد نأت بنفسها عن ذلكم الفصام النكد، وتوحدت شخصيتها، وسكنت نفسها، وتجاوزت أزماتها ومشكلاتها، وحازت مكانها اللائق، مكانتها الرفيعة.

صدق الله العظيم حين قال:

" وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ۖ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ " الزمر 45

نلاحظ هنا فى هذه الآية الكريمة أنها بدأت بكلمة " إذا " وليس كلمة " إن " وهنا فرق كبير بين الإثنين، فكلمة " إذا " تفيد الإيجاب بالفعل أى لا بد من إشمئزاز القلوب، لا محالة أما إذا قال سبحانه كلمة " إن " فتعنى إحتمال الإشمئزاز، كما نقول " إن شاء الله " ولا يمكن أن نقول " إذا شاء الله". وأيضا فى آية الوضوء " إذا قمتم إلى الصلاة " فهنا فعلين يجب أن يقام فعلهما واحد يلى الآخر لا محالة وهو الغسيل ثم الصلاة متعاقبين لا فارق زمنى بينهما.

 ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " غافر 12

لقد إجتمعت الكلمتين فى هذه الاية الكريمة، " إذا دعى الله وحده " بمعنى أن الدعاء يجب لله وحده، وإذا حدث هذا فلا بد من وقوع الكفر لا محالة. أما الجزء الثانى من الاية " وإن يشرك به " بمعنى ان ليس الجميع يقوموا بهذا الفعل وهو الإشراك ولكن هناك من يقع فى هذا الشرك وليس الجميع.

أيها الأخوة الكرام، هذه الكلمات البسيطة، ما هى إلا نقطة فى بحر من إنتهاكات، أصحاب الدين الأرضى، حرمة الله تعالى بالكذب والإفتراء على الله سبحانه وكتابه الكريم ورسوله ذو الخلق العظيم.

فعودوا إلى كتاب ربكم تنالوا نصره في الدنيا وتدخلوا جنته في الآخرة...

اجمالي القراءات 14770