هل سيحكم "الإخوان المسلمون" مصر مستقبلاً؟

د. شاكر النابلسي في الإثنين ٢٧ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

-

"جماعة الإخوان المسلمين" هي أكبر الأحزاب السياسية العربية وأعرقها، منذ أكثر من ثمانين عاماً، حين تأسست في الإسماعيلية في مصر عام 1928، لكي تُعيد "الخلافة الإسلامية العثمانية" إلى الملك فؤاد الأول، بعد أن أطاح بها كمال أتاتورك، في الآستانة عام 1924.

 ومن هنا، كان احتضان الملك فؤاد لهذه "الجماعة"، التي قابلت حضن الملك فؤاد الدفيء، ومن بعده الملك فارو&THOil;روق بالعرفان والدعم، فأطلقت على الديوان الملكي في عهد فاروق "الديوان الإسلامي". وكان هذا الديوان، يعجُّ بالحسناوات الايطاليات والفرنسيات الخليلات للملك فاروق، كما كان صالة قمار واسعة للملك. كما وقفت "جماعة الإخوان المسلمين" موقف المعارض لحزب الوفد "العَلْماني" والمعارض للقصر الملكي، كما يقول لنا تاريخ الملكية في مصر.

-2-

"جماعة الإخوان المسلمين" تنتشر في أكثر من سبعين بلداً في العالم، بما فيها كافة البلدان العربية. وقد لعبت أدواراً حاسمة في كثير من الأحداث العربية كحرب الخليج الثانية، حين وقفت إلى جانب صدام حسين في غزوه العدواني لشرقي السعودية، واحتلاله للكويت. وكسرت جرة العسل السعودية، التي نالتها، حين حمت السعودية زعماءها في الستينات، والسبعينات، والثمانينات من القرن الماضي، الذين هربوا من بطش الدكتاتورية العربية في مصر عبد الناصر، وسوريا حافظ الأسد. ولكن يبدو أن ذهب صدام كان أكثر سطوعاً ولمعاناً من ذهب السعودية، رغم ثدي السعودية المدرار في حلق هذه "الجماعة"، طوال عقود ماضية.

-3-

من المفترض أن يكون لـ "جماعة الإخوان المسلمين" العدد الأكبر من المناصرين والمريدين في العالم العربي والإسلامي مما هم عليه الآن، نتيجة للتوجه الديني الشعبوي لهذه "الجماعة"، ونتيجة لفراغ الحياة السياسية من الأحزاب القومية واليسارية.

فلم يبقَ للعرب الآن، غير الإسلام يتغرغرون به، ويضعونه في قرابِهم، ويخضُّونه طوال الصيف، كما يُخضُّ اللبن الرائب. ثم يستعملون الإسلام في الشتاء القارص حطباً، يُوقدونه ناراً للتدفئة. وفي بقية أيام السنة يكون الإسلام تعاويذ للرُقية من الأمراض، وبخوراً لطرد الشياطين من الدار. أما إسلام السلوك والقيم، فقد بقي هناك على باب المسجد، بعد اغتيال الخليفة عمر بن الخطاب.

-4-

دارت الدنيا، وتقلَّبت الأيام، وها نحن في مطلع القرن الحادي والعشرين. ولكن "جماعة الإخوان المسلمين"، لا تزال ترقد على أبواب سقيفة بني ساعدة، في المدينة المنورة.

فهل لهذه "الجماعة" الفرصة السياسية المواتية، لكي تحكم مصر مستقبلاً، وهي التي تُعتبر الآن، القرنَ السياسي الأيمن لثور السلطة المصرية، الذي تنطحُ به خصومها؟

لا أرى – وربما كنت على خطأ - مبرراً سياسياً، أو اقتصادياً أو اجتماعياً، لحكم "جماعة الإخوان المسلمين" لمصر مستقبلاً، وأداء التحية العسكرية لمرشدها العام، وهو رئيساً للجمهورية.

وكان يمكن أن يكون الأمر كذلك، قبل قرون طويلة، في عصر المماليك، أو في عصر الدولة الفاطمية مثلاً، أو في أي عصر من عصور الانحطاط، حين كانت ظروف الإسلام والعالم العربي والإسلامي، ومصر خاصة، مناسبة لمثل هذا الحكم الكهنوتي المتشدد.

فكلما تقدم الزمن بكل انجازاته التقنية والسياسية والفكرية والاجتماعية، ابتعدت هذه "الجماعة" عن كرسي الحكم المصري، وبدأ قرن السلطة المصرية الأيمن بالتآكل، نتيجة لعواصف العصر العلمية، والعَلْمانية، والعولمية، والحداثية، والليبرالية.

وما الحجاب، وبعض المظاهر الدينية المضحكة في مصر، وبقية شوارع البلدان العربية غير احتجاج عابر على الفقر، والبطالة، والفساد. فلا سيف غير هذا السيف الخشبي. وحين تتحسن أحوال العالم العربي الاقتصادية، ستبدأ النساء بغسل شعورهن بالشامبو، والخروج إلى الشارع بالشعر الحرير.

-5-

كما أنه من المستبعد، قيام دولة دينية متشددة، ذات إيديولوجية واحدة، ترفض التعددية، تحكمها "جماعة الإخوان المسلمين"، في ظل وجود الأقباط الأرثوذكس، والكاثوليك، والبروتستانت، والشيعة، والبهائيين، والصوفيين، وغيرهم في مصر. سيما وأن مصر الآن، دولة محافظة دينياً. ومزيد من التحفظ الديني، يُحيلها إلى دولة "طالبانية". والأزهر يراقب أداءها الديني المحافظ بدقة.

 وتصمت الدولة صمت رمسيس الثاني الحجري عن إيذاء كل مفكر ومثقف، يخرج على نصوص الأزهر.

 فقد صمتت حين نُكِّل بطه حسين عام 1926، عندما أصدر كتابه "في الشعر الجاهلي".

 وقال سعد زغلول الذي كان رئيساً لمجلس النواب آنذاك:

 " هبوا أن رجلا مجنوناً يهذي في الطريق فهل يُضيرُ العقلاء شيءٌ من ذلك؟ إن هذا الدين متينٌ، وليس الذي شكَّ فيه، زعيماً ولا إماماً، حتى نخشى من شكه على العامة، فليشك ما شاء. فماذا علينا إذ لم يفهم البقر؟!"

 وصمتت حين اغتيل فرج فوده عام 1992.

 وصمتت حين حاولوا قتل نجيب محفوظ عام 1994.

 ثم صمتت أخيراً، حين طردوا نصر حامد أبو زيد من الجامعة عام 1993، ثم طردوه من مصر عام 1995.

 وصمتت حين قام الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي ببيع أثاث منزله، تنفيذاً لحكم دعوى عليه من قبل شيخ سلفي عام 2007.

 وهي تفعل ذلك، وتُضيّق على الأقليات الدينية في مصر من أجل عيون الأزهر، ومن أجل أن ينام مرشد عام "الإخوان المسلمين" قرير العين!

(ولنا عودة، فللموضوع صلة)

السلام عليكم.

اجمالي القراءات 11913