مجرد شائعات رائجة.!

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٥ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

.

1ـ لنفرض أنني أردت أن أمدح شخصاً فكتبت عنه (أنه عظيم الفكر) فأخطأ في كتابتها فكانت (أنه عظيم الكفر) فالمعنى يتحول من المدح إلى الهجاء ، ولأنه ليس مجرد قول بل كتابه، فقد تحول الأمر إلى دليل مادي مكتوب. ولكنه يظل مجرد خطأ واحد فقط. فإذا فرضنا أنني نشرت ذلك في صحيفة توزع عشرة آلاف نسخة فإن الخطأ يتناسل منه عشرة آلاف نسخة، ويقرؤه أضعاف هذا العدد، ويظل ذلك الخطأ وصمة تلاحقني أبد الدهر. ومن هنا جاءت الكلمة الإنجليزية( e( Steryo typ لتدل من مجرد الخطأ في الطباعة الذي ينتشر بانتشار آلاف النسخ إلى معنى أكثر ، هو النمطية في التفكير وشيوع القولبة العقلية التي تبدأ بخطأ أو شائعة عملية تنتشر كالوباء بالأقلام الكاذبة، ولا تجد أحداً يرد عليها ، فيصدقها الناس ، وبمرور الزمن تتحول إلى ثوابت ثم إلى مقدسات و(من المعلوم بالدين بالضرورة) .
ويتعاظم الأمر حين تحتكم إلى القرآن في هذه الشائعات فترى الناس وعلماء العوام يدافعون عنها باعتبارها من ثوابت الدين، وحجتهم المفضلة أن هذا ما وجدنا عليه آباءنا ...
2ـ ونحن أسرى لكثير من الشائعات التي ارتدى بعضها ثوب الدين أو ثوب العلم، ومن هنا يرتبط التطور العقلي والتقدم العلمي بالاجتهاد، وهو الخروج عن المألوف وتحكيم العقل فيما وجدان عليه آباءنا من تقاليد دينية واجتماعية، والاحتكام للقرآن دين العقل فيما يخص التدين، والاحتكام إلى التجربة فيما يخص العلم..
ولكن تحول التدين إلى مؤسسات وكهنوت ومصالح ووظائف يقف عثرة في طريق الاجتهاد. لأن الموظف لا يكون بالعادة مجتهداً مؤهلاً للخروج على المألوف ، لأنه مشغول بالتزلف إلى رؤسائه الذين يملكون ترقيته ولا يسمحون له بأن يأتي بجديد لم يعرفوه قبله. ومن هنا كانت آيات القرآن ضد المتاجره بالدين وتحويله إلى كهنوت ، ومن هنا أيضاً كانت الهداية في الإسلام مسئولية شخصية فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل علي نفسه، ولا يملك النبي أن يهدي من أحب حتى لو كان عمه أو أباه أو زوجته أو ابنه مثلما جاء في القرآن عن قصص نوح وإبراهيم ولوط ومحمد عليه السلام.
3ـ ومن هنا أيضاً أقـسَمَ الله تعالى بالقلم وما نسطره بالقلم .. لأن ما نسطره بالقلم يظل حجة لنا أو علينا في هذه الدنيا وفي الآخرة أيضاً.. وفي تاريخ المسلمين الفكري مؤلفات تقف في خصومه مع القرآن وتنسب لله تعالى وللرسول ما ليس له أصل في الإسلام، ومع ذلك صدقها الناس وعكفوا عليها تقديساً . وهي في البداية مجرد سطور كتبها مؤلف يضع أفكاره وعقائده وينسبها كذباً لله تعالى ورسوله، وربما لم يكن يدري أن من جاء بعده سيجعله إماماً يصدق كتاباته ويقدسها .. ولا تزال هذه المؤلفات تباعد بيننا وبين القرآن والتقدم العلمي.
4 ـ وفي حقبة النفط هاجر كثير من الشيوخ والمثقفين إلى الخليج ، وكتبوا في مدح وشرح الفكر الوهابي السلفي، وهم غير مقتنعين بما يكتبون حيث كانوا يدينون بالتصوف المعادي للوهابية، ولكن تلك الكتابات المدفوعة الأجر ما لبثت أن صاغت عقول الشباب في الثمانينيات والتسعينيات فتطرف وأساء للوطن والإسلام.. وفي عصرنا الراهن يستهين شباب الصحفيين بأمانة الكلمة طلباً للإثارة أو المال... ولا يدري أنه يكتب ما يظل حجة عليه إلى يوم الدين.. لأنه يكتب كلمة بقلمه فتتحول الكلمة إلى عشرات الألوف من النسخ تظل كلها تلاحقه.. في الدنيا والآخرة...
5 ـ متى نتعقل .؟ ومتى نراعي شرف الكلمة..؟.

اجمالي القراءات 14076