علي ضفاف الأخرة

محمود حامد المري في الثلاثاء ١٣ - أكتوبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

بعد بضعة أيام سيتم العقد الخامس من عمره ومازال في عنفوان شبابه لم يحس بالوهن يوما، يتمتع بكامل الصحة والعافية ، واخذ يتذكر حياته في عمره الذي أنقضي وأخذ يعدد بينه وبين نفسه نجاحاته وإخفاقاته ، وأنه ليس كغيره من ذويه وأصحابه أكتفي ببعض الأموال البسيطة بل استطاع أن يحصل علي الكثير من الأموال ومرد ذلك. إلي ما يتمتع به من قدرات وذكاء وخبرة، وأخذ يمسك بورقة وقلم ليحدد فيها خطة المستقبل القريب والبعيد ، وما هي الأموال  لابد أن يحصل عليها ،  وبعد أن عدد المشاريع التي سيشارك فيها ، شرع في وضع خطة للاستثمار تختلف عن سابقتها  يلغي  فيها بعض المشروعات التي تدر أرباحا محدودة، ويبتكر مصادر جديدة لزيادة الإيرادات ولابد  من إنهاء خدمة بعض من  يعملون في شركاته خاصة هؤلاء الذين كبرت سنهم و رواتبهم ولم يعد لديهم ما يقدمونه للشركات،  وعليه استقدام مجموعة من الصبيان والبنات لاسيما لو كانوا ممن ينتمون للبلدان ذات الشعر الأصفر والعيون الملونة وهذا يمثل تغيير كبيرا ، و أسماء أجنبية للشركات سيكون تطويرا كبيرا ويحدث مزيدا من الاستثمارات ويضخ كثيرا من الأموال، وجلس صاحبنا يفكر ويفكر ولا بد أن يكون الملياردير رقم واحد  ويصبح أغني من جيتس  وهنا تذكر صاحبنا أنه منذ مدة لم يري زوجته وأولاده ، أنه لم يرهم منذ العام تقريبا رغم أنه كان علي مقربة منهم كثيرا ـ ولكن كثرة أعماله ومشاغله لم تدع له الفرصة في أن يذهب لرؤيتهم تري ما إحساس زوجته به الآن هل مازالت تراه سيد الرجال وأولهم وأخرهم منذ متى لم يهاتفها منذ متى لم ينظر في عينيها و لم يمسك يدها ، منذ متى لم يشعر بدفء الأسرة وحنان الأولاد،يا تري هذه المال وشهوة جمعه متى تخف لديه،   ،  تراني  وقد اقتربت من حلمي فهل فعلا  سأتوقف أم ستكون محطة تتلوها محطات كما سبقتها الكثير ، ياربي كم  من المحطات قد فارقت الدين والأخلاق من اجل جمع المال ، تراني وقد عرفت كل المتع والشهوات  حققت السعادة ، يارب تتوه مني أقدامي وإرادتي وأجدني  مدفوعا إلي كل ذلك ياربي متى أعود إليك ،  متى أكون كما أمرت لقد سولت لي نفسي  والشيطان أمر السوء  في كثير من البلدان ،وكثيرا من الأحيان   كان يغلبني ا لحنين إلي المرأة فأستضيف أي فتاة  من شرق أسيا أو غيرها ،وزينوا لي إن هذا  ليس حراما فهو  مساعدة  للمسكينة  علي الحياة ويوفر السكن والرجل بضعة أيام ،وهذا من الممكن أن يعد من باب صدقة البدن!!!!!
 
قالوا له أنه من الممكن أن نعتبره زواجا مؤقتا كزواج المتعة،  ياتري كم عدد زوجاتي من
هذا الزواج، ،و نظر لوجهه فوجد شعيرات بيضاء تنسل عن اليمين واليسار في مقدمة الرأس فأسرع يخفيها بصبغة سوداء وقد التفت سريعا كأنه لا يريد أن يتذكر أن قطار العمر مر سريعا،
وأخذ يعد العدة لكي ينفذ أول خطوه في سبيل إتمام خطته القادمة ، وفجأة دق جرس هاتفه الخاص ب زوجته الشرعية، وتردد كثيرا قبل إن يجيب عليها فقد كان يخشي الحديث معها ،،  وبعد طلب من جانبها لعدة مرات استطاع إن يستجمع نفسه ويرد عليها وهنا وجد صاحبنا أن زوجته تبكي بكاء شديدا لم يستطع إن يسمع كلمات مفهومة ولكن المكلومة كانت ترجوه الرؤية لعدة أيام  وإلا لن يراها بعد اليوم وياليته يسمح لها  بالعودة إلي بيت أبيها  فهي تخشي علي نفسها الفتنة بعد غيابه كما تخشي علي الأولاد من عدم وجوده، وهنا انبري صاحبنا يرد عليها وكأنه كان يتوقع ذلك فاخذ يهد هذه الهجمات  الواحدة بعد الأخرى، فمن ناحية خوفها الفتنة فهذا لا يمكن أن يحدث لأنها زوجة قوية ومتدينة وتملك من التقوى والورع ما يجنبها أي رذيلة أو نقيصة كما انه سيعيش معها بقلبه ووجدانه وهاهو يحادثها من خلال التليفون وإن كل ما يلاقيه في أعماله وسفرياته من اجلهم ومن أجل أن يوفر لهم الحياة  الرغدة وهاهم يحييون الحياة المترفة بكل معانيها و يعيشون في الحي الذي يعيشون فيه كأمراء وأما الأولاد فهم قد حازوا أحسن تربية ولديهم من الدين والأخلاق ما يمنعهم منازل السوء. وعندما أحس أن زوجته ما زالت لا تجاريه و ما زالت سادرة في غيها وعدم طاعتها، هنا تغيرت نبرته الهادئة في الإقناع واخذ صوته يعلو ويذكرها كم هي دائما لا تطيعه وهي سبب كل المنغصات  الذي تعرض لها في حياته ، وياليته ما عرفها وما تزوجها وأنجب منها ، وهنا بدأت الزوجة تلين وترضخ وتعلن الطاعة وطلبت منه فقط رؤيته ولو لبضعة أيام كل شهر فهي ترغب إن يكون بجوارها مع أولاده ولا يريدون مزيدا من المال بل لا يريدون إلا ما يكفي أي أسرة عادية، و بعد انتهاء المكالمة التي ألمته كثيرا شعر بكثير من الرغبة في الراحة وهنا هم صاحبنا بالخلود إلي النوم فترة الظهيرة كما تعود، لكن أحلام وأفكار الثراء ظلت تلاعبه فمتى سيصل إلي المليار الأول والثاني والثالث وكم من الوقت تبقي وفجأة شعر بألم صارخ شديد وغريب لم يشعر به من قبل وكأن جبل من حديد قد إندك فوق رأسه لا يستطيع أن يتحرك أنه لا يستطيع حتى أن يتحكم في نفسه لا يستطيع الحركة، يارب ماذا حدث  من أحضرني إلي هنا ،  هذا المكان ليس بيتي إنه يشبه المسجد منذ متى لم أدخله  منذ مدة بعيدة،  لعلني  في كابوس سرعان ما يذهب ،  أين زوجتي وأولادي لا أحد يسمعني منهم ،ما هذه الوجوه التي تحيط بي أنهم أناس أعرف القليل منهم والكثير لا أعرفه،  أنهم يتأسفون علي روحي أحدهم يقول عني لقد مات لقد مات المسكين فجأة وهو نائم بدون أي مرض .أأكون أنا من مات وأنا من يرقد فوق محفة الموت وهؤلاء الناس يحملونني للمرقد الأخير ، أذاهب أنا للحساب وملائكة العذاب ، يارب أهكذا أتت نهايتي جاءت بدون سابق إنذار، كنت يارب أنوي التوبة لقد كنت وكنت عازم علي العودة ولكن  الموت لم يمهلني ظننت نفسي سأعيش إلي عمر السبعين أو أكثر لم أكن أتخيل أنني سأفارق الحياة في هذه السن وبدون مقدمات بدون مرض هكذا وأنا نائم في أتم صحة ، في كل عام  كنت انوي التوبة ولكن الأيام كانت أسرع من عزمي ودائما كان القرار لا يأتي ، ربي أمهلني سنة واحدة،  ربي أرجعني ولسوف اعمل خيرا والله لن أترك المسجد لن اظلم أحد لن أظلم زوجتي وأولادي لن أتركهم بدوني سأصطحبهم معي في كل مكان سأحاول أن أعوضهم عن أيام قهري وظلمي، أبدا لن ألج الحرام لحظة واحدة لا بنات تايلاند ولا روسيا ولا حتى كينيا ولا  زواج متعة أو غيره فقط زوجتي يارب، ربي أرجعني وإن كنت أستحق العذاب فأنت تعفو عن كثير ، يارب أعترف إنني غبي وسيد الأغبياء لكن أرجعني، وهنا علا صوته بالبكاء والنحيب وتشبث بمكانه بكل قوته يأبي أن يحمله المشيعون وكلما أقترب الجمع المشيع ليحملوه إلي مثواه يحاول أن يهب من رقدته  ليهرب بعيدا أو يدخل في قيعان الأرض ليختبئ لم يجد مخرجا ولا ملجأ ، وهنا شعر أن الحساب أوشك أن يبدأ إذا لمح  ما يشبه الملائكة الأطهار قادمة إليه وهي غاضبة أشد الغضب ولما لم يجد منهم ما يشعر ه بالعفو والمغفرة علا النحيب والبكاء أكثر وأكثر وتمني أن يصير ترابا ونسيا منسيا، ها هو يري النار كما وصفها العزيز الحكيم ويري مكانه فيها فيشتد به الحسرة والندم أين عقلك أيها الذكي ، ربي أمهلني سنة واحدة، شهرا أسبوعا يوما ساعة فقط أرجعني أصنع حسنة واحدة  !!!  وسوف تري يارب عبدا مطيعا يارب  تعلم طيب قلبي  هي الصحبة السيئة يارب  كانوا السبب في دفعي للحرام يارب  أمتهم وأحضرهم إلي هنا يروا العذاب الأليم . لئن عدت لسوف أعيش علي الخبز الجاف الحلال وسوف أتبرع بكل مالي وأكون علي الصراط المستقيم، لن تغمض عيني عن الطاعة، لسوف تري مني كل الخير فقط ادفع عني الموت، أحرمني من الجنة فأنا لا استحقها ولكن لا تدخلني النار وكلما اقتربت الملائكة منه كلما ذاب صاحبنا يتمني أن تبتلعه الأرض  ،وفجأة خفتت تلك الأصوات من حوله وأحس أن قدرته علي الحركة تعود إليه وغابت عنه كل تلك المشاهد، وهنا سمع صوت أحدي لرفيقات  الجميلات في الرحلة تقترب منه برقة زائدة تطلب منه أن يصحو ف الموعد المحدد لصحبته المقربين من رجال الأعمال  ، وهنا وجد نفسه فوق لسرير داخل غرفته يتحرك فبدأ يتحسس نفسه إنه بعد ما زال من أهل الدنيا لقد كان كابوسا رهيبا و قفز من علي السرير يضع الماء علي كل جسمه وكأنه يعيده للحياة  يتحسس جدران الفندق الفاخر  وهنا طلب من رفيقته الأجنبية  كأسا كبيرا من الخمر  يبتلعه  ابتلاعا، ولما فرغ منه هب ليرتدي ملابسه ليلحق موعد أصدقائه ولم ينس أن يطلب من سكرتيرته الحسناء أن ترتب له جدول الرحلات الخاص بروسيا وتايلاند وعندما أشارت إلي إن موعد سفره السنوي إلي زوجته وأولاده قد أوشك علي الاقتراب فماذا ينوي   ،هنا أشار  إليها  بإمكانية التأجيل بضعة شهر حتى يجد في جدوله فسحة من الوقت يرتب فيها زيارة سريعة !
 
 
اجمالي القراءات 6356