المصلحة بين النفعية و المشروعية

مصطفى فهمى في السبت ١٨ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

إن هذا المقال من ضمن مقالات ذات علاقة أساسية بالمقالات السابقة فى محاولة منا لبيان أن الإنسان حتى بعقيدته و إيمانه لا يمتلك الحقيقة و إن كان يوقن امتلاكها
إن حركة الحياة بين الناس فى حيزها الشخصى و فى حيزها العام بين الأمم تحكمها ابتدأ و نهاية المصالح المتبادلة و يتراوح مدى تلك المصالح عند تقديرها و تنفيذها إلى ما بين مدى نفعية تلك المصلحة لصاحبها بغض النظر إلى مشروعيتها (و يحكم تقديرها و تنفيذها قانون المنفعة) و بين و مشروعية تلك المصلحة بعدم ضررها بالآخر (و يحكم تقديرها و تنفيذها قانون التقوى)
و الميل إلى تحقيق المصلحة في حدودها القصوى، مثال: مصلحة حيازة المال وتنميته باعتباره (من وسائل تحقيق الرغبات). وهذه تكون مشروعة عندما يتغلب الميل عند تحقيق تلك المصلحة إلى تحقيق المصالح العامة إذا تعارضت مع المصالح الخاصة؛ باعتبار أن المصالح العامة هي في خدمة الجميع، بينما المصالح الخاصة تكون في خدمة البعض فقط، مما يوجد حالة انقسام في العيش وفي التعامل بين أفراد ومجموعات المجتمع المختلفة. وهذه المصالح جميعا تتداخل وتتآزر مشكِّلة معا ( كلاًّ معقدا مركبا).
أى أن كلما قربنا عند قضاء المصلحة من تقوى الله كلما كانت تلك المصلحة معتبرة و مشروعة
أى أن المشروعية تقيد النفعية و تنقيها من مفاسدها و ضررها
أى أنه عند قضاء المصلحة نحكم عليها بفقد مشروعيتها نسبيا كلما زاد عدد المتضررين من قضائها إلى أن تصبح نفعية لصاحبها وحده فقط سواء كان فردا أو أمة
أما النفعية بصورة عمومية فالمصطلح يستخدم للإشارة إلى أي مدخل يرتكز بالأساس على ما يمكن عمله في الواقع لتحقيق المصلحة، لا على ما يجب عمله بالنظر إلى عالم المثاليات و المعايير المطلقة الكلية للتقوى، و بالتالى إحلال معايير أكثر مرونة محلها لقضاء المصالح

نفعية المصلحة و مشروعيتها
وبين نفعية المصلحة و مشروعيتها و قضائها بقانون "المنفعة" أو بقانون "التقوى" و المدى بينهما، يتم قضاء المصالح بين الناس أو الأمم
 وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) البقرة
 ..... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) البقرة
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) البقرة
 وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) البقرة
 يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون (130) آل عمران
 يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (8) المائدة
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) المائدة
 قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100) المائدة

التوجيه الإلهى لأساس و كيفية تحقيق المصلحة
لقد قرن الله فى كتابه وجوب تحقيق المصلحة بالمشروعية، و المشروعية لا تتأتى إلا بإقامة الحق بالعدل و القسط لضمان عدم الاعتداء على حقوق الآخرين
 وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) البقرة
 وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)
 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)
 وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) الحجرات
 قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30) الأعراف
 إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) النحل

الخلط بين المصلحة النفعية و المشروعة
يخلط الناس بين المصلحة النفعية و المشروعة إذا تُرك الأمر (1ـ للأهواء)، و (2ـ طبيعة خلق الإنسان)، و (3ـ لطبيعة عموم الخلق).
أما إذا انتبهوا و أتبعوا (4ـ هدى الله)، و عملوا على (5ـ تقوى الله)، يكونوا بذلك قد اقتربوا من إصباغ المشروعية على مصالحهم و فى ذلك أيضا يكون ابتعادا عن النفعية

 1ـ الأهواء
الهوى من هوى و هو السقوط بلا تحكم و معنى ذلك أن إتباع الهوى ينتج غالبا أثر سيئا.
 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) النساء
 وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) الأنعام
 أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان
 أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (23) الجاثية

2ـ طبيعة خلق الإنسان
خلق الله الإنسان بطبيعة صالحة لممارسة النقيضين، و عمل الخير و الشر
 ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8) قد أفلح من زكاها (9) الشمس
 وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد
 أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) الإنسان

 3ـ طبيعة عموم الخلق
خلق الله عموم مكونات و قوانين الكون فى ازدواجية صالحة لعمل الخير و الشر
 كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35) الأنبياء
 فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) البقرة

 4- هدى الله
بعث الله لنا بالهدى حتى نتعقل مراد الله لنا و فينا و نعقل طبيعتنا و تناقضنا و نعقل طبيعة ازدواجية الخلق حولنا فكلما زاد تنبهنا و فهمنا لهدى الله كلما قل خلطنا بين نفعية المصالح و مشروعيتها و وكلما كان ميلنا لتحرى مشروعية المصلحة و تغليبها
 الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) البقرة
 قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة
 إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) الإنسان

5- تقوى الله
إن الله حثنا على تقواه و التقوى تكون بالعمل على تنفيذ مراده لصلاح الدنيا و لا يكون هذا الصلاح إلا بضمان مشروعية المصالح بين الناس أو الأمم
 ..... وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب (197) البقرة
 ..... وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237) البقرة
 ..... وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة
 يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف

تقبل الله للأعمال و الإستثناء من الخسران
و يظهر دليل تقبل الله لقضاء المصالحة التى يحكمها التسليم لله بإتباع هداه و العمل على تقواه، و استثنائه من الخسران
 وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران
 وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) المائدة
 وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) العصر

الخلاصة

 تكون المصالح – بشكل خاص- هى المحور من الناحية الواقعية (الممارسة النفعية) التى فى أغلبها تتناقض مع القيم الأخلاقية الإنسانية الدينية (الممارسة المشروعة). وبغض النظر عما يمكن أن يبرز من أخلاقيات، يمكن أن تلوّن الممارسة للأفراد أو الأمم - كتفسير أو كطموح- فإن الحقيقة المعبرة عن (تجسيد المصالح في الممارسة الواقعية ) تبقى قائمة، وتبقى محتفظة بقيمتها النفعية العملية.
بعبارة أخرى: المصلحة في الممارسة الواقعية، التى يسعى الناس و الأمم إلى تحقيقها، تحت مسميات متعددة مثل: - المصلحة الشخصية - المصلحة الوطنية - المصلحة العامة - المصلحة العليا...الخ. ويعبر عنها بأساليب مختلفة، كما يختلف أسلوب تبرير السلوك إليها..!
وبغض النظر عن (المعنى الفلسفي للمصلحة، والمبرر الأخلاقي لها، أو مدى مشروعيتها)، فإنها تبقى حالة واقعة دائما.
و يظل السؤال:
- ما هو نوع المصلحة؟
- ما مدى مشروعية المصلحة ؟
- متى تكون هذه المصلحة مشروعة، ومتى تكون نفعية؟
-والمشروعية ذاتها ما هي؟ ما مرتكزها؟ ما معيارها؟...الخ.
وتظل التقوى بالحق و العدل و القسط هى المعيار الإلهى الكلى للمصلحة المشروعة، و لكن تظل التفصيلات و الممارسات خاضعة لنسبية الفهم فى الزمان و المكان (فهم الناس لكليات المراد الإلهى)
فهل ما نصل إليه حسب ذلك الفهم و نطبقه و نمارسه كأفراد أو أمم، هل هى مصالح حقيقية واقعياً (مشروعة) أم أنها مصالح متوهمة (نفعية)؟
علينا الانتباه ابتداء، بأنه عندما فرض الله علينا و أوجب إتباع هداه و تحرى تقواه بل وحفز على الفضل و البر و الإحسان، كان فى ذلك إرساء لقاعدة ضرورة وجوب ضمان مشروعية المصلحة ليكون أثرها الناتج عنها ضامنا و حاميا لحقوق الآخرين الواقعين فى مدى و نطاق ممارسة المصلحة، فبذلك يستقيم الأمر سواء بين الناس أو الأمم و يتحقق المراد الإلهى لخلقه

{قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) سباء}
هذا قولنا و فهمنا من مكاننا و فى زماننا و حسب علمنا و على من يأتى بعدنا أن يفعل مثلنا.
و الله أعلم
مصطفى فهمى
المراجع
العقل للفهم. (2) القرآن بفهمه بالعقل. (3) المعجم لمعرفة لسان العرب

اجمالي القراءات 13171