الفزع الأكبر والهلاك الأخير

رمضان عبد الرحمن في السبت ٢٥ - أكتوبر - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الفزع الأكبر والهلاك الأخير
التقدم والفساد ونهاية العالم، إن الفساد له وجود قبل خلق الإنسان وما كنا ندري ولا نعلم عن ذلك لولا أن أخبرنا الله عز وجل وحذرنا منه أيضاً حين فسد الجن في الأرض قبل خلق البشر في قوله تعالى:
((وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا ل&Cceute;اَ تَعْلَمُونَ)) سورة البقرة آية 30.
ومن هنا ومن هذه الآية العظيمة وبعد أن خلق الله الإنسان علمت الناس جميعاً عن الفساد، ومع ذلك لم تأخذ حذرها بل أن الناس يزدادون فساداً يوماً بعد يوم، كما ذكر في جميع الكتب السماوية وهذا ما وضحه لنا القرآن الكريم عن تلك الكتب وعن الأمم السابقة وما فعلوه من فساد وظلم فكان يهلكهم الله بذلك، ومن تلك الأمم من عتوا في الأرض وقالوا من أشد منا قوة، وكانت نهايتهم بتلك القوة أو مما قالوا أو بالتقدم، فكلما زاد التقدم والفساد والظلم في الأرض أعتقد كلما اقتربنا من النهاية، وهذا ما سوف نوضحه في تلك السطور القليلة، ومن آيات الله عز وجل يقول تعالى:
((ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)) سورة الروم آية 41.
وذلك كان قبل ألف وأربعمائة عام، وإن غرور بني البشر هو الذي سيجعل الله يهلكهم بأعمالهم كما فعل بالسابقين، ولكن إن هذا الهلاك لن يسبق له مثيل، لأنه سوف يكون الهلاك الأخير، وقد ضرب الله لنا مثلاً عن الحياة الدنيا حتى لا نغتر بها، قال تعالى:
((إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة يونس آية 24.
ونلاحظ من هذه الآية العظيمة أنها تحث الناس على أن الحياة أقصر من أي شيء، ومن عظمة قول الله في هذه الآية أنها تنقسم على جزأين، الجزء الأول أو من خلال فهمي لهذه الآية حين يأكل الإنسان من الأرض لا بد أن يخرج ما يأكله، أعتقد أن هذا هو مقصود الجزء الأول من الآية، أما الجزء الثاني فيشير إلى أن الناس حين يصلون إلى الصراع والفساد في الأرض بغير الحق يكونوا بذلك اقتربوا من نهايتهم، وما يحدث في العالم من استعراض القوة في كل شيء أكبر دليل على ذلك، فلا نهاية بدون ظلم أو فساد، حتى يصبح كلام الله واقعاً، يقول تعالى: ((وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ)) سورة النمل آية 82.
وحتى يعلم الخاسرين والفاسدين والظالمين يوم الدين يقول تعالى:
((وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ)) سورة يونس آية 28.
حينئذ سوف يعلم هؤلاء أن الحياة كانت بمقدار ساعة، ذلك هو الندم ولكن دون جدوى، وقوله تعالى:
((كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)) سورة النازعات آية 46.

وقد قال الله عز وجل للناس كافة في أكثر من آية حتى يعتبروا ويتفكروا ويتدبروا قول الحق كي يتجنبوا عذاب يوم عظيم، يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) سورة الحجرات آية 13.

وهل هناك تكريم بعد تكريم الله لعباده المتقين؟!... فالأغلبية العظمى من الناس متمسكة بالحياة والصراعات فيما بينهم لأنهم لم يروا غير الحياة والقليل من الناس يسعون من أجل الآخرة كما قال تعالى: ((....... وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) سورة سبأ آي 13.
والذي يشكر هو الذي يعلم أن هناك نهاية لا مناص منها فيظل يسعى دول عمره من أجل الدفاع عن الحق وقول الحق حتى ينال رضى الله ويكون من الآمنين يوم الدين كما قال ربنا العظيم عن تلك الفئة من الناس والتي تضحي بكل شيء في الدنيا من أجل الآخرة، يقول تعالى:
((لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)) سورة الأنبياء آية 103.
وبعد ذلك لا يشعرون بذلك الفزع الرهيب، وتتلقاهم الملائكة ومهما تخيلنا نحن كبشر لا نستطيع أن نحدد قوة ذلك الفزع، ندعو الله أن يجعلنا من الآمنين يوم الدين، كما قال سبحانه وتعالى:
((مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)) سورة النمل آية 89.

فهل يستعد الناس لذلك اليوم كما يستعدون للمستقبل الدنيوي الزائل؟!... وقد حذر الله وقال لجميع الناس باختلاف أجناسهم وألوانهم أن يحذروا ذلك اليوم ويعدوا له، يقول تعالى:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ)) سورة الحج آية 1.

أما الأغلبية من الناس في كل زمان ومكان ليس لديهم خبر بما يحدث فقال عنهم من خلقهم وخلق السماوات والأرض في آيتان غايتان في التشبيه، يقول تعالى: ((ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)) سورة الحجر آية 3.

وقوله تعالى:
((إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ)) سورة محمد آية 12.
فأيهما أفضل للناس؟!... مستقبل مخلد ودائم بعد يوم القيامة، أم مستقبل وجد لكي يزول في أي لحظة من لحظات العمر؟!... وفي النهاية لن يتذكر من كانوا يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة وظلموا أنفسهم إلا حين يقفون أمام الله يوم الحساب.

رمضان عبد الرحمن علي

اجمالي القراءات 17327