فساد الأشخاص لا يعني فساد الحريات..

رمضان عبد الرحمن في الإثنين ٢٣ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

فساد الأشخاص لا يعني فساد الحريات..

 

بين تخبط الثقافات في الشرق والغرب وبين أسماء مستحدثة لم يكن لها وجود في الماضي أو ربما كان لها وجود أو اندثرت مع مرور الوقت ، ولكن الأفعال موجودة منذ بداية خلق الإنسان أي أن العدل والحرية والاستبداد والظلم موجود وأن هذه الأشياء ليست حديثة الوجود لأنها مرتبطة  بوجود البشر أينما وجدوا في أي زمان وأي مكان ، ودون الانحياز لأي ثقافة في أي مكان في العالم وإنما أنقد فقط بعض السلوكيات لبعض الأشخاص الذين يتهمون الثقافات المختلفة والمخالفة لثقافتهم ومنهجهم في الحياة حتى لو كانت هذه الثقافة المخالفة لهم ولتوجهاتهم تدعوا للعدل والحوار وحقوق الإنسان ..

 وطالما أنها ليست إنتاجا محليا دون تفكير نتصدى لها والبعض يتهم أي ثقافة أو فكر بالكفر ، وعلى سبيل المثال إذا تحدثنا عن الاشتراكية كنموذج وما تدعو إليه من تكافل بين أفراد المجتمع الواحد في كل شيء بناء المدارس والجامعات والمستشفيات ، وأن تكون هذه المؤسسات في خدمة جميع أفراد الشعب بلا تمييز لأحد عن الآخر ، وللعلم أن معظم دول العالم الأول تتطبق نظام الاشتراكية في كثير من الأمور بعلم أو بدون علم المهم أنهم يطبقون ذلك ثم تستمع للمعارضين لهذه الاشتراكية  في دول العالم الثالث يكفرون تلك النظم ، وإذا كان النظام المعارض لهؤلاء الأشخاص الذين يكفرون الاشتراكية وهي ليست ديانة إن كان هؤلاء المعارضون قادرون على الاستغناء عن هذا النظام لا أحد يمنعهم وأن يقوموا بتعليم أبنائهم في مدارس خاصة وإذا تعرض أحد هؤلاء إلى أي مرض فلا يذهب لمستشفى عام ، لأنه تابع لنظام اشتراكي فهؤلاء حين يعجزون عن الرد في أي موضوع لا يملكون إلا تكفير الآخرين أو تكفير أي نظام  دون تفكير من أين أتت مبادئ الاشتراكية ـ هل أوحى لهم الله حاشا لله ، فلابد أن يدرك هؤلاء أن الاشتراكية هي من مبادئ الإسلام أي الشيء النافع لمعظم أفراد المجتمع ، والذي يدعو للتكافل بين الناس في المجتمع الواحد ، وهم كما يقولون أن المسلمين هم من أسسوا أول بيت سمي ببيت مال المسلمين لكي تنفق منه الدولة الإسلامية على الفقراء والمحتاجين ـ فلا يجب التسرع بتكفير كل فكر مخالف ، ودون ذكر آيات قرآنية يوجد في القرآن مئات الآيات التي تتحدث عن التعاون والتكافل بين الناس ، والتي تحث أيضا على فعل الخير ، فإذا كانت الاشتراكية الحديثة ظهرت قبل مائة عام أو أكثر أو أقل فإن القرآن قد تحدث عن هذه المبادئ قبل ألف وأربعمائة عام ، ولكن يبدو أن المنافقين والذين يضللون الناس عن أي فكر يأتي من الخارج ويصورونه على انه يدعو إلى الكفر حتى يأكلوا أموال الناس بالباطل هم ومن ينافقون من أجلهم لكي لا ينفقون من أموالهم أو يشتركون في أي عمل يعود بالنفع على القطاع الأكبر من المجتمع الذي يعيشون فيه ، وأرجو أن أكون قد قدمت ولو جزء بسيط عن مفهوم الاشتراكية الحقيقي ..

 أما عن مفهوم العلمانية كما يطلقون عليها في هذا العصر وهي ليست ديانة أصلا ، وإنما فكر أو نظام ، وأن معظم دول العالم تلتزم بتطبيق هذه العلمانية والتي تنص على أن جميع أفراد المجتمع لهم حق المواطنة دون أي تمييز لفرد عن الآخر ولكل فرد حرية الاعتقاد والتعبير في كيان المجتمع الواحد ، ودون أن يجبر الإنسان أن يعتنق ديانة لا يرغب فيها ، وأن تكفل الدولة حقوق الجميع على قاعدة المساواة مع اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعتقد أن هذا ما يدعو إليه نظام العلمانية ، وأن تحترم كل فئة الأخرى وأن يتم التعايش والتعامل بلغة واحدة فقط وهي لغة الإنسانية أنت إنسان لك حقوق وعليك واجبات وأنا كذلك ، فهل من يدعون لتحقيق ذلك في الشرق والغرب يتهم بالكفر أيهم أفضل للشعوب ـ القمع والظلم والاستبداد ليظل أصحاب الكهنوت الديني هم من يقررون مصير الشعوب في أمور الاعتقاد ولذلك يقاومون بكل ما أوتوا من قوة كل فكر يدعو إلى حرية الفكر وحرية الاعتقاد في المجتمع سواء جاء هذا الفكر من الداخل أو من الخارج وقد تتعدى هذه المقاومة حد التكفير ، والسبب أنهم يكشفون عجز من يسمون أنفسهم بالكهنوت الديني ، وأن القرآن الكريم تحدث عن حرية الاعتقاد لجميع الناس ، وهذا ما يجعل هؤلاء يقولون أن الحرية تدعوا إلى الانحلال متهمين أي شخص يتحدث عن الحرية ، لأنها تكشف عجزهم أمام لغة القرآن التي لا يفهمها الكثير من الناس ومما لا شك فيه أن عصر النبي عليه السلام هو العصر الذهبي في حرية الاعتقاد وأن جميع الأنبياء جاءوا بلغة الحوار وليس الإجبار ، وهذا ما وضحه القرآن الكريم ، ولكن هؤلاء لا يقرؤون القرآن إلا للتبرك به فقط ، وأن هذه الحرية هي التي جعلت الناس تؤمن مع الأنبياء ، وعلى قياس هؤلاء وفهمهم هم بذلك يتهمون أيضا عصر النبي بأنه كان عصر انحلال لأنه عليه الصلاة والسلام أسس أول دولة مدنية يتمتع فيها كل إنسان بكامل حريته ، ولكن من الذي كان يعيش في انحلال في هذه العصور غير الذين في قلوبهم مرض مثلما يحدث في هذا العصر وكل عصر ..

وأعتقد أن أي دولة في العالم سواء أكانت تعتنق الإسلام أو غيره وتمارس في سياساتها ما يسمى في هذا العصر الحديث الاشتراكية أو العلمانية هم بذلك أقرب ما يكون لمبادئ الإسلام ، وقبل أن يتسرع أحد ويتهمني بأن هذا الكلام غير صحيح سوف أقول من أين تعلم هؤلاء الناس هذه المبادئ والقيم إلا من الكتب السماوية على مدى التاريخ ، وباعتقادي انه ليس هناك ما يسمى فكر أتى من الخارج أو خرج من الداخل وأن كل شيء موجود في كتاب الله عز وجل ، ولكن من الذي يطبق ذلك ، وإذا كان المسلمون لا يطبقون ما جاء به القرآن الكريم فهل ننتظر من غير المسلمين إذا توصلوا لأي شيء أن يقولوا هذا موجود في كتاب الله ..

وفي النهاية أقول لكل من يتخبطون في فهم ثقافات الآخرين لا تكفرون غيركم بمجرد الإختلاف في الرأي ..

اجمالي القراءات 10573