المفارقة الكبرى

يحي فوزي نشاشبي في الخميس ١٢ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

المفارقة الكبرى
تكمن في أن الحجاب الذي ارتضاه لنا الخالق ما زال محجوبا عنا


* (( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم من يخفين من زينتهن وتوبوا إg;لى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون .)) سورة رقم 24- الآية رقم 31.

* (( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيـرا .))
سورة رقم 33- الآية رقم 33.

* (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما .)) سورة رقم 33 – الآية رقم 59.

الظاهر من الآيات القرآنية المذكورة أن المسلمين الذين تلقوا القرآن فهموا واتفقوا جميعا على أن الإستجابة لأوامر الله تكمن في ما أطلقوا عليه كلمة – الحجاب بالنسبة للمرأة –
وإن نظرة في المنجد تفيد ما يلي :
حجبه - حجبا وحجابا = ستره . منعه من الدخول - حجب بينهما - حال –
تحجب - واحتجب = تســتر –
الحجاب = مصدر – يحجب (بكسر عين المضارع) – حجب - الستر وكل ما احتجب به - كل ما حال بين شيئين –
(عن المنجد في اللغة والأدب والعلوم – المطبعة الكاثوليكية – بيروت – ألفه الأب لويس معلوف اليسوعي ).
وإن هذا الفهم مستقيم ما دام مؤيدا في بعض آيات قرآنية ومنها :
رقم 53 – سورة الأحزاب .
رقم 32 – سورة – ص –
رقم 05 – سورة فصلت .
رقم 51- سورة الشورى .
رقم 15- سورة المطففين .

والظاهر كذلك أن الحجاب الذي يرضاه الله الرحمن الرحيم قد استعصى وما زال فهمه مستعصيا على المعنيين به وهم المسلمون الذين تلقوا القرآن العظيم ، ومثل هذا الإستعصاء كمثل مواضيع أخرى عديدة غير ميسورة الفهم والهضم ، والدليل القاطع هو ذلك الإختلاف الواسع الظاهر في الإختلاف في التنفيذ ، بل وإلى درجة جعلت كل فئة بما لديها من فهم وممارسة فرحة ، ومستنكرة ما عند فهم وممارسة الفئة الأخرى استنكارا حانقا ومسرفا فيه إلى الحكم على الغير بالضلال .

وإن التساؤل الذي قد يكون طرأ على كل من كان له حظ أداء فريضة الحج هو عندما يرى ويلتقي بتلك الجموع الغفيرة من الحجاج ، وإن ما يعنينا هنا هن الحاجات الإناث وهن في زي الإحرام ( الذي يبدو أنه الزي المتفق عليه )

فإذا كان المتفق عليه هو أن الحجاب المعني بالأمر والمطلوب هو زي الإحرام بالنسبة للأنثى في أداء فريضة الحج ، وأنه هو الزي المطلوب عند الخالق ، وأنه هو الزي الذي ارتضاه الخالق لمخلوقاته ، فلماذا لا يرضاه المخلوق لنفسه ؟

وإذا سأل سائل عن القرينة أو الدليل الذي يفيد بأن المخلوق غير مرتاح وغير راض بما يسره له الله في موضوع الزي الذي يجوز أو يطلب للمرأة أن تعتمده ؟ فإن الردود موجودة للأسف ، وأما الأمثلة فيمكن أن تنهل من بحر تتلاطم أمواجه خلافا واختلافا .

* فما أن تنتهي مراسيم الإحرام حتى تسارع المرأة إلى الإنسحاب أو التراجع أو الرجوع إلى الأصل ، إلى اصلها وما تأصل فيها من عادات وتقاليد وما وجدت عليه أمهاتها وما ارتضاه لها آباؤها ومعلموها ومشائخها ومذاهبها .

* إن نظرة ولو خاطفة حول المسلمات المنتسبات إلى القرآن في العالم تكفي وتفيد بما لا شك فيه ولا اختلاف أن المسلمين والمسلمات متفقون على أن لا يتفقوا في الزي الذي ينبغي أن ترتديه المرأة المسلمة لكي تكون حقا مستجيبة لأمر خالقها الوارد في كتابه المنزل . والإختلاف هو أمر وارد وبقوة في الشكل والموضوع واللون : فمن غطاء كامل شامل من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين ومن أعلى الرأس إلى أخمص القدمين كذلك ما عدا إفراج شحيح جدا للعينين الإثنتين - وآخر مشابه لكن لعين واحدة – ونوع ثالث يتميز بإفراج أوسع نسبيا للعينين - ورابع يمكن وصفه عبارة عن زنزانة انشقت أو انفتقت من سجن تمشي على رجلين متميزة بشباك كئيب كثيف رهيب تطل من خلال قضبانه عينا المتهمة المحكوم عليها ، إلى نوع خامس أسود مغطيا الجسم كله بلا أدنى استثناء أو رأفة إلى درجة جعلت أحد الأصدقاء يعلق قائلا : إن مشكلته هو عندما يلحظ هذا الزي من بعيد لا يمكن أن يثق في عينيه هو إذ يصعب عليه أن يعرف من الوهلة الأولى هل هذا الشكل القاتم هو ذاهب أو هو قادم ؟ وعندما نبقى في سرد الأشكال والألوان نقول إن سادسهم هو جسم مغطى بجلباب أو جلابية (المعروفة بشمال إفريقيا) ووجه ظاهر بكامله بعينين وحاجبين وخدين وشفتين ويدين . وهكذا ، فإن اللجوء إلى مزيد من الرسوم أو وسائل الإيضاح يصبح غير ضروري .

* (( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيـرا .))
سورة رقم 33- الآية رقم 33.

وعندما نتأمل من جديد هذه الآية - لاسيما منها ذلك الأمر - ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى- نفهم أن الأمر وأوامر أخرى معه وجهها الله أصلا إلى أهل البيت والأهم في الموضوع- حسب الظاهر دائما– هو النهي عن ( تبرج الجاهلة الأولى وصفته وشكلـه )
وأن المفروض أن التبرج في حد ذاته أسلوب وصفة معروفة عند الجميع بما في ذلك التبرج المسرف فيه حيث وصفه الله بتبرج الجاهلية الأولى الذي يكون حتما سائدا في فترة زمنية وله جذور ضاربة في التاريخ .

والســــؤال هو :
ألا يكون فهم نوعية هذا التبرج المضاف إلى حقبة من الزمن وهي الجاهلية الأولى ، ألا يكون من الواجب ومن الحكمة الإطلاع على تلك الصفة أو النوعية أو الزي ؟
وإن الإطلاع والتدقيق فيه وفي كل جزئياته ، ألا يكون ذلك مساعدا جدا بل ومن باب ( يعرف ليتقى ويتفادى ) ؟ وبالتالي للتمكن من انتهاج الوسط حتى لا يقع التطرف والتحول من نقيض إلى نقيض ؟ أو من جاهلية أولى إلى جاهلية معاصرة ؟

ألا يكون التطرف في الفهم والتطبيق نوعا من أسلوب عصيان للخالق نفسه؟ وعلى الرغم من أنه أخبرنا بأنه خلق الناس من ذكر وأنثى ، فإننا مع ذلك ومن خلال مواقفنا وممارساتنا نلمح بقوة ونكاد نصرح له بتصرفاتنا أن خلق الأنثى في حد ذاته لم يكن ضروريا أو لا محل له من الإعراب حتى لا نضطر إلى ستر عيبنا أو ضعفنا أو عقدنا أمام هذا المخلوق الذي ما زلنا ننعته بالغريب عنا ومتخذيه معلاقا لكل عيوبنا ونقائصنا وعقدنا وما زلنا متشبثين ومقتنعين ومحاولين الإقناع :
* بأن هذا المخلوق أي الأنثى خلقت من ضلع أعوج إلى اتهامها بأنها ناقصة عقل ودين
* ووأدها في التراب .
* إلى وأدها في هذا العصر اجتماعيا .
* وإلى اختلاق حجاب جديد لها يحجبها عنا ويحجب عنها الإنتقال إلى المسجد للصلاة وإقناعها بأن تصم أذنيها للنداء للصلاة من يوم الجمعة ؟ علما أن السائد أن صلاة الجمعة للمرأة غير مرحب به وغير مستساغ ومكروه ، يتراوح ما بين البدعة والإبتداع وأن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وأن ولوجها المساجد من الأمور الغريبة وأن عدم الترغيب فيه والإسراف في الترهيب فيه من علامات الوقار والورع للرجل .
* عدم تشجيعها الخروج إلى المسجد للصلاة المفروضة وبالمقابل تشجيعها لفظا وتلميحا وبل تصريحا إلى فائدة خروجها ليلا من دارها للمسجد - لا لتصلي الفرض - لكن لتسمع الوعظ والإرشاد لاسيما في ليالي رمضان ثم لتصلي التراويح . وما أن يخرج رمضان ويدخل شوال حتى تدخل المرأة بيتها منتظرة دوران الحول لتصلي في المسجد صلاة التراويح .
* وإلى اعتبارها متهمة أصلا إلى أن تثبت براءتها بقدرة القادر .
* وأن عفتها هي في إغراقها في جهل مطبق . وما إلى ذلك من مواقف ومواعظ وفتاوى لا تكاد تنضب .

• (( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما .)) سورة رقم 33 – الآية رقم 59.


وعندما نكرر التأمل والتدبر في الآية رقم 59 في سورة 33 :
ألا يمكن أن يكون الحجاب للمرأة هو أصلا لصالحها وللتعبير عن احترامها كمخلوق كرمه الله كما جميع مخلوقاته ؟ (( ولقد كرمنا بني آدم وجعلناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا )) الإسراء الآية رقم 70.
ألا تكون الجملة - ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين - ذات حمل مبارك ولما تضع حملها إلى يومنا هذا ؟ ألا يمكن أن يكون مولود هذه الجملة مولودا مباركا ومفتاحا لما انغلق علينا ؟ وهو إبعاد أي أذى عن المرأة ؟
ألا يكون الزي أو الحجاب الذي يرتضيه لنا الله هو في ذلك الذي يبعد الأذى عن المرأة ويجلب أو يجذب لها كل احترام وكل القيم الإنسانية لا أقل ولا أكثر ؟ وبدون أن يهم كثيرا أو قليلا الشكل ؟

وإن الطامة الكبرى هي أن يحل في يوم من الأيام المحتوم وهو حلول يوم الدين ، والمسلمون ما زالوا مختلفين في هذا الموضوع وما معه من المواضيع التي أرادها الله واضحة وأردناها نحن غير ذلك .

ألا تكون المفارقة هي أن موضوع الحجاب بالذات ما زال محجوبا عنا ؟

اجمالي القراءات 10807