تبيان لعقيدة أهل الكتاب
دراسة علمية في مصادر الكتاب المقدس

مهيب الأرنؤوطي في الإثنين ٠٩ - يونيو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

إن تحريف نصوص التوراة والإنجيل أصبح حقيقة واقعة لا يمكن أن ينكرها أكبر أساتذة جامعات اللاهوت في العالم، وكذلك مجمع الفاتيكان (القبلة الأولي للمسيحية في العالم) من أكابر الأساقفة والبطريركات والبابوات في جميع أنحاء العالم، وقد ظهر هذا جلياً في مقدمات كتب التوراة والإنجيل بمختلف طبعاتها وتراجمها مجمعين جميعهم علي فقدان النص الأصلي تماماً، وإن إعادة طبع كتبهم التي يعتبرونها مقدسة (التوراة والإنجيل) ما هي إلا محاولة للصول إلي ما يقارب النص الأصلي الذي Ãilde;صبح الوصول إليه حلماً وردياً وأمنية بعيدة المنال.

وقد كتب هنا بعض الأخوة الأفاضل في هذا الموضوع، فمنهم من ادعي أن التوراة والإنجيل غير محرفين، وعندما سألناه عن النسخة الأصلية لهما لم نجد منه أي إجابة، وبعد ذلك قام أخ فاضل آخر وهو الأستاذ (علي علي) بالرد عليه في مقالة أخري عنوانها (الرد علي الموسوي حول تحريف التوراة والإنجيل)، وقد أعجبتني مقدمة مقاله التي قال فيها:

(بداية تنشأ المشكله عندما نكون ملكيين اكثر من الملك يعنى عندما نريد ان نبين احترام الإسلام والقران للأديان الأخرى فيجب علينا أن نعصر أفكارنا دون داعى وان نضع خدودنا على الارض كمداسا ( للآخر) حتى يرضى عنا ضاربين بثوابتنا عرض الحائط).

وبالطبع فأنا أتفق معه تماماً في تلك المقولة التي أضحت حقيقة ملموسة بدأت تفوح رائحتها غير الطيبة في هذا الموقع، فكان لزاماً علي أن أوضح الأمر بطريقة علمية لا تقبل الجدل أو المراء لكي أقوم بتصحيح ما يعتقده البعض حول تلك الكتب التي لم يحفظها الله تعالي.

وقد اعتمدت في تلك الدراسة علي أهم مراجع المسيحية التي كتبها كبار أساتذة جامعات اللاهوت في العالم أجمع، والتي يستقون منها عقيدتهم من الطبعات المختلفة والمنقحة لكتبهم كلما لزم الأمر ذلك...!!... كما أنني تعمدت ألا أذكر آراء بعض المسلمين في هذا الموضوع، إذ أن الآراء التي أوردتها هنا هي آراء مسيحية صرفة حتي لا يتهم البعض تحيز المسلمين لدينهم، كما تعمدت أيضاً الإيجاز هنا كي لا أطيل علي القارئ، ولو كتبت في ذلك الموضوع بإسهاب لملأت مجلدات ومجلدات مما يقولونه هؤلاء الدكاترة والأساقفة وعلماء اللاهوت!!.

وسوف يجد القارئ الكريم أن الفقرات التي اقتبستها من المراجع تكون بين قوسين كالآتي (((((....))))) وتلك الأقواس باللون الأخضر، أما تعليقاتي فتخرج عن تلك الأقواس حتي يتيسر للقارئ سهولة التمييز بين كلامي وتعليقاتي الشخصية، وبين اقتباساتي من المراجع التي سوف أذكرها الآن.


المراجع التي اعتمدت عليها في كتابة المقالة:

1- (الكتاب المقدس طبعة بيروت "لا مانع من طبعه، الحقير أغناطيوس زيادة مطران بيروت"، بيروت 140 كانون الثاني 1983).
2- دار الكتاب المقدس بمصر (طبعة العيد المئوي 1883- 1983).
3- الكتاب المقدس (دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط) تابع مرجع (2) من قائمة المراجع العربية.
4- كتب الشريعة الخمسة (التكوين- الخروج- الأحبار- العدد- التثنية- الاشتراع) دار المشرق ش.م.م بيروت.
5- الكتاب المقدس العهد الجديد (الطبعة العاشرة) أعيد النظر فيها علي أحدث الدراسات الكتابية (منشورات دار المشرق ش.م.م- بيروت).
6- الكتاب المقدس العهد الجديد (الطبعة الخامسة، منشورات المطبعة الكاثوليكية- بيروت).
7- المسيح في مصادر العقائد المسيحية (خلاصة أبحاث علماء المسيحية في الغرب).
8- اختلافات في تراجم الكتاب المقدس وتطورات هامة في المسيحية.

والآن علي بركة الله نبدأ البحث:

تقول دائرة المعارف الأمريكية (Encyclopedia Americana, 1950, Vol. 3 pp.):


(((((لم تصلنا أي نسخة بخط المؤلف الأصلي لكتب العهد القديم، أما النصوص التي بين أيدينا فقد نقلتها إلينا أجيال عديدة من الكتبة والنساخ، ولدينا شواهد وفيرة تبين أن الكتبة قد غيروا بقصد أو بدون قصد في الوثائق والأسفار التي كان عملهم الرئيسي هو كتابتها أو نقلها، وقد حدث التغيير بدون قصد حينما أخطأوا في قراءة أو سماع بعض الكلمات أو في هجائها أو أخطأوا في التفريق بين ما يجب فصله من الكلمات وبين ما يجب أن يكون تركيبا واحداً.

كذلك فإنهم كانوا ينسخون الكلمة أو السطر مرتين، وأحيانا ينسون كتابة كلمات بل فقرات بأكملها، وأما تغييرهم في النص الأصلي عن قصد فقد مارسوه مع فقرات بأكملها حين كانوا يتصورون أنها مكتوبة خطأ في صورتها التي بين أيديهم.

كما كانوا يحذفون بعض الكلمات أو الفقرات أو يزيدون عن النص الأصلي فيضيفون فقرات توضيحية.

وهكذا.... لا يوجد سبب يدعو للافتراض بأن وثائق العهد القديم لم تتعرض للأنواع العادية من الفساد النسخي علي الأقل في الفترة التي سبقت اعتبارها أسفاراً مقدسة.

لقد كتبت أسفار العهد القديم علي طول الفترة من القرن الحادي عشر ق.م إلي القرن الأول ق.م، وأخذ صورته النهائية في القرن الأول الميلادي.

وعلي مدي القرون الطويلة التي كتبت فيها أسفار العهد القديم نجد أن نصوصه قد نسخت مراراً وأعيدت كتابتها باليد، وقد حدثت أخطاء في عملية النسخ، وكان يحدث أحياناً أن بعض المواد التي كتبت علي هامش النص تضاف إليه.

وقد أكد اكتشاف وثائق البحر الميت (عام 1947) ضرورة إدخال بعض التغييرات علي النسخة العبرية الحديثة في سفر أشعياء
))))).

ويقول المدخل إلي العهد القديم (مرجع 4) في ترجمة التوراة للكاثوليك تحت عنوان: (تشويه النص):

(((((لا شك أن هناك عدداً من النصوص المشوهة التي تفسد النص المسوري (العبري) الأول عن النص الأصلي، فمن المحتمل أن تقفز عين الناسخ من كلمة إلي كلمة تشبهها وترد بعد بضعة أسطر مهملة كل ما يفصل بينهما.

من المحتمل أيضاً أن تكون هناك أحرف كتبت كتابة رديئة فلا يحسن الناسخ قراءتها فيخلط بينها وبين غيرها.
وقد يدخل الناسخ في النص الذي ينقله لكن في مكان خاطئ تعليقاً هامشياً يحتوي علي قراءة مختلفة أو علي شرح ما، والجدير بالذكر أن بعض النساخ (الأتقياء!!!) أقدموا بإدخال تصحيحات لاهوتية علي تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطر.

وأخيراً فمن الممكن أن نكتشف ونصحح بعض النصوص المشوهة باللجوء إلي صيغ النصوص غير المسورية (العبرية) في حالة كونها أمِنت من التشويه، ولكن أي صيغة من النص نختار؟؟.... أو بعبارة أخري: كيف الوصول إلي نص عبري يكون أقرب نص ممكن إلي الأصل؟

لم يتردد بعض النقاد في تصحيح النص المسوري كلما لم يعجبهم لاعتبار أدبي أو لاعتبار لاهوتي، وتقيد البعض الآخر كرد فعل بالنص المسوري إلا إذا كان تشويهه واضحاً فحاولوا حينئذ أن يجدوا بالرجوع إلي التراجم القديمة قراءة فضلي.

وبالطبع فإن هذه الطرق غير علمية، ولا سيما الأولي منها فهي ذاتية لحد الخطر، لكن الحل العلمي الحقيقي يفرض علينا أن نعامل الكتاب المقدس كما نعامل جميع مؤلفات الحضارة القديمة، أي نضع (شجرة النسب) لجميع ما نملكه من الشهود بعد أن نكون قد درسنا بدقة فائقة مجمل القراءات المختلفة: النص المسوري ومختلف نصوص (وادي) قمران والتوراة السامرية، والترجمات اليونانية السبعينية (مع مراجعاتها الثلاثة المتعاقبة) وغير السبعينية، وترجمات الترجوم الآرامية، والترجمات السوريانية، والترجمات اللاتينية القديمة، وترجمة القديس إيرونيميس، والترجمات القبطية والأرمانية.... الخ.

وبهذه المقارنات كلها قد نستطيع أن نستعيد النموذج الأصلي الكامل في أساس جميع الشهود، وهذا النموذج الأصلي يرقي عادة إلي حوالي القرن الرابع قبل المسيح، ولسوء الحظ لم تنشر نصوص قمران كلها إلي اليوم، وهذا العمل النقدي يتقاضي من الكفاءات ومن الأبحاث ما يستغرق عشرات النسين
))))).

أي إن الترجمة عملية نقل أو تحويل من لغة إلي أخري، ومهما كانت القدرة والأمانة فلا بد من وجود قدر ما من الحيود عن الأصل يتوقف علي إمكانات المترجم ومكونات اللغتين (الأصل والصورة)... الخ، فإذا تدخلت عوامل أخري مثل معتقدات المترجم وأهواءه ذهبت الصورة بعيداً في طريق المسخ والتشويه، وهذا من أصدق الأدلة علي تحريف النص التوراتي والإنجيلي علي حد سواء، وقد يلاحظ القارئ الكريم أنه لا يمكن ترجمة القرآن لفظاً مهما كانت الظروف، ولكنه قد يترجم معني فقط، وهذا بالطبع من أصدق الأدلة أيضاً علي دقة حفظه.

ثم تقول مقدمة الترجمة القياسية المراجعة standard version revised:


(((((إن الترجمة القياسية المراجعة للكتاب المقدس إنما هي عملية تنقيح مرخص بها للترجمة القياسية الأمريكية التي نشرت عام 1901، والتي كانت هي الأخري تنقيحاً لترجمة الملك جيمس التي نشرت عام 1611.

إن أول ترجمة إنجليزية للكتاب المقدس عملت بصورة مباشرة عن الأصل العبري والإغريقي، وكانت أول ترجمة مطبوعة من عمل وليام تندال، فقد واجه معارضة مريرة واتهم بتعمد إفساد معني الكتاب المقدس وأمر بإحراق ترجمة للعهد الجديد باعتبارها تراجم زائفة، وأخيراً تم تسليمه غدراً ليد أعدائه، حيث تم إعدامه علي رؤوس الأشهاد حرقاً بالشد علي الخازوق في أكتوبر 1536.

ومع ذلك فقد أصبح عمل تندال هو الأساس للتراجم الإنجليزية اللاحقة وخاصة كوفردال في عام 1535، وتوماس متي 1537، وجينيف في عام 1560.... الخ.

إن المترجمين الذين عملوا نسخة الملك جيمس قد أخذوا في حسابهم كل تلك التراجم السابقة وترينا المقارنة أن هذه الترجمة قد أخذت أشياء من كل ترجمة سابقة، كما أنها أخذت الكثير وخاصة في العهد الجديد من ترجمة تندال، وقد أصبحت ترجمة الملك جيمس هي النسخة المعتمدة للشعوب الناطقة بالإنجليزية.

وعلي الرغم من ذلك فإن نسخة الملك جيمس بها أخطاء كثيرة، ففي منتصف القرن التاسع عشر أظهرت بوضوح دراسات الكتاب المقدس واكتشاف الكثير من المخطوطات الأكثر قدماً من تلك التي اعتمدت عليها ترجمة الملك جيمس.. إن تلك الأخطاء من الكثرة والخطورة مما استدعي تنقيحاً للترجمة الإنجليزية.

ولقد كانت نتيجة ذلك العمل هو إصدار الترجمة الإنجليزية المراجعة Revised standard vergion في الأعوام 1881- 1885، ونظيرتها الترجمة القياسية الأمريكية standard vergion American في عام 1901.

واستمرت عملية تنقيح التراجم ومراجعتها (ولا تزال) إلي أن صدرت الترجمة القياسية المراجعة Revised standard vergion للكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد في عام 1952
))))).

إن هذا القول يكفي للبرهنة علي وجود أخطاء في التراجم، وإلا لما كان هناك داع لإعادة النظر فيها بقصد التنقيح والتعديل، وهي عملية مستمرة طالما فُقد النص الأصلي، ولن يتوقف إلا بالعثور علي ذلك الأصل المفقود، وهو أمل طالما اعترف أهل العلم والاختصاص بأنه بعيد التحقيق، إن لن يكن محض خيال، ألم يكن هذا من أصدق الأدلة أيضاً علي تحريف التوراة والإنجيل؟؟...!!

هذا ويختلف اليهود والسامريون بشأن التوراة، فالسامريون لا يعترفون إلا بالأسفار الخمسة الأولي من التوراة من آدم إلي موسي وينكرون الباقي بحجة وجيهة، وهي أنها أسفار تاريخية ومذكرات تروي أحداثاً وقعت لبني إسرائيل بعد موسي بمئات السنين، ولا يد لموسي فيها، وإنما هي كتابات كتبها أصحابها ولا يصح تضمينها في الكتاب المقدس، ويختلف المسيحيون كذلك في أمر التوراة... بروتستانت وكاثوليك، فالكنيسة البروستانتية، قد حذفت من التوراة أسفار باروخ وطوبيا ويهوديت والمكابين الأول والمكابين الثاني، وبعض أستير وبعض دانيال، ولا تعترف الكنيسة البروستانتية بهذه الأجزاء وتقول أنها محسوبة علي التوراة بينما تعترف بها الكنيسة الكاثوليكية.

هذا ويؤمن المسلمون بأن التوراة أنزلت علي موسي بوحي سماوي، ولكنهم يقولون إن التوراة الموجودة المتداولة قد دخل عليها التبديل والتحريف... وأن القرآن يؤكد هذا الكلام بما ذكره عن اليهود وكتابهم، (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً...) (البقرة 79)، وبروايته عنهم... (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (المائدة 13).

يقول اليهود أن توراتهم لا تقول بنزول عيسي الناصري أو محمد، وفي رأيهم أن عيسي ومحمد كليهما دجال ومدعي، إذن فنحن أمام كتاب هو محل شك من جميع الطوائف.... وكل طائفة قد تحفظت بشأنه علي طريقتها.

والقراءة المتأنية للتوراة المتداولة لا يخرج منها القارئ بأنه أمام كتاب أوحي به الله، فالأنبياء الذين تعارفنا علي إجلالهم واحترامهم نراهم في التوراة عصبة من الأشرار، سكيرين ولصوصاً زناة وكذابين ومخادعين وقتلة (حاشاهم).... والله في التوراة (سبحانه وتعالي عما يصفون وعما يقولون علواً كبيراً) نجده يفعل الشئ ثم يندم عليه، ويختار رسوله ثم يكتشف أنه قد أخطأ الاختيار وكأنه لا يدري من أمر نفسه شيئاً ولا يعرف ماذا يخبئه الغيب، وفوق ذلك نري أن الله في تلك التوراة المكذوبة ينام ويصحو....... الخ..!!!

وتقول مقدمة كتاب (اعراضات علي العقيدة المسيحية) للمؤلفين (ماكينون، وفيدلر، وويليامز، وبيزنت):

((((((إن هذا عصر أصبحت فيه أساسيات العقيدة المسيحية موضع ارتياب، وإن الدعاوي التي تقوم ضد المسيحية لم يعد من الممكن مواجهتها بتكرار الحجج القديمة أو تلك التبريرات الواهية)))))).

ويقول فريدريك جرانت المرجع (4) ص 12، 15، 17 (F.C. Grant: The GOSPELS, Their origin and Their Growth) :

((((((إن المسيحيين الأوائل لم يكونوا يعتقدون أن كتبهم المقدسة تكون عهداً جديداً يتميز عن العهد القديم، فقد كان العهدان (اللذان نعرفهما الآن) شيئاً واحداً متصلاً، لقد كان الناموس والأنبياء والمزامير كما يذكر لوقا 24: 44 كتاباً مألوفاً لكل اليهود بما فيهم اليهود المسيحيين في فلسطين وغيرها، كما كانت مألوفة لكل المستنصرين الذين كانوا علي صلة بالمعابد اليهودية.

وعندما ظهرت أولي الكتابات المسيحية وفي مقدمتها رسائل بولس التي كانت تقرأ علي الجمهور في اجتماعات العبادة (كولوسي 4: 16)، ثم تلتها رسائل أخري وأناجيل، وقد كان ينظر إليها جميعاً باعتبارها إضافات صحيحة أو ملحق بما في أسفار الناموس والأنبياء التي كانت تُقرأ إسبوعياً في المعابد اليهودية والكنائس المسيحية

وعندما ننظر في العهد الجديد فإننا لا نتوقع أن نجد عقيدة محددة وثابتة، أو تفصيلاً كاملاً لتنظيم الكنيسة، بل علي العكس من ذلك تماما، فإننا نتوقع (وهذا ما نجده فعلاً) إقتراحات لم يعمل بها أبداً وحلول تجريبية قصد التغاضي عنها في مستقبل تطور الكنيسة.

إن العهد الجديد كتاب غير متجانس، ذلك أنه شتات مجمع، فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلي آخره، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة، وإن الإنسان يستطيع أن يتتبع بدقة ملحوظة الاتجاهات المختلفة التي سار فيها التفكير المسيحي كما يتتبع إلي حد ما التوسع الجغرافي والعددي للكنيسة، وكذلك مراحل التطور الأولي لعقيدة الكنيسة وأخلاقياتها وعباداتها وتنظيماتها
)))))).

ويقول الدكتور أودلف هرنك أستاذ تاريخ الكنيسة بجامعة برلين ص 55 في كتابه (تاريخ المسيحية المريب) وهو من أكبر العلماء في التاريخ الكنسي وله أبحاث ومؤلفات عديدة:

((((((وللكنيسة الأرثوذكسية نفس العهد الجديد المتداول بين المسيحيين الآخرين، وأما بالنسبة لقانونية أسفار العهد القديم، فإنها تستخدم الترجمة الإغريقية القديمة لهذه الأسفار والتي تعرف باسم السبعينية (التي تشتمل علي 39 سفراً الموجودة في النسخة العبرية بالإضافة إلي الأسفار المشكوك فيها والتي تعرف بالأبوكريفا، هذا مع العلم بأن كلاً من النسختين العبرية والإغريقية مختلفتان في الكثير من المواضع).

وتعتقد الأرثوذكسية أنه لو كانت المسيحية صادقة فلا يوجد ما تخشاه من التساؤلات البريئة، ولهذا فإنها لا تمنع الدراسات النقدية والتاريخية للكتاب المقدس علي الرغم من أنها تعتبر الكنيسة صاحبة السلطة الشرعية في تفسير الكتاب المقدس
)))))).

وتقول دائرة المعارف الأمريكية (page 256 American Encyclopedia):


((((((إن عقيدة التثليث قد ظهرت في القرن الرابع الميلادي علي يد اثناثيوس الذي قام بعمليات السرقة والنهب الكنسي بطريقة علينة، وقد أضيفت فقرة التثليث إلي الرسائل ظلماً وبهتاناً، ومعني ذلك أن القديس بولس (كما يسمونه) كان لا يعلم عن عقيدة التثليث شيئاً)))))).

محو صيغة التثليث من الطبعات الحديثة:

وردت هذه الصيغة في رسالة يوحنا الأولي (الإصحاح الخامس، العدد 7)، وكانت تعتبر النص الوحيد في الكتاب المقدس الذي يعطي الأساس لعقيدة التثليث التي تقول أن الثلاثة (الأب والكلمة الروح القدس) هم واحد.

لكن التراجم الحديثة للكتاب المقدس حذفتها باعتبارها نصاً دخيلاً اقتحمه كاتب مجهول منذ قرون، يقول كتاب: (هل الكتاب المقدس حقاً كلمة الله؟؟) الذي طبع في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969، ثم في بيروت بالعربية عام 1971، ويوزع كرسالة تنصيرية في صفحة 160، وهو يتحدث عن الترجمات المختلفة المتلاحقة التي من شأنها تنقية الكتاب المقدس مما قد يكون علق به من أخطاء نتيجة لقصور الترجمات السابقة ما يلي:

((((((بمقارنة أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة باعتناء، يتمكن العلماء من اقتلاع أي أخطاء ربما تسللت إليها، ومثالاً علي ذلك: الإدخال الزائف في يوحنا الأولي الإصحاح الخامس الجزء الأخير من العدد 7، والجزء الأول من العدد 8 يقول حسب الترجمة البروتستانتية العربية، طبع الأمير كان في بيروت (ونقرأ في الترجمة اليسوعية العربية شيئاً مماثلاً).

(في السماء... الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة).

ولكن طوال القرون الثلاثة عشر الأولي من الميلاد لم تشتمل أي مخطوطة يونانية علي هذه الكلمات وترجمة (حريصا) العربية تحذف تلك الكلمات كلية من المتن والترجمة البروتستانتية العربية ذات الشواهد تضعها بين هلالين موضحة في المقدمة أنه (ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها)، وهكذا تساعدنا الترجمات العصرية للكتاب المقدس الوصول إلي المعني الصحيح لما نقرأه
)))))).

تقول ترجمة الكتاب المقدس للكاثوليك:

((((((لأن الشهود في السماء ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والشهود في الأرض ثلاثة، الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة هم في واحد- 1 يوحنا (5): 7-8))))))

وتقول ترجمة الكتاب المقدس للبروتستانت:

((((((فإن الذين يشهدون (في السماء) هم ثلاثة (الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة، الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة هم في واحد)))))).

وإذا رجعنا إلي التنبيه الذي وضعته هذه الترجمة في مطلعها نجده يقول في الكلمات التي توضع بين هلالين أو قوسين ما يلي:

((((((والهلالين ( ) يدلان علي أن الكلمات التي بينها ليس لها وجود في أقدم النسخ وأصحها)))))).

((((((وفي بعض الأصول: الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، ولم يرد ذلك في الأصول اليونانية المعول عليها، والأرجح أنه شرح أُدخل إلي المتن في بعض النسخ)))))).

وهذا هو ما تقوله أيضاً ترجمة العهد الجديد من للطبعة الكاثوليكية سواء بالنسبة للمتن أو للحاشية، وتظهر صيغة التثليث هذه في ترجمة الملك جيمس الإنجليزية فقط، لكنها اختفت من كل من: الترجمة القياسية الإنجليزية، والترجمة القياسية المسكونية، وترجمة ليو سيجو الفرنسية، ومن الملاحظ أن صيغة التثليث قد اختفت من التراجم الكاثوليكية الفرنسية الحديثة التي ظهرت منذ أكثر من 75 عاماً، كما أنها اختفت من التراجم البروتستانتية الحديثة التي ظهرت منذ أكثر من أربعين عاماً، بينما هي لا تزال في الترجمة العربية للكتاب المقدس للبروتستانت، ولو أنها وُضعت بين هلالين علامة علي عدم أصالتها.

كذلك اختفت صيغة التثليث من التراجم الكاثوليكية العربية الحديثة مثل العهد الجديد للكاثوليك، والعهد الجديد للطبعة الكاثوليكية.

والسؤال الآن: من المسئول عن مصائر الملايين من المسيحيين الذين هلكوا وهم يعتقدون أن عقيدة التثليث التي تعلموها تقوم علي نص صريح في كتبهم المقدسة، بينما هو نص دخيل اقتحمته يد كاتب مجهول؟؟.....

إن الإجابة والمسئولية لتقع أولاً وأخيراً علي عاتق الذين اؤتمنوا علي الكتاب المقدس، وكانوا عليه حفاظاً ومترجمين.

اللغة الأصلية التي كُتِب بها العهد الجديد:

يقول كتاب (هل الكتاب المقدس حقا كلمة الله؟؟) ص 51:


((((((إن العهد الجديد من أوله إلي آخره هو كتاب إغريقي، فعلي الرغم من أن التعاليم الأولي الشفوية التي تختص بأعمال يسوع وأقواله لا شك أنها كانت متداولة بالآرامية، وهي اللغة التي كانت سارية في فلسطين وبعض أجزاء الشرق الأدني، وبالتأكيد بين اليهود (وهي اللغة التي تكلم بها المسيح وتلاميذه)، فإنه لم يمض وقت طويل قبل أن تترجم هذه التعاليم الشفوية إلي الإغريقية الدارجة التي كانت لغة الحديث في العالم الأبيض المتحضر، ولا تزال بقايا من الآرامية الأصلية توجد هنا وهناك، وفي أسفار العهد الجديد وعلي سبيل المثال ما نجده في إنجيل مرقس (5): 41، 15: 34)....)))))).

وخلاصة الفقرة السابقة أن اللغة التي نزل بها الإنجيل ليست معروفة حتي الآن..!!!.

هذا وقد انتهي بحثنا وخلاصته كالآتي:

1- إن العهد القديم موضع شك بين جميع الطوائف، فهناك أسفاراً معترف بها عند البعض وغير معترف بها عند البعض الآخر....


2- إن أقدم نسخة تم كتابتها بالنسبة للعهد القديم كانت بعد وفاة النبي الكريم موسي عليه السلام بحوالي 764 سنة، أما ترجمتها بالعربية فكانت في القرن الرابع الميلادي.


3- إن كتاب العهد الجديد (متي- لوقا- يوحنا- مرقس) لم يكونوا شهود عيان، فقد تم كتابة أول إنجيل (متي أو مرقس) وليس المعروف حتي الآن أيهما كتب قبل الآخر بسبعين سنة بعد وفاة المسيح، أما آخر إنجيل وهو يوحنا فقد كتب بعد 125 سنة بعد وفاة المسيح.


4- إن هناك تناقضاً صارخاً بين الأناجيل الثلاث (متي ولوقا ومرقص) وبين الإنجيل الرابع يوحنا مما أفقد باقي الأناجيل مصداقيتها.


5- إن صيغة التثليث التي يتشهد بها المسيحيون قد حدفت من متن جميع الكتب الحديثة وكذلك التراجم الإنجليزية والفرنسية لتوضع في الحاشية لتشير بذلك إلي أنها عبارة دخيلة علي هذا الكتاب وأنها لا توجد في أقدم النسخ.


6- يحاول أساتذة جامعة اللاهوت أن يصلوا إلي النص الحقيقي ولكنهم عجزوا تماماً، فحاولوا أن يصلوا إلي نص يقارب النص الحقيقي ولكنهم أيضاً قد فشلوا فشلاً ذريعاً، فلم يبقي لهم إذن إلا صرخة حسرة تقول (يا سوء طالعنا)...!!!


7- إن ترجمة الكتاب المقدس إلي لغات مختلفة ثم إعادة ترجمتها مرة أخري لنفس اللغة التي كان عليها أفقدت نصوصه معان كثيرة فجعلت الاختلاف يدب بين الطوائف المختلفة حول هذا الكتاب الذي أصبح غير صالحاً كمرجع تاريخي فضلاً عن عدم صلاحيته ككتاب عقيدة.


8- إن عمليات النقل المتتالية والمتكررة جعلت عين الناسخ تقفز إلي كلمة غير الكلمة وعبارة غير العبارة، هذا ناهيك عن سقوط بعض تلك الكلمات أو العبارات سهواً وهذا قد يتم بدون قصد، أما الذي كان يتم بقصد فهو تصحيح عبارات لم تدخل عقل الناسخ!!... أو إضافة شئ يمليه عليه هواه، فأصبح هذا الكتاب يخصع لأهواء النساخ والمراجعين حسبما يتفق ذلك مع أغراضهم ونواياهم.


9- إن علماء المسيحية وكبار أساتذة اللاهوت في العالم لم يجدوا كلمة يعبرون بها عن كل ذلك أفضل من كلمة (تـــــحريـــــف)..!!

وأخيراً:

يقول الله تعالي في كتابه الكريم:

(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) (المائدة 77).

(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة 79).

(فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ) (المائدة 13).

(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (المائدة 15).

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ*لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة 72، 73).

هدانا الله وإياكم وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

اجمالي القراءات 9727