حد الردة
مفهوم حد الردة يقتل عقل الامة

زهير قوطرش في الأربعاء ١٩ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 مفهوم حد الردة يقتل عقل الامة.

من المؤسف جداً أن نقرأ ،ونحن في هذا العصر،أن أحد علماء الدين في المملكة العربية السعودية ، رجل الدين المتشدد عبد الرحمن بن ناصر البراك ، ،قد أصدر فتوى بالتكفير ، والتحريض على قتل كل من الكاتبين السعوديين بجريدة الرياض ،عبدالله العتيبي ،ويوسف ابا خليل على خلفية مقالين نشرا في الجريدة ،وعبر العتيبي عن استغرابه من فتوى البراك وقال أنها تنتمي للعصور الوسطى ،وعنوان المقالين "اسلام النص ،واسلام الصراع" والأخر " الأخر في ميزان الاسلام" أ&;ما مضمون فتوى البراك فقد جاء فيها " إن من نواقض الاسلام اعتقاد أن احداً يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ،فمن زعم أن اليهود أو النصارى أو غيرهم أو طائفة منهم لايجب عليهم الايمان بمحمد ،ولا يجب عليهم اتباعه ،فهو كافر وإن شهد" أن لا إله إلا الله ،وأن محمداً رسول الله".وأضاف" من زعم أنه لايكفر الخارجين على الاسلام الذي بعث الله محمداً (ص) إلا من حاربه أو زعم إن شهادة ألا إله إلا الله لاتقتضي الكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه ومن عابد له ،ولا تقتضي نفي كل دين غير دين الاسلام ،مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين"لإنه يكون قد وقع في ناقض من نواقض الاسلام ويجب ان يحاكم ليرجع عن ذلك ،فإن تاب ورجع ,فإلا وجب قتله مرتداً عن دين الاسلام ،فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ،ولايرثه المسلمون"
هذه الفتوى وأمثالها ،مع كل اسف تغتال عقل الامة ،وتحكم على عقول افرادها بحد الردة،أي بقتل العقل ،لأن هذه الفتوى وأمثالها لاتتعلق لامن قريب أو بعيد ،بمفهوم حد الردة المتعارف عليه اسلاميا ،ألا وهو تبديل الدين والخروج عن الجماعة ،مع العلم أن هذا الحد ،يتناقض وصريح نص القرآن في قوله عز من قائل " لا اكراه في الدين" ،وإن اختلفت الاراء حول حد الردة ،فإن هذا الموضوع مازال ضبابياً ،وغير واضح ،فالبعض يخلط مابين تبديل الدين.والخيانة العظمى ،أي خيانة الوطن ،فقولهم "مفارق الجماعة " أي ما معناه وعلى لسان أحد علماء الازهر ،كونه قد ينقل الاسرار الى الطرف المعادي" وهنا لا افهم أية اسرار هذه ؟؟؟؟هل هي اسرار الدولة أم اسرار الدين ،فإن كان المقصود اسرار الدين ،فلا اعتقد أن ديناً مثل هذا الدين الذي نزل للناس أجمعين فيه اسرارلايمكن ان يضطلع عليها اصحاب الديانات الأخرى ، وإذا كان قصده اسرار الدولة فهذا يدخل تحت بند الخيانة ،ويحاسب عليه قانونيا ،وليس بفتوى دينية.وقد أورد ان النبي قتل المرتدين ،الذين انتقلوا الى المعسكر المعادي ،وإن حدث ذلك فعلاً ،فهو لم يطبق حد الردة المزعوم ،ولكنه طبق روح القانون الذي يتعلق بأمن الدولة.
المشكلة في هذه الفتوى ،كون المتهم الاول والمتهم الثاني ،لم يرتدا عن الاسلام ،ولم يفارقا الجماعة ،كل ما هنالك ابديا راياً فكريأً يمثل قناعات كل واحد منهم كونهما ايضا من الاعلامين واصحاب الفكر ، لم يحملا السلاح بل كل منهم يحمل القلم ،ويكتب في صحيفة الوطن السعودية ،أي صحيفة محلية...بمعنى أنهما لم يكتبا في صحيفة معادية...
والغريب في الامر ،ورغم الحيثات التي اوردتها ،فأنني أستغرب صدور مثل هذه الفتوى ،التي تكفر صاحب الراي ،والتي تكفر المثقفين إذا خالفوا راي سدنة الشرك الاسلامي .وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله . ورغم ذلك ،فإن الشيخ العلامة ،بعلوم العقيدة والتوحيد ،يسمح لنفسه اصدار مثل هذه الفتوى الغريبة والعجيبة ،حتى أني سمعت من بعض المعلقين المدافعين عن الشيخ ،أنه اصدر فتوى ولم يصدر حكماً ،أي غباء هذا ... كيف قتل فرج فوده ..الم يقتل بفتوى مماثلة لهذه الفتاوى المعتوهة،ألا تكفي هذه الفتوى لتدفع أحد الشاذين الذي يريد أن يدخل الجنة بقتل الناس ،فيقتل الكاتبين  ذلك بحجة صدور الفتوى ضدهما من مرجعية تمثل الحاكمية الآلهية ،وأنه بذلك ينفذ أمر الشرع... ألم يقل بن لادن يوما أنا لم اقتل احدا ،كل ما هنالك أنني اصدرت الفتاوى ،والأخرون جزاهم الله خيرا قاموا بالتنفيذ......
في النهاية ،فأني اعتقد جازما مرة أخرى،ان هذه الفتاوى ما هي إلا لقتل عقل الامة وأرهاب افرادها ،إن هم تجرأوا على استخدام عقولهم ،وخالفوا بذلك فكر سدنة الاديان الارضية ،لأن هؤلاء السدنة شعروا بأن الامر قد اصبح يخرج عن نطاق سيطرتهم واستبداهم ،فكان لابد من استخدام هذا الاسلوب .
لقد شعروا ان وصايتهم على الدين ،والفكر ،وحرية التعبير ،قد بدات تهتز من تحت أقدامهم الراسخة في وحل الاستبداد الفكري ،لقد شعروا ، أن الامة بدات تعي أنه لاوصاية لأحد على عباد الله ، "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وان مسألة الايمان والكفر هي بيد الخالق .وثوابها وعقابها يوم الدين.وأنه يحق لأي إنسان مسلم أو غير مسلم أن يبدي رأيه بحرية ،حتى في أمور العقيدة ،وعلى اصحاب العقائد أن يردوا عليه بالفكر ،الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة . لإن مبدأ التكفير ،والقتل ،ومصادرة الرأي ،تحت مزاعم الوصاية على الحقيقة المطلقة ،ما هي إلا أوهام القرون الوسطى التي انتهى زمانها.وأحب أن اضيف أن هنالك فتاوى أخرى في عالمنا الاسلامي ،هذه الفتاوى تصدر عن بعض الذين يعتقدون أنهم حريصون على الدين ،أكثر من حرص رب العالمين ،الذي تكفل هو بحفظه من خلال حفظ مرجعيته ،فيفرضون على الأخرين أرائهم ،باعتبارها أيضا مقدسة ،وهي الحقيقة بعينها ... نسي هؤلاء أن مثل هذه الممارسات ،في النهاية تصب في خانة الشيخ البراك ,إن كانت لاتكفر ،ولكنها تغتال العقل المسلم ايضاَ .....والله أعلم.

اجمالي القراءات 20122