لماذا يكره أقباط المهجر الإسلام؟

محمد عبد المجيد في الثلاثاء ٢٥ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نشرت مقالات عدة عن هموم الأقباط ومن بينها المقال التالي والذي مضت عليه أربع سنوات تقريبا، وحدثت خلالها تطورات خطيرة كادت تؤدي بالوطن إلى فتنة طائفية لا تختلف نتائجها عن طاعون يضرب أبناء الشعب في مقتل.

أربعة أعوام وعالم ( الانترنيت) يستقطب مساحات واسعة من التطرف، ويفسح المجال للحمقى، ويؤسس لفكر البلاهة، وينشيء المتخلفون مواقع ومنتديات يشرف عليها أمْيّون يحمل كل منهم وسامَ الغباء من الدرجة الأولى واستحقاق الاعاقة الذهنية من الدرجة الممتازة.

وعلى الرغم من أنني كتبت كثيرا عن التطرف باسم الاسلام الحنيف إلا أن الخوف على الوطن منعني من كشف الوجه القبيح لتطرف قبطي يحمل سيارات مفخخة في الألسن والأقلام، ويقذف كراهية كأن الاسلام والمسلمين أضحوا هم العدو الأول ظنا من هؤلاء الكارهين أنهم يدافعون عن حقوق أهلهم في مصر ضد ما أطلقوا عليه الهيمنة الاسلامية أو الاستعمار الاسلامي.

وقبل أن أنشر مقالي أرى ضرورة ربطه بهذا المقال الذي نشرته منذ أربعة أعوام وتأثر به كثيرون حتى أن مواطنا قبطيا أرسل لي من مهجره يخبرني بأن دموعه غلبته، وأنه اشتاق لمصر كثيرا بعد ثلاثة عقود في الغربة، وأنه بعدما أقسم أن لا يُحَدّث مسلما قرر أن يعيد النظر في كراهيته للاسلام والمسلمين، وأنه في شوق شديد لسماح لغة التسامح من القرآن الكريم ومن أصوات أبناء بلده المسلمين.

قرأت مؤخرا ما أفزعني ، وجعل جسدي كله يرتعش خوفا ورعبا وهو، أي الجسد، الذي لم يهدأ رعبه في ربع قرن من هول جرائم الطاغية حسني مبارك.

قرأت دعوات من أقباط لحرب أهليه، ولسفك دماء، ولتقسيم مصر، ولحمل السلاح وذبح المسلمين.

وقرأت وسمعت ما يشيب له شعر الجنين، ورأيت المشهد المصري المستقبلي بين سوط جمال مبارك وفتنة عارمة تحرق الوطن كله، فكتبت مقالي ( لماذا يكره أقباط المهجر الاسلام ؟ ).

أعرف أن صوت العقل هنا سيغيب من الطرفين، وسأرفض أي حوار مع مصري يتهم صاحب الدين الآخر بأنه السبب الرئيس في تلك الفتنة اليقظة لمجتمع نائم.

مقالي الأول ثم يعقبه الثاني وبينهما سنوات أربع ليس دعوة للكراهية أو لكشف حساب أو لمزيد من الاتهامات، لكن نداء لايقاف الحمقى عن التأثير في العامة، وايقاف نزيف الكراهية باسم الدين.

يستطيع أي صاحب دين أن يقنعنا أنه من أصحاب الجنة، لكنه لن يتمكن من التحدث باسم العلي القدير ويقرأ على مسامعنا أسماء أهل النار كلهم.

التسامح في عصرنا أكثر صعوبة من الكراهية، والهجاء والذم والقذف يمكن استدعاؤها بأسرع من كلمات الحب والرحمة والعدالة.

سيرقص مبارك طربا إن أحرق المصريون، من مسلمين ومسيحيين، وطنهم الأم، لكن أبواب الجنة ورحمة الله ستنفتح على مصراعيها لو اكتشف المصريون فجأة أنهم أصحاب هذه الأرض بعقد تمليك لا يفرق بين أي منهم، وسيُغضب حديثي هذا مسلمين وأقباطا تسبق أنيابَهم ألسنتُهم، ويرفعون المصاحف أو الأناجيل فوق السيوف التي لن تقرأ ما فيها وهي تمزق أجسادهم.

عندما تقول بأن الآخر هو الذي بدأ العدوان والكراهية فأنت مُساهم جيد بمسمار في نعش الوطن.

الدخول إلى المنطقة المحرمة .. أقباطنا شركاء الوطن

أوسلو في 15 مارس 2002

الدخول إلى المنطقة الوعرة في النسيج المصري تحتاج إلى تصريح نفسي وفكري ووجداني واستعداد كامل للتعرض لأشد أنواع النقد إيلاما، فالمنطقة القبطية في المشهد المصري، ظلت تسبق الدخول إليها أو الحديثَ عنها أو الإشارةَ لبعض مشاكلها علاماتُ استفهام من المسلمين والأقباط والأمن والسلطة العليا، والسبب أنها تمس وترا حسّاسا يضيق به الجميع، ولا يتسع له صدر أي فئة، وتراه السلطة تدخلا في شؤونها بحكم ثقافة الوصاية التي تتحكم في معظم شؤون حياتنا.
وعورة المنطقة القبطية في النسيج المصري تزداد صعوبة عندما تسيء السلطة فهم أيّ طرح، فتتولى على الفور تقسيمه ما بين مؤيد لمطالب غير عادلة ومعارض لمطالب عادلة!



هناك أيضا حالة شبه اليأس تنتاب جميع قطاعات الشعب ناتجة عن مئات التجارب الواقعية التي تثبت حقيقة عدم اكتراث السيد الرئيس لأي نداء أو صراخ أو شكوى، وهو أمر لا يتعلق بأقباط مصر فقط، لكنه حالة عامة صبغت الحياة اليومية المصرية وعلى رأسها علاقات رئيس الدولة بمواطنيه، فسياسة الرئيس تقوم على "تجنب وجع الرأس" بمشاكل المصريين التي لا تعد ولا تحصى، فالمصريون كما يراهم الرئيس لهم رب يحميهم.
نكتب عن هموم قبطية من منطلق إسلامي علمنا إياه الدين الحنيف، فحقوق أقباط مصر ينبغي أن لا تختلف قيد شعرة عن حقوق مسلميها.
وأقباط مصر ليسوا طائفة أو أقلية أو عنصرا آخر من عناصر الأمة لكنهم مصريون فتحوا للمسلمين صدورهم وعقولهم منذ أكثر من ألف عام، وفضلوا الاحتفاظ بدينهم ولم يتأخروا عن الذود عن وطنهم، معقل الإسلام، وهم بالتالي ليسوا أهل ذمة أو رعايا دول أجنبية وإنما موطنون لهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم نفس الواجبات.
التسامح هو القيمة الكبرى التي تحفظ للوطن قدسيته وأمنه وسلامه، ولكن هذه القيمة تراجعت كثيرا منذ أن بدأ الرئيس الراحل أنور السادات في تغذية التطرف الديني وإذكاء نار الفتنة الطائفية، وبدأت الجماعات الإسلامية باكتساح قيم و مبادئ الوطن لتحل محلها نعرات طائفية وعنصرية وكان أمرا طبيعيا أن أفعى التطرف والتزمت والتشدد التي أخفاها الرئيس الراحل في صدره قد لدغته أولا ثم توجهت لتمزق أجزاء من الوطن في صورة الإرهاب وقتل السياح ومهاجمة الأقباط ومطاردة المفكرين والأكاديميين والإعلاميين.
المرة الأولى التي قرأت فيها الوصايا العشر لجماعة الإخوان المسلمين كانت منذ خمسة وثلاثين عاما وقفت صامتا ومندهشا أمام المبدأ التاسع الذي يقول: احرص على أن لا يقع القرش إلا في يد أخيك المسلم!
وهي دعوة عنصرية طائفية تناهض تماما مبادئ الإسلام العظيم، وتقف علي النقيض من دعوة نبي الإسلام محمد بن عبد الله، صلوات الله وسلامه عليه، الذي يوصي خيرا بأقباط مصر ويؤكد بأن خصومهم هم خصوم النبي الكريم يوم القيامة.
المشكلة هي في أن الدولة لا تعترف بعدالة مطالب الأقباط وتحيل القضية برمتها إلى وزارة الداخلية واعتبارها قضية أمنية وقد صرح الرئيس حسني مبارك في أكثر من مناسبة بأنه لا توجد أي مشاكل قبطية في مصر، وهو تصريح ليس غربيا فالرئيس نفسه لا يرى أن في مصر أمية وأن وسائل إعلامه تقوم بتلميع التطرف الديني وأن هناك مليوني مواطن من رعاياه يقطنون المقابر مع الأموات وأن المصري هو أرخص مواطني العالم الثالث في الغربة وفي الوطن، وأن كرامة المواطن المصري في عهد سيادته تقل عن الصفر كثيرا عندما يلقي به حظه العاثر بين يدي ضابط شرطة في الريف أو في صعيد مصر. الرئيس لن يرى مشاكل أشقائنا أقباط مصر أو يلمس أوجاعهم أو يخفف من آلامهم أو أن يقف بحزم في مواجهة أي تمييز يتعرضون له لأن البُعد الإنساني في رؤية سيادته منذ أن تولى حكم مصر بقانون الطوارئ غير موجود بالمرة وبالتالي فإن أقباط المهجر لا يختلفون عن المصريين- مسلمين ومسيحيين- الذين تعرضوا للظلم والبغي والنهب والسرقة والعدوان في العراق والأردن وليبيا، فسياسة الرئيس تقوم على أن لا كرامة للمصريين تستحق أن يستنفر من أجلها أو يرهق نفسه أو يعقد اجتماعا طارئا أو يوصي زبانية التعذيب في أقسام الشرطة بأن يخففوا قليلا من نعالهم التي تدوس على كرامة رعاياه ومواطنيه.
أقباط المهجر الذين تجاوز عددهم المليون مصري، والذين تجنس أكثرهم بجنسيات وطنهم الجديد، هم امتداد عضوي وفعّال لأبناء الوطن من مسلمين ومسيحيين، ومطالب أكثرهم لا تخرج عن تحقيق العدالة في كل صورها ورفع قيمة المواطنة ومحاربة التطرف الديني بإعلاء شأن التسامح وتحقيق عدالة توزيع الوظائف وفقا للكفاءة والشرف والنزاهة.
والاحتفاظ بالخط الهمايوني، مثلا ، الذي نقل الرئيس صلاحيته إلى المحافظين يخالف تماما الدستور الذي ينص علي احترام العقائد، فلا يعقل أن ينظر المحافظ في طلب ترميم كنيسة أو إصلاح دورة مياه بها.
والمواطنة ليست مِنّة أو منحة أو هدية أو تبرعا من الحاكم للمحكوم، وليس من حق أي مسئول التمييز في التعيين بمناصب الدولة الكبرى، والمفترض وفقا لكل صور العدالة أن لا تقف طموحات المواطن المصري القبطي أو أحلامُه أو آماله عند حد معين أو وظيفة لا يتخطاها أو منصب لا يمدّن عينيه لأبعد منه، فينبغي أن تكون كل الأبواب مفتوحة على مصراعيها للمواطن القبطي حتى لو رشح نفسه رئيسا للدولة الإسلامية كما كان عيدي أمين دادا المسلم رئيسا لأوغندا المسيحية.



التمييز هو الاستعلاء والذي يؤدي بالتالي إلى نفي الآخر نفيا تاما، فكريا وعقائديا، من منطلق الخلاف على صورة الإيمان بالدين، وأنا في الواقع كمسلم أعرف ديني جيدا بفضل الله وأعتز به وأومن عقلانيا وعاطفيا ويقينيا بالإسلام الحنيف ولا تستطيع أي قوة مهما أوتيت أن تزايد عليّ في علاقتي بالله عز وجل أو تنتقص من قَدْر فهمي لتعاليم الإسلام العظيم، أرى أن كل حقوقي الإسلامية ومواطنتي يجب أن يتمتع بها أخي القبطي بدون استثناء حتى لو أراد المواطن القبطي المسيحي المتشدد أن يلتحق بكلية أصول الدين وبتخصص في الشريعة ويرتدي الجبة والعمامة، فضلا عن كل مناصب ووظائف الدولة مع استثناءات قليلة جدا وهي المناصب الخاصة بممارسة الشعائر الإسلامية. هذا هو الإسلام الذي أعرفه وأومن به وأحبه وأتمسك بتعاليمه واسترشد بقرآنه المجيد وبسنة نبيه، صلوات الله وسلامه عليه، وهو الإسلام الذي يضفي حمايته على المسيحيين والمسلمين بنفس القدر دون فرق أو تمييز.
لا أظن أن القضية المطروحة ستؤتي ثمارها في عهد الرئيس حسني مبارك ولو أن هناك طيفا صغيرا من الأمل في استجابة الرئيس لما ترددنا في التأخر سنوات للكتابة عن هذه الهموم المصرية، فهناك مثلا عدة آلاف من المصريات اللائي تزوجن من مواطنين غير مصريين، وتتعامل الدولة مع أبنائهن تعاملها مع الأجانب تماما، على الرغم من أن ابن المواطنة المصرية قد خرج إلى الدنيا في أم الدنيا ولا يعرف وطنا آخر غير وطن والدته ولا يتحدث بغير لغتها ولا يدين بالولاء لأي مكان آخر غير مصر، ولكن الرئيس حسني مبارك يرفض فكرة منح أبناء المصرية جنسية أمهم ووطنهم وبلدهم!
عشرون عاما من حكم الرئيس حسني مبارك ولم يفكر للحظة واحدة في منح مواطنيه من أقباط مصر حقوقهم المشروعة وفي مقدمتها الوصول إلى أي منصب أو وظيفة وفقا للكفاءة والشرف، فنحن نبحث عن محافظ قبطي أو وزير في وزارة أو مسئول كبير في أمن الدولة أو مستشار للرئيس أو قيادة إعلامية، وتكون نتيجة البحث خيبة أمل وحزنا عميقا على البلد الذي امتص لآلاف السنين حضارات وتعاقبت على حكمه مئات من الأسر الأجنبية القادمة من خارج الوطن، وظلت مصر بمنأى عن أي خطر حتى لو جاس الاستعمار الفرنسي في أزهرها الشريف أو دنسها الاستعمار البريطاني لسبعين عاما أو حكمها الأتراك العثمانيون مئات الأعوام.



إن أول مظهر من مظاهر التمييز ضد أشقائنا الأقباط يبدأ في الفكر الاستعلائي الذي يلغي الآخر أو يهشمه أو يراه مواطنا من الدرجة الثانية أو يربطه بالغرب برباط ديني مسيحي، وهذا الفكر الاستعلائي يقوم على محورين: الأول إعلاني بتغييب التواجد القبطي مقابل تلميع وجوه متعصبة ومتخلفة ونصف أمية تتوجه إلى الأمة بأحاديث دينية مليئة بالكراهية ومفعمة بالحقد وتساندها حزمة من الفتاوى من أباطرتها وهي تحرض على التفرقة والتميز الديني، وتقوم بعملية تغييب كامل للوعي عن طريق طرح جديد للإسلام يخلط العنف بإقامة الحدود بحجة أن الإسلام جاء لإعلاء شأن المسلمين بأي وسيلة يوفرها استعراض القوة لإنزال الرعب في قلوب أعداء الدين!
في مصر اليوم تم استبدال الشيخ يوسف البدري بالإمام محمد عبده، وأفسح التلفزيون المجال لأنصاف الأميين لقيادة الجانب الروحي للأمة، وبدلا من تقديم تصورات إسلامية واقعية ومستنيرة عن رؤية هذا الدين الحنيف للأمية والبلهارسيا وتسديد الضرائب للدولة والغش والفساد والرشوة والاستيلاء على أراضي الوطن، انشغل الإعلام بزواج المسلم من جنيه واللجوء إلى العفاريت لوضع حلول للمشاكل النفسية والعصبية، وتوجيه كم هائل من الكراهية لأشقائنا أقباط مصر وقد تغلغل هؤلاء المتخلفون إلى دور الحضانة والمدارس والجامعات في محاولة لتربية أجيال تعتبر المجتمع في جاهلية حتى أن بعضهم يرفض تحية العلم ويراها وثنية، ومن هنا بدأ العد التنازلي لأخطر طوفان قد لا يبقي ولا يذر على الأرض الطيبة وذلك بتراجع فكر التسامح واعتبار المسلمين في حالة حرب مع المجتمع وجاهليته وقيمه ومبادئه وفنونه وآدابه وعلمائه وأيضا أقباطه المصريين الذين عاشوا بيننا لأكثر من ألف عام ورفضوا كل صور التعاون مع الاستعمار الغربي المسيحي.



عندما يهل شهر رمضان المبارك يخجل كثير من أشقائنا الأقباط من تناول الطعام جهرا، بل إن البعض يشارك المسلمين صيام الشهر الكريم حفاظا على مشاعر الإخوة في الوطن، ثم تراجعت هذه المشاركات الجميلة في زمن أسود تلغى فيه الطائفية الطرف الآخر، ويرفض أصحاب خاتمة الديانات السماوية حقوق أشقائهم من أهل الكتاب الذين يراهم القرآن الكريم الأقرب مودة لأن منهم قسيسين ورهبانا وهو لا يستكبرون.
مصر في حاجة إلى ثورة حب وتسامح تعيد للوطن رونقه واشراقته ووجهه الجميل وتلك الثورة لن يقودها صبيان التخلف والعنصرية المقيتة وخطباء الهوس الحقدي.
إن مطالب الأقباط المشروعة لا غبار عليها وهي صورة من صور العدالة وحق لهم على المسلمين بعد مئات من الأعوام جنبا إلى جنب للدفاع عن مصر.
إن الله، العلي القدير، ليس منحازا لأحد، وكلنا سنأتيه يوم القيامة فردا، وميزان الحسنات يوم الحشر هو لصالح المتسامحين فقط.
الدين ليس حالة عقلية فقط أو اختيار حر لكنه وراثة لا قِبل لأحد برفضها إلاّ أن يكون قد بلغ سن الرشد وقرأ وبحث وأعاد اختيار دينه أو انتقل إلى دين آخر، وأي شخص يظن أنه اكتسب مسبقا مكانا في الجنة لأن والدته أرضعته مع حليبها مبادئ دين ما، هو مخطئ حتما.
في باكورة شبابي كنت مولعا بمقارنة الأديان، وقرأت كثيرا جدا في الإسلام والمسيحية، وبدأت في وضع كتاب عن المقارنة بين الدينين، وقطعت شوطا كبيرا منه. ثم ذهبت إلى القاهرة للقاء الشيخ محمد الغزالي، رحمه الله، وكان مراقبا عاما بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية لأبلغه بكتابي وأستهديه بعض الآراء وأعقب على كتابه" التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام". وكان لقاءا رائعا لازلت أتذكر كل تفاصيله فقد كان الشيخ الغزالي واحدا من أربعة تأثرت بهم فكريا والتهمت كل مؤلفاتهم وكان الثلاثة الآخرون هم مصطفى صادق الرافعي والنمساوي محمد أسد صاحب كتاب " الطريق إلى الإسلام" ورابعهم المفكر العظيم مالك بن نبي.
ولم يقدر لي القدر تكملة كتابي، ومرت السنون وتولى الزمن بطريقة مختلفة تماما رسم مشهد جديد للنضج لا تفريط به في قيم الدين ولا استعلاء به على الآخر.
قمت في سن مبكرة بإعادة اختيار الإسلام دينا عن قناعة تامة وإيمان عميق لكنني اكتشفت بعد سنوات أن الإسلام الذي ارتضاه لي رب العزة منهاجا محببا إلى النفس وأقرب ما يكون إلى تصوري عما يريده مني الله عز وجل يختلف اختلافا بينا وعميقا وواسعا عن إسلام الكثيرين.
إن فهمي للإسلام جعل المسافة بيني وبين كل الجماعات الإسلامية تقريبا كالبعد بين المشرقين، ففي نفسي أيضا نفور شديد من كل الذين استخرجوا عنوة من دين التسامح قطعا من الليل مظلمات وخلطوها بعنف وكراهية وأحاطوها بهوس جنسي يرى فيه المسلم العالم كله امرأة وشهوة وعورة.
حتى عندما اختلف شاربو الدماء مع الدكتور نصر حامد أبي زيد ومع الدكتورة نوال السعداوي لم يجدوا غير تفريق الزوجين عقابا لعدم طاعة أمراء الجماعات الجدد، فإسلامهم الذي اخترعوه يرون من خلاله العالم كله شهوة وسوطا لاذعا ورجما بالحجارة في خليط عجيب من اللذة السادية والسرقة ويمارسون كل صنوف الضلال والنهب والاعتداء على الأقباط وتحريم الموسيقى والجمال والخير والإبداع، وتكفير المسلمين قبل تكفير أشقائنا أقباط مصر.



الإسلام الذي أعرفه قائم على الهدي والتسامح والمساواة بين البشر ورعاية حقوق الغير وحرية العقيدة وهو مبدأ قرآني مجيد ينبغي أن لا يحيد عنه أي مسلم لوضوحه الشديد ولأنه أتى في صيغة أمر لكل المسلمين " من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" بل إن الأمر الإلهي العظيم توجه إلى نبيه الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، " وما أنت عليهم بمسيطر".
إن حرية العقيدة مبدأ ثابت في الإسلام يجب على كل من يؤمن بهذا الدين أن يطيعه طاعة خالصة، ونخلص منها إلى أن من يعيش بين المسلمين ينبغي أن يتمتع بكل حقوقهم وأن يلتزم بكل الواجبات غير الدينية التي تسبق الحقوق.
إن تاريخ الكنيسة القبطية في مصر ليس ملكا خالصا لأشقائنا الأقباط لكنه ملك أيضا لكل مسلم يفتخر به، ويعلم أولاده نضال القبط ضد قوى الإلحاد الرومانية واختيارهم على مدى مئات الأعوام الجانب الإسلامي في كل حملة استعمارية تعرضت لها أرض الكنانة.
من أبسط حقوق أشقائنا أقباط مصر المساواة الكاملة في الوظائف والتعليم والمناصب والسفارات والإعلام، وأي دعوة تجعل موقعا معينا مقتصرا على المسلمين فقط لا تختلف في قليل أو كثير عن العنصرية التي كان البيض يمارسونها في جنوب أفريقيا ضد السكان الأصليين الذين لوحت شمس القارة السمراء وجوههم.
قطعا هذا النداء ليس موجها للسيد الرئيس حسني مبارك فلو انقلبت مصر عاليها سافلها فلن يستبدل سيادته الذي هو خير بالذي هو أدنى،ولو قَبّل المصريون كلهم حذاء سيادته ظهرا وبطنا فلن يغير عشرات من المسؤولين والوزراء والمحافظين وزبانية التعذيب في أقسام الشرطة وسيظل إلى آخر يوم في حكمه، يحكم بقانون الطوارئ ويرى مطالب المصريين عبثا، وعبئا على سيادته ، وإذا اجتمعت الأمة كلها على ضرورة تغيير مسؤول وهي في الواقع مصدر السلطات كما جاء في الدستور، فإن السيد الرئيس حسني مبارك سيهزأ بهم ويجدد للمسئول عدة سنوات أخريات، وكلنا نتذكر اعتكاف الرئيس في برج العرب شهرا كاملا يداعب فيه آمال وأحلام المصريين في حكومة جديدة قائمة على الكفاءة والنزاهة والشرف، وينهض بها شباب الوطن وعباقرته، وظن الساذجون والطيبون أن الرئيس في ولايته الرابعة سيضع مقاييس جديدة لقيادة الأمة.
وخرج سيادته بعد شهر كامل ليحتفظ بتسعة عشر وزيرا، أكثرهم أثبت فشلا ذريعا، وليؤكد لشعب مصر كلها أن رجاله فوق أي اعتبار. فكيف إذن سيرى الرئيس مطالب أشقائنا الأقباط في الوقت الذي أطاح من أمامه مطالب كل المصريين؟



مِنْ أهم هموم الأقباط صعوبة الحصول على تصريح ببناء الكنائس، وفي الحقيقة ودون الدخول في متاهات إحصائية تؤكد من خلالها الدولة أن التصريحات كانت كافية ويرفض فيها أشقاؤنا الأقباط بيانات السلطة كجزء متعارف عليه من الرفض الشعبي لأي إحصاءات، فقد تعلم المصريون من تجاربهم أن بيانات الحكومة غير صحيحة.
ونحن نسأل بدورنا عن الخسارة التي ستلحق بالدولة الإسلامية لو تم بناء مئات من الكنائس لأبناء الوطن تكون عونا للمسيحيين في اللجوء إلى الدين وطلب الأمن والسلام والعبادة سواء تعارض هذا مع المفهوم الإسلامي أو أثار حفيظة بعض المتشددين؟
ما هو الخطر الذي ستتعرض له الدولة الإسلامية لو وافقت السلطة على تصريح بناء كنائس لأبناء الوطن من الأقباط؟ إن وجود عشرين كنيسة بجوار مسجد واحد لن يؤثر في إيمان المسلمين ولن يجعل عدد المسيحيين يزداد، بل سيكون الأمر سهلا للأقباط في الدخول إلى مكان العبادة واللجوء إلى الدين طلبا للحماية من الأخطاء والخطايا.
يحتاج المسلمون إلى ثقة بالنفس وبالدين بعيدا عن التشنج العصبي الذي يلغي الآخر وعقيدته في الوقت الذي يتلقى غير المسلمين من تعاليم الإسلام السمحاء كل عون ودعم ومباركة في عقائدهم وإيمانهم وصلواتهم.
الحمقى فقط هم الذين يتصورون أن عقائد الآخرين تمثل خطرا على الإسلام، فمن بين كل عشرة وثنيين ولا دينيين في إفريقيا يعتنق منهم الدينَ الإسلامي سبعة أفارقة ويلجأ ثلاثة إلى المسيحية.
ومن بين آلاف من المواطنين الفرنسيين الذين يعتنقون الإسلام سنويا هناك أكثر من خمسمائة مفكر ومثقف وعالم جذبتهم تعاليم الإسلام الحنيف( مَن منا لا يعرف روجيه جارودي وفانساي مونتاي وموريس بيكاي وغيرهم؟).
الإسلام في خطر مادام المسلمون بعيدين عن روحه المتمثلة في المحبة والتسامح.وأولى الناس بعطاء القلوب الدافئة التي عمرها الإيمان وتعاليم القرآن المجيد وسنة نبيه الكريم، صلوات الله وسلامه عليه، هم أشقاؤنا الأقباط، وأنا لا أظن أن هناك مسلما يحمل ضغينة في قلبه لجاره القبطي ثم يقف أمام الله خاشعا من رهبة الوقوف بين يدي من لا يمسك خزائن الرحمة عن عباده!
عندما يسألني سائق سيارة الأجرة فيس القاهرة إنْ كنت مسلما أم لا، ويغلق التاجر محله لمدة ساعتين لأنه يؤدي الصلاة، وتقسم لي فتاة أعرفها جيدا بأنها لا تذهب إلى صيدلي مسيحي حتى لو تعرضت حياة ابنها للخطرإن لم تعجّل في شراء الدواء، ويرى أحمق أن صديقه الهائم حبا في مصر ينبغي أن لا يؤدي الخدمة العسكرية لأنه ذمي ومن أهل الكتاب، ويبعث متخلف إلى صحيفة إسلامية يستفتي في فراش جلس عليه صديقه المسيحي عندما كان يعوده وهو مريض ويريد
أن يعرف إنْ كان الفراش أصبح نجسا أم لا، فإن الدلائل كلها تشير إلى أن الأمة في خطر، وأن الطوفان قادم لا محالة.



إن إشكالية فكر التمييز لم تبتدعه الجماعات الإسلامية الجديدة والتي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين، لكنها تربت في أحضان الإعلام بعد أن ألقت بذورها في المدارس والجامعات وكُتب الدراسة والنماذج والأمثلة في نصوص كتب الأدب والتراث والدين التي وضعها للأسف الشديد أناس تربويون يظنون أن مفاتيح الجنة يسلمها رضوان للمسلمين فقط، وتناسوا عن عمد أن الله، جل شأنه، رب العالمين، وأنه يختص برحمته من يشاء.
إن غياب التاريخ والثقافة والتراث والتاريخ القبطي من مناهج الدراسة المصرية هي خسارة للتلميذ والطالب المسلم بحجب فترات مشرقة من تاريخ وطنه، وخاصة تلك التي تشهد بأن انحياز أقباط مصر إلى الجانب الإسلامي في الغزوات والمحن والأزمات كان أمرا مبدئيا وخالصا لوجه الوطن الذي لا تفرق نيران العدو بين قلوب أبنائه، إن كانت تحمل هلالا أو صليبا.
هل يعقل أن تكون هناك مئات المراجع عن أقباط مصر وتاريخهم وكنيستهم وتراثهم في العالم الغربي، فإذا بحث المرء ونَقّب في مكتبات مصر سيجد المراجع من نوعية الرد على النصارى، وانجيل برنابا، وحُكم موالاة غير المسلمين، هذا فضلا عن آلاف من الخطب الدينية الهستيرية الداعية إلى تمييز أكثر حِدّة وشبه فصل تام بين أبناء الوطن الواحد والذين لا فضل لأي منهم في اختيار رحم والدته.
وقبل أن أكمل مقالي عن حقوق أقباط مصر المشروعة وتعاطفي الشديد مع أبناء وطني الذين ينتمون إلى الكنيسة القبطية..معقل النضال مع الأزهر الشريف ضد قوى البغي والعدوان، أحب أن استبق أي أحكام تصدر أو سوء فهم متعمد سينفي عن الأقباط كونهم ملائكة لا يخطئون، بأنني أرى أن من صور التمييز، الإيغال في الخشية من مشاعر الاضطهاد لدى الآخر، بمعنى أن الأقباط كالمسلمين تماما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك، وأن من بين مئات الآلاف من الأقباط في المهجر- وهم امتداد للوطن بمسلميه ومسيحية- هناك أيضا أشرار حاقدون ومتطرفون في كراهيتهم وأخص بالذكر أصحاب موقع بال توك على الإنترنيت المسمى" المسيح هو الله" الذين يقذفون بألسنتهم حمما من الكراهية المقيتة ضد القرآن الكريم ونبي الإسلام، صلوات الله وسلامه عليه، والمسببة للقرف والغثيان وكان آخرها إذاعة أغنية عفنة تمثل حفل زفاف ما أطلق عليه هؤلاء الأوغاد"محمد يتزوج الطفلة عائشة".
والحمد لله أن هؤلاء أقلية لا تمثل أشراف مصر من أقباط المهجر, وأنها لا تؤثر في الامتداد العضوي والروحي والثقافي لهذا الجزء الهام من نسيج الأمة. ويحدوني أمل كبير أن يصدر البابا شنودة الثالث قرارا بتبرئة الكنيسة أن يدنسها هذا الموقع وهو يزيد مئات المرات عن النار التي أشعلها ممدوح مهران " النبأ" عن راهب دير المحرق.
هناك بعض المنظمات والجمعيات المجهرية أو النشرات الصفراء التي يصدرها أقباط في الخارج تلوثت عقولهم من جراء تراكم الحكايات السلبية وتضخيم قضايا أقباط الوطن فجاء تطرفهم في خط بياني يرتفع هستيريا فيطالبون بدولة قبطية أو انفصال الجنوب المصري، والحمد لله أن موقف الكنيسة وقيادتها الرشيدة من هذا الهوس كان صارما وحاسما ورافضا.
نعود إلى المطالب العادلة لأشقائنا الأقباط ولا نرى في أكثرها إلا حقوقا كشروعة يجب على أبناء الوطن المسلمين تبنيها والدعوة إليها وتطبيق الجانب الشعبي منها وذلك بحكم أن الجانب الآخر المتمثل في سلطة الدولة وهي بين إصبعين من أصابع السيد الرئيس لن يعرف النور مادام الرئيس يزدري المطالب الجماهيرية ويعتبر الشعب المصري محظوظا لأنه يتشرف بالوقوف خاضعا ومطيعا بين يدي سيادته!
لا ريب في أن هناك تيارا من الكراهية خلقتها فترة حكم الرئيس الراحل أنور السادات، وهناك أحادية الاتجاه الديني المخالفة للتوجهات الإلهية في القرآن العظيم التي تؤكد على ضرورة حرية العقيدة فيختار المرء بين النجدين، وهناك الصورة الأكثر ظلما ووضوحا المتعلقة بوجود سقف على المناصب.
ولعلني أجد نفسي في خلاف مع أشقائنا الأقباط عن ضرورة التمثيل النيابي وفقا لعدد الأقباط فأراه أيضا نوعا من التميز، سلبا أو إيجابا، وهو ينافي تماما الدعوة إلى تطبيق العدالة في كل صورها.
أنا لا أكترث أن يكون في مجلس الشعب قبطي واحد أو أن يتشرف تكليفا بها عشرات من الأقباط فالتمثيل المئوي وفقا لعدد السكان هو طائفية مرفوضة, والمطلوب مقاييس جديدة ومتسامحة وقائمة على مفاهيم وطنية للكفاءة والشرف والنزاهة.
على الرغم من أن هناك حصارا إعلاميا يشعر أقباط مصر أنهم غرباء في الوطن، إلا أنني أرى الجانب السلبي في اقتحام الأقباط لجة السياسة وصخب الحياة الفكرية العلنية واضحا وجليا، وأقدم اقتراحي الشديد لكل أشقائنا أقباط مصر الذين يصرون على لعب دورهم الوطني كاملا ومواجهة الأعاصير والرفض والصعوبات خاصة في اقتحام الفن السابع وقد تقدم الموكب كوكبة من المبدعين أمثال خيري بشارة وداود عبد السيد ويسري نصر الله ويوسف شاهين.
عندما كنت صغيرا راقت لي كثيرا كتابات محمد جلال كشك ورأيت فيها تمردا من نوع جديد، فهذا الإسلامي المنشق عن الحزب الشيوعي والذي هاجمته صحيفة البرافدا يدغدغ مشاعر الاستعلاء لدى المسلم، ويبدو أنني في ذلك الوقت تعاطفت معه في نقده الشديد لغالي شكري والذي ضمنه كتابه" النكسة والغزو الفكري".
ومرت السنوات وبدأت أتعاطف مع كتابات غالي شكري بعدما عاد إلى مصر وتولي رئاسة تحرير " القاهرة"، وابتعدت عن محمد جلال كشك الذي وظف كل إمكانياته للدفاع عن الإسلاميين الجدد وكاد يجعل من لصوص شركات توظيف الأموال عباقرة الاقتصاد المصري وجعل كتابه" الناصريون قادمون"ميثاقا خفيا للريان وأشرف السعد وغيرهم.
الغريب أن جلال كشك نفسه، رحمه الله، الذي كنت متأثرا في صغري بكتاباته رفع بعدها بربع قرن دعوى قضائية ضد كاتب هذه السطور لأنني أسأت إليه في مقال بـــ"طائر الشمال"تحت عنوان قراءة في فكر ساقط، وقد خسر القضية بفضل دفاع الدكتور يحي الجمل عني والدعم المعنوي الذي تلقيته من الأستاذ محمد حسنين هيكل.



لست في موضع الدخول في مناقشات عقيمة عن الفارق بين الولاء للوطن والولاء للدين، وعن صحة التصور الذي عممه ووسع نطاقه المرحوم سيد قطب في كتاباته عن أن جنسية المسلم عقيدته وهي الدعوة التي أسفرت عن انشقاق في الوطن وجعلت المتطرفين يرون الخروج على القانون وقواعد التعامل اليومي وسلوكيات المواطن غير الدينية أمرا طبيعيا ومطلوبا لمناهضة " الوثنية والجاهلية"، فالحقيقة أنها مشاعر يمكن أن تتجزأ ولا تصيب الوطن في مقتل أو تنتقص من روح الأمة ورابطة الأخوة في كل صورها, فالمسلم يمكن أن يشعر بالأخوة في الدين وهو في المسجد وفي العمرة وفي الحج وفي شهر رمضان المبارك, لكنه يجب أن يستبدل بهذه المشاعر الدينية الدافئة أخرى دنيوية وهو في العمل وفي الشارع وفي أي تجمع غير مقتصر على المسلمين فقط، فيصبح مصريا في التعاملات الأخرى، كما أنه قد يفتخر بعروبته وهو يطلع على الإنتاج الأدبي والفكري والثقافي والفني لأمته العربية الأكبر من مصر.
إن التحرك بتسامح وعفوية بين الوطنية والدين والقومية والانسانية يحتاج لمنهاج جديد في التربية يتم بموجبه التخلص من شوائب مشاعر الفوقية التي تتسبب في إلغاء الآخر، دينيا أو وطنيا أو قوميا, ونحن في حاجة ماسة للتعرف على النفس من جديد بعيدا عن التسابق لعقد محاكم تفتيش تتسلل إلى النفوس لقياس درجة الإيمان والتأكد من وجود عقد تمليك بيت في الجنة!
وضع مجدي خليل في كتابه " أقباط المهجر" إصبعه على الجرح وهو يشير إلى أن أهم هموم الأقباط تبدأ بالخط الهمايوني وما يفرضه من عقبات على عملية بناء الكنائس, واستبعاد إسهام الأقباط تاريخيا وحضاريا من برامج الإعلام والتعليم والإصرار على ذكر " الديانة" في بطاقة الهوية وسائر الأوراق الرسمية مما يعطي الفرصة لموظفي الدولة للتمييز بين المسلم وغير المسلم ( على طريقة حركة طالبان التي تضع إشارة صفراء علي صدر غير المسلم)، والكراهية التي يحملها كثير من المسلمين لإخوانهم الأقباط نتيجة التعليم الخاطىء وفكر التكفير مما فرض على الأقباط إما التقوقع أو الهجرة وترك البلاد للمسلمين، وحرمان الأقباط من دخول الكليات المدنية بجامعة الأزهر، والمحاولة لإبعاد الأقباط عن الحياة السياسية، واستشراء التعصب الديني داخل مؤسسات الدولة, وندرة البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الصحف القومية, ودخول الدولة طرفا غير محايد في حالات تغيير العقيدة, والتعتيم على الأرقام الفعلية لتعداد الأقباط، وعدم قيام أجهزة الأمن بواجبها على أكمل وجه لحماية الأقباط من الجماعات المتطرفة، وتديين الحياة السياسية والاجتماعية، وعدم المساواة في المناصب القيادية، وتزييف التاريخ بحذف فقرات منه، وعدم رد أوقاف الأقباط رغم أنها المصدر الرئيسي للإنفاق على دور العبادة, والمعاملة السيئة من رجال الشرطة(حادث قرية الكشح وكنيسة القيامة)، والعزل والتهميش بسبب اختلاف العقيدة, وسيطرة المتعصبين على الإعلام والتعليم، وعدم اعتراف الحكومة بأن لأقباط مصر مشاكل أو قضايا أو هموم!



تلك بعض المطالب التي نرى أكثرها حقوقا ينبغي أن نساهم جميعا في أن يحصل عليها أقباط الوطن، وبعضها نختلف معهم فيه خاصة مطالبتهم بإلغاء المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، ففي الحقيقة يظل الوعي المتجدد والمستنير بتوجيهات الإسلام حماية لأشقائنا الأقباط أكثر من أي قوانين أخرى، وأنا أكتب هذا الكلام عن إيمان يقيني استخلصته من فهمي لديني وأرى أن دفاعي عن الأقباط وقناعتي بحقوقهم المتساوية مع المسلمين ونبذي للكراهية ومحبتي للتسامح وكراهيتي للاستعلاء الديني، كلها مفاهيم دينية إسلامية تكون عونا لمشاعري الوطنية، التي لا ترى فارقا كبيرا أو صغيرا بين أبناء الوطن من مسلمين ومسيحيين.
نؤكد مرة أخرى بأن مصر في حاجة لانفجار بركان من المحبة والتسامح يكتسح وينظف ما علق بالنفوس من أدران ووحل الطائفية والعنصرية والكبر، ونتحدى أن يخرج مصري واحد من جيبه مفتاحا لبيته في الجنة يحتفظ به لأنه مسيحي أو مسلم، فالله ليس منحازا لأحد، والطريق الوحيد المؤدي إلى نور السماوات والأرض يمر عبر القلوب المتسامحة.



لماذا يكره أقباط المهجر الإسلام؟

أوسلو في 23 مايو 2006

الحديثُ عن أقباط مصر في الداخل والخارج هو دخول إلى المنطقة المحرمة، وإلى مستنقع لا يغرق فيه إلا من أتاه بقلب غير سليم.

ينبغي أولا قبل أن يخط قلمي كلمات عن السؤال المطروه أعلاه أن أقدم CV الفكر الذي يمد جذوره إلى أعمق نقطة في قلبي وعقلي متناغما ومنسجما مع مشاعري تجاه شركاء الوطن .. أقباط مصر في حقوقهم وواجباتهم انطلاقا من أي هوية تسبقني، أي كوني مسلم ومصري وعربي وانسان يؤمن إلى أقصى الدرجات بحريتيّ الاختيار والفكر.

فيما يتعلق بأقباط مصر فإنني مؤمنٌ إيمانا لا يتزحزح ذرة واحدة بحقوق أقباطنا على قَدَم المساواة مع المسلمين، وتلك نقطة تستحق وقفة خشية إساءة الفهم.

إيماني بحقوق شركاء الوطن يمتد إلى كل شيء، وظائف ومشاعر وأحاسيس وكتابات وأحاديث عائلية وشخصية وفخر بناريخ أقباطنا لأنه تاريخي أيضا ومحبة ومودة لكل قطعة تشهد بتاريخهم من كنيسة ودير وكاتدرائية وليس انتهاء بكتبهم وأخبارهم وقديسيهم وشهدائهم.

في الوقت الذي أتردد برهة واحدة في الخيار بين الشراء من قبطي أو من مسلم يقدمان نفس البضاعة بنفس المواصفات فإن تلك البرهة ولو كانت أقل من لمح البصر هي تمييز وحيرة ونقص في إيماني بحقوقهم.

في الوقت الذي استثني القبطي من منصب مصري ولو كان رئيس الدولة فإن شكوكا ينبغي أن تحوم حول قناعاتي بحقوق أقباطنا.

تلك المقدمة ليست للنقاش مع مسلم أو قبطي، وليست قابلة لجدال مع مسلم يحاول أن يقنعني بخطئها أو مع قبطي يشكك في صحتها، وضميري هو الوحيد الذي يملك مقرها ومستودعها في صدر يشهد الله أنه لا يميز مسلما عن قبطي ولو اشتعلت الأرض

لا قدر الله فتنة طائفية أو أتاني كل طرف بآلاف الأدلة أن الآخرين هم المعتدون.

أحتقر التمييز احتقارا شديدا وأراه كبرياء من الحماقة أو فخا يسقط فيه المتخلفون عقليا والذين يظنون أن أرحام أمهاتهم منحتهم صكّا بالبراءة، وأعطتهم دماء زرقاء نقية، أو نزل كل منهم من بطن أمه حاملا مفتاح الجنة ووثيقة بالشفاعة وخيارا إلهيا بأنه من أحباب الله المقربين.

الاستعلاء سواء كان بتأويل نص ديني أو بالاستشهاد بحكم الأولين والآخرين وبأعمالهم وبأقوالهم ينضوي أيضا تحت راية تلك الصورة من الحماقة التي تفسح مجالا لكراهية باسم الله على الأرض، رغم أنه الرحمن الرحيم كما يراه المسلمون وأن الله محبة تلهج بها ألسنة المسيحيين.

الإنترنيت فتح أوسع أبواب التاريخ منذ بدء الخليقة لأكبر حملة كراهية يشنها الانسان على أخيه الانسان.

آلاف من المواقع الدينية أضحت سيارات مفخخة، وقنابل موقوته، ودماء على الشاشة الصغيرة، وبغضاء متبادلة بين أصحاب العقائد والأديان والفلسفات والأيديولوجيات والأحزاب والدول والجمعيات والأشخاص. رغم أنف المسلمين والمسيحيين فإن الدينين باقيان على الأرض بنصف عدد سكان الكرة الأرضية، والمعركة يخسرها الطرفان، واثبات الفرقة الناجية أن الله تعالى ينتظر في ملكوته وفي الآخرة نتيجة المباراة النهائية بين أتباع الديانتين ليسلم الكأس والجنة والخلد للرابحين هو فكر عقيم يُضَيّع فيه الانسان حياته ونفسه، ويقلب سعادته إلى تعاسة، ويلون قلبه باللون الأسود القاتم الكاره لكل صور الحب والتسامح.


أتفهم تماما مشاعر الاحباط التي تنتاب شركاء الوطن الأقباط وهم يتعرضون للتشكيك في إيمانهم وولائهم ووفائهم وتاريخهم وفهمهم للحقيقة الايمانية بل ومن منظور أعوج يبحث في النص وفي التاريخ وفي الأقوال وفي التراث عن تبريرات للتمييز يأتي محدثو النعمة الدينية ونجوم الفضائيات وإعلام الأمراض النفسية والعصبية التي هيمنت على وسائل الاعلام المصرية في العقدين المنصرمين ليضع الأقباط في المرتبة الثانية أو السلك الوظيفي المواطني على درجة مواطن بنجمتين فقط.

لا أريد أن أتحدث بتفاصيل عن شهداء الكشح والزاوية الحمراء وكنائس الاسكندرية وأديرة الجنوب فالشهود أحياء، والوقائع لا تحتاج لصناديق الاقتراع المزيفة، وقد تعرض فعلا وقولا أقباطنا لظلم شديد حتى لو تبادل البابا مع شيخ الأزهر المنصبين والملابس وخَطَبَ الأول في صلاة الجمعة وألقى الثاني موعظة في قداس الأحد.

قلت وأقول وأكرر بأنني كمسلم لن أشم ريح الجنة على بعد ألف سنة لو أن جاري القبطي تعرض لتمييز أو ظلم مني أو من غيري وألتزمت الصمت كالشيطان الأخرس.

وأنا أرى أن حقوق أقباطنا أحبابنا .. شركاء الوطن هي واجباتي التي أدافع عنها كما أدافع عن ديني الاسلامي ووطني وعروبتي وانسانيتي.

ماذا يحدث في المواقع القبطية على الإنترنيت والتي استقطبت ملايين من أقباط الداخل والخارج ولم تعد هموم الأقباط هي القضية الأم، ولكن اهانة الاسلام والمسلمين واستخدام كل الألفاظ المنحطة واللأخلاقية والعفنة والسوقية لدى الحديث عن القرآن الكريم وعن نبي الاسلام، صلوات الله وسلامه عليه. معركة غير متكافئة بين متطرفي الدينين يربحها القبطي المتعصب ضد المسلم المتعصب بسهولة ويسر لأن الأول ينال من نبي الثاني بطريقة مهينة

والثاني لا يستطيع أن يمس المسيح بن مريم وأمه بكل سوء واحدة.

أين اختبأت تلك المشاعر من الحقد والكراهية التي أخرجت ألسن وقلوب لو جاء المسيح عليه السلام لتبرأ من أصحابها إلى يوم القيامة؟

من حق القبطي أن يدافع عن دينه وعن مواطنته وحقوقه، وأن يرد على المسلم الذي يتهمه بأنه يعتنق دينا تعرضت كتبه المقدسة للتحريف والتزييف، ومن حقه أن تكون المعركة متكافئة مع افتراض وجودها المثير للفتنة والاضطرابات والذي يستخرج من القلوب أكثر قطعها ظلما وظلاما ليحاجج به الآخر.

ولكن ما يحدث في المواقع القبطية تجاوز كل الأخلاقيات والضرب تحت الحزام وبدأ في صناعة عالم من الكراهية التي اصطدمت وستصطدم أشد وأكثر بالجزء المتبقي من إيمان المتطرفين المسلمين لبعض الحقوق القبطية.

إذا أردت أن تستمر المعركة فعليك باتهام الآخر بأنه هو الذي بدأ العدوان.

حاولت على مدى فترة طويلة عرض ما لدي من رسالة محبة لأقباطنا وإيمان حقيقي بحقوقهم وذلك على موقع أقباط الولايات المتحدة فاصطدمت بجبل من البغضاء لن ينجو من يقف على قمته من طوفان لا يبقي ولا يذر.

الأقباط لم يعودوا في ساحة معركة من أجل حقوقهم وضد الاستبداد والاستغلال والفساد والدكيتاتورية.

لكنها معركة ضد الاسلام والمسلمين ونبيهم الكريم وقرآنهم المقدس.

ينشر الموقع كلاما مقززا للنفس، ومثيرا لرغبة الانتقام لدى أي مسلم, نازعا عن دعاة حقوق الأقباط من المسلمين فكرة الاستمرار في معركة التسامح من أجل أحبابنا .. شركاء الوطن.

مثلا تقرأ في موقع أقباط الولايات المتحدة وباستحسان كل المشاركين الأقباط تقريبا كلاما يغضبك كمسلم وهذا نموذج من مئات منها:


من نصدق المسيح الذي قام بمعجزات تفوق معجزات جميع الأنبياء قبله ام نصدق محمد الذي قام بمعجزة لم يقدر عليها احد قبله الا وهي انه كان يدور على نسائه كلهن وينام معهن أقل من ساعتين؟؟؟؟!!!



من الممكن ان يكون محمد رسولا من عند الله والمعروف ان الله عادل ورحوم فكيف يكون رسوله بهذه الأخلاق الوضيعة وبهذه الوحشية والعنصرية التي فاقت عنصرية اليهود؟؟؟؟؟!!!



الي كل انسان ينتمي لهذه العقيدة الشيطانية ، ارجوكم توقفوا عن ارسال المزيد من اخبار اسلام المشاهير ، ونصرة النبي ببيضة او عجل او خيارة ، ودعوتكم لنا لقراءة احاديث النبي عن التسامح والرحمة......توقفوا عن كل هذا الي ان تفسروا لي ولاخوتى الاتي....

لماذا كل انتحاري ، او مجاهد ، او مؤمن ، او شهيد ، معتدي علي كنيسة ، او حارق لسفارة ، او خاطف بنات لتغيير دينهن بالاغتصاب...الخ...ليه كل دول من اتباع وحش وشيطان وتابع امين لابليس اسمه محمد صلي الله عليه وجحّمه مطرح ماراح؟؟؟؟



انا مش عارف ازاي بيقولوا ان محمد سيد المرسلين وهو لم يترك حُرْمه الا نكحها وكان لما يشوف اي واحدة ويشتهيها يجري علي اقرب واحدة من زوجاته علشان يقضي وتره وطبعا بيتخيل وهو مع زوجته الحتة المهلبية اللي شافها
والله عيب عيب عيب دا مفروض يكون سيد الناكحين

سؤال نوجهه لكل مسلم لا يخاف في الله لومة لائم:

جاءت أختك أو ابنتك لتشكي لك ما حدث معها . فماذا سيكون موقفك من زوج أختك أو ابنتك ؟ وبأي شيء ستصفه ؟ هل ستصفه بالأخلاق العظيمة والشرف ؟ لا أريد الإجابة .
المصيبة الكبرى هي ان الله قد عاتب محمد حين وعد الزوجة المغدورة (حفصة) بالتوبة : ( يا أيها النبي لما تحرم ما أحل الله لك أتبتغي مرضاة أزواجك) تحريم .
حقا لقد صدقت عائشة عندما قالت : (إني أرى ربك عز وجل يُسارع لك في هواك)
الغريب والمضحك انهم قالوا ان النبي صلوات الله عليه وسلم كان يتحكم في عضوه و (غريزته) : عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏قالت ‏‏( كانت )‏ إحدانا إذا ‏( كانت) حائضا فأراد رسول الله ‏‏أن يباشرها ‏ ‏أمرها أن تتزر في ‏ ‏فور ‏ ‏حيضتها ثم يباشرها قالت وأيكم (‏يملك ‏ ‏إربه) ‏ ‏كما ‏(‏ كان )‏ النبي. .






أكتفي بهذا القدر من آلاف الاتهامات القبيحة والقذرة والنتنة التي رمى بها أقباط مهاجرون نبي الاسلام، صلوات الله وسلامه عليه، فجعلوها قضيتهم، ونسوا وتناسوا آلافا من المفكرين والمثقفين والعلماء المسلمين الذين وهبوا حياتهم لحياد العلم وعدالة العقل ودافعوا عن التسامح وحرية المسيحيين وحقوق الأقباط هذا فضلا عن ملايين من المسلمين يعيشون مع شركاء الوطن، ويأكلون طعاما واحدا، ويتنفسون هواءا مشتركا، ويتحدثون نفس اللغة، ويناهضون خصومهم متحدين، ولا يستطيع عدو أو مستعمر أو حتى خبير في السلالات أن يُميز بين المسلم والقبطي في وطن واحد.

ما ينشره أقباط المهجر يستغله المتطرفون والمتعصبون، ويوسع مساحة الكراهية، ويضيق مساحة التسامح، ويضع مسمارا في نعش وحدة وطنية مرت عليها مئات الأعوام رغم ما فيها أحيانا من مرارة وفتن ومعارك.

في نفسي غضب شديد على تلك الاساءات الوضيعة لديني وقرآني ونبيي، وفيها أيضا كل الصدق في إيماني بحقوق أقباطنا ومحبتي لشركاء الوطن. لا أبحث عمن بدأ الاساءة للآخر، المسلم أم القبطي، لكنني أبحث عمن يستطيع أن يطبق دعوة الاسلام في ادفع بالتي هي أحسن، أو دعوة المسيحية.. صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم. يا أقباط المهجر،أنتم تسيئون للمسيح قبل محمد، عليهما السلام. 

محمد عبد المجيد

طائر الشمال

أوسلو  النرويج

اجمالي القراءات 5815