مقدمة الباب الثانى من الكتاب : علماء النحو و( المصطلحات )

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٣ - أغسطس - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة الباب الثانى من الكتاب : علماء النحو و( المصطلحات )

كتاب ( القرآن الكريم والنحو العربى )

 الباب الثانى : بين مصطلحات اللسان العربى القرآنى وغيره

مقدمة الباب الثانى من الكتاب : علماء النحو و( المصطلحات )

أولا :

1 ـ كلمة ( مصطلح ) يُراد بها ما تعارف عليه قوم أو إصطلحوا عليه بإسم أو وصف . وغنى عن البيان أنه لم يرد فى اللسان العربى القرآنى ولا فى اللسان العربى الجاهلى . هو نتاج الحركة الفكرية والدينية ل ( المسلمين ) ولانقساماتهم الدينية والفكرية التى نبتت فى أواخر العصر الأموى ثم ترعرعت وانتشرت فى العصرين العباسى والمملوكى ، وتنوعت سياسيا وفكريا ودينيا ومكانيا وزمانيا .

2 ـ فى بحث الدكتوراة ( 1975 : 1977 ) عن ( أثر التصوف فى مصر العصر المملوكى ) واجهت مُعضلة المُصطلحات . لا يمكن بدونها فهم الموضوع وبحثه . مبلغ علمى أن منهجية البحث بتحديد المصطلحات لم تكن معروفة قبلى ، كانت الأبحاث التاريخية والأصولية والقرآنية تتم بدونها ، مجرد نقل عن أبحاث سطحية سابقة ، وما يعرف بالنقل واللزق إعتمادا على أن الأساتذة يتفوقون فى الجهل ويتنافسون فيه ، ويهمهم أن يكون التلميذ أعمق منهم جهلا . ولهذا قوبلت رسالتى للدكتور برفض إستمر ثلاث سنوات ، الى أن ووفق على مناقشتها بعد حذف ثلثيها تقريبا ، أى ما يخص أثر التصوف الدينى والأخلاقى . وتم نشر معظمها لاحقا .

المصطلحات كانت أساس هذه الرسالة العلمية التى تبحث أثر التصوف فى كل مناحى العصر المملوكى ، فلا بد من التعرف على مصطلحات:

 2 / 1 : دين التصوف ، وفى مصطلحاته كُتُب خاصة .

2 / 2 : الدولة المملوكية ، وفى نُظُمها ورسومها وطقوسها كُتُب خاصة وموسوعات أهمها ( صبح الأعشى ) للقلقشندى .

2/ 3 : العلوم التى أثّر فيها التصوف وتأثر بها حيث ساد التصوف السُنّى ، والتعليم السنى فى التفسير والحديث .

2 / 4 : اللسان الذى كان يكتب به مؤرخو العصر والفوارق بينهم ، وهى ناحية دقيقة وهامة ، فاسلوب المقريزى مثلا يختلف عن اسلوب ابن إياس تبعا لاختلاف الزمن والثقافة والمنشأ .

3 ـ بعدها فى منتصف التسعينيات أتممت بحثا منشورا هنا فى ( مقدمة إبن خلدون : دراسة تحليلية أصولية تاريخية ). أتمّ إبن خلدون كتابة المقدمة وتاريخه ( العبر .. ) فى قلعة بنى سلامة ، فى شمال أفريقيا بعد حياة مليئة بالتنقل بين الاندلس وشمال أفريقيا ، ثم حلّ وإستقرّ فى مصر المملوكية حيث قضى فيها حوالى ربع قرن الى أن مات عام 808 . فوجئت فى بحث ( مقدمة ابن خلدون ) بأن له فيها مصطلحات غريبة عن المصطلحات السائدة فى الشرق وفى مصر المملوكية . إستدعى هذا أن أجعل النصف الأول من البحث فى إعادة صياغة المقدمة بأبوابها وفصوله لتكون مفهومة للقارىء فى عصرنا بعيدا عن مصطلحات ابن خلدون وكتابته المغربية . ثم كان النصف الآخر فى البحث والتحليل .

الى هذه الدرجة تبلغ أهمية المصطلحات .

4 ـ تتعقّد مشكلة المصطلحات فى البحث فى التراث والتاريخ نظرا لتنوعها الشديد موضوعيا وزمنيا ومكانيا ، ولكن مع هذا يحتفظ المصطلح الواحد بمفهوم واحد فى موضوعه. ليس هذا هو الشأن  فى التدبّر القرآنى ، حيث يختلف معنى كلمة ، بل وقد يتناقض حسب السياق . وهذا مع اختلافها عن مصطلحات التراث . لذا فإن منهج البحث أو التدبر القرآنى يحتّم تتبع المصطلح فى السياق المحلى ( الآية وما قبلها وما بعدها ) وسياقها الموضوعى فى القرآن الكريم كله ، ليس هذا فقط ، بل تتبع الموضوعات القريبة من نفس الموضوع . ثم لا بد أن يكون هذا كله طلبا للهداية ومعرفة الحق بتجرّد وموضوعية ، وبدون هوى أو غرض مسبق لاثبات شىء أو نفيه .

5 ـ غاب هذا تماما عن علماء النحو العربى . لا نقول إنهم أهملوا ( المصطلحات ) بل هم أول من إبتدعها وأسهم فى نشرها ، يكفى أن :

5 / 1 : علومهم تحمل مصطلحات من صنعهم مثل : النحو ، البلاغة ، الأدب ، العروض ، الاعراب ، البناء ..الخ ).

5 / 2 : هم الذين إنتهكوا بمصطلحاتهم قُدسية القرآن الكريم ففرضوها عليه أكاذيبهم وشائعاتهم ( العلمية ) تحت مصطلح ( التفسير ) و ( الحديث ) و ( الاسناد ) و ( التأويل ) و ( النسخ ) و ( القراءات ) ..الخ .. ولا يزال المحمديون يحملون هذه الأوزار حتى الآن ، يتأكّد بها هجرهم للقرآن الكريم .

5 / 3 : البداية أتت من علماء النحو بالذات . ( الكسائى ) إمام مدرسة الكوفة النحوية هو أيضا من أئمة مبتدعى ما يعرف ب ( القراءات ) ، لا يدانيه فى شهرته العلمية سوى شهرته فى الشذوذ الجنسى بالغلمان فى عصر تمتع فيه بالحظوة من البلاط العباسى .!

6 ـ موضوع المصطلحات غابة إستوائية متكاثفة ، أرهقنى البحث فى مسالكها . حتى لقد أُضطررت الى إعادة كتابة هذا الباب وفق ترتيب موضوعى وليس زمنيا . أى أن أبدأ بالأساس : الفصل الأول فى مصطلح ( الكلمة ) قرآنيا بين الايمان والكفر ، والفصل الثانى فى مصطلح ( الكلمة ) بين ( اللغة ) و ( اللاجوس ) إسلاميا ويونانيا ومسيحيا ، الفصل الثالث : فى توضيح الاختلاف بين ( اللسان ) و ( اللغة ) . والفصل الأخبر ( الرابع ) فى لمحة عن شلّال المصطلحات الدينية والسياسية والفكرية والطائفية ..

أخيرا

1 ـ فى عصر السقوط الأخلاقى والقيمى والسياسى ـ وكل شىء ـ يعلو الفاسد والفساد ، إنه العصر الذى إشتهر فيه فنكوش عبعال صاحب علاج السرطان بجهاز الكفتة ، والذى حصلت فيه الآنسة فيفى عبده على لقب ( الأم المثالية ) للمصريين بسبب إجتهاداتها فى الدين ، وهو العصر الذى يُقدّس شيخ أزهر ليس سوى مركوب للفرعون ، وعصر فرعون يزعم الوحى الالهى و ( ففهمناها سليمان.. غانم ) . قدرنا أن نعيش عصر السقوط هذا ، وأن نقوم بالاجتهاد فى الممنوع والمحظور .

2 ـ هذا الكتاب ـ شأن معظم ما نكتبه ـ كتاب رائد . له سبق الريادة ، ولكنه يحتاج الى الزيادة . يحتاج الى من يكمله وينقده عن علم ودراية ، فبهذا يتقدّم العلم والفكر . وهذه رسالة العلماء والراسخين فى العلم . ( وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) يوسف ).

والله جل وعلا هو المستعان . 

اجمالي القراءات 1061