الصيام بين كتاب الله وكتب الناس

محمد مهند مراد ايهم في الخميس ١٣ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون * أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خبر لكم إن كنتم تعلمون * شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيان أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم لعلكم تشكرون * وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون* أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وانتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)
لن اعلق على مفهوم الصيام ولا على أحكامه ولا على المفطرات ولكن تعليقي على موضوع واحد
انظر معي أخي الكريم من خلال هذه الآيات كم تكلمت في أحكامه وكم تكلمت في غاياته عن التقوى عن الدعاء عن الإيمان عن رحمة الله وتيسيره لنا وحتى حين تكلم عن الرفث إلى النساء بين لنا مدى العمق الانساني للعلاقة بين الرجل والمرأة
وانظر أخي الكريم كم أفرد علماؤنا لقوانين الصيام من كتب وصفحات ودروس كقوانين لا كغايات منه وليس هذا في الصيام فحسب بل في الصلاة والزكاة والحج وجميع ما أمرنا الله به من أوامر رغم أن القرآن لم يتكلم عنها إلا بشكل مختصر ومختصر جدا لئلا يتحول الإنسان إلى مجرد آلة آلة تنفذ بشكل جامد ما برمجت عليه وإن حصل خطأ تقني ماهو المترتب عليه لإصلاح الخطأ التقني فقط لم أجد الى الآن فيما قرأته عن علماء السنة والشيعة على حد سواء بحثا عن تلك العبادات كغايات لا كأحكام كدافع للتقوى لا كخطأ حركة أو خطأ لفظ لقد حولوا الدين إلى مجموعة من القوانين جامدة تصلح لآلة لا تصلح لبشر
وأذكر مرة حين سمع أحد المشايخ عن زنا أحد الرجال ماكان قوله إلا أن قال ألا يعلم أن حد الزاني المحصن الرجم أين نحن من كتاب الله والخوف من عذابه أين نحن من الاستعداد ليوم الجمع لا ريب فيه
وإليكم اصغر بحث مختصر قرأته إلى الآن عن الصيام وانظروا الى الفارق الشاسع بين الصيام فيما ورد في كتاب الله وبين الصيام فيما كتبته أيدي البشر
الصيام لغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسّير، والصائم العطشان ويعرفه الفقهاء بأنه الإمساك نهاراً عن المفطرات بنية من أهله من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وهو أحد الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام.

و معظم أحكام الصيام لها علاقة وثيقة بالصحة والمرض ،و سلامة المكلف والحفاظ على نفسه هو أحد مقاصد الشريعة الغراء الخمسة التي أنزلها سبحانه من أجلها، لذا كان للطب والأطباء الرأي الأول في الفتوى وفي بيان الإعجاز العظيم فيما تضمنته شريعتنا السمحاء من أحكام فيها كل الخير وكل السعادة لهذا الإنسان عندما يلتزم بتلك الأحكام.

و بحثنا هذا محاولة لفهم تلك الأحكام ومدى التطابق بين التشريع الإسلامي الرائع فيها وبين التشريعات الطبية الحديثة.



الأمراض المبيحة للفطر:

و الأصل فيها قوله تعالى: { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر }. وهكذا فإن علماء الأمة قد اتفقوا أن المريض الذي يخاف بالصوم زيادة مرضه أو تأخر برئه أو حصول مشقة لا تحتمل، وذلك بإخبار طبيب مسلم عدل حاذق، أو نتيجة تجربة سابقة للمريض، جاز له الفطر وعليه القضاء بعد الشفاء التام وقدرته على الصيام

و يرى الحنابلة كراهية الصوم لأمثاله، أما إذا غلب على الظن الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصيام وجب عليه الفطر. كما أن الفطر يكون ضرورة إذا تحتم تناول العلاج عن طريق الفم إذا كان عدم تناوله يؤدي إلى تفاقم المرض أو تأخر شفائه.

إما إذا كان المرض مزمناً لا يرجى شفائه، فإنه يفطر ولا يقضي وعليه الفدية، وإذا كان معسراً لم تجب الفدية حتى تتوفر لديه.

و ينطبق الحكم ذاته على الشيخ الفاني. وإذا صدف أن شفي ذلك المريض الذي لا يرجى برؤه وجب عليه قضاء ما قدر عليه إلا أن يكون الصيام سبباً للنكس فلا يقضي. والفدية إطعام مسكين عن كل يوم أفطره

و يرى الدكتور النسيمي أن الصحيح الناقه من مرض وخاف النكس إذا صام عليه أن يسأل طبيباً مسلماً حاذقاً، ويفطر برأي طبيبه إذا أكد له ظنه. أما غلبة ظن الصحيح المبنية على وهم وقلة عزيمة بأن جسمه لا يحتمل الصوم فلا عبرة بظنه بل عليه الصوم كما ذهب إلى ذلك الشافعية. ولا يفطر إلا إذا أكدت التجربة أن الصيام قد أدى فعلاً إلى انهيار قوته وخشي الهلاك.

و الشيخ الهرم الفاني هو الذي كل يوم في نقص إلى أن يموت، أو هو الذي فنيت قوته ويئس من رجوع قدرته على الصوم. وقد أجمعت المذاهب الأربعة على أنّ له أن يُفطر وعليه فدية طعام مسكين عن كل يوم، أما إذا عجز الهرم عن الصيام في رمضان وقدر عليه في أيام أخر، وجب عليه القضاء ولا فدية عليه. وإذا أفطر الشيخ لعدم الاستطاعة ثُمَّ قدر على الصوم فلا قضاء عليه سواء أخرج الفدية أو لا عند الجمهور

و هنا نذكر زملاءنا الأطباء أن يتقوا الله في فتواهم بإباحة الفطر للمريض، لحرمة الصيام ومكانته العظمى بين العبادات حتى جعله الله له وهو يجزي به.

و ليتذكر الطبيب الذي يفتي، والمريض الذي يستفتي قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من أفطر يوماً من رمضان من غير رخصة رخصها الله له لم يقض عنه صيام الدهر وإن صامه " [ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه ].



الرخصة بالفطر للمسافر والحبلى والمرضع:

يقول تعالى: { وما جعل عليكم في الدين من حرج } [ سورة الحج: الآية 78 ].

و قال جلا وعلا: { لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } [ سورة البقرة: الآية 286 ].

و بقول رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم: " فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم "

و يقول صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل وضع عن المسلم الصوم وشطر الصلاة وعن الحبلى والمرضع الصوم " [ رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي ].

من رحمة الإسلام أنه دين يُسر وسماحة. وقد رخص للمسافر الفطر بما جاء في القرآن في آية الصوم: { ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر، يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر } [ سورة البقرة: الآية 185 ] وذلك حتى لا يجتمع على المكلف مشقة الصوم ومشقة السفر.

و لا يقال إن وسائل الركوب الحديثة قد رفعت المشقة فإن من الناس من يصاب بدوار وانزعاج من ركوب السيارة أو الباخرة أو الطائرة، ولأن المسافر قد يكون بحاجة إلى الجهد والوقت لينجز أعماله ومهماته التي سافر من أجلها. والسفر المبيح للفطر هو نفسه المبيح لقصر الصلاة ومسافته عند أبي حنيفة ما تجاوز 81 كم وعند الثلاثة 89 كم واشترط الشافعية للفطر في يوم السفر أن يكون مُسافراً قبل الفجر

أنَّ الحامل والمرضع كلتاهما تحتاجان إلى مزيد من الغذاء لتقدمه إلى جنينها أو وليدها وقد يعرضها الصوم أو يعرض الجنين أو الرضيع إلى انحراف في الصحة، وقد اتفقت المذاهب الأربعة على إباحة الفطر للمرأة في هذه الحالة سواء أخشيت على نفسها أو على وليدها وجنينها. كما اتفقوا على وجوب القضاء، ولكن اختلفوا في وجوب الفدية، فلم ير الأحناف وجوبها، وذهب الشافعية والحنابلة إلى وجوبها إذا خافت الحامل أو المرضع على وليدها فقط دون الخوف على نفسيهما، أما إذا خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما ووليدهما فعليهما القضاء فقط.

كما أن من يعمل في مهنة شاقة كعمال المحاجر والمناجم ولا يجد له متسعاً من الرزق غير ذلك العمل، يرخص له في الفطر إذا كان الصوم يشق عليه مشقة كبيرة بحيث يمنعه من مزاولة عمله الذي يحتاج إليه في كسبه، لكن عليه أن ينوي الصيام كل ليلة ويشرع فيه إلا إذا أدركته المشقة بالفعل، ويقضي إذا أمكن الصيام في فصل مناسب، وإلا أفطر ولا قضاء عليه، بل يدفع الفدية إذا توفرت لديه



تحريم الصيام على الحائض والنفساء:

عن عائشة رضي الله عنها: " كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " [ رواه الشيخان ].

إن الحيض عند المرأة وإن كان مرحلة فزيولوجية اعتيادية، لكنها تعتبر من الوجهة الطبية حالة مرضية تحتاج إلى رعاية خاصة، فكثيراً ما تشكو الحائض من توعك في جسمها أو من آلام يرافقها دعثٌ وإرهاق وقد يضطرب الهضم، كما تكون قدرتها على المقاومة منخفضة وتنقص حيوية جسمها ومهارته وتضعف حركته.

لذا اقتضت حكمة العليم الرحيم أن يمنع الحائض من الصيام رحمة بها، وأمرها بالقضاء كيلا تفوتها خيرات شهر الصيام وأنواره.

أما النفساء التي أثقلها الحمل وأرهقتها أحداث الولادة، وها هي ترضع وليدها من غذائها مع ما هي عليه من مشقة وجهد، فهي بذلك مشابهة للحائض بل هي أكثر ضعفاً وأشد حاجة للفطر، وتقضي بالطبع في أيام أخر

المداواة وما يفطر الصائم منها وما لا يفطر:
معظم علماء المذاهب ذهبوا إلى أن المفطرات هي ما دخل إلى احد المنافذ المفتوحة للجوف مما يظهر للرجل واقفا ومن المرأة جالسة ومنها ما سنذكر آنفا

قد يضطر الطبيب إلى إدخال آلة ما أو وصف دواء يُدخل إلى أحد تجاويف البدن، وذلك لفحص مريض أو لمعالجته فما الذي يفطر الصائم من ذلك ؟

تجويف الدماغ: لا يمكن أن يصل إليه شيء ما لم يكن هناك كسر مفتوح في الجمجمة رافقه تمزق في الأغشية المحيطة بالدماغ، وإن وصول أي دواء أو فتيل في ذلك الجرح يكون سبباً في الفطر ويوجب القضاء.

الأذن: اختلف أئمة المذاهب في حكم قطرة الأذن فاعتبر الشافعية مجرى السمع طريقاً إلى الجوف فأي شيء يدخل فيه عمداً _ من آلة فحص أو قطرة ماء _ دون إكراه يفطر ويوجب القضاء. أما عند الحنفية فاعتبروا ما بعد غشاء الطبل من جوف الدماغ وأفتوا بأن صب الماء في الأذن لا يفطر أما تقطير الدهن فإنه يفطر باعتبار أن له سرياناً بخلاف الماء. أما المالكية والحنابلة فإن قطرة الأذن عندهم لا تفطر إلا إذا شعر المريض بطعمها في حلقه

العين: تتصل العين بواسطة مجرى الدمع إلى الحفرة الأنفية ومنها إلى البلعوم لذا فإن قطرة العين يمكن أن تصل تشريحياً إلى الجوف ويشعر بطعمها. واحتج جمهور الفقهاء بحديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل وهو صائم [ قال ابن حجر: إسناده لا بأس به ] وعلى هذا فمذهب الشافعي وأبا حنيفة أن قطرة العين والكحل لا تُفطر الصائم ولو شعر بطعمها في حلقه

الأنف: إنَّ شم الروائح لا يفسد الصوم بالاتفاق وكره الشافعية تقصده. أما الغبار المثار بالتكنيس وغبار الطحين المنتشر وبخار القدر فلا تفطر الصائم إذا دخلت حلقه دون قصد، إلا أن على الصائم التحرز من تلك الأشياء ما أمكنه لأنه إذا تقصد شمها _ ومنها التبخيرة _ واستنشاقها ذاكراً لصومه فإنه يفطر وعليه القضاء، كأن يضع وجهه فوق التبخيرة الدوائية قاصداً بخارها أو أن يستعمل المصاب بالربو البخاخة الخاصة.

كما أجمع الفقهاء على أن الصائم يفطر إذا تقصد تدخين السجائر وعليه القضاء، وزاد الحنفية بوجوب الكفارة، واستعمال السعوط واستنشاق مسحوق الأدوية مفطر للصائم بالإجماع. وإدخال منظار الفحص أو أي أداة إلى الأنف، أو أي قطرة، مفطرة للصائم متى تجاوزت ما لان منه _ جناحي الأنف _، وصل الجوف أم لا، إذا أدخله عامداً غير مكره. وكذا صب الدواء إلى داخل جوف الصدر عن طريق جرح نافذ فيه، وأما بزل الجنب والتامور وإدخال الدواء عن طريق المبزل فهو فطر عند غير المالكية

الفم: المضمضة بالماء جائزة للصائم بالاتفاق سواء كانت لوضوء أو لشدة عطش، إلا أنه يكره للصائم المبالغة في المضمضة والاستنشاق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا توضأت فأبلغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً " [ ذكره ابن سيد الناس في شرح الترمذي وقال أبو الحسين بن القطان: وهذا صحيح ( نيل الأوطار ) ].

و ابتلاع الصائم خطأ ماء المضمضة مفسد للصوم عند الحنفية والمالكية والشافعي، وذهب الحنابلة وأصحاب الشافعي إلى عدم الفطر. والسواك والفرشاة لا تفسد الصوم وكرهها الشافعي بعد الزوال للصائم، ونبه المالكية إلى فساد الصوم بالاستياك بعود يتحلل منه شيء كقشر الجوز إذا ما وصل طعمه إلى حلقه.

و خلع الأسنان ومداواتها لا تفسد الصوم عند الشافعية والحنفية بشرط ألا يبتلع الصائم شيئاً من الدم أو الدواء وإلا أفطر. وذوق الطعام دون بلعه لا يفسد الصوم بالاتفاق ويكره لغير حاجة. أما مضغ التبغ فهو مفطر بالاتفاق. أما الغرغرة أو المضمضة بمحاليل دوائية فلا تفسد الصوم إلا إذا ابتلع منها الصائم شيئاً، وكرهها المالكية أصلاً

و يقول الدكتور النسيمي: أما الأدوية التي يمتص جوهرها المؤثر من بطانة الفم فهي طريقة حديثة لم ينص عليها الفقهاء، وهي إذا ما قيست على ذوق الطعام وأدوية الأسنان، فهي لا تفطر إذا لم يبلع الصائم ريقه أثناء وضعها في فمه، أما إذا ما قيست على مضغ التبغ فهي مفسدة للصوم بالاتفاق، وعلى مضغ العلك عند الحنفية والحنابلة إذا كان يتحلل منه شيء يشعر بطعمه، فيحكم حينئذ بفساد صومه. ويرى النسيمي أن المريض المضطر إليها يمكن أن يفعلها ويمسك بقية يومه ثم يقضي احتياطاً

و القيء عمداً مفسد للصوم بالاتفاق وموجب للقضاء، ابتلع منه الصائم شيئاً أم لا، أما إذا كان الصائم قد غلبه القيء، فلا يفسد صومه إذا لم يبتلع منه شيئاً. أما إذا ابتلع من ذرعه القيء شيئاً دون عمدٍ فلا يفسد صومه عند غير المالكية. وإلا فسد صومه بالاتفاق واشترط الحنفية أن يكون القيء ملء الفم وأن يكون الصائم ذاكراً لصومه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من ذرعه القيء فليس عليه القضاء، ومن استقاء عمداً فليقضِ " [ رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الحاكم على شرط الشيخين ]. وحكم القلس والتجشؤ مع خروج شيء من المعدة كحكم القيء.

و النخامة التي تتجمع في الفم فيبتلعها الصائم لا تفطر عند المالكية، أما عند الحنفية فهي مفطرة إذا ملأت الفم. وعند الشافعية والحنابلة تفطر إذا أمكنه مجها فلم يفعل بل ابتلعها.

أما إدخال منظار المعدة من قبل طبيب لفحص مريضه فهو مفطر له وعليه القضاء دون الكفارة بالاتفاق غير أن الشافعية اشترطوا العمد دون إكراه ولا جهل بالحكم لقرب عهد الإسلام.

و الصائم المريض، إذا كان مرضه لا يبيح الفطر، فتناول الدواء عمداً فعليه القضاء والكفارة، أما إذا كان مرضه يبيح له الفطر فعليه القضاء فقط. وإكراه الصائم المريض على تناول العلاج موجب للفطر عند الحنفية والمالكية، أما عند الشافعية والحنابلة فلا يفطر ولو وصل إلى جوفه

الدبر: الحقن الشرجية مفطرة للصائم باتفاق المذاهب الأربعة، أما التحاميل الشرجية فهي تفطر عند الجمهور وقال مالك: أما السبار _ الفتيلة _ فإني أرجو ألا يكون بها بأس _ المدونة الكبرى _. وإدخال الإصبع أو منظار المستقيم مفطر عند الشافعية والحنابلة، وذهب الحنفية والمالكية بعدم الفطر إلا أن يغيب المدخل كله أو أن يكون مطلياً بماء أو دهن. أما دخول شيء أو دواء إلى جوف البطن من فتحة صنعية مفسد للصوم بالاتفاق، واشترط المالكية لفساد الصوم أن تكون الفتحة نافذة إلى مجرى الطعام

الإحليل: إن قطرة الإحليل وحفنه وفتائله لا تفسد الصوم إلا عند الشافعية.

الفرج: إن ظاهر الفرج ليس جوفاً، ولا يفسد الصوم ما يوضع عليه من أدوية، ما لم تتجاوز مكان غشاء البكارة. أما الحقن والبيوض المهبلية فإنها تفسد الصوم عند الجمهور، أما عند المالكية فلا تفطر إذ يعتبرون مهبل المرأة كالإحليل. أما إدخال الإصبع ومنظار المهبل وغيره من الأدوات إلى المهبل فهو مفسد للصوم عند الشافعية والحنفية، ولا يفسده عند المالكية والحنابلة ولو كان مبتلاً.

و الجماع مفسد للصوم ويوجب القضاء، وإذا جامع في رمضان، متعمداً، ذاكراً لصومه، من غير إكراه وجب عليه الكفارة أيضاً

حقن الدواء بالإبر: غير مفسد للصوم باتفاق المذاهب سواءً كان حقنة دوائية بواسطة الإبر العضلية أو تحت الجلد أو في الوريد، والحقن فوق الأم الجافية أو داخل العظم أو في المفصل، وذلك قياساً على صب الدواء في الجروح غير النافذة إلى جوف الدماغ أو البطن أو الصدر والتي نص الفقهاء على عدم إفطارها للصائم.

أما عدم إفطار الصائم بأخذ الحقن الوريدية فعلته هي أن الدواء وإن وصل أخيراً إلى الجوف فإنه يدخل من منفذ غير طبيعي ولا يصل مباشرة إلى الجوف

و يرى بعض فقهاء عصرنا أن الأحوط أن نؤخر الحقن الوريدية إلى الليل إن أمكن ذلك علاجياً نظراً لأن المادة المحقونة تسري مع الدم إلى الأوردة الكبيرة في تجاويف البطن

الحجامة المدماة والفصادة _ بزل الوريد والتبرع بالدم _: كلها لا تفسد الصوم عند الجمهور.

عن أنس رضي الله عنه قال: أول ما كرهت الحجامة للصائم أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أفطر هذا. ثمَّ رخص النبي صلى الله عليه وسلم بعد في الحجامة للصائم وكان أنس يحتجم وهو صائم. [ رواه الدارقطني وقال: لا أعلم له علة، رجاله كلهم ثقات وقال في الفتح: رجاله من رجال البخاري ].

و بما روي عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم. [ رواه الشيخان ].

لكن الحجامة تكره للصائم إذا كانت تضعفه، أو إذا كان مريضاً وبدا أنها تؤخر شفاءه. وانفرد ابن حنبل بأن الحجامة تفطر الحاجم والمحجوم وحجته ما صح في البخاري عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " أفطر الحاجم والمحجوم ". وصحة هذا الحديث لا تنفي النسخ الذي أخذ به الجمهور.

و الحقيقة أن هناك عدداً من الأمراض تستفيد من الحجامة والصوم معاً كارتفاع التوتر الشديد والربو القلبي ووذمة الرئة الحادة، إلا أنه يحسن بكل مسلم ألا يقبل على الحجامة إلا بعد استشارة طبيبه حرصاً على صحته وكمال صومه

الإغماء: إذا أغمي على المكلف قبل أن ينوي الصوم، واستغرق إغماؤه حتى فوات وقت النية فإنه يتم صيامه بعد صحوه وعليه القضاء. أما إذا انعقدت النية في وقتها فإن إغماء الصائم أثناء صومه لفترة محدودة لا تضر بصحة صيامه، ولو استغرقت النهار كله فلا يفسد صومه عند الحنفية والشافعية، وأوجب الحنابلة والمالكية والقضاء.

اجمالي القراءات 28495