كيف نفهم تعبير المولى جل جلاله (لنعلم)مع أنه عالم الغيب والشهادة؟

عثمان محمد علي في السبت ١٧ - يونيو - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


كيف نفهم تعبير المولى جل جلاله (لنعلم)مع أنه عالم الغيب والشهادة؟
سؤال مُهم من صديق يقول فيه :
تحياتي -في معضلة مهمة في قصة أهل الكهف يهمني أطلع على فهمك لها.. { فَضَرَبۡنَا عَلَىٰۤ ءَاذَانِهِمۡ فِی ٱلۡكَهۡفِ سِنِینَ عَدَدࣰا (١١) ثُمَّ بَعَثۡنَـٰهُمۡ لِنَعۡلَمَ أَیُّ ٱلۡحِزۡبَیۡنِ أَحۡصَىٰ لِمَا لَبِثُوۤا۟ أَمَدࣰا) . (لنعلم) هل الله سبحانه لا يعلم( حاشا لله)؟
كذلك في سورة الأنفال .{ ٱلۡـَٔـٰنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمۡ وَعَلِمَ أَنَّ فِیكُمۡ ضَعۡفࣰاۚ فَإِن یَكُن مِّنكُم مِّا۟ئَةࣱ صَابِرَةࣱ یَغۡلِبُوا۟ مِا۟ئَتَیۡنِۚ وَإِن یَكُن مِّنكُمۡ أَلۡفࣱ یَغۡلِبُوۤا۟ أَلۡفَیۡنِ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِین) .نفس السؤال ...(الأن) خفف الله عنكم ( وعلم).المفروض ان الله و هو سبحانه العليم الخبير يعلم. ؟
وكذللك في سورة..البقرة.. { وَكَذَ ٰ⁠لِكَ جَعَلۡنَـٰكُمۡ أُمَّةࣰ وَسَطࣰا لِّتَكُونُوا۟ شُهَدَاۤءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَیَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَیۡكُمۡ شَهِیدࣰاۗ وَمَا جَعَلۡنَا ٱلۡقِبۡلَةَ ٱلَّتِی كُنتَ عَلَیۡهَاۤ(( إِلَّا لِنَعۡلَمَ ))مَن یَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن یَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَیۡهِۚ وَإِن كَانَتۡ لَكَبِیرَةً إِلَّا عَلَى ٱلَّذِینَ هَدَى ٱللَّهُۗ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُضِیعَ إِیمَـٰنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفࣱ رَّحِیم) ؟
==
التعقيب :
شكرا جزيلا وتحياتى لحضرتك .
هناك قواعد أساسية ذكرها رب العالمين حول علمه سبحانه وتعالى تتلخص فى الآيات القرءانية الآتية:
(عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير).
(ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون).
(عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال).
(قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ايان يبعثون).
(ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم).
(قل اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون).
(هوالله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم).
(عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم).
(يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا اجبتم قالوا لا علم لنا انك انت علام الغيوب).
(الم يعلموا ان الله يعلم سرهم ونجواهم وان الله علام الغيوب).
(قل ان ربي يقذف بالحق علام الغيوب) .
فعلم الله جل جلاله للغيب والشهادة مؤكد ولا جدال ولا مراء ولاريب فيه. وفهمى لمجىءهذه الآيات موضع السؤال بصيغة المضارع (لنعلم ) و (الآن خفف الله عنكم وعلم ) و(إلا لنعلم ) للتأكيد على حقيقتين : الأولى :
للتأكيد على أن القرءان العظيم مُعجز في بيانه وأسلوبه وبلاغته وقواعده للسان العربى في أنه أحيانا يتحدث عن الحاضر أو المُستقبل بصيغة الماضى للتأكيد على حتمية حدوثه ،وللحديث عن الماضى بصيغة المضارع لإستمرارإعطاء الفرصة للمخاطب في أن يختارالأصوب والأصلح له في دينه .وللحديث عن المفرد بصيغة الجمع ،والحديث عن الجمع بصيغة المُفرد . وفى إسناد الأمر والفعل وتطبيقه لله جل جلاله ،وفى موضع آخر يأتي التعبير عن نفس الأمر والفعل بإسنادة للمخلوقات سواء كانت ملائكة أو بشر .وهذا يؤكد على أمرين هامين :أن القرءان كتاب من عند الله وفريد في صياغته كما هو فريد في كتابته وليس من عند البشر وليس من صياغة محمد عليه السلام ،وأنه يُخاطبنا أحيانا بصيغة تتناسب مع عقولنا وعلمنا المحدود وما نستطيع فهمه بسهولة ويُسر ..
اما الحقيقة الثانية :
فهى التأكيد على الحرية المُطلقة في الدين ،وترك المجال مفتوحا للإنسان أن يختاربنفسه في أن يكون مُطيعا لله جل جلاله مؤمنا بأوامره وتشريعاته، وبالغيب الذى جاء به القرءان الكريم أم لا . فلوقال القرءان مثلا أن الله علم من سيتبع الرسول في تغيير القبلة ، او من سيكون مع الحق ومن سيكون مع الباطل ،فهنا يكون قد أغلق الباب أمام حُرية الإختيارفي الإيمان ويكون الأمر جبرا (او يكون الإنسان مُسيرا كما يقول بعض الناس وليس مُخيرا ولا يملك حريته في إيمانه وطاعته لرب العزة جل جلاله أو في كُفره وعصيانه) وإنتهى الأمر ... ولكن الواقع غير هذا ،فالإنسان يملك حُريته المُطلقة في الدين وفى إيمانه وطاعته له سبحانه أو الكُفر به وعصيانه ، وبناءا على هذه الحرية سيكون الحساب ،والثواب والعقاب والجنة والنار يوم القيامة .
فالتعبيرعن علم الله الثابت اليقينى والمؤكد بصيغة المضارع ،أو التحول من إسلوب المضارع للماضى يكون في حقيقته لنا نحن في التأكيد على حريتنا المُستمرة طول حياتنا في أن نؤمن ونفعل أولا نفعل وفى إمكانية تغيير مواقفنا بين الإيمان والكُفر والعكس بالعكس ،وهذا لا يتعارض ابدا ابدا مع علم الله جل جلاله بما سنختاره نحن من خلال علمه سبحانه الثابت للغيب والشهادة .
هذا والله أعلم. وفى إنتظار التعقيبات لإثراء فهم الموضوع .
اجمالي القراءات 1989