عقوبة شذوذ النساء ( السحاق )

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٥ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


عقوبة شذوذ النساء ( السحاق )

 تشريع العقوبات للمرأة 

كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى )

أولا :

الأرضية التاريخية

1 ـ هناك تراث قديم للشذوذ بين النساء قبل دولة الخلفاء ، ولكن أخذ تعبير ( السحاق ) فى العصر العباسى . ولقد ازدحمت قصور الخلفاء العباسيين بأطنان اللحم الأبيض من اجمل الجواري ، حيث كان الخليفة يمتلك المئات او الآلاف منهن ، ولم يكن باستطاعته ان يلبي حاجات هذا القطيع بأكمله ، وينطبق ذلك على باقي القصور المتخمة بالجواري للأمراء والقادة والأثرياء ، فانتشر الشذوذ بين الجواري ، وفي نفس الوقت فإن الحرائر المُهْـمَـلات (بفتح  الميم الثانية) وجدن في السحاق وسيلة للاستمتاع الجنسي وملء الفراغ .

2 ـ والجاحظ أو من أشار إلى شيوع هذه العادة في العصر العباسي من خلال روايات ذكرها في كتابه "المحاسن والأضواء" عن المجتمع السري للجواري في العصر العباسي الأول دون ان يذكر مصطلح السحاق  . وفى العصر المملوكى أورد الصفدى عدة روايات عنه نستحى من ذكرها .

3 ـ وانتشر السحاق فى العصر المملوكى ــ حيث ساد التصوف وساد معه كل أنواع الفجور الجنسى بأنواعه العادى والشاذ، ولم يجد سبيله للتسجيل التاريخى ، ولكن ابن دانيال مؤلف مسرحيات ( طيف الخيال ) أو ما يعرف الآن ب ( الأراجوز ) سجل فى مسرحية أو ( بابة ) ،   لمحة وصفية عنه على لسان الخاطبة أم رشيد فى قولها  : ( ياولدى عندى صبية كأنها الشمس المضية ، إلا أنها نفرت من زوجها الأول من ألم الإفتضاض، وداوتها القوابل بدواء ماض . وكانت بسلامتها قد ألفت السحاق ، وتعودت به من دار معلمتها أم اسحق ، والعهد هى معذورة إذ نفرت من البعل ، وألقت النعل على النعل )  .  

ثانيا :

حكم السحاق فى الدين السُنّى :

1 ـ إبن الجوزي هو أشهر فقيه سنى حنبلى تعرض لنفس هذه العادة بعد انتشارها والتصاق مصطلح السحاق بها ،  وتحت عنوان " تحريم السحاق بين النساء" صنع حديثاً منسوباً للنبي يقول " لا تذهب الدنيا حتى يستغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء ، والسحاق زنا بينهم ".  وإخترع ابن الجوزي حديثا آخر يقول " سحاق النساء زنا بينهن " . ومحقق كتاب " أحكام النساء " ذكر في الهامش أن الحديثين ــ كلاهما ــ ضعيف جدا . مما يدل على أن ابن الجوزى هو من صنع ذلك . وفى رأينا أن ابن الجوزى مُبتلى بالكذب حتى فيما ينقل من تاريخ السابقين فى كتابه ( المنتظم ) ، علاوة على منامات عن النبى كان يخترعها ويسجلها بكل جُرأة .

2 ـ وذكر ابن الجوزي ما حكم به شيخ الحنابلة في هذا الموضوع ، يقول ابن عقيل " إذا عرف في النساء حُب السحاق وجب منعهن من الخلوة ببعضهن البعض ، والسحاق زنا ولكنه لا يوجب الحد ، بل التعزير ، لأنه من غير إيلاج ، فهو كوطء الرجل الرجل جون إيلاج " ومعذرة لا يردا هذه الفتوى "الخارجة ".!

3 ـ وسبق ذلك ما صنعه البخارى ومسلم أحاديث تنهى عن ( مباشرة الرجل الرجل في الثوب الواحد ، وأن تباشر المرأة المرأة في ثوب واحد ) وقد ذكره أيضا احمد بن حنبل وأبي داوود والترمذي . وهو إنعكاس لما ساد فى العصر العباسى من شذوذ بين الذكور وبين النساء . ،  

 4 ـ وإختلف الآراء الفقهية فى الدين السنى فى عقوبة السحاق :

4 / 1 : قال بعضهم أنه لا حدّ ( عقوبة ) فى السحاق لأنه ليس زنا ، ولكن يوجبون فيه التعزير .

4 / 2 : قال بعضهم إنه زنا ، وصنع حديثا يقول ( ( إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ , فَهُمَا زَانِيَتَانِ )، وحديثا أحر ( إذا أتى الرجلُ الرجلَ فهما زانيان ، وإذا أتت المرأةُ المرأةَ فهما زانيتان.)

5 ـ إتفاقهم على عقوبة التعزير ، لا يعنى الاتفاق على مدى هذه العقوبة ، فبعضهم يجعلها دون عقوبة شُرب الخمر عندهم ( أقل من 40 جلدة ) ، وبعضهم يصل بعقوبة التعزير الى القتل . ومن حّسن الحظ أن كل هذا كلام نظرى ، لم يجد حظّه فى التطبيق .  

ثالثا :

فى عصرنا :

تكاثر من يكتب فى الدين متشجعا بجهل الشيوخ السلفيين والرسميين وتفاهتهم . عانيت منهم الكثير ، يكتبون لى أن ( السحاق ) هو المراد بقوله جل وعلا : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) ( النساء 15 ) .

ورددت عليهم كثيرا بتدبر قوله جل وعلا  :  ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (15) وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَحِيماً (16)   النساء ):

قلت :

  1 :  (اللاتى ) فى الآية 15 تفيد جمع النسوة تحديدا ، والآية بعدها فيها ( اللذان ) تفيد المثنى المذكر .

  2 : لم ترد ( اللتان ) للمثنى المؤنث فى القرآن ، ولو كانت الآية 15 من سورة النساء تتحدث عن شذوذ النساء لقال الله سبحانه وتعالى ( واللتان تأتيان الفاحشة من نسائكم) .

  3 : لم ترد كلمة ( اللتان ) أو ( اللتين ) فى القرآن الكريم عن إثنتين من النساء ، ولم يقل أحد ان القرآن الكريم قد استوعب كل ألفاظ اللغة العربية.كما أن التشريع القرآنى لم يرد إشارة باسم الموصول لأمرأتين بما يستوجب استعمال ( اللتان ) أو ( اللتين) . والطريف أن التشريع القرآنى ذكر شهادة مرأتين فى المعاملات التجارية (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ) ( البقرة 282 ) ولم يكن السياق محتاجا الى استعمال الاسم الموصول الخاص بهما ، أى ( اللتان ) أو( اللتين).

  4  ـ  قوله سبحانه وتعالى ((وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) لا علاقة له بالسحاق ، وإنما يتحدث عن عقوبة سلبية للمشهورة بارتكاب الفاحشة دون أن تثبت عليها ، ومعلوم أن إثبات الزنا متعذر جدا.

  5  ـ ولكن المهم أن الحكمة التشريعية هنا هى منع المتهمة من الاتصال بالناس حتى تقلع عن الفواحش .

6 ـ معروف إن المرأة يمكن أن تنسى الجنس لو لم تتعرض لمثيرات جنسية خارجية ، فبعض النساء الأرامل ممن وهبن انفسهن لرعاية اولادهن قمن بمحو فكرة الجنس تماما ، ويقال عنها فى الريف المصرى ( انها تركت ) أى نسيت موضوع الجنس وتفرغت لهدف اسمى وهبت نفسها له. أيضا الراهبات المتبتلات . وفى كل الأحوال لو اقترب منها ذكر وألحّ عليها بكلامه ولمساته فلا بد أن يوقظ فيها ما أخمدته فى داخلها من مشاعر جنسية . الفتاة العانس يمكن أن تنسى الجنس لو يأست من موضوع الزواج . ولو تزوجت فتاة من رجل كهل وعرفت معه الجنس ستكون هناك مشكلة للزوج الكهل فى الاستجابة لمتطلباتها الجنسية لأن وجوده الى جانبها مؤثر جنسى ، وحين يعجز عن ملاحقة طلبات جسدها تنشأ المشاكل. وهى قبل الزواج لم تكن تشعر بتلك الأحاسيس وهى بكر ، إختلف الحال بوجود مؤثر جنسى هو الزوج ودخول جسدها فى تحول هام . وفى حالة عجز الزوج الكهل فإن وجود مؤثر جنسى خارجى أى ذكر يلاحق الزوجة الشابة بالكلام المعسول و اللمس والاحتكاك يوقعها فى الزنا إن لم تكن فى إحصان بأخلاقها بحيث تمنع منعا باتا فكرة الزنا . من هنا فالعلاج بالحبس فى البيوت هو الحل الأمثل لمنع المؤثرات الجنسية عن المرأة المدمنة للجنس الحرام. وهذا الحبس فى البيوت سيؤدى بها الى التوبة أو الى الزواج أو كليهما لأنه يتيح للمرأة فرصة أن تترك الادمان الجنسى المحرم وتعود جسدها ونفسها على الاقلاع عنه مثل من يدمن التدخين والهيروين.

7 ـ  قلنا إن ( اللذان ) مثنى مذكر ، والآية عن شذوذ جنسى بين إثنين من الذكور . والعقاب هو مجرد الايذاء . أما ( اللاتى ) فهى للجمع المؤنث. أى للنساء اللاتى يأتين الفاحشة دون إثبات ببينة مؤكدة . القول بأنهم اللاتى يمارسن السحاق خطأ مضحك ، لأن العقوبة فى إمساكهن أى حبسهن فى البيوت . فلو كانت الجريمة هى السحاق فالمعنى أننا نمنحهن الفرصة لممارسة السحاق .  

أخيرا

عن عقوبة السحاق فى الاسلام ( حسب رأينا )

1 ـ حرام كل علاقة جنسية خارج الزواج الحلال . قال جل وعلا فى صفات المؤمنين المفلحين المستحقين للجنة :

1 / 1 : (  قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (7)   المؤمنون )

1 / 2 : ( إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (27) إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (28) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ (31)   المعارج ).

نرجو تدبر قوله جل وعلا : ( فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ ). هذا يشمل مقدمات الزنا ومقدمات الشذوذ ، والاستمناء للذكر ومثيله للأنثى ، والزنا الكامل بين الذكر والأنثى والشذوذ الكامل بين الذكور ، والشذوذ الكامل بين الاناث .

2 ـ إلا إن هناك عقوبة للزنا ، تعرضنا لها ، وتسقط العقوبة بالتوبة الظاهرة ، فإذا وقع مجددا فى الزنا إستحق لقب الزنا وعوقب . التوبة الحقيقية المقبولة عند الله جل وعلا تجعل التائب صالحا لدخول الجنة والنجاة من الخلود فى الجحيم .

3 ـ مقدمات الزنا لا بد أن يقع فيها كل إنسان ، ولو بتفكيره وخيالاته . والوصف القرآنى لها هم ( اللمم ) ، أى ما يلُمُّ به البشر . وهو مغفور طالما إبتعد الانسان عن الكبائر . قال جل وعلا :

3 / 1 ـ (  وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ) (32)  النجم )

3 / 2 : (  إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (31)  النساء  ) . 
اجمالي القراءات 4759