( التوبة) بين عقوبة الزنا فى الاسلام وفى الدين السُنّى

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٩ - مارس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


) التوبة)  بين عقوبة الزنا فى الاسلام وفى الدين السُنّى

تشريع العقوبات للمرأة 

كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى )

أولا : فلسفة العقوبة فى الاسلام :

الأصل هو الايمان باليوم الآخر ، وفيه الجزاء الحقيقى بالخلود فى الجنة أو فى النار . وكل تشريعات الاسلام بالأوامر والنواهى هى لانقاذه من النار ، ومن زُحزح عنها فقد فاز ( آل عمران 185 ).

لمحة عن تطبيق شريعة العقوبة فى الدولة الاسلامية :

1 ـ فيما يخص حقوق الله جل وعلا :

1 / 1 : الايمان به جل وعلا وحده إلاها لا شريك له وإخلاص العبادة له وحده ، وعدم الايمان بآلهة وأولياء مع الله جل وعلا وعدم عبادته وعدم إخلاص العبادة له:

لا دخل للسلطة الحاكمة فيه لأن حقوق الله جل وعلا مؤجلة اليه ليحكم فيها بين البشر جميعا فى إختلافاتهم الدينية يوم الدين . قال جل وعلا : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46) الزمر ). ملاحظة : الأغلبية الساحقة من البشر ضالون مُضلّون . ولا سلطة بشرية تعاقبهم .!

2 ـ بعض المعاصى فى تأدية العبادات يأتى عقابها من الله جل وعلا فى الدنيا ، مثل الذى يريد بقلبه فقط ـ دون فعل ـ الالحاد ظالما فى البيت الحرام . قال جل وعلا :  ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ) .

3 ـ تطبيق بعض المعاصى فيما يخص حقوق الله جل وعلا يرجع للمؤمن نفسه وخشيته من ربه ، كمن يقتل الصيد فى الحرم ( متعمدا ) . قال جل وعلا : (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (95) المائدة ) . التعمُّد هنا لا يعلمه إلا الله جل وعلا ، ومن يتعمّد ينتقم الله جل وعلا منه ، ولا شأن للسلطة الحاكمة به .

2 ـ فى حقوق البشر :

2 / 1 : ليس كل معصية فى حق البشر تستوجب عقابا فى الدولة الاسلامية ، مثلما جاء فى قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) الحجرات )

2 / 2 : بعض المعاصى تستوجب العقوبة ، مثل الزنا والسرقة والقتل والقذف وقطع الطريق . التوبة تمنع توقيع العقوبة لأن فلسفة العقاب هنا ليست للانتقام ولكن للاصلاح وللردع .

2 / 3 : بعد توضيح عقوبتى الزنا والقذف قال جل وعلا : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) النور )، وفى عقوبة قطع الطريق : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)  المائدة ) وفى عقوبة السرقة :( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) المائدة ).

3 ـ بالتالى فإن مجال تطبيق العقوبات فى الشريعة الاسلامية ضيق جدا . يؤكّد هذا أن التوبة الظاهرية تمنع العقوبة .

 التوبة من حيث التطبيق البشرى ( الحكم الظاهرى السلوكى )

1 ـ  وصف ( الزاني / الزانية ) خاص بمن أدمن وإعتاد الزنا ولم يتب عنه ، والدليل في ذلك هو سورة النور نفسها ، إذ بعد تشريع الجلد للزانية والزاني يقول سبحانه وتعالى (الزَّانِي لا يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور :3 ، فالزاني والزانية عن المعروف بالزنا . ومن كان هذا شانه ومن كان هذا شانها لا يجوز للمؤمن أن يرتبط بهما بزواج او بتزويج . وإذا طبقنا هذه الآية على كل من وقع في الزنا فلن يكون هناك زواج ، وسيستشري الزنا .

ومن شروط الزواج براءة الرحم من الحمل ، فإذا كانت زانية وتابت تتربص بنفسها العدة لابراءة رحمها ثم تتزوج ، وهذه نصيحة نوجهها لمن يريد أن يتزوج فى المهجر .. أليس كذلك ؟ هو كذلك .!

2 ـ إدمان الزنا وعدم التوبة هو الذى يحدد الزاني والزانية المستحق للعقوبة . إذا تم الاثبات أو الاعتراف  وأعلنا أو أحدهما التوبة فقد سقطت عنهما أو عنه العقوبة . إن عاد ووقع فى الزنا بالإثبات فقد إلتصق به وصف الزنا واستحق العقوبة .  كل ذلك حسب الظاهر الذى به يمكن تطبيق الشريعة .

التوبة عن الزنا المقبولة عند الله جل وعلا

1 ـ العلاقات الجنسية ـ حتى المشروع منها ـ تتم خفية بعيدا عن الأعين ، هذا لدى أصحاب الذوق الرفيع . الخلوة هى الأساس فى الزنا ، وبالتالى:

1 / 1 :  فأغلب الزُّناة يستخفون  من الناس ولا يستخفون من رب الناس جل وعلا .

1 / 2 : فإن من النادر ضبط زنا فى حالة إثبات ، أو فى حالة إقرار ، مع الأخذ فى الاعتبار صعوبة التأكد من الإثبات فى عملية الزنا الكاملة .

2 ـ التوبة الظاهرية لا يمكن للبشر التأكّد منها . لذا يكون الحكم فيها مرجعه لرب العزة جل وعلا .

3 ـ إذا صدق فى توبته واستمر فيها الى نهاية عمره :

3 / 1 : أصبح من المتقين ، والله سبحانه وتعالى يقول في صفات المتقين (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)آل عمران :135 ، فالمتقى التائب قد يكون واقعاً في الفاحشة من قبل ، ولكنه تاب عنها ولم يُصرّ عليها مع علمه وإدراكه انها معصية دون محاولة للتبرير او التحايل او خداع النفس .

3/ 2 : هذا التائب يُكثر من عمل الصالحات ليغطّى بها على سيئاته ، والله جل وعلا يبّدل سيئاته إلى حسنات ، يقول الحق سبحانه وتعالى (وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً  يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً  إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان : 68 : 70  ).

4 ـ أما الآخر الذى خدع الناس بتوبته ونجا من عقوبة الجلد فأمامه عذاب مُضاعف يخلد فيها مهانا يوم القيامة . ولا سبيل للمقارنة .

5 ـ وهنا يتضح أن الايمان بيوم الدين هو أساس فلسفة العقوبات فى الشريعة الاسلامية .

ثانيا : فى الدين السُّنّى :

الانتقام الدنيوى لأنهم لا يؤمنون بيوم الدين

1 ـ من مقاصد التشريع الاسلامى حق الحياة لكل نفس بريئة لم ترتكب جريمة قتل . ويؤكد ذلك أن رب العزة جل وعلا حذّر من قتل النفس إلإ بالحق ، تكرّر هذا فى (الأنعام 151 ، الإسراء 33 ، الفرقان 68) ، و "الحق" المقصود هو ما جاء في تشريع القرآن الذي نزل بالحق وبالحق نزل (الإسراء 105) . وتشريع القرآن يجعل عقوبة القتل في القصاص فقط  وفى أحوال محددة ( البقرة :  178 ) ، ويجعل من يفتى بقتل الناس خارج القصاص كمن يحكم بقتل الناس جميعا ، ومن يناضل ضد هذه الفتوى يكون كمن أحيا الناس جميعا (المائدة:  32) .

2ـ خلافا لهذا نجد الأصل التشريعى فى الشريعة السنية هو القتل ، ويتنوع الى :

2 / 1 : عقوبات أو ( حدود ) ، ومنها الرجم للزنا وقتل المرتد وتارك الصلاة والمفارق للجماعة ، وابتدعوا عقوبة أقل من الحـد وهي عقوبة التعزير ، وجعلوها تعني الإهانة بالضرب او الجلد في عقوبة أقل من (حـد الخمر) عندهم ، وكان بعضهم يصل بعقوبة التعزير إلى القتل في الفقه الحنبلي واشتهر بها إبن تيمية . المهم ان عقوبة التعزير ليس لها اصل في القرآن ، كما ان كلمة التعزير نفسها تفيد في القرآن عكس معناها في التراث ، فالتعزير في القرآن يعني التمجيد والتوقير والمُناصرة والتأييد ، أي على النقيض تماما ( أقرأ : المائدة 12 ، العراف 157 ، الفتح 9).

2 / 2 : عقوبات سياسية : فالإمام أو الحاكم فى الدولة السنية يملك الأرض ومن عليها ، وهو ( الراعى ) والشعب هو ( الرعية ) أى المواشى المملوكة للراعى . ومبكرا فى عصور الخلفاء كان للخليفة ووالى الخليفة أن يقتل من يشاء ( الحجاج بن يوسف مثالا )، وتم صياغة ذلك فى فتوى تقول إن من حق الأغمام أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين .  

2 / 3 : القتل على أوسع نطلق بالغزو والفتوحات والاحتلال ، تحت زعم الجهاد . وبدأ بهذا أبوبكر الزنديق ، ولا يزال مستمرا فيما يسميه العالم ب ( الارهاب ).

3 ـ لو كانوا يؤمنون بالله جل وعلا وباليوم الآخر ما قالوا وما فعلوا ذلك . هم بإختصار جعلوا يوم الدنيا ــ الذى يتحكمون فيه بالقهر والسيف ــ بديلا عن اليوم الآخر ، وجعلوا أنفسهم مالكين له .

4 ـ وفى دين شيطانى مؤسس على الافتراء على الله جل وعلا ورسوله لا نتصور أن يعفّ أصحابه عن إتهام البشر بأى تهمة وتلفيق التهم اليهم بالزنا وغيره . ولا حاجة للتثبت من التوبة . يكفى ما قرره إبن تيمية من أن الزنديق ـ أى المؤمن بالسُنّة وأحاديثها ولكن يخالف ابن تيمية فى بعض المسائل ـ حكمه القتل عند العثور عليه ، ودون محاكمة ، والقتل ولو تاب . ردّد ذلك بعده الشيخ سيد سابق فى كتابه ( فقه السُنّة )، وأبو بكر الجزائرى فى كتابه (  منهاج المسلم   )

5 ـ وتم تطبيق القتل على الملايين على أنه ( شريعة الاسلام ) . والاسلام دين الرحمة والعدل والاحسان والحرية وكرامة وحقوق الانسان .

6 ـ ومن حُسن الحظ أن تطبيق الرجم ليست له دلائل تاريخية كما أسلفنا ، الى أن ظهر محمد بن عبد الوهاب فأسّس به شهرته . ولا يزال من وقتها مطبقا ، وجريمة فى جبين الانسانية ، والضحايا من النساء ..وفقط .

7 ـ على الجانب الفقهى توجد إختلافات بين المذاهب السنية فى إسقاط عقوبة الرجم على من تاب ، بعضهم يقبل التوبة وبعضهم يوجب قتل التائب رجما . هى إختلافات لا تهمنا فى شىء . 
اجمالي القراءات 1882