زى المرأة بين الاسلام ودين السنة الذكورى ( 1 )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٠ - يناير - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً

زى المرأة بين الاسلام ودين السنة الذكورى ( 1 )
( تشريعات المرأة فى الزى والزينة )
القسم الثانى من الباب الثالث : التشريعات الاجتماعية
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
زى المرأة بين الاسلام ودين السنة الذكورى ( 1 )
تنبيه :
ننقل الآن بعد المقدمات السابقة الى النقل من كتاب : ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى) ، والذى سبق تأليفه من حوالى ثلاثين عاما .
تمهيد :
1ــ يلاحظ أن الاهتمام بمظهر المرأة يزداد في عصور الضعف والتخلف ، إذ يصبح الاستغراق في هذا الموضوع بديلاً عن الاهتمام بالقضايا الأساس التي ينبغي ان ينشغل بها المسلمون ..
2 ـ إسلاميا فالتقوى هى الأساس في تشريع الإسلام ، بها يتأسس مجتمع مدنى ديمقراطى يتمتع أفراده بحقوق المواطنة المتساوية وبحرية الدين المطلقة وحرية الفكر والقول ، على أساس أن الدولة ليست مهمتها إدخال الناس للجنة بل حفظ حقوقهم فى الدنيا .
3 ـ ومن منظور التقوى والعفة نزلت تشريعات الزي للمرأة ، مقترنة بالأمر بغض البصر عن النظرة الحرام ن من الرجال للمرأة أو من المرأة للرجل ، فالمتقى يخشى الله جل وعلا بالغيب : ( إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) الملك )، ويتقى الذى : ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر ). إلا ان تشريع الدين السُّنى في زي المرأة خرج عن هذا السياق القرآني في التشريع ، وجعل الزي هدفاً في حد ذاته ، لأنه دين أرضى ينظر للمرأة على انها صنم للفتنة ينبغي تعبئته في قراطيس من تشريعات الحظر والتحريم..
4 ـ وفي عصرنا الراهن ــ حيث يعاني المسلمون من الاستبداد والظلم والتخلف والقهر ـ فإن الحل الأمثل لتفادي كل المشاكل ـ أو بمعنى أصح لنسيانها ــ هو الطواف حول "صنم المرأة" أو " صنم الفتنة" لإسقاط كل مشاعر الإحباط والغضب والقهر عليه ، كنوع من أنواع التنفيس عن الضغط المكبوت في الأنفس . وبدلاً من الصراخ في وجه الحاكم والتعرض لقهره ، فمن السهل ان تكون المرأة هي البديل المناسب والمريح و ( حائط المبكى ) . ولهذا نرى العجب ، جولدا مائير هزمت عبد الناصر ، والنساء في إسرائيل ــ وأمريكا ــ يغلبون رجالنا في الحروب وفي السلام ، ورجالنا الأفاضل يردون على ذلك القهر المخزي باضطهاد المرأة وتعبئتها في النقاب ، ونفيها داخل تشريعات تنتمي إلى تخلف القرون الوسطى ، على أساس أن ذلك هو جوهر الإسلام ، والذي ينبغي أن نبذل في سبيله النفس والنفيس ، ولهذا يصبح زي المرأة في نظرهم هدفاً في حد ذاته ، وليس مهما إن كانت تحت هذا الزي تعيش في التخلف والخرافة ... والانحراف الخلقي..
5 ـ والأمثلة واضحة في ارتباط النقاب بالانحلال الخلقي ، في العصر العباسي ، وفي العصر المملوكي ، وهذا ما سنتعرض له دراسة مستقلة عن جذور تشريعات المرأة (في التراث) ، ولكن هذا الارتباط القائم بين النقاب والانحلال الخلقي نراه واضحاً في بعض المجتمعات المتزمتة في الظاهر والمنحلة في الواقع .
6 ـ وهذا الارتباط بين النقاب والانحلال يؤكد صدق التشريع القرآني الذي جعل زي المرأة وسيلة للعفة ، فاعتنى اولاً بتربية المسلمين ذكوراً وإناثاً على أساس التقوى من الله وحده ، ولله وحده ، والفاعلية في الخير وبعد أن يصبح القلب خالصاً لله تعالى تخشع الجوارح وتستجيب لله تعالى في كل التشريعات ومنها غضُّ البصر والحشمة في الزي وفي الزينة .
7 ـ أما فى الدين السُّنّى ـ الذي ساد من العصر العباسي ـ ففيه تحريم التفاعل الاجتماعي على المرأة ــ كما شهدنا سابقا ــ وحرمانها من التعلم والترقي ، واعتبارها صنما للفتنة والجنس ، ثم يصاحب ذلك تعبئتها ، داخل النقاب وتحريم أي اتصال بها ، ومحاصرة كل النظرات إليها على أنها بضاعة محرمة . ولإحساسها بالسجن والقهر ولأن عقلها أصبح فارغاً من كل ما يسمو بها كان طبيعيا أن يمتليء هذا العقل بالتخلف ونوازع الجنس والشهوة ، ويعزز ذلك الفراغ الطويل وانشغال الرجل بمختلف الملاذ بعيداً عن بيته ، ومنها الشذوذ الجنسي ، ولذلك تنطلق المرأة في طريق الانحلال ، متخفية خلف النقاب الذي يعطيها الحل الأمثل والمتاح للتنكر . ولا يستطيع الرجل ــ مهما أوتى من قوة ــ ان يحول بين المرأة والفاحشة إذا صممت عليها ، كما ان الرجل لا يستطيع مهما اوتى من قوة أن يرغم امرأة على الاستجابة للفاحشة . هكذا انتشر الانحلال الخلقي وساد منذ القرن السادس الهجري ، وحين إنتشرت الوهابية بدأ ذلك الحلف غير المقدس بين النقاب والانحلال يظهر في مجتمعات المتشددين ، الذين اكتفوا بالمظهر وجعلوا قضية الزي للمرأة هي الهدف الأسمى ، أما عقلها وكيانها المعنوى وشخصيتها المستقلة ومكانتها الفاعلة في المجتمع ــ كما أراد الله سبحانه وتعالى ــ فإن الخوض فيها عندهم يعد خروجاً عن دينهم .
أولا :
مفهوم الحجاب والنقاب :ــ
1ــ وقد شهد عصرنا الراهن طرحاً مكثفاً لقضية الحجاب والنقاب ، بهدف سياسي في المقام الأول ، مما ترتب عليه شيوع مفاهيم خاطئة بين المتدينين ، ومنها مشروعية النقاب ، والفكرة الخاطئة عن الحجاب ..
2 ـ ان " الحجاب " في تشريعات المرأة جاء في القرآن الكريم خاصّاً بأمهات المؤمنين نساء النبي في قوله تعال " وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ... " الأحزاب : 53 ، والحجاب هنا يعني الستارة او الحائل ولا علاقة له مطلقاً بالزي ، وإنما يعني الحائل الذي يفصل في البيت بين نساء النبي وزائريه ، وأولئك كانوا يدخلون بيوت النبي بلا استئذان ، ويتحدثون مع نسائه بلا ذوق ، فنزلت الآية تشرّع ــ تشريعات خاصة بالنبي ونسائه ــ ما ينبغي ان يكون ، ومن ضمن التشريعات في نفس الآية قوله تعالى " وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً .." إذن فالآية الشريفة تحوي تشريعاً خاصاً في زمان محدد ومكان محدد لا يسري على عصرنا ، وجاءت كلمة "الحجاب" بمعنى الستارة او الحائل ، ولا علاقة لها بالزي ، كما أن آيات سورة الأحزاب التي تخاطب نساء النبي وتأمرهن بعدم التبرج كلها تشريع خاص بأمهات المؤمنين (الأحزاب 28 : 34)..
3 ـ ــ كما ان النقاب الذي يخفي الوجه ليس من تشريعات الإسلام في شيء. ذلك أن وجه المرأة كان سافرا في عهد النبي محمد عليه السلام ، ولو كانت المرأة ترتدي نقابا ما تصورنا حدوث ذلك.
4 ـ ان كلمة النقاب لم ترد أصلاً في القرآن الكريم ، مع أن مادة الكلمة (نقب) جاءت في القرآن في ثلاثة مواضع ، ولو كان النقاب شريعة إسلامية لذكره القرآن في اللفظ والمصطلح ، وفي المعنى . بل ان مفهوم النقاب ، وهو تغطية وجه المرأة ــ ورد في القرآن ما ينفيه ، وما يؤكد أن وجه المرأة كان معروفا وواضحا ومكشوفا للناظرين ، وذلك طبقا لما جاء في القصص القرآني وتشريعات القرآن ، ففي قصة إبراهيم عليه السلام جاءته الملائكة وقد تجسدت في صورة بشر ذكور وقد ظنهم بشراً فعلاً فقدّم لهم الطعام فلما عرف أنهم ملائكة أخذه الرّوع والدهشة ، بينما ضحكت زوجته ، وبشرها الملائكة بأنها ستلد اسحق ، وستعيش حتى ترى يعقوب حفيدها من اسحق ، ودار حوار بينها وبين الملائكة ذكره القرآن ، ولا نستطيع أن نتصورها متنقبة في هذه القصة ، وتستمر القصة لتحكي موقف الملائكة في صورتهم الجسدية البشرية مع لوط وقومه ، وقد هجم على البيت طائفة من القوم يريدون الفاحشة بالضيوف ، ولوط عليه السلام يعرض على أولئك الناس الزواج من بناته بديلاً من المنكر الذي يسعون إليه " قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي... " هـود : 78 ، فهل كانت بناته منقّبات .؟ . ونفس الإحساس يلازمنا ونحن نقرأ قضة موسى مع ابنتي الرجل الصالح في مدين ، إذ لا يمكن أن تكونا منقبتين . إلى أن نأتي إلى ما اخبر به رب العزة جل وعلا عن المؤمنين والمؤمنات في المدينة في عهد النبي ، وكيف كان يوالي بعضهم بعضاً ، ويتواصون بالمعروف ويتناهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، ويتعاونون على البر والتقوى في طاعة الله ورسوله ، " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ... " التوبة : 71 ، ولا نستطيع أن نتصور وجود النقاب في هذه الحياة الاجتماعية المتفاعلة .
5 ـ أما عن التشريع فقد ورد فيه ما يفيد أن النقاب لم يكن موجوداً أصلاً. فالله سبحانه وتعالى أمر المؤمنين بغضّ البصر " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ " فإذا كان الوجه منقّباً فلماذا يكون الأمر ، كما ان الله تعالى امر المؤمنات بغضّ البصر أيضا " وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ " أي لأن وجه الرجل مكشوف فقد أمر الله المؤمنات أيضا بغض البصر ، كما أمر المؤمنين بغض البصر عن المؤمنات السافرات الوجه ، والتساوي في الأمر للجميع يفيد سفور الوجه للجميع ..
6 ـ والأمر بغـض (بعض) البصر جاء مقرونا بالأمر بحفظ الفرج ، أي العفة ، أي ان كل الأوامر المتعلقة بزي المرأة وزينتها والتعامل معها مجرد وسائل لتحقيق هدف أكبر ، هو إقامة التقوى والعفاف في القلوب ، والتقوى تعامل مع الله تعالى أساساً ، وليس فيها مجال لاتخاذ مظاهر خارجية لإثبات التدين من النقاب واللحية والجلباب في عصرنا البائس.
7 ـ والله سبحانه وتعالى يقول للنبي محمد عليه السلام ــ في تشريع خاص به ــ " لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ"الأحزاب: 52 ، أي لا يجوز للنبي بعد نزول هذه الآية أن يتزوج حتى لو أعجبه حُسن إحداهن ، والمرأة توصف بالحسن بملامح وجهها ، لأن الحُسن في الوجه ، فلو كانت منقبة فكيف تحوز على الاعجاب ..؟
8 ـ والمعنى الذي نفهمه بوضوح من الآيات القرآنية أن وجه المرأة كان سافراً ، وكان ذلك شيئا عاديا ، حتى ان تدوين أخبار النبي في عصور عرفت النقاب ــ لظروف اجتماعية ــ لم يرد فيه ما يفيد وجود النقاب في عهد النبي ، بل على العكس ، تواترت الأخبار على إباحة كشف الوجه والكفين ، أي ان التعارض بين التراث المكتوب عن النبي وبين العصر العباسي ــ المتأخر ــ كان قائماً ، ولم يستطع الرواة العباسيين التزييف في حقائق واضحة تؤكد أن النقاب لم يكن معروفا في عصر النبي ...
9 ـ والسؤال الهام الآن .. إذا لم يكن النقاب تشريعا إسلامياً ، وإذا لم يكن معروفا في عهد النبي .؟ وإذا كان مباحا أن تكون المرأة سافرة ... فما حكم ابتداع النقاب في الإسلام ...؟
من الممكن أن يقال أنها حرية شخصية للمرأة أن ترتدي النقاب او لا ترتديه ، طالما أننا نتحدث في نطاق العُرف الاجتماعي ، وحينئذ لا يكون للنقاب ادنى صلة بالدين ، شأنه شأن كل موضة تظهر وتختفي وتتغير وتخضع للذوق الاجتماعي وظروف السوق وأحوال المجتمع والأفراد ..
ولكن النقاب ليس ذلك بالتأكيد ، فالذي يأمر به والتي ترتديه يفعلون ذلك بوازع ديني ، وبهذا المفهوم فقد أصبح النقاب عَلَمَاً على التدين ودليلاً عليه ، بل أصبح قمة في التدين عند عوام المتدينين، لأنه يمثّل مزايدة على التدين العادي ، فالتدين العادي يلتزم بالحشمة او الخمار الذي جاء في الكتاب الحكيم ، اما ذلك النقاب فهو مزايدة على ما شرع الله وعلى ما طبّقه رسول الله . وهنا تكون الصيغة الصحيحة للسؤال: هل تصح المزايدة على الله تعالى ورسوله في التشريع الإسلامي..؟
ان المزايدة على الله تعالى ورسوله مُحرّمة ، يقول سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ ... الحجرات : 1 وذلك في المزايدة في غير الشرع أما في التشريع فهي تدخل في نطاق الشّرك يقول تعالى " أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ .... الشورى :21"
ان الشرع أو التشريع ملك لله جل وعلا وحده ، وله وحده حق التحريم ، ولكنها عادة سيئة للمشركين أن يحرموا ما أباح الله جل وعلا وينسبون ذلك لمشية الرحمن جل وعلا : (الأنعام 148 ، النحل 35) ، والتحريم او المحرمات في الدين الاسلامى استثناء لأن الأصل الإباحة ، لذلك ينزل الوحي يذكر المحظورات بالتفصيل ، وما عداها مباحات لا يملك أحد ان يضيّق نظاقها ، فإذا كان كشف الوجه مباحا فالإفتاء الضمنى بتحريمه وربط ذلك بالدين يكون اعتداء على حق الله سبحانه وتعالى في التشريع...
وبالمنطق العادي فإن الذي يزايد على النبي محمد عليه السلام ويعتبر المباح عند النبي أقل مما ينبغي انما يضع نفسه فوق النبي . قد يفعل ذلك زيادة في الورع ، ولكنه يرتكب دون أن يدري جُرماً أفظع.
اجمالي القراءات 1992