ف 7 : قضية الحيض بين الاسلام والدين الٍسُّنى : ( 4 ) الطواف والسعى فى الحج

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٣ - سبتمبر - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً


ف 7 : قضية الحيض بين الاسلام والدين الٍسُّنى : ( 4 ) الطواف والسعى فى الحج
القسم الأول من الباب الثالث : عن تشريعات المرأة التعبدية بين الاسلام والدين السنى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف 7 : قضية الحيض بين الاسلام والدين الٍسُّنى : ( 4 ) الطواف والسعى فى الحج
أولا : تفاهة الدين السُنّى فى هذا الموضوع
أرهق ابن تيمية نفسه في كتابه ( فتاوى النساء) في الاستدلال على منع الحائض من الطواف بالبيت ، وفعل ذلك تلميذه ابن القيم . قبلهما ذكر ذلك مالك في الموطأ ، والبخاري ومسلم ، ولكن الشافعي في الأم تحدث عن منعها من طواف الوداع فقط ، تأسيساً على حديث واحد ، ولا زال الإفتاء يمنع الحائض من الطواف سائداً في الإفتاء حتى الآن. ونعطى بعض تفصيل لهذه التفاهات:
1 ـ لم يترك أبو حنيفة كتابا فى الفقه ، ولكنهم نسبوا له أقوالا منها منع الحائض من الطواف وأن عليها الانتظار حتى تطهر . وهناك رواية عن أحمد ، ويتفق معه عطاء . وتسامح بعضهم فأجاز لها الطواف للضرورة ، وبعضهم أوجب عليها فدية إذا طافت ، وأعفاها بعضهم من هذا . واستثنى ابن تيمية وابن القيم أن للحائض أن تضع قطنة تمنع نزل الدم أثناء الطواف ، وهذا إكتشاف هائل يفوق أكتشاف أمريكا .
2 ـ قراءة تفاهات الدين السُنّى مرهقة ، ولا يخرج منها القارئ بشىء سوى الصداع . مثلا يقول ابن القيم : ( لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط طواف القدوم عن الحائض وأمر عائشة لما قدمت وهي متمتعة فحاضت أن تدع أفعال العمرة وتحرم بالحج فعلم أن الطواف مع الحيض محظور لحرمة المسجد أو للطواف أو لها، والمحظورات لا تباح إلا في حالة الضرورة ولا ضرورة بها إلى طواف القدوم لأنه سنة بمنزلة تحية المسجد ولا إلى طواف الوادع فإنه ليس من تمام الحج ولهذا لا يودع المقيم بمكة وإنما يودع المسافر عنها فيكون آخر عهده في البيت فهذان الطوافان أمر بهما القادر عليهما إما أمر إيجاب فيهما أو في إحداهما أو استحباب كما هي أقوال معروفة وليس واحد منهما ركنا يقف صحة الحج عليه بخلاف طواف الفرض فإنها مضطرة إليه وهذا كما يباح لها الدخول إلى المسجد واللبث فيه للضرورة ولا يباح لها الصلاة ولا الاعتكاف فيه وان كان منذورا ولو حاضت المعتكفة خرجت من المسجد إلى فنائه فأتمت اعتكافها ولم يبطل ، وهذا يدل على أن منع الحائض من الطواف كمنعها من الاعتكاف وإنما هو لحرمة المسجد لا لمنافاة الحيض لعبادة الطواف والاعتكاف ولما كان الاعتكاف يمكن أن يفعل في رحبة المسجد وفنائه جوز لها إتمامه فيها لحاجتها والطواف لا يمكن إلا في المسجد وحاجتها في هذه الصورة إليه أعظم من حاجتها إلى الاعتكاف بل لعل حاجتها إلى ذلك أعظم من حاجتها إلى دخول المسجد واللبث فيه لبرد أو مطر أو نحوه . وأمّا طواف الإفاضة فيلزمها استيفاؤه وأداؤه بعد طهرها من الحيض، وإن كان لا يمكنها البقاء حتّى تطهر؛ فذهب الحنفية إلى أنّها تطوف وتجبر ما كان من طوافها دون طهارة بذبحٍ. ).
وعن حكم سعى الحائض بين الصفا والمروة : ( لا يصحّ للمرأة الحائض السعي بين الصفا والمروة إلا بعد طهرها، إلّا أنّها لو كانت قد طافت ثمّ جاءها الحيض بعد الطواف فلها أن تسعى؛ لأنّ مكان السّعي ليس مسجدًا كما أنّ السعي بين الصّفا والمروة ليس من شروطه الاغتسال من الحيض، وأمّا إن حاضت قبل الطّواف فسعيها لا يُجزئ؛ لأنّ السّعي يأتي بعد الطّواف وليس قبله ، وهذا ما رآه جمهور الفقهاء، ممّا يعني أنّ الطّواف يلزمه الطّهارة والاغتسال، لذلك لا يجوز للمرأة الحائض أن تطوف، فمن باب أولى عدم جواز سعيها بما أنّ الحيض أتاها قبل الطّواف، ومن الجدير بالذّكر أنّ المرأة إن حاضت فور انتهائها من الطّواف فلها أن تسعى؛ لأنّها بدأت الطّواف وهي طاهرةٌ .
وحرّموا عليها البقاء في المسجد الحرام وغيره ، وأجاز المُزنى تلميذ الشافعى ذلك ، كما أجازه فقهاء المذهب الظاهرى ، الذى إنقرض .
وردّد هذا الهُراء فى عصرنا القرضاوي وابن باز .
أخيرا
1 ـ فى شريعة الاسلام لا يوجد تخصيص للمرأة بأى شىء . الأحكام عامة للرجل والمرأة . لها إذا حجت ان تطوف ببيت الله الحرام ولا يمنعها عن ذلك حيض ، لأن الصلاة هي الفريضة الوحيدة التي تستلزم طهارة بالوضوء او بالغسل قبلها ، وما عداء ذلك من صيام وزكاة وحج وقراءة للقرآن لا تستلزم طهارة حسية ، وإن كان ينبغي فيها الطهارة المعنوية بالخشوع والتقوى .
وقد فهموا من قوله سبحانه وتعالى لإبراهيم " وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ " : الحج :26 ، أنه يمنع وجود الحائض في الطواف لأنها ليست طاهرة ، مع ان تطهير البيت يعني تطهيره مما أقيم حوله من أصنام ، حيث غطت تلك الأصنام على أول بيت وضعه الله تعالى للناس ، فكان أن بوّأ الله تعالى لإبراهيم مكان البيت أي أرشده إليه ، وأمره ان يعيد بناءه بعد أن يطهره مما حوله من رجس الأوثان لذلك تقول الآية الكريمة " وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ" وأولئك الطائفون الركّع السجود من الرجال والنساء ينبغي أن يكونوا متطهري القلوب من الشرك ونجاسة الاعتقاد ، وهذا هو مقصد الآية ، وليس مقصدها على الاطلاق هو النظافة الحسية ، لأن المحافظة على النظافة الحسية طيلة أيام الحج مستحيلة ، فللجسد متطلباته وحاجاته ، وليس من شرع الله تعالى أن يفرض الحج على النساء وقد خلقهن قابلات للحيض ــ ثم يحرمهن إذا حضن ــ من الطواف للبيت وهو من اهم مناسك الحج ، ويكفي ان آيات القرآن في حديثها عن الحيض لم تشر إلى ذلك اطلاقا ، ولكنها تشريعات التراث تلك التشريعات التي تُعـيـّـر المرأة بالحيض ، وهي تؤدي الفرائض الإسلامية ، كأنها المسئولة عما يحدث لها ... وهي نظرة متحيّزة تعكس ظلما للمرأة .
2 ـ كفر أولئك الأئمة بالحقائق القرآنية عن تشريع الحج .
2 / 1 قال جل وعلا : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة )
2 / 1 / 1 . كفروا بأن الله جل وعلا جعل تأدية الحج خلال الأشهر الحُرُم ، وكانت معلومات وقت نزول القرآن الكريم . وهى تبدأ من أول شهر ذى الحجة ، إفتتاح موسم الحج وتستمر بعده طيلة الأشهر الحرم : أى من ذوى الحجة الى شهر ربيع الأول .
نتعرف على أشهر الحج ( الأشهر الحُرُم ) من إعطائه جل وعلا مُهلة للمعتدين هى الأشهر الحُرُم الأربعة : ( فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) (2) التوبة ) ، ( فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ) (5) التوبة ). أى أعطاهم مهلة تبدأ من أول ذى الحجة الى نهاية ربيع الأول ، الشهر الرابع .
وهذه هى الأشهر الحرم ، يجتمع فيها الحج ( خلال الأشهر الحرام ) الى ( بيت الله الحرام ) بقلب طاهر من الفسق والشّرك . ونتذكر قوله جل وعلا فى طهارة القلب بالتقوى :( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ (197) البقرة )أى إن من يؤدى فريضه الحج فى هذه الأشهر عليه أن يكون القلب طاهرا أيضا أى معمورا بالتقوى بحيث أن من يرد بقلبه الحادا أو ظلما يلق العذاب الأليم : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ). بهذا يجتمع فى الحج حُرُمات ثلاث : المكان والزمان وقلب الانسان .
جدير بالذكر إن فقهاء الشيطان تلاعبوا بالأشهر الحرم التى كانت معلومة فجعلوها ( رجب ، ذو القعدة ، ذو الحجة والمحرم ).
2 / 1 / 2 : قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ). هنا حقيقتان فى تشريع الحج : الأخيرة وقد أشرنا لها : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ). أما الأولى فهى عن الصّد عن المسجد الحرام بمنع المخالف فى الدين من الحج ، فالبيت الحرام هو للناس ( المُسالمين ) جميعا ، طبقا لللاسلام السلوكى بمعنى السلام ، والايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان . ومن يصُدُّ الناس المسالمين مأموني الجانب عن الحج الى بيت الله الحرام يكون كافرا، بصريح قوله جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي ) . البيت الحرم للبشر جميها على قدم المساواة ، لا فارق بين ساكنى مكة والقادمين اليها .
لاحظوا كلمة الناس فى الآيات الكريمة التالية والتى تؤكّد ان الحج للبيت الحرام هو لجميع الناس :
2 / 1 / 2 / 1 : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً ) (125) البقرة )
2 / 1 / 2 / 2 : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ (97) آل عمران )
2 / 1 / 2 / 3 : ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ) (97) المائدة ).
2 / 1 / 2 / 4 : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) الحج ). الحج لجميع البشر رجالا ونساء ، وبأحكام تسرى على الجميع بلا إستثناء .
3 ـ فقهاء الشيطان عاشوا تحت حكم مستبد ظالم . لم يجرؤ واحد منهم عن مناقشة قضية العدل والقسط ، بل كانوا قُضاة ( الشرع ) للطُغاة . العادة أن الرجل الذى يقهره الاستبداد يجد متنفسا له فى قهر المرأة ، وهكذا أفرغ أولئك الفقهاء إحباطاتهم فى النساء ، بآراء شخصية جعلوها دينا ، ثم أختلفوا . الاختلاف فى الآراء وتغييرها علامة نُضج . ولكن عندما تكون دينا فهى ليست فقط ظلما لله جل وعلا ورسوله ودينه ، ولكنها ـ أيضا ـ ظلم للناس ، إذ تضع المتاريس أمام العقل ، تكتسب حصانة من النقد ، وتجعل مناقشتها كُفرا .
4 ـ فقهاء الشيطان حجزوا لأنفسهم مكانا بين ساقى المرأة ، وطفقوا يشرّعون ويختلفون . كانوا ، ولا يزالون .
المصادر عن الحيض :
البخاري 2/334 ، 1/63ــ69 ، 4/159 ، 335 ، مسلم 1/179 ــ 183 ، 4/27 ، 93 ، الأم للشافعي 1/50 : 54 ، الموطأ 53 ، 156 ، فتاوى النساء لابن تيمية 111 ، 139 ، 106 ، 127 ، 300 ، 102 : 148 ، أحكام النساء لابن حنبل 58 ، 56 ، 61 ، 56 ، وابن حجر : بلوغ المرام 37 : 39 ، وأحكام النساء لابن الجوزي 23 ، الكاسائي : بدائع الصنائع 39 ، الجزيري : الفقه على المذاهب الأربعة 1/129 ، 575
عن النفاس بالإضافة إلى المراجع السابقة يضاف : ابن حجر بلوغ المرام 40 ، احكام النساء لابن حنبل 63 ، المدخل لابن الحاج 3/281 ، الجزيري : الفقه على المذاهب الأربعة 1/131 ، الكاسائي: بدائع الصنائع 1/42
اجمالي القراءات 1862