ف 2 : لمحة تاريخية عن ( هجرة النساء فى عهد النبى محمد عليه السلام )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٥ - يوليو - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

ف 2 : لمحة تاريخية عن ( هجرة النساء فى عهد النبى محمد عليه السلام )
القسم الثانى من الباب الثانى عن تفاعل المرأة فى التراث والدين السُنّى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى)
ف2 لمحة تاريخية عن ( هجرة النساء فى عهد النبى محمد عليه السلام )
الهجرة مقياسا لفاعلية المرأة المسلمة فى عهد النبوة
لمجرد التذكير
1 ـ ان الهجرة هي مقياس الفاعلية لدى المؤمن ولدى المؤمنة ، لذلك اعتبرها القرآن الكريم مقياساً للإيمان الحق لدى المؤمنين بالنبي الخاتم في ذلك الوقت ، واستثنى من ذلك المستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا (النساء 97 : 99) . وإذا كان بعض الرجال قد تكاسل عن الهجرة فإن بعض المؤمنات قد هاجرن مع أزواجهن ـ وبعضهن هاجرن وحيدات وقد تركن ازواجهن خلفهن ، مما يدل على قوة الفاعلية في اشتراك المرأة في مجريات الأحداث...
2 ـ ومن الممكن أن نتوقف عند قوله جل وعلا " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ....... البقرة : 218 " ونكتفي بها دليلا على وجود هجرة للنساء ومهاجرات ضمن النسق القرآني الذي تحدث عن النساء ضمن قوله جل وعلا : " الَّذِينَ آمَنُوا " و " الَّذِينَ هَاجَرُوا " . من الممكن الاكتفاء بذلك خصوصاً وأن القرآن الكريم ردد نفس المعنى وأكد عليه في آيات أخرى (آل عمران 195 ، الأنفال 72 ، 74 ، 75 ، التوبة 20 ، النحل 41 ، 110 ، الحج 58) والمستفاد من ذلك التأكيد والتكرار أن قضية الهجرة كانت مطروحة على الواقع الاجتماعي وشارك فيها المجتمع من رجال ونساء وأطفال...
3 ـ إلا أن دور النساء المتميز في الهجرة فرض واقعاً جديداً استلزم تشريعا استثنائياً في موضوعات الزواج والطلاق ، لذلك التشريع القرآني يتحدث عن أولئك المهاجرات وكيفية التعامل معهن ..
3 / 1 ــ بعضهن هاجر مع النبي في موجة الهجرة إلى المدينة ، وكان منهن أقارب للنبي ، وكن خاليات ، وقد أحلَّ الله جل وعلا للنبي ان يتزوج منهن ليعولهن ، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ....الأحزاب : 50" . والشاهد هنا انه هاجر معه نساء غير متزوجات من أقاربه..
3 / 2 ــ وبعد استقرار المسلمين في المدينة ونزوحهم عن مكة ظل الإسلام في مكة خافيا وفاشياً ، وبعض من أسلم آثر البقاء يكتم إسلامه ، وقد هدى الله سبحانه وتعالى المؤمنين لقرار بعدم اقتحام مكة عند بيعة الرضوان حتى لا يقع ضحايا مؤمنين من أهل مكة " .... وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ .... الفتح 25 " ..أي كان في مكة رجال مسلمون ونساء مسلمات بعد رحيل المسلمين عنها..
3 / 3 ــ وبعض المؤمنات آثرن الهجرة واللحاق بالمسلمين في دولتهم الجديدة تاركات الوطن والأهل والزوج ، ويبدو انها كانت هجرات متتابعة شارك فيها بعض الجواسيس من نساء المشركين ، لذلك نزل القرآن الكريم يأمر المؤمنين بإجراء اختبار ( أمنى ) لأولئك المهاجرات لمعرفة نواياهم ، وذلك حسب الظاهر لأنه لا يعلم السرائر إلا الله تعالى ، فإذا وثقوا فيهن وإلى أنهن هاجرن بدافع الإيمان وليس بسبب ظروف أخرى فلا يُرجعوهن إلى ازواجهن الكفار طالما ارتضين فسخ النكاح القائم ، (الممتحنة 11) كما نزل الأمر للنبي بأن يبايع أولئك المهاجرات على تعاليم الإسلام العقيدية والأخلاقية (الممتحنة 12) ..
4 ــ ومن الطبيعي أن التي اختارت الهجرة (أو اختارت الدين الجديد من نساء المدينة) ان تكون عنصراً فاعلاً في الحياة الاجتماعية في الدولة الجديدة ، وكانت حياة المدينة وقتها مفعمة بالحيوية ما بين الصلاة والزكاة والدعوة والجهاد والاستعداد الحربي والمشورة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواجهة مكائد المنافقين واليهود ــ قبل إجلائهم ــ وبعده ، وعيون العدو المتربص. وقد كانت المدينة جزيرة للإيمان يحيط بها العدو من كل جانب ، بل كان للعدو طابور خامس داخل المدينة تمثل في المنافقين ، وفي هذا الوضع كان لابد للمؤمنين من حشد كل طاقاتهم الدفاعية ، ولم يكن منتظراً أن تقبع المرأة في بيتها ، فتعاليم الإسلام تأبى ذلك ، وظروف التعبئة أيضاً ، لذلك كان المؤمنون والمؤمنات فريقاً واحداً متفاعلاً في الجهاد وفي الدعوة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفي إقامة الصلاة وفي إيتاء الزكاة ، وقد بذلوا كل الطاقة في ذلك التفاعل الحي على أن نزل القرآن الكريم يتحدث عنه في قوله سبحانه وتعالى : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ ..... التوبة : 71 " . على أن هذه الحركة الاجتماعية النشطة للمؤمنين والمؤمنات داخل المدينة أدت على حركة مضادة في جماعات المنافقين في المدينة ، فالمنافقون والمنافقات استغلوا مناخ الحرية السياسية الذي أتاحه تشريع الإسلام فهبوا يقومون معاً بجهد مناقض ، فإذا كان المؤمنون والمؤمنات يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويجمعون الزكاة ، فإن المنافقين والمنافقات يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف وينشرون البخل وبين الناس ، فقال سبحانه وتعالى عنهم " الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ : التوبة 67 " . أي ان حركة التفاعل الحيّ شملت أهل المدينة جميعا ، رجالاً ونساءاً ، مؤمنين ومنافقين وقد فعل المنافقون والمنافقات كل ما بوسعهم لحرب الإسلام فتهددهم الله سبحانه وتعالى بالعذاب (الأحزاب 73 ، الفتح 6) ..
(5) بقي أن نقول ان ذلك التفاعل الذي قامت به النساء يناقض تماما الفكرة المعتادة عن النقاب وحجب المرأة وسترها وسجنها داخل بيتها وداخل فقه النصف الأسفل..
المرأة تسبق أهلها في الإيمان :ــ
1ــ والمستفاد من النماذج السابقة أن بعض النساء سبقن بعض الرجال في اعتناق الإسلام ودفعن الثمن عذابا ، كما حدث مع أن شريك وأهلها وجارية مع عمر بن الخطاب ، والسطور القليلة عن المرأة تؤكد أسبقية بعضهن لأهلها وبيتها في الإسلام ، فقد حدث حين لجأ النبي محمد إلى ثقيف بالطائف ليجد عندهم العون ضد اهله في مكة ، أن قابلته أم عبد ربه بن الحكم وأسلمت وظلت على إسلامها إلى ان ماتت بين قومها ، وحين جاء أبناؤها للنبي فيما بعد ــ حين دخل الناس في دين الله أفواجا ــ سأل النبي عنها وعن إسلامها ..
2 ـ وفي يثرب قبل الهجرة اندفعت نساء كثيرات للإسلام قبل أزواجهن ، منهن حواء بنت يزيد التي أصرت على الإسلام برغم اضطهاد زوجها قيس بن الخطيم لها ، والتقى النبي بزوجها وحرص على دعوته للإسلام فأعرض عنه ، ومازال النبي يوصّيه بزوجته خيراً إلى ان وعد النبي بألا يتعرض لها بسوء ، وعمل بوصيته فأحسن صحبتها..
3 ـ وبعد دخول النبي المدينة أسلمت كثيرات قبل ازواجهن ، ومنهم ام سليم ، وكان زوجها مشركا ومازالت به حتى أسلم ، ثم مات عنها ، وخطبها أبو طلحة فجعلت صداقها منه أن يدخل الإسلام ، فأسلم وتزوجها..
وهناك صبية صغيرة تركت أمها وأخويها وأهلها وهاجرت للنبي بعد صلح الحديبية ، وهي ام كلثوم بنت عقبة بن معيط ، ووالدها كان من أعدى أعداء النبي ، وجاء أهلها للنبي يسألونه أن يردها إليهم ، فرفضت ، ورفض النبي ( ابن سعد الطبقات الكبرى 8/ 361 ، 237 ، 311 ، 167 )
هذا عدا الأمثلة المعروفة ، فأخت عمر بن الخطاب أسلمت قبله ، وكانت سبباً في إسلامه حين ضربها وأدمى وجهها ، وأم حبيبة أسلمت قبل أبيها أبوسفيان بن حرب ، وزينب بنت النبي محمد عليه السلام أسلمت قبل زوجها أبوالعاص بن الربيع..
المرأة في الهـجــرة :ــ
ودائما نتحدث عن المهاجرين المسلمين ونتجاهل المهاجرات ، وهن اللائي تركن بيوتهن إلى المجهول في سبيل الله ، وإذا كان سهلاً على الرجل أن يسافر ويتخطى مناكب الأرض فليس ذلك مألوفاً للمرأة وقد جعلها الفقهاء قعيدة البيت ( الحريم ). .
هجرة النساء من مختلف الأعمار والطبقات ومتزوجات وخاليات يطيح بنموذج المرأة ( قعيدة البيت / الحريم ) . بل ويطيح بزعم الدين السنى تحريم سفر المرأة ــ السفر العادى ـ بدون محرم معها ، حتى لو كان إبنا . أى تكون الولاية عليها لابن لها . كيف يتفق هذا مع هجرة المرأة منفردة ، ونحن نتكلم عن هجرة محفوفة بالمخاطر وليس سفرا عاديا . وكانت المرأة تهاجر أيضا مع زوجها وأهلها ، إلى المدينة ، وقبلها إلى الحبشة مرتين ، لقد بلغ عدد المهاجرات للحبشة في الهجرة الأولى ست عشرة امرأة ، وفي الهجرة الثانية لها كان عددهن تماني عشرة ، وبعضهن هاجرن للحبشة في المرتين ، وبعضهن لقين حتفهن في الحبشة أو في الطريق ، وبعضهن انجبن هناك وعُـدْن بأولادهن ...
ومن المهاجرات للحبشة رقية بنت النبي مع زوجها عثمان بن عفان ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان وأم سلمة وريطة بنت الحارث وقد ماتت في طريق العودة ، ورملة بنت أبي عوف وعمرة بنت السعدي وأم كلثوم بنت سهيل عمرو وأسماء بنت عميس وفاطمة بنت صفوان بن امية وسهيلة بنت سهيل بن عمرو وفكيهة وبركة بنتا يسار...
ويلاحظ أن بعضهن انتمى لآباء ذوي تاريخ في عداء الإسلام مثل أبي سفيان وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية ، وقد أسلموا بعد فتح مكة ، بينما كانت بناتهم من السابقات في الإسلام وفي الهجرة ..
وبعضهن هاجرن للحبشة مرتين مثل ليلى بنت أبى حثمة وسهلة بنت سهيل وهمينة بنت خلف .. ثم هاجرن الهجرة الثالثة للمدينة ، وقد حملتهن مع أزواجهن سفينتان ، وجاءوا الني وهو في حصار خيبر ... فكان فرحه بهم شديداً ، وقد حدث أن افتخر عمر عليهم امام أسماء بنت عميس لأنهم لم يدركوا الغزوات السابقة مع النبي فردت عليه أسماء بما عاناه المهاجرون إلى الحبشة في الغربة واحتكمت إلى النبي فأيد وجهة نظرها...
ثم كانت الهجرة الكبرى للمسلمين رجالا ونساء من مكة إلى المدينة ، حيث لم يمنع إحداهن عائق عن الهجرة ، وتقول الروايات أن أسماء بنت أبى بكر أسهمت في تدبير هجرة النبي وأبيها واكتسبت لقب ذات النطاقين ، ثم هاجرت وهي حامل فولدت ابنها عبد الله بن الزبير في قباء فكان اول مولود من المهاجرين...
وهاجر بنو غنيم بن داوود من مكة وأغلقوا بيوتهم فيها ، وكان معهم نساؤهم ن وقد اشتهر من نسائهم زينب بنت جحش واخواتها حمنة وحبيبة ، وكان منهم جذامة بنت جندل وأم قيس بنت محصن وآمنة بنت رقيش وأم حبيب بنت نباته.
واستمر تيار الهجرة يتسرب من مكة إلى المدينة ليشمل حتى الصبايا القاصرات ومنهن ام كلثوم بنت عقبة بن معيط ، والتي حاول اخواها إرجاعها ففشلا ، فكان أن لحقتها أمها أروى بنت كريز ، وهي في نفس الوقت أم عثمان بن عفان ..( ابن سعد : المصدر السابق 8/ 170 ، 199 ، 205 ، 177 ، 166 ، 167 ) وابن سعد المتوفى عام 230 نقل هذا عن ابن هشام المتوفى 213 فى ( السيرة النبوية 1/ 322 : 329 ، 2/ 368 ــ الطبعة الثانية 1955 ) ونقل عنه البخارى المتوفى 256 فى ( 2/324 ــ ، 329 ، 116 ) ثم مسلم فى ( صحيح مسلم : 7/171 . طــ الشعب ).
ولم تكن المرأة في المدينة أقل من اختها المهاجرة ..
1 ـ وابن سعد في تأريخه لبعض نساء المدينة كان يكرر عبارة انها " أسلمت وبايعت النبي " وهي عبارة بالغة الدلالة على مبادرة المرأة بالإسلام ومبايعتها للنبي على نصرته ومؤازرته شأنها شان الرجل تماما ، وعبارة القرآن الكريم أكبر دلالة ، فالله سبحانه وتعالى يقول " يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ ...... الممتحنة :12 " ونلمس في الآية استقلالية المرأة وقوة موقفها ..
2 ـ ــ وبالنسبة لنساء الأنصار فقد بدأن بمبايعة النبي في بيعة العقبة الثانية حيث كان منهن امرأتان هما ام منيع وأم عمارة ، وكانت تلك بيعة سرية تستهدف عقد اتفاق مع النبي لينتقل بالدعوة والمسلمين إلى المدينة...
3 ـ وبعد انتقاله عليه السلام إلى المدينة توافد عليه الرجال والنساء يبايعونه ، وكانت ليلى بنت الخطيم اول امرأة بايعت النبي وكان معها ابنتاها وابنتان لابنتيها ، هذا بينما قامت أم شريك الأنصارية بفتح أبواب بيتها لضيافة المهاجرين والمهاجرات.( ابن سعد 8/ 246 ، 200 : 201 ) ( سيرة ابن هشام 1/466 : 467 ). ( صحيح مسلم 8/203 ).
اجمالي القراءات 2892