قراءة فى كتاب بم تثبت الحدود ؟

رضا البطاوى البطاوى في الإثنين ١٤ - مارس - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة فى كتاب بم تثبت الحدود ؟
المؤلف عبدالله بن محمد العسكر والكتاب يدور حول أدلة إثبات الجريمة على المتهم بها وفى مقدمته قال العسكر :
" أما بعد :
فإن الشارع الحكيم حفظ للناس حقوقهم ، وصان لهم حياتهم ، وجاءت الشريعة برمتها للمحافظة على الضروريات الخمس : الدين والنفس والنسل والعقل والمال ، فمن تعدى على واحدة منها نال جزاءه الرادع ، وعرض نفسه للعقوبات التي حددها الشرع ، ولهذا شرع إقامة الحد على الجاني إذا ثبتت جنايته ، ولم يكن الشرع متشوفا إلى إقامة الحدود لذاتها فإن حفظ النفس من الضروريات الخمس التي جاء الشرع بحفظها ؛ لكن إقامته فيها حفاظ على المجتمع ككل ،ولهذا قال الله جل وعلا في شأن القصاص ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تقون )
إلا أن هذه الشريعة المطهرة الكاملة المكملة ، لم تحكم على الجاني بإقامة الحد عليه فور ورود شبهة بأنه هو من فعل تلك الجريمة ؛ بل كان يدرأ الحدود بالشبهات ، ولا يقيم الحد إلا إذا ثبت يقينا جناية الجاني
فبم يثبت الحد ؟"
والخطأ فى المقدمة هو أن الشريعة جاءت برمتها للمحافظة على الضروريات الخمس : الدين والنفس والنسل والعقل والمال والحق أن الشريعة لم تأت إلا لشىء واحد وهو إقامة عدل الله وهذا العدل قد يكون إهلاك للنفس كما فى الجهاد وقتل القاتل كما يكون إبقاء للحياة كما فى العفو عن القاتل وقد يكون إهلاك للمال بالتصدق والنفقة كما يكون لإثمار المال والضروريات الخمس أربعة منها يعتبرون واحد فالدين يكون فى النفس والعقل جزء من النفس وحتى النسل جزء من النفس
وقد بين أن الحدود تقام إما بإقرار الجانى أو وجود البينة والشهود فقال :
"ليعلم بداية : أن عامة الحدود يشترط في إقامتها أمران :
1- الإقرار من قبل الجاني 2- وجود البينة و الشهود "
وهو كلام باطل فهناك اقرارات لا يؤخذ بها حتى ولو كانت صادقة كمن يعترف بالزنى مع امرأة أو رجل أو غير هذا وينفى الطرف ألأخر أنه زنى معه أو لا يوجد معه ثلاثة شهود فهنا يتحول المقر الجانى إلى مجرم بجريمة أخرى هى شهادة الزور حتى ولو كان صادقا لأن الله اشترط وجود الأربعة شهود أو إقرار الطرفين معا كما قال تعالى :
" لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء"
والشهود لا يثبت بهم أو حتى بالبينة الجريمة فالقاضى لا يحكم إلا بعد دراسة القضية فقد يثبت أن الشهود شهود زور كما فى قضية المتهم الكافر الذى أنزل الله فيه قرآنا يبرئه ويطلب من الرسول(ص) والمؤمنين الكف عنه وعدم الدفاع عن المجرم الحقيقى وفى هذا قال تعالى:
"إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
واستهل الكتاب بتفصيل الإقرار فقال :
وإلى تفصيل كل منهما :
"أولا : الإقرار :
شروط الإقرار : حتى يقبل إقرار الجاني فلا بد من توافر الشروط التالية فيه :
أن يكون المقر بالغا
أن يكون عاقلا
فيخرج بذلك الصبي والمجنون
وهذان الشرطان لا خلاف في اعتبارهما في وجوب الحد وصحة الإقرار لأن الصبي والمجنون قد رفع القلم عنهما , ولا حكم لكلامهما وقد روي عن علي عن النبي (ص)أنه قال : ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ) رواه أبو داود , والترمذي وقال : حديث حسن "
الحديث باطل فالقلم يكتب كل شىء من أول الحياة حتى نهايتها كما قال تعالى:
" وكل صغير وكبير مستطر"
كما يتعارض الحديث مع حديث ضرب الطفل الذى لا يصلى فى سن العاشرة
وقال :
"وفي حديث ابن عباس في قصة ماعز ( أن النبي (ص)سأل قومه : أمجنون هو ؟ قالوا : ليس به بأس ) وروي ( أن النبي (ص)قال له حين أقر عنده : أبك جنون ؟ )
وقد روى أبو داود بإسناده قال : أتي عمر بمجنونة قد زنت , فاستشار فيها أناسا فأمر بها عمر أن ترجم فمر بها علي بن أبي طالب فقال : ما شأن هذه ؟ قالوا : مجنونة آل فلان زنت , فأمر بها عمر أن ترجم فقال : ارجعوا بها ثم أتاه فقال : يا أمير المؤمنين أما علمت أن القلم قد رفع عن ثلاثة : عن المجنون حتى يبرأ , وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يعقل ؟ قال : بلى قال : فما بال هذه ؟ قال : لا شيء قال : فأرسلها، فأرسلها عمر قال الراوي : فجعل عمر يكبر "
وأحاديث الرجم تتعارض مع القرآن فلا صحة لها فحد الزنى للكل هو الجلد كما قال تعالى :
" الزانية والزانى فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة"
واستعرض مسألة الجنون المتردد فقال :
"مسألة :
إن كان المقر بالجريمة يجن مرة ويفيق أخرى فإن كان أقر في إفاقته بأنه فعل جريمته وقت الإفاقة ، أو قامت عليه بينة أنه فعلها في إفاقته : فعليه الحد وبهذا قال الشافعي وأبو ثور , وأصحاب الرأي ؛ لأن الجريمة الموجبة للحد وجدت منه في حال تكليفه والقلم غير مرفوع عنه، وإقراره وجد في حال اعتبار كلامه "
مرتكب الجريمة الذى يتذكر مرة وينسى مرة لا عقاب عليه حتى ولو اعترف إلا أن يكون كلامه صادق بمعنى أن ما ذكره ثابت بالبينات كما قتل قتيلا ودفنه فى مكان ووجد القتيل فى ذلك المكان وانطبق عليه ما فعله به ثم قال:
3- أن يكون مختارا غير مكره على الإقرار
والصواب أنه لا يصح الإقرار من المكره فلو ضرب الرجل ليقر بالزنى لم يجب عليه الحد , ولم يثبت عليه الزنى ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم في أن إقرار المكره لا يجب به حد وروي عن عمر أنه قال : ليس الرجل بأمين على نفسه إذا جوعته أو ضربته أو أوثقته رواه سعيد بن منصور في سننه وقال ابن شهاب في رجل اعترف بعد جلده : " ليس عليه حد " ؛ ولأن الإقرار إنما ثبت به المقر به لوجود الداعي إلى الصدق وانتفاء التهمة عنه" فإن العاقل لا يتهم بقصد الإضرار بنفسه , ومع الإكراه يغلب على الظن أنه قصد بإقراره دفع ضرر الإكراه فانتفى ظن الصدق عنه فلم يقبل "
والكلام صحيح فلا حد مع الإكراه على الاعتراف أو على الجريمة
وتحدث عن الشهود فقال :
"ثانيا : الشهود
حتى تقبل شهادة الشهود فلا بد من توافر الشروط التالية :
الإسلام : فلا تجوز شهادة الكافر على المسلم وأما شهادة الكافر على الكافر فأجازها الحنفية ؛ لأن النبي (ص) رجم يهوديين بشهادة اليهود عليهما بالزنى "
الحديث باطل لا يصح لعدم وجود الرجم كعقوبة فى الوحى وإنما العقوبة هى الجلد والشهادات تجوز من الكفار على مسلم والعكس فقد أباحها الله فقال :
"يا أيها الذين أمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو أخران من غيركم"
والدليل قوله "أو أخران من غيركم"
وكذلك ذكر شهادة الكافر ببراءة المسلم يوسف(ص) فى القرآن فى قوله تعالى :
"قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين"
ثم قال فى الشروط :
"العدالة : وضابطها غلبة الخير على الشر في الإنسان ، وأنه لم يعهد عليه الكذب ولم يعرف عنه الفسق لقوله تعالى ( وأشهدوا ذوي عدل منكم ، وأقيموا الشهادة لله ) وقال (ص)" لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية " رواه أبو داود وأحمد والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وضعفه من المعاصرين الألباني في ( إرواء الغليل حديث رقم 2675 ) "
فهم القوم للعدالة هو فهم خاطىء فالعدالة هى نفسها إسلام الشخص لأن المسلم لا يكون خائنا والمسألة المذكورة فى الزواج والطلاق وليس فى الحدود وهى عقوبات الجرائم ثم قال :
4 البلوغ والعقل : فلا تقبل شهادة الصغير ولو كان على صبي مثله ولا المجنون ولا المعتوه ؛ لأن شهادتهم لا تفيد اليقين الذي يحكم بمقتضاه وقد أجاز الإمام مالك شهادة الصبيان في الجراح ما لم يختلفوا ، ولم يتفرقوا وهذا هو القول الصحيح ، فإن الرجال لا يحضرون معهم في لعبهم ولو لم تقبل شهادتهم في بعضهم لضاعت الحقوق وقد عمل بهذا القول بعض الصحابة وفقهاء المدينة ورجحه من المعاصرين الشيخ سيد سابق في ( فقه السنة 3/325 )"
وحكاية البلوغ والعقل ليست لا زمة فى الشهادة لأن القاضى يدرس كل الشهادات فقد تكون شهادة الطفل هى الفيصل فى قضية ما والقاضى لا يقبلها هى أو غيرها دون دراسة ودون تمحيص ثم قال :
"الكلام : فلا بد أن يكون قادرا على الكلام بصورة مفهومة فإذا كان أخرس فلا تقبل شهادته إلا إذا كتب شهادته بخط يده وهذا هو قول أبي حنيفة وأحمد والمختار من مذهب الشافعي "
وشهادة الأخرس تجوز فيما رآه ومثل ما حدث كالذبح والضرب ولا تجوز فى سماع الكلام إلا أن يكون الأخرس خرسه من غير الولادة كمن يصاب بشلل فى لسانه ثم قال :
"الحفظ والضبط : فلا تقبل شهادة المتهم بسوء الحفظ والضبط وكثرة السهو والغفلة والغلط لفقد الثقة بكلامه "
هذا الكلام خاص بمن يصل لمرحلة أرذل العمر والذى يتذكر وقتا وينسى غالبية الوقت وشهادته هى نفسها شهادة المجنون التى سبق الحديث عنها وفى نسيان أرذل العمر قال تعالى :
" ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكى لا يعلم بعد علم شيئا"
فهى لا تقبل إلا ثبتت بالبينات وتحدث عن نفى التهمة فقال :
"نفي التهمة : فلا تقبل شهادة المتهم بسبب المحبة أو العداوة وخالف في ذلك عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبدالعزيز وابن المنذر والشافعي في أحد قوليه وخالفهم غيرهم فقالوا : لا تقبل شهادة عدو على عدوه إذا كانت عداوة دنيوية ولا تقبل شهادة الوالد لولده ، أو العكس أو الأم لابنها أو عكس ذلك لما رواه أبوداود عن عبدالله بن عمرو " أن رسول الله صلى اللهم عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة وذي الغمر على أخيه ورد شهادة القانع لأهل البيت وأجازها لغيرهم" قال والقانع: الذي ينفق عليه أهل البيت ومعنى " ذي الغمر " : أي صاحب العداوة "
هذا الكلام كله باطل فالشهادات كلها مقبولة بمعنى أن من يريد الشهادة فليتكلم بشهادته فى أى قضية فقد أجاز الله شهادة المسلم على نفسه وعلى والديه وأقاربه وغيرهم فقال :
"شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين"
وكل ما سبق من إقرارات أو شهود أو بينات لا يثبت بها شىء إلا بعد دراسة القاضى للكل وقبوله لما يريد من الشهادات التى يظنها أو يتيقن أنها صحيحة وكذلك الاقرارات والبينات
وذكر تفصيل ثبوت الحدود فقال :
"تفصيل ثبوت الحدود:
أولا :حد الزنى
ويجب فيه الحد بأحد أمرين :
أولا : الإقرار ( أو ما يسمى الآن بالاعتراف )
وهل يعترف مرة أم لا بد من أكثر من اعتراف ؟
قال بعض أهل العلم : لا يعتبر الإقرار إلا بأربع مرات ، وبهذا قال الحكم وابن أبي ليلى وأصحاب الرأي
وقال الحسن وحماد ومالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر : يحد بإقرار مرة لقول النبي (ص): ( واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت , فارجمها ) واعتراف مرة اعتراف ، وقد أوجب عليها الرجم به ورجم الجهنية وإنما اعترفت مرة وقال عمر : " إن الرجم حق واجب على من زنى وقد أحصن , إذا قامت البينة أو كان الحبل ( أي الحمل ) أو الاعتراف " ولأنه حق , فيثبت باعتراف مرة كسائر الحقوق
والمترجح : القول الأول لما روى أبو هريرة قال : ( أتى رجل من الأسلميين رسول الله (ص)وهو في المسجد فقال : يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه , فتنحى تلقاء وجهه فقال : يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه , فتنحى تلقاء وجهه فقال : يا رسول الله إني زنيت فأعرض عنه , حتى ثني ذلك أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله (ص)فقال : أبك جنون ؟ قال : لا قال : فهل أحصنت ؟ قال : نعم فقال رسول الله (ص): ارجموه ) متفق عليه ولو وجب الحد بمرة , لم يعرض عنه رسول الله (ص)لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى ومما يدل على ذلك مافي رواية نعيم بن هزال وفيه : ( حتى قالها أربع مرات فقال رسول الله (ص): إنك قد قلتها أربع مرات , فبمن ؟ قال بفلانة ) رواه أبو داود وهذا تعليل منه يدل على أن إقرار الأربع هي الموجبة وروى أبو برزة الأسلمي ( أن أبا بكر الصديق قال له عند النبي (ص): إن أقررت أربعا رجمك رسول الله (ص)) وهذا يدل من وجهين : أحدهما أن النبي(ص)أقره على هذا ولم ينكره فكان بمنزلة قوله ؛ لأنه لا يقر على الخطأ الثاني : أنه قد علم هذا من حكم النبي (ص)ولولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه
وأما ما أورده أصحاب القول الأول القائلين بأن الحد يقام باعتراف مرة فليس فيه دلالة على العدد , فإن الاعتراف لفظ يقع على القليل والكثير، وأما هذه أحاديث القول الثاني فهي تفسر وتبين أن الاعتراف الذي يثبت به كان أربعا
فائدة :
ذكر أهل العلم أنه لا بد في اعتبار صحة الإقرار أن يذكر الزاني صراحة لا كناية حقيقة الفعل كي تزول الشبهة ؛ لأن الزنى قد يعبر به ما ليس بموجب للحد وقد روى ابن عباس أن النبي (ص)سأل ماعزا صراحة ولم يكن ، فلما أقر رجمه كما جاء في البخاري من رواية عن أبي هريرة
مسألة : لو أقر بالزنى وأنكرت المرأة فهل يقام عليهما الحد ؟
قال الشافعي: إن أقر أنه زنى بامرأة فكذبته , فعليه الحد دونها وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فقالا : لا حد عليه لأنا صدقناها في إنكارها فصار محكوما بكذبه والراجح قول الشافعي وهو اختيار ابن قدامة في كتابه " المغني " لما روى أبو داود بإسناده عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي (ص)( أن رجلا أتاه , فأقر عنده أنه زنى بامرأة فسماها له فبعث رسول الله (ص)إلى المرأة , فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت فجلده الحد وتركها ) ولأن إنكارها الزنى لا يبطل إقراره هو به , كما لو سكتت أو كما لو لم يسأل ولأن عموم الخبر يقتضي وجوب الحد عليه باعترافه "
وكما سبق القول لا يثبت اقرار الزانى وحده أو الزانية وحدها وإلا تحول الاقرار إلى شهادة زور حتى ولو كانت صادقة فلابد من اقرار من كل الزناة والزانيات معا
وعاد فتحدث عن مسألة الأخرس فقال :
"مسألة : إقرار الأخرس
الأخرس إن لم تفهم إشارته فلا يتصور منه إقرار , وإن فهمت إشارته فقال القاضي : عليه الحد وهو قول الشافعي وابن القاسم ( صاحب مالك ) وأبي ثور وابن المنذر لأن من صح إقراره بغير الزنى صح إقراره بالزنى فهو كالناطق به وقال أصحاب أبي حنيفة : لا يحد بإقرار ولا بينة , لأن الإشارة تحتمل ما فهم منها وتحتمل غيره ، فيكون ذلك شبهة في درء الحد لكونه مما يندرأ بالشبهات ولا يجب بالبينة لاحتمال أن يكون له شبهة لا يمكنه التعبير عنها ولا يعرف كونها شبهة ولعل هذا أقرب والله أعلم "
ثانيا ( مما يثبت به حد الزنى ) : الشهود
وهم في الزنى أربعة شهود :
وقد ذكر الخرقي وهو من علماء الحنابلة في شهود الزنا سبعة شروط:
أحدها : أن يكونوا أربعة وهذا إجماع لا خلاف فيه بين أهل العلم لقول الله تعالى : ( واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ) وقال تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) وقال تعالى : ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون ) ( وقال سعد بن عبادة لرسول الله (ص): أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا : أمهله حتى آتى بأربعة شهداء ؟ فقال النبي (ص): نعم ) رواه مالك في " الموطأ " وأبو داود في " سننه "
الشرط الثاني : أن يكونوا رجالا كلهم ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ولا نعلم فيه خلافا( والكلام للخرقي ) إلا شيئا يروى عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان وهو شذوذ لا يعول عليه لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين , ويقتضي أن يكتفي فيه بأربعة
الشرط الثالث : الحرية فلا تقبل فيه شهادة العبيد ولا نعلم في هذا خلافا إلا رواية حكيت عن أحمد , أن شهادتهم تقبل وهو قول أبي ثور لعموم النصوص فيه ، ولأنه عدل ذكر مسلم ، فتقبل شهادته كالحر
الشرط الرابع : العدالة , ولا خلاف في اشتراطها فإن العدالة تشترط في سائر الشهادات فهاهنا مع مزيد الاحتياط أولى فلا تقبل شهادة الفاسق , ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقا
الشرط الخامس : أن يكونوا مسلمين فلا تقبل شهادة أهل الذمة فيه سواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي لأن أهل الذمة كفار , لا تتحقق العدالة فيهم ولا تقبل روايتهم ولا أخبارهم الدينية فلا تقبل شهادتهم , كعبدة الأوثان
الشرط السادس : أن يصفوا الزنى صراحة بلا تكنية وهذا قول معاوية بن أبي سفيان والزهري والشافعي وأبي ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي ، لما روي في قصة ماعز
الشرط السابع: مجيء الشهود كلهم في مجلس واحد وبهذا قال مالك , وأبو حنيفة وقال الشافعي وابن المنذر : لا يشترط ذلك لقول الله تعالى : ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ) ولم يذكر المجلس وقال تعالى : ( فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت ) ولأن كل شهادة مقبولة : إن اتفقت تقبل ولو افترقت في مجالس كسائر الشهادات
مسألة : إن رجعوا عن الشهادة أو رجع واحد منهم ، فما الحكم ؟
قد وقع الخلاف بين أهل العلم على ثلاثة أقوال :
الأول : على جميعهم الحد في أصح الروايتين عن أحمد وهو قول أبي حنيفة
الثاني : يحد الثلاثة دون الراجع عن الشهادة ، وهي الرواية الثانية عن أحمد ، وهذا اختيار أبي بكر وابن حامد لأنه إذا رجع قبل الحد فهو كالتائب قبل تنفيذ الحكم بقوله فيسقط عنه الحد ، ولأن في درء الحد عنه تمكينا له من الرجوع الذي يحصل به مصلحة المشهود عليه , وفي إيجاب الحد عليه زجر له عن الرجوع خوفا من الحد فتفوت تلك المصلحة , وتتحقق المفسدة فناسب ذلك نفي الحد عنه
الثالث : يحد الراجع دون الثلاثة قال بذلك الشافعي ؛ لأنه مقر على نفسه بالكذب في قذفه وأما الثلاثة فقد وجب الحد بشهادتهم , وإنما سقط بعد وجوبه برجوع الراجع ومن وجب الحد بشهادته لم يكن قاذفا , فلم يحد كما لو لم يرجع
والراجح والله أعلم : القول الأول وهو إقامة الحد على الثلاثة دون الرابع ومما يعضده إقامة الحد على الثلاثة الذين قذفوا المغيرة ، حين لم يشهد الرابع بنفس شهادتهم "
وشروط شهادة الزنى السابقة غير شرط الأربعة معظمه باطل فلم يشترط الله العبودية ولا الحرية ولا الذكورة ولا الأنوثة
وقد غفل العسكر عن ثبوت الزنى بالحبل دون زواج
ثم تحدق عن إثبات حد السرقة فقال :
"ثانيا : حد السرقة
ولا يثبت حد السرقة إلا بأحد أمرين : 1- وجود البينة بشهادة عدلين 2- الإقرار بالسرقة
فأما البينة فيشترط فيها أن يكون الشاهدان رجلين مسلمين حرين عدلين سواء كان السارق مسلما أو ذميا , وقد ذكرنا ذلك في الشهادة في الزنى ويشترط أن يصفا السرقة والحرز وجنس النصاب , وقدره ليزول الاختلاف فيه فيقولان : نشهد أن هذا سرق كذا , قيمته كذا من حرز ، ويصفان الحرز وإن كان المسروق منه غائبا فحضر وكيله , وطالب بالسرقة احتاج الشاهدان أن يرفعا في نسبه فيقولان : من حرز فلان بن فلان بن فلان , بحيث يتميز من غيره فإذا اجتمعت هذه الشروط وجب القطع في قول عامة أهل العلم
وإذا اختلف الشاهدان في الوقت أو المكان أو المسروق , فشهد أحدهما أنه سرق يوم الخميس والآخر أنه سرق يوم الجمعة أو شهد أحدهما أنه سرق من هذا البيت , وشهد الآخر أنه سرق من هذا البيت أو قال أحدهما : سرق ذهبا وقال الآخر : سرق ثوبا ؛ لم يقطع في قولهم جميعا وبه قال الشافعي وأبو ثور , وأصحاب الرأي
وأما الإقرار: فيشترط فيه أن يعترف مرتين روى ذلك عن على وبه قال ابن أبى ليلى وأبو يوسف وزفر وابن شبرمة وأما عطاء والثوري وأبو حنيفة والشافعي ومحمد بن الحسن فقالوا : يقطع باعتراف مرة لأنه حق يثبت بالإقرار , فلم يعتبر فيه التكرار كحق الآدمي
والراجح القول الأول : لما روى أبو داود بإسناده عن أبي أمية المخزومي ( أن النبي (ص) أتي بلص قد اعترف , فقال له : ما إخالك سرقت قال : بلى فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع ) ولو وجب القطع بأول مرة لما أخره وروى سعيد عن هشيم وسفيان وأبي الأحوص وأبي معاوية عن الأعمش عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه , قال شهدت عليا وأتاه رجل فأقر بالسرقة , فرده وفي لفظ : فانتهره وفي لفظ : فسكت عنه وقال غير هؤلاء : فطرده ، ثم عاد بعد ذلك فأقر , فقال له على : شهدت على نفسك مرتين فأمر به فقطع وفي لفظ : قد أقررت على نفسك مرتين
ويعتبر أن يذكر في إقراره شروط السرقة مما هو معلوم من النصاب والحرز وإخراجه منه
والحر والعبد في هذا سواء، وذلك لعموم النص فيهما ولما روى الأعمش , عن القاسم عن أبيه : أن عليا قطع عبدا أقر عنده بالسرقة وفي رواية قال : " كان عبدا" يعني الذي قطعه علي ويعتبر أن يقر مرتين وروي عن أحمد : " إذا أقر العبد أربع مرات أنه سرق قطع" وظاهر هذا أنه اعتبر إقراره أربع مرات ليكون على النصف من الحر
والأول أصح لخبر علي ، ولأنه إقرار بحد فاستوى في عدده الحر والعبد , كسائر الحدود "
وشروط إثبات السرقة هى الشهود والاعتراف وأيضا دخوله فى ملكه دون أن يكون له مال معروف لأهله ومن حوله وأما كون المسروق فى عهدة الفرد فليس بدليل لأن المسروق قد يكون بيع له أو اهدى له أو ما شابه ذلك
وتحدث عن إثبات شرب الخمر فقال
"ثالثا : حد الخمر
اتفق العلماء على أن الحد يقام على شارب الخمر بأمرين : بالإقرار وبشهادة عدلين واختلفوا في ثبوته بالرائحة، فقال مالك وأصحابه وجمهور أهل الحجاز : يجب الحد بالرائحة إذا شهد بها عند الحاكم شاهدان عدلان وخالفه في ذلك الشافعي وأبو حنيفة وجمهور أهل العراق وطائفة من أهل الحجاز وجمهور علماء البصرة فقالوا : لا يثبت الحد بالرائحة وهو الراجح لأن الرائحة ليست دلالة قاطعة على شرب الخمر ، لكنها قرينة وشبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات "
ثم تحدث عن جريمة رمى المحصنات والمحصنين فقال:
"رابعا : حد القذف
يثبت حد القذف بأحد أمرين :
إقرار القاذف على نفسه بأنه كان كاذبا
بشهادة رجلين عدلين بأنه كاذب فيمن رماه بالفاحشة
ويشترط ما سلف ذكره من الشروط في ثبوت الإقرار وقبوله وفي الشهادة "
وتحدث عن حد الردة فقال :
"خامسا : حد الردة :
المرتد: من ترك دين الإسلام وهو عاقل بالغ، مختار غير مكره إلى دين آخر، كالنصرانية أو اليهودية أو غير ذلك من الأديان الباطلة، أو إلى عقيدة باطلة ومذهب فاسد كالشيوعية، أو إلى تبنى نظرية إلحادية ، أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة، أو قال قولا لا يحتمل تأويلا غير الكفر، أو حكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاده بأن النظام الإسلامي نظام رجعي أو متأخر أو طعن في الدين، فهاجم الإسلام وشرائعه أودعا إلى مبدأ إلحادي أو كفري فهو مرتد قال الله تعالى: {وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون}
وبالجملة فإن الردة قد تكون في الاعتقاد، وقد تكون في الأقوال ، وقد تكون في الأفعال
ولا بد من أجل الحكم على إنسان بالردة من إقامة الحجة ومن بلغه هذا الدين فقد قامت عليه الحجة ، قال تعالى : ( لأنذركم به ومن بلغ ) ، وقال سبحانه : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )
وأما شرط قيام الحجة على المكلفين : ? فالحجة على العباد إنما تقوم بشيئين : بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله ، والقدرة على العمل به ، فأما العاجز عن العلم كالمجنون ، أو العاجز عن العمل ، فلا أمر عليه ولا نهي ومما يجدر ذكره أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمان والأماكن والأشخاص ، يقول ابن القيم : » إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص ، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان ، وفي بقعة وناحية دون أخرى ، كما أنها تقوم على شخص دون آخر ، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون ، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ، ولم يحضر ترجمان يترجم له "
فإذا ثبت قيام الحجة وجب إقامة حد الردة وهو يثبت بإقراره بما يقتضي الردة أو بشهادة عدلين من المسلمين عليه بأنه فعل أو قال ما يقتضي الردة عن الإسلام "
ثم تحدث عن جريمة الحرابة فقال :
"سادسا : حد الحرابة
والحرابة : هي خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام بإحداث الفوضى ، وسفك الدماء ، وسلب الأموال ، وهتك الأعراض ، وإهلاك الحرث والنسل سواء كانت هذه الطائفة مسلمة أو غير مسلمة
فإذا ثبت على هذه الطائفة القيام بتلك الأعمال السابقة عند ذلك يقام حد الحرابة المعروف ولكن لا بد من ملاحظة ما سبق في الحدود الأخرى لأجل إقامة هذا الحد وهي البلوغ والعقل أو الإقرار من قبل الحرابي "
ثم آتانا بجريمة لا وجود لها فى الوحى سماها البغى وهى داخلة ضمن حد الحرابة فقال :
"سابعا : حد البغي :
والبغي اعتداء طائفة من المسلمين على طائفة أخرى ، كالخروج على السلطان المسلم ، مع عدم ظهور كفر بواح منه عندهم فيه من الله برهان فهذه الطائفة تقاتل لقوله تعالى : ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلو التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ) ورى مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه عن عرفجة أن الرسول (ص) قال :" من أراد أن يفرق المسلمين وهم جميع فاقتلوه كائنا من كان ) "
والإثباتات المذكورة كما هى تثبت الجريمة فهى تنفيها فالشهود إما شهود إثبات أو شهود نفى والثبات والنفى يرجعان إلى دراسة القاضى للقضية وقد سبق الحديث أن الشهود وحتى القاضى وهو النبى(ص) نفسه أجمعوا على اتهام البرىء حتى برأه الله لأن الشهود أتوا بشهادات ودفاعات باطلة دفعت القضية إلى الحكم الظالم ومن ثم يجب على المسلمين أن يلتمسوا العذر للقضاة فى بعض القضايا التى قد يثبتها شهود الزور والذين يحكمون بناء عليها على البرىء لأن الله لا ينزل الوحى عليهم
اجمالي القراءات 2378