قراءة فى كتاب التبليغ خلف الإمام وما فيه من المحاذير

رضا البطاوى البطاوى في الأربعاء ٢٣ - فبراير - ٢٠٢٢ ١٢:٠٠ صباحاً

قراءة فى كتاب التبليغ خلف الإمام وما فيه من المحاذير
المؤلف عبدالله بن محمد الطريقي والكتاب يدور حول التبليغ خلف الإمام وتحدث الطريقى عن سبب التأليف ورحلته فى البحث فى الموضوع فقال:
" وبعد فقد لفت نظري ما شاهدت في الحرمين الشريفين وغيرها من المساجد – خاصة الكبيرة – ما يفعله بعض المؤذنين أو غيرهم من تبليغ التكبيرات والتحميد والسلام خلف الإمام، خاصة في هذا الزمن الذي توافرت فيه مكبرات الصوت وصار صوت الإمام واضحا كوضوح صوت المبلغ أو قريب منه، حتى صار كبر المسجد وكثرة الجماعة لا يؤثر على سماع صوت الإمام بل قد يسمعه من بعد ولم يدخل في الصلاة مع الإمام كما يسمعه من قرب.
ومع أن فعل المبلغين هذا فيه تشويش على المصلين واقتطاع جزء من الصلاة يضيع بسبب الصوت المزعج مع ما يلحق ذلك من لحن في بعض التكبيرات أو التحميد، لهذا ولغيره اهتممت بهذه المشكلة وأحببت أن أقرأ ما كتبه العلماء الأفذاذ والذين حازوا قصب السبق في هذا المجال، وقد وجدت منهم من أفردها بالبحث والتأليف والتصنيف كابن عابدين من الحنفية، وعبدالله أحمد الشهير بالطاهر من المالكية، مع ما هو مدون في بطون أمهات الكتب عن أحكام التبليغ خلف الإمام في كتب أئمة المذاهب الأربعة وغيرهم.
ولما تصفحت هذه الكتب وقرأت مالم أكن أعرفه من قبل عن حكم التبليغ خلف الإمام أردت أن أجمع شتات ما قرأت وأرتبه وأظهر منه بنتيجة يستفيد منها من حصل له وقفة في حكم هذه المسألة كما حصل لي "

وقد استهل البحث بضرورة الحفاظ على الصلاة ثم ذكر معنى التبليغ لغويا فقال:
" معنى التبليغ:
التبليغ مصدر بلغ بمعنى أوصل، يقال: بلغه السلام إذا أوصله، وبلغ الكتاب بلوغا أي وصل، فالتبليغ بمعنى الايصال، وذلك الإبلاغ
والمراد بالتبليغ هنا: إيصال صوت الإمام للمأمومين بالتكبير والتحميد والسلام وذلك بالدخول في الصلاة والخروج منها والانتقال إلى أجزائها
والسنة في حق الإمام الجهر بالتكبير كله وكذا التسميع والسلام والقراءة الجهرية وذلك بأن يسمع من خلفه وأدناه سماع غيره"
وبعد ذلك تحدث عن أدلة وجود التبليغ كما ظن فقال :
"وقد دلت الأدلة على ذلك ومنها ما يأتي:
- ما روى سعيد بن الحارث قال:"صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود وحين سجد وحين رفع وحين قام من الركعتين وقال: هكذا رأيت النبي (ص)"
ووجه الاستدلال من الحديث أن فيه التصريح بالجهر بالتكبير من أبي سعيد وبيان أنه رأى النبي (ص) يفعل ذلك.
- ما روى أبو هريرة قال: كان رسول الله (ص) إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم ثم يكبر حين يركع ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد ثم يكبر حين يهوي ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يكبر حين يسجد ثم يكبر حين يرفع رأسه ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس
ووجه الاستدلال منه أن فعله – (ص) - للتكبير ونقل الصحابة له دليل على أنه كان يجهر به
- ما روى أبو هريرة أن رسول الله (ص)قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا اللهم ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون"
ووجه الاستدلال منه أن قوله (ص) "فإذا كبر فكبروا" دليل على الجهر بالتكبير وإلا فكيف يكبر المأموم بعد تكبير الإمام لو كان الإمام يسر بالتكبير.
ومن الأدلة السابقة نعلم أن الجهر بالتكبير من قبل الإمام سنة وهو مطلوب لما فيه من متابعة المأمومين للإمام واقتدائهم به، ويكون الجهر بالتكبير حسب الحاجة فإن زاد الإمام بالجهر به على الحاجة زيادة كبيرة كره ذلك لما قد يسببه من تشويش على المصلين في صلاتهم
وقد قال علماء المالكية إن الأفضل للإمام والمأموم رفع صوت الإمام بجميع التكبير وسمع الله لمن حمده ليقتدي به المأمومون من غير احتياج المسمع وهذه هي السنة التي كان عليها السلف الصالح "
وكل ما سبق من روايات ليس فيه أى دليل على أمر التبليغ المزعوم وهو قيام واحد من المصلين بترديد التكبيرات والحمد والسلام وهى دالة على تقليد المأمومين للإمام فقط فكل الأحاديث ليس فيها ذكر للمبلغ أو إشارة له
ولو اتبعنا ما تقوله الأحاديث السالفة لوجب التبليغ الجماعى وليس الفردى لأن المطلوب فيها هو تقليد الإمام فى أقواله وأفعاله وهو قولها" إنما جعل الإمام ليؤتم به"
وحدثنا الرجل عما إذا كان صوت الإمام لا يبلغ المصلين فقال :
"إذا كان صوت الإمام لا يبلغ المصلين:
"جميع التكبيرات والتسميع والتحميد والتسليم تكون من الإمام فإن كان صوته لا يبلغ من وراءه إما لضعف في صوت الإمام أو لكثرة المصلين وبعدهم عن الإمام أو غير ذلك فينبغي التبليغ عنه من أحد المأمومين
قال ابن قدامة في المغني:
"ويستحب للإمام أن يجهر بالتكبير بحيث يسمع المأمومين ليكبروا فإنهم لا يجوز لهم التكبير إلا بعد تكبيره فإن لم يمكنه اسماعهم جهر بعض المأمومين ليسمعهم أو ليسمع من لا يسمع الإمام"
وقال النووي:
"يسن للإمام الجهر بتكبيرات الصلاة كلها ويقول سمع الله لمن حمده ليعلم المأمومون انتقاله فإن كان ضعيف الصوت لمرض وغيره فالسنة أن يجهر المؤذن أو غيره من المأمومين جهرا يسمع الناس وهذا لا خلاف فيه"
وقال في موضع آخر:
"يستحب للإمام أن يجهر بتكبيرة الإحرام وبتكبيرات الإنتقالات ليسمع المأمومين فيعلموا صحة صلاته فإن كان المسجد كبيرا لا يبلغ صوته إلى جميع أهله أو كان ضعيف الصوت لمرض ونحوه أو من أصل خلقته بلغ عنه بعض المأمومين أو جماعة منهم حسب الحاجة"
والأصل في مشروعية التبليغ خلف الإمام ما يأتي:
- عن جابر قال:"اشتكى رسول الله (ص) فصلينا وراءه وهو قاعد وأبو بكر يسمع الناس تكبيره فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلاته قعودا فلما سلم قال: إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا"
وفي رواية عن جابر قال:"صلى بنا رسول الله (ص) وأبو بكر خلفه فإذا كبر رسول الله – (ص) كبر أبو بكر ليسمعنا.."
- عن عائشة – رضي الله عنها – قالت:"لما مرض النبي – (ص) - مرضه الذي مات فيه أتاه بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر فليصل قلت: إن أبا بكر رجل أسيف إن يقم مقامك يبك فلا يقدر على القراءة، قال: مروا أبا بكر فليصل فقلت مثله فقال في الثالثة أو الرابعة إنكن صواحب يوسف مروا أبا بكر فليصل فصلى وخرج النبي (ص) يهادى بين رجلين كأني أنظر إليه يخط برجليه الأرض فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر فأشار إليه أن صل فتأخر أبو بكر وقعد النبي – (ص) إلى جنبه وأبو بكر يسمع الناس التكبير"
- وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: لما ثقل رسول الله (ص) جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فقلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال: مروا أبا بكر يصلي فقلت لحفصة قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر قال: إنكن لأنتن صواحب يوسف مروا أبا بكر أن يصلي بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله (ص) في نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض حتى دخل المسجد فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله (ص) فجاء رسول الله (ص) حتى جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله (ص) يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله (ص) والناس مقتدون بصلاة أبي بكر
قال النووي:
"قولها وأبو بكر يسمع الناس التكبير فيه جواز رفع الصوت بالتكبير ليسمعه الناس ويتبعوه، وأنه يجوز للمقتدي اتباع صوت المكبر وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ونقلوا فيه الاجماع وما أراه يصح الإجماع فيه فقد نقل القاضي عياض عن مذهبهم أن منهم من أبطل صلاة المقتدي ومنهم من لم يبطلها ومنهم من قال إن أذن الإمام في الإسماع صح الاقتداء وإلا فلا، ومنهم من أبطل صلاة المسمع ومنهم من صححها ومنهم من شرط إذن الإمام ومنهم من قال إن تكلف صوتا بطلت صلاته وصلاة من ارتبط بصلاته وكل هذا ضعيف والصحيح جواز كل ذلك وصحة صلاة المسمع والسامع ولا يعتبر أذن الإمام والله أعلم"
وهل كان أبو بكر إماما أو مأموما خلاف والذي دلت عليه الروايات أن النبي (ص) كان هو الإمام وأبو بكر مبلغا عنه، قال النووي: وإن كان بعض العلماء زعم أن أبا بكر كان هو الإمام والنبي (ص) مقتدى به لكن الصواب أن النبي (ص) كان هو الإمام
وهذه الأدلة تدل دلالة واضحة على أنه يجوز التبليغ من أحد المأمومين عند الحاجة إليه كضعف صوت الإمام أو كثرة المصلين بحيث لا يبلغهم صوت الإمام وذلك لأن متابعة الإمام أمر مطلوب شرعا ولا تحصل عند ضعف صوت الإمام بالتبليغ."
الأحاديث فى حكاية صلاة أبو بكر وتبليغه متناقضة فأبو بكر كان إمام الصلاة التى يقال أنه بلغ فيها وكان الرسول(ص)كان دخل فيها وهو يصلى ولا يجوز أن يتم تبديل الإمام فى أثناء الصلاة خاصة أن الرسول(ص)كان متأخرا عن الصلاة ولو صدقنا ذلك فقد صليت هذه الصلاة المزعومة أكثر مما هو معروف فإن كان أبو بكر صلى ركعة فقد صلوا خمسا لأن الرسول(ص) صلاها أربعا باعتباره الإمام
أضف إلى ذلك وجود تناقضات بين الروايات :
أولها الصلاة قوم قياما والنبى(ص) قاعد وهو قول رواية " فكان أبو بكر يصلي قائما وكان رسول الله (ص) يصلي قاعدا يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله (ص) والناس مقتدون بصلاة أبي بكر " وهو ما يناقض الرواية الأخرى التى تقول:
"إن كدتم آنفا لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود فلا تفعلوا ائتموا بأئمتكم إن صلى قائما فصلوا قياما وإن صلى قاعدا فصلوا قعودا"
فأيها نصدق الصلاة قعودا إذا كان الإمام قاعدا أم الصلاة قياما والإمام قاعد ؟
ثانيها التناقض بين كون أبو بكر فى رواية رأى الرسول(ص) وهو قولها " فلما رآه أبو بكر ذهب يتأخر "وبين أنه لم يره وإنما سمع حسه فى الرواية الثانية وهو قولها" فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر"
وثالثها مكان الرسول(ص) من أبى بكر ففى رواية قعد جنبه وهو قولها " فتأخر أبو بكر وقعد النبي – (ص) إلى جنبه "وهو ما يناقض قعوده إلى يساره وهو قوله " فجاء رسول الله (ص) حتى جلس عن يسار أبي بكر"
الغريب أن القعود على اليسار يناقض أحاديث التيامن كما يناقض أحاديث إتمام الصف من جهة اليمين
ومن ثم لا يصح فى المسألة شىء وحدثنا عن حكم التبليغ لغير حاجة فقال :
"حكم التبليغ لغير حاجة:
عرفنا أنه يجوز التبليغ عند الحاجة إليه أما إذا كان لغير حاجة فلا يجوز لأن الأصل جهر الإمام بالتكبيرات والتسميع والتسليم والمبلغ بدلا عن الإمام ولا يصار إلى البدل إلا عند تعذر الأصل والأدلة السابقة الدالة على مشروعية التبليغ تدل على أنه فعله عند الضرورة فقط لأن ذلك كان في وقت كان رسول الله (ص) لا يستطيع التكبير وذلك ظاهر في رواية جابر في قوله"اشتكى رسول الله (ص)، " وفي رواية عائشة – رضي الله عنها – في قولها"لما مرض النبي (ص) مرضه الذي مات فيه".
وعلى هذا قال العلماء إن التبليغ لغير حاجة بدعة ولا يجوز فعله لأن ذلك لم ينقل عن الرسول (ص) ولا عن الصحابة وإنما نقل ذلك عند الحاجة إليه فقط.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"لا يشرع الجهر بالتكبير خلف الإمام الذي هو المبلغ لغير حاجة باتفاق الأئمة فإن بلالا لم يكن يبلغ خلف النبي (ص) هو ولا غيره ولم يكن يبلغ خلف الخلفاء الراشدين لكن لما مرض النبي – (ص) - صلى بالناس مرة وصوته ضعيف وكان أبو بكر يصلي إلى جنبه يسمع الناس التكبير، فاستدل العلماء بذلك على أنه يشرع التكبير عند الحاجة مثل ضعف صوته، فأما بدون ذلك فاتفقوا على أنه مكروه غير مشروع"
وقال ابن عابدين في حاشيته على الدر المختار:
"وفي حاشية أبي السعود: واعلم أن التبليغ عند عدم الحاجة إليه بأن بلغهم صوت الإمام مكروه، وفي السيرة الحلبية: اتفق الأئمة الأربعة على أن التبليغ حينئذ بدعة منكرة أي مكروهة، وأما عند الإحتياج إليه فمستحب"
وجاء في المعيار المعرب:
"ولا ينبغي فعله من غير حاجة إليه"
وجاء في رسالة القول البديع ما نصه:
"أما إن رفع الإمام صوته حتى بلغ جميع المأمومين فإن التسميع من غيره يكون مكروها إجماعا ا.."
وقد ذكر علماء المالكية أن وجوه الاقتداء أربعة: رؤية أفعال الإمام، فإن تعذرت فسماع أقواله، فإن تعذرت فرؤية أفعال المأمومين فإن تعذرت فسماع أقوالهم.
وهذا الرابع هو التبليغ وهو آخر وجوه الاقتداء وقد ذكروا أن في حكم الصلاة به أربعة أقوال وهي: تصح ولا تصح والفرق بين أن يأذن الإمام فتصح أولا فلا تصح والفرق بين أن يكون صوت الإمام يعمهم فلا تصح أولا يعمهم فتصح وقال البيجوري في حاشيته على شرح ابن قاسم الغزي على متن أبي شجاع عند قول المصنف (والتكبيرات عند الخفض) قال:
"ويجهر بالتكبيرات إن كان إماما ليسمعه المأمومون أو مبلغا إن احتيج إليه بأن لم يبلغ صوت الإمام جميع المأمومين ".
وفي كتاب الفروع:
"ويستحب جهر إمام به – أي بالتكبير – بحيث يسمع من خلفه وأدناه سماع غيره، ويكره جهر غيره به ولا يكره لحاجة ولو بإذن إمام بل يستحب به وبالتحميد لا بالتسميع"
ثم ناقش مسألة خارج سياق الموضوع وهى نية تكبيرة الإحرام من الإمام فقال :
"قصد تكبيرة الإحرام من الإمام والمأموم:
ومما يذكره الفقهاء هنا قصد تكبيرة الإحرام من الإمام ومن المأموم كذلك فعند الحنفية والشافعية أنه إذا كبر الإمام للافتتاح فلابد لصحة صلاته من قصده بالتكبير الاحرام بالصلاة فإن قصد الإعلام فقط فلا صلاة له فإن جمع بين الأمرين بأن قصد الاعلام والإحرام فهو المطلوب منه شرعا.
قال ابن عابدين:
"وكذلك المبلغ إذا قصد التبليغ فقط خاليا عن قصد الإحرام فلا صلاة له ولا لمن يصلي بتبليغه في هذه الحالة "
ويعلل الحنفية ذلك بأن تكبيرة الإحرام شرط أو ركن على الخلاف في ذلك فلابد في تحقيقها من قصد الإحرام أي الدخول في الصلاة
أما عند المالكية فيجوز إتخاذ شخص معين ليسمع الناس وتصح صلاته ولو قصد بتكبيره مجرد إسماع المأمومين فيصح أن يكون المسمع صبيا أو امرأة أو محدثا وذلك مبني على أن المسمع علامة على صلاة الإمام.
قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير:
"قوله ( وجاز مسمع ) ظاهره ولو قصد بتكبيره وتحميده مجرد إسماع المأمومين "
وفي قول عند المالكية أن المسمع نائب ووكيل عن الإمام فلا يجوز له التسميع حتى يستوفي شرائط الإمام
قال في المعيار المعرب:
" وفي وجيز ابن غلاب أن حكمه حكم الإمام فلا يجوز له التسميع حتى يستوفي شرائط الإمامة، "
وقال صاحب القول البديع:
"وهذا مبني على أن المسمع نائب عن الإمام وهو إختيار جمع من أهل المذهب وعليه فلا يصح الاقتداء بالمسمع حتى يستوفي شروط الإمام فلا يصح تسميع هذا "
أما بقية التكبيرات غير تكبيرة الإحرام كالتحميد من المبلغ والتسميع من الإمام وتكبيرات الانتقالات إذا قصد بذلك الإعلام فقط خاليا عن قصد الذكر فعند الحنفية كما ذكر ابن عابدين أنه لا فساد في ذلك لأنه ليس بجواب بل هو مجرد إخبار ولأنه من أعمال الصلاة كما لو استأذن على المصلي إنسان فسبح وأراد به إعلامه أنه في الصلاة أو عرض للإمام شيء فسبح المأموم لأن المقصود به إصلاح الصلاة، أو يقال إن القياس الفساد ولكنه ترك للحديث الصحيح ( من نابه شيء في صلاته فليسبح )"
وكل هذا الكلام لا دليل عليه وإنما هو تخمين بلا نص صريح أو حتى إشارة من نص مضمن
وتحدث عن محاذير التبليغ فقال :
"المحاذير في التبليغ:
عرفنا فيما سبق أن التبليغ لغير حاجة لا يجوز بل هو بدعة كما تقدم أما إذا دعت الحاجة إليه فينبغي فعله لما فيه من المصلحة لكن بشرط أن لا يصحبه شيء من المخالفات التي تخرجه من المشروعية إلى البدعية. يقول المحقق ابن عابدين:
"وإذ قد علمت مشروعية رفع الصوت بالتبليغ وأن التبليغ منصب شريف قد قام به أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين ذوي المقام المنيف فلابد معه من إجتناب ما أحدثه جهلة المبلغين "
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
"وحيث جاز – أي التبليغ – ولم يبطل فيشترط أن لا يخل بشيء من واجبات الصلاة"
ومن المخالفات التي قد يرتكبها المبلغون ما يأتي:
أولا: الجهر بتكبيرة الإحرام من المبلغ بنية الإعلام لا بنية الإحرام وهو خطأ إذ لابد من نية الإحرام وقد تقدم أن فقهاء الحنفية يقولون أنه إذا قصد التبليغ فقط خاليا عن قصد الإحرام فلا صلاة له ولا لمن يصلي بتبليغه في هذه الحالة لأنه إقتداء بمن لم يدخل في الصلاة
قلت: أما بطلان صلاته فواضح لأن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة لقوله – (ص) - "مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم" فإذا لم يقصد الإحرام فكأنه لم يدخل في الصلاة.
وأما بطلان صلاة المأمومين ففيه نظر
ثانيا: مسابقة الإمام:
بعض المبلغين يسابق الإمام في التكبير للركوع أو الرفع منه أو السجود وقد قال رسول الله (ص) "أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار"وعن أنس قال صلى بنا رسول الله (ص) ذات يوم فلما قضى الصلاة أقبل علينا بوجهه فقال: "أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي"
قال النووي قوله (ص): "لا تسبقوني بالركوع ولا بالقيام ولا بالانصراف" فيه تحريم هذه الأمور وما في معناها "
وقال قال أصحابنا يجب على المأموم متابعة الإمام ويحرم عليه أن يتقدمه بشيء من الأفعال
ثالثا: اللحن بالتكبير والتسميع:
اللحن بالتكبير مثل أن يمد همزة لفظ الجلالة فيقول آلله فيصير إستفهاما، أو يمد باء أكبر فيزيد ألفا فيقول أكبار فيصير جمع كبر وهو الطبل، أو يمد همزة أكبر أيضا، وتارة يحذف ألف الجلالة التي بعد اللام الثانية، وتارة يحذف هاءها ويبدل همزة أكبر بواو فيقول اللا واكبر
قال ابن عابدين:
"وأما اللحن في التسميع فهو ما يفعله عامتهم إلا الفرد النادر منهم فيقولون رابنا لك الحامد بزيادة ألف بعد راء ربنا وألف بعد حاء الحمد، أما الثانية فلا شك في كراهتها، وأما الأولى فلم أر من نبه عليها ولو قيل إنها مفسدة لم يكن بعيدا لأنه الراب بتشديد الباء زوج الأم كما في الصحاح والقاموس وهو مفسد للمعنى "
...وقال النووي في المجموع:
"ويجب الاحتراز في التكبير عن الوقفة بين كلمتين وعن زيدة تغير المعنى فإن وقف أو قال آلله أكبر بمد همزة الله أو بهمزتين أو قال الله اكبار أو زاد واوا ساكنة أو متحركة بين الكلمتين لم يصح تكبيره" ...
رابعا: تأخر المبلغ في أداء التكبير أو في تمطيط الحروف وإخراجها عن محالها وقد يكبر الإمام للركوع ثم يكبر المسمع خلفه ويطيل التكبير فيرفع الإمام من الركوع قبل أن ينقضي تكبير المسمع للركوع ويترتب على ذلك كثير من المحاذير التي لا يقرها الشرع ومن هذه المحاذير ما يأتي:
أ – أن المسبوق بركعة أو أكثر يأتي فيكبر للاحرام ويركع ظنا منه أن الإمام في الركوع لعلمه أن المسمع لم يرفع من الركوع فتفسد عليه صلاته.
ب – أن في هذا مخالفة للسنة لأن السنة في الصلاة أن يكون المأموم تبعا للإمام كما تقدم وفي فعل المبلغ هذا مدعاة لتأخر أفعال المأموم عن أفعال الإمام إلى حد أن يكون ركوع المأموم بعد رفع الإمام من الركوع ومثله السجود وبقية أفعال الصلاة.
جـ - اقتطاع جزء من صلاة المأمومين بسبب ما يحصل من صوت المبلغ.
خامسا: أن المبلغ قد يرفع صوته كثيرا مما يكون سببا في ذهاب الحضور والخشوع في الصلاة ويذهب السكينة والوقار ويقع به التشويش على المصلين ويحصل بسبب ذلك كثير من الأمور التي تتنافى مع حقيقة الصلاة.
سادسا: أن بعض المبلغين يتعذر عليه سماع الإمام في تكبيره وعلم ركوعه وسجوده فمثل هذا لا يجوز له أن يبلغ خشية أن يكون تبليغه للركوع مثلا بعد الإنتهاء منه وهكذا وفي هذا تأخر لأفعال المأمومين عن أفعال الإمام وهو لا يجوز كما تقدم، ومثله إذا شك المبلغ في أفعال الإمام.
سابعا: أن بعض المبلغين يفعل التبليغ على طريقة جماعية وذلك بأن يبتدئ بعضهم بالتكبير فيقول الله ويمد صوته ثم يبتدئ الآخر من أثناء الكلمة نفسها واصلا صوته بصوت الأول وهكذا وفاعل هذا لم يأت بالتكبير على صيغته المشروعة وإنما أتى به مقطعا."
وكل هذه المحاذير أصبحت كما قال المؤلف فى بداية البحث لا وجود لها بسبب مكبرات الصوت
اجمالي القراءات 2623