مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : ثورة محمد النفس الزكية عام 145 ( 2 )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٠ - أكتوبر - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

مسلسل الحُمق في ذرية (على بن أبى طالب ) : ثورة محمد النفس الزكية عام  145 ( 2 )

ثالثا : محمد النفس الزكية يستولى على المدينة ومكة

1 ـ نجحت خطة أبى جعفر المنصور فجعل غريمه يعلن الثورة قبل الاستعداد الكامل ، ولهذا بدأ محمد النفس الزكية  في المدينة الثورة قبل أخيه إبراهيم في البصرة . وبمجرد إعلان ثورته دعا أبو جعفر المنصور ولى العهد (عيسى بن موسى ) فقال له: ( قد ظهر محمد،  فسر إليه  ). أرسله لحرب محمد في المدينة ، وقال : ( لا أبالي أيهما قتل صاحبه ) ، ذلك ان أبا جعفر المنصور كان يريد عزل عيسى بن موسى عن ولاية العهد ليولى مكانه ابنه ( المهدى ) . وفعلا مازال بعيسى حتى اضطره للتنازل عن ولاية العهد للمهدى . وهذه قصة أخرى ، ولكن يتبيّن منها ( حذق ) أبى جعفر المنصور مقابل ( حمق ) محمد النفس الزكية .

2 ـ بادر أبوجعفر المنصور فاعتقل من إستطاع من أقارب محمد النفس الزكية من ذرية ( الحسن بن على بن أبى طالب )

إعلان الثورة في المدينة

1 ـ صعد محمد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال )  :أما بعد أيها الناس فإنه كان من أمر هذا الطاغية عدو الله أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبة الخضراء التي بناها معاندا لله في ملكه وتصغيرا للكعبة الحرام ، وإنما أخذ الله فرعون حين قال أنا ربكم الأعلى ، وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين الأولين والأنصار المواسين . اللهم إنهم قد أحلواحرامك وحرموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت ، اللهم فأحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا . أيها الناس إني والله ما خرجت من بين أظهركم وأنتم عندي أهل قوة ولا شدة ولكني اخترتكم لنفسي ، والله ما جئت هذه وفي الأرض مصر يعبد الله فيه إلا وقد أخذ لي فيه البيعة ( .

2 ـ هذا خطاب دينى كهنوتى وليس سياسيا ، وهو يتهم فيه غريمه أبا جعفر المصور بالكفر . وليس في هذا جديد . الجديد والمؤلم أنه يجعل رب العزة مؤيدا لبيعته بالخلافة ، وهذا زعم كاذب ، فقد عارض محمدا النفس الزكية كثيرون حتى من أقرب اقاربه .

بوادر فشله

لم ينضم له الجميع .

1 ـ عندما أعلن ثورته كان والى المدينة لأبى جعفر المنصور هو رياح بن عثمان بن حيان المري . وقد هدّد كبار أهل المدينة بقطع أعناقهم لو مالوا الى محمدا ، وأعلن بعض أقارب محمد للوالى رياح إنهم على طاعة أبى جعفر المنصور.

2 ـ وظهر سريعا عزوف كثيرين عن محمد ورغبتهم عنه ، وقال له بعضهم : ( والله ما نجد في هذه الأمة أحدا أشأم عليها منك .! ما يمنعك أن تخرج وحدك ؟ ) .

3 ـ ولم يبايع لمحمد بعض كبار القوم منهم الضحاك بن عثمان بن عبد الله بن خالد بن حزام وعبد الله بن المنذر بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام وأبو سلمة بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وخبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير.

4 ـ ودعا محمد ( إبن عمه ) إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن ابى طالب أن يبايعه ، فقال : " يا ابن أخي أنت والله مقتول فكيف أبايعك ؟ ". لم يكتف إسماعيل هذا برفض مبايعة محمد النفس الزكية بل نهى الناس عن بيعته ، فقتلته حمادة بنت معاوية من نسل جعفر بن أبى طالب . واتهم عبد الله ابن القتيل محمدا بالتحريض على قتل أبيه .

5 ـ  وعارض دعوة محمد ابن عمه عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي ، فأقسم محمد إن رآه ليقتلنّه ، فجىء به اليه ، فقال عيسى بن زيد لمحمد : " دعني أضرب عنقه ." ورفض محمد قتله . وهنا نرى محمدا سريع الغضب مترددا ولا يتسرّع في سفك الدماء.

6 ـ وبعضهم إنضم الى الثورة ثم غيّر رأيه وقال : " نفسى لا تطاوعنى على الخروج ."

7 ـ وبعث إلى محمد بن عبد العزيز يقول له : " إني كنت لأظنك ستنصرنا وتقيم معنا " ، فاعتذر إليه وقال : " أفعل " ) ثم هرب الى مكة .

رفض النصيحة

وبعضهم نصح محمدا أن يترك الحجاز الى بلد فيه وفرة مثل ( مصر ) فلم يسمع له . منهم :

  1 :أبو نافع بن ثابت ، الذى رفض مبايعة محمد مع إلحاح محمد عليه ، حتى لقد ترجاه أن يلبس السلاح يوهم الناس أنه معه ، فرفض . قال له محمد : ( : " يا أبا عبد الله لم أرك جئتنا؟"  قال  : " ليس فيّ ما تريد."  فألح عليه محمد حتى قال : "البس السلاح يتأسّ بك غيرك ." فقال : " أيها الرجل إني والله ما أراك في شيء،  خرجت في بلد ليس فيه مال ولا رجال ولا كراع ولا سلاح ، وما أنا بمهلك نفسي معك ولا معين على دمي ". قال :"  انصرف فلا شيء فيك بعد هذا . " 

   2 : وبعض من أطلقهم محمد من الحبس تحمّس في طاعته ، قال : ( لما ظهر محمد وأنا في حبس ابن حيان أطلقني، فلما سمعت دعوته التي دعا إليها على المنبر قلت : " هذه دعوة حق والله لأبلين الله فيها بلاء حسنا. "  فقلت : " يا أمير المؤمنين إنك قد خرجت في هذا البلد والله لو وُقف على نقب من أنقابه مات أهله جوعا وعطشا فانهض معي فإنما هي عشر حتى أضربه بمائه ألف سيف . " . انتهى أمر هذا الرجل بالتجسس على محمد ، وكتابة أخباره الى أبى جعفر المنصور. واكتشف محمد أمره فحبسه ، فظل في الحبس الى مقتل محمد ، واطلقه عيسى بن موسى . 

  3 : وتكررت النصيحة فتردد محمد بين البقاء في المدينة أو الخروج عنها ، استشار أصحابه عندما إقترب جيش عيسى بن موسى من المدينة ، تقول الرواية عن بعضهم : (  إنا لعند محمد ليلة وذلك عند دنو عيسى  من المدينة ، إذا قال محمد : " أشيروا علي في الخروج والمقام "...فاختلفوا، فأقبل عليّ فقال : "  أشر علي يا أبا جعفر"  قلت : " ألست تعلم أنك أقل بلاد الله فرسا وسلاحا وأضعفها رجالا ؟ " قال : "بلى " قلت : " تعلم أنك تقاتل أشد بلاد الله رجلا وأكثرها مالا وسلاحا  ؟  " قال : "  بلى " . قلت : "  فالرأي أن تسير بمن معك حتى تأتي مصر فوالله لا يردك رادُّ ، فتقاتل الرجل بمثل سلاحه وكراعه ورجاله وماله . " ورفض .

4 ـ كان إبن خضير من ذرية مصعب بن الزبير مخلصا لمحمد النفس الزكية ، تقول الرواية : ( وظل الى جانبه يناشده الله إلا مضى إلى البصرة أو غيرها ، ومحمد يقول: " والله لا تبتلون بي مرتين ولكن اذهب حيث شئت فأنت في حل" قال ابن خضير وأين المذهب عنك ؟".). وقاتل مع محمد حتى قُتل .

مما سبق نتعرف على بعض ملامح من حُمق محمد النفس الزكية ، فهو يرفض النصيحة ، ومع ذلك فهو متردد ، وليس فيه حزم غريمه أبى جعفر المنصور ، وليس فيه الجُرأة على سفك الدماء مثله.

إستيلاء محمد على المدينة

2 ـ بظهور محمد أسرع أهل المدينة في شراء الطعام حتى باع بعضهم حلي نسائه .

وهناك رواية مختصرة تقول : (خرج محمد في أول يوم من رجب سنة خمس وأربعين ومائة ، فبات بالمذاد هو وأصحابه ، ثم أقبل في الليل ، فدق السجن وبيت المال ، وأمر برياح وابن مسلم فحبسا معا في دار ابن هشام ). وروايات تفصيلية نفهم منها :

1 ـ  عرف رياح أن محمدا ذهب بأتباعه الى حى المذاد فأسرع اليه في جنده ، ولم يتواجها ، وتوجّه محمد الى السجن فأطلق من فيه من خصوم رياح فانضموا الى محمد . وحدثت مناوشات قتل فيها أصحاب محمد النفس الزكية رجلا سنديا كان يخدم في المسجد .

3 ـ كان رياح مع أصحابه في دار مروان ، وحاصره محمد ، واقتحم الدار ، وإعتقل رياحا وكبار أصحابه . وسيطر محمد على المدينة .

4 ـ وفى النهاية قتل ابن خضير الزبيرى رياحا . ولما رأى ابن خضير أن الجيش العباسى قد أفنى معظم جيش محمد النفس الزكية ترك ميدان المعركة وذهب فذبح رياحا وأخاه . تقول الرواية إنّه : (استأذن محمدا في دخول المدينة فأذن له ، ولا يعلم ما يريد ، فدخل على رياح بن عثمان بن حيان المري وأخيه فذبحهما ، ثم رجع فأخبر محمدا ، ثم تقدم فقاتل حتى قتل من ساعته. ) وتقول رواية أخرى : (  ذبح ابن خضير رياحا ولم يجهز عليه ، فجعل يضرب برأسه الجدار حتى مات ، وقتل معه عباسا أخاه ، وكان مستقيم الطريقة فعاب الناس ذلك عليه. )

5 ـ وتقول الرواية : ( لما أخذ محمد المدينة استعمل عليها عثمان بن محمد بن خالد بن الزبير ، وعلى قضائها عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله المخزومي ، وعلى الشرط أبا القلمس عثمان بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعلى ديوان العطاء عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة،)  ويتضح أن هؤلاء من قريش ليس منهم أحد من أبناء الأنصار .

6 ـ ولأن أهل المدينة كانوا قد بايعوا أبا جعفر المنصور من قبل فقد إستفتوا فقيه المدينة ( مالك بن أنس ) في الخروج مع محمد ، وقالوا لمالك  : " إن في أعناقنا بيعة لأبي جعفر."  فقال : " إنما بايعتم مُكرهين وليس على كل مُكره يمين. "  فأسرع الناس إلى بيعة محمد . وفيما بعد تعرض مالك بن أنس لعقاب أبو جعفر المنصور.    

روايات استيلاء محمد على مكة

 1 ـ كان والى مكة للعباسيين هو السرى بن عبد الله من بنى العباس . أرسل محمد النفس الزكية جيشا الى مكة يقوده الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ، ومعه العباس بن القاسم رجل من آل أبي لهب. فلم يشعر بهم السري بن عبد الله ( والى مكة ) حتى دنوا من مكة ، فخرج إليهم ، فقال له مولاه : " ما رأيك قد دنونا منهم ؟ " قال  : " انهزموا على بركة الله وموعدكم بئر ميمون ."  فانهزموا ، ودخلها الحسن بن معاوية بلا قتال .

2 ـ  وهناك رواية تقول إن الحسن قبل ان يذهب الى مكة استشار محمدا النفس الزكية فيما يفعله مع الوالى السّرّى إن إلتحم القتال . ( : أرأيت إن التحم القتال بيننا وبينهم ما ترى في السري ؟ " قال : "  يا حسن إن السري لم يزل مجتنبا لما كرهنا كارها للذي صنع أبو جعفر . إن ظفرت به فلا تقتله ، ولا تحركن له أهلا ، ولا تأخذن له متاعا،  وإن تنحى فلا تطلبن له أثرا . " ) 

3 ـ وهناك رواية أخرى مختلفة تصف قتالا جرى بين جيش محمد النفس الزكية وجيش العباسيين ، وانهزم جيش العباسيين ، وهرب السّرّى بن عبد الله ، ودخل الحسن مكة واليا عليها من طرف محمد النفس الزكية .

4 ـ وفيما بعد وعندما أشرف محمد النفس الزكية على الهزيمة أمام الجيش العباسى بقيادة عيسى بن موسى بعث الى واليه على مكة يستنجد به ، فجمع الحسن وابن القاسم جيشا واستخلف الحسن واليا على مكة من ذرية الأنصار . وعندما وصلا قديد وصلهما نبأ قتل محمد النفس الزكية ، فتفرق الجيش ، وهرب الحسن الى البصرة لينضم الى جيش إبراهيم أخ محمد النفس الزكية ، وظل مع إبراهيم الى مقتل إبراهيم . أما ابن القاسم فتأخّر في الهروب الى البصرة ، وفى الطريق اليها جاءه نبأ مقتل إبراهيم فرجع واختفى في المدينة. وظل مختفيا حتى أخذت لهم الأمان زوجة عيسى بن موسى ، وهى من ذرية عبد الله بن جعفر بن أبى طالب .  أي هي حرب عائلية بين بنى هاشم قتلوا فيها أنفسهم والآخرين.

5 ـ بعد إستيلائه على مكة بعث محمد النفس الزكية باثنين دُعاة له : ( القاسم بن إسحاق ) الى اليمن ، و( موسى بن عبد الله ) الى الشام . فقتلهما عملاء العباسيين قبل أن يصلا . بما يدل على أن جواسيس أبى جعفر المنصور تحيط بمحمد النفس الزكية.

اجمالي القراءات 2405