موت المسيح وعودة الضمير

آحمد صبحي منصور في السبت ١٥ - أغسطس - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

موت المسيح وعودة الضمير

مقدمة :

1 ـ جاءنى هذا السؤال ، والاجابة تحتاج الى مقال .

2 ـ السؤال يقول : ( توجد مواضع في آيات ألقرآن ألكريم يكون فيها من ألصعب ألجزم بعائديه ألضمائر فيحصل نتيجه ذلك أرباك من فهم ألمعنى ألمقصود من ألآيه.

على سبيل ألمثال في ألآيه ألتاليه :(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا). عندما يقول "ألذين أختلفوا فيه لفي شك منه" هل ألمقصود أختلفوا على مقوله ألقتل من عدم ألقتل وهل شكوا من شخصيه ألقتيل عيسى ألحقيقي أم شكوا في مقوله ألقائلين بقتل عيسى ألحقيقي وليس ألمزيف? وفي آيه لاحقه يقول (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا).هل ألمقصود هنا أن جميع أهل ألكتاب يؤمن بعيسى ألحقيقي قبل موت ألكتابي أم يؤمن بمقوله أن عيسى قتل ? السؤال هو هل توجد قاعدة نحويه قرآنيه نستطيع بها تمييز عائدية ألضمائر داخل ألآيات ? هناك آيات تستخدم ضمائر عائديتها ترجع لآيات سابقة لها بمسافه بعيدة فكيف بالمستطاع ألتيقن من معانيها من خلال معرفه عائدية ألضمائر ألواردة في ألآيات مع ألشكر...)

3 وأقول :

أولا :

1 ـ منشور لنا في الموقع ( كيف نفهم القرآن الكريم ) وفيه تحديد المصطلح القرآنى من داخل القرآن نفسه وليس من خارجه ، ثم تتبع الموضوع في الآية في سياقها المحلى ما قبل الآية وما بعدها وفى سياقها العام الموضوعى في موضوع الآية في القرآن كله .  وبهذا يتم حل مشكلة الضمائر وعودها على ما قبلها .

2 ـ وقلنا كثيرا إن القرآن الكريم فوق ( علم النحو ) الذى ظهر مع الخليل بن أحمد ثم تلميذه سيبويه في العصر العباسى . ونتمنى أن يتوفر لنا وقت لإكمال كتاب عن هذا.

ثانيا :

عن عودة الضمير  

في السياق المحلى للآيات نتتبع عودة الضمير ، وهو كالآتى :

1 ـ يعود على ( اهل الكتاب / بنى إسرائيل ) في قوله جل وعلا : ( يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّـهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴿١٥٣﴾ وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ﴿١٥٤﴾ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّـهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّـهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿١٥٥﴾ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ﴿١٥٦﴾ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ) 157 ) ، هم الذين ( سألوا ) وهم الذين ( قالوا ) وهم الذين :( اخذتهم الصاعقة بظلمهم والذين اتخذوا العجل بكفرهم وهم الذين رفع الله جل وعلا الطور ..وهم الذين إفتروا على مريم ، وهم الذين قالوا انهم قتلوا المسيح مع إعترافهم بأنه رسول الله .

2 ـ ثم يعود الضمير المفرد على عيسى وضمير الجمع الى بنى إسرائيل ، في قوله جل وعلا : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿١٥٧﴾ بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٥٨﴾ 

3 ـ ويجتمع عود الضمير على اهل الكتاب بالجمع وعلى المسيح بالمفرد في قوله جل وعلا : ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ﴿١٥٩﴾ النساء ) هنا في ( لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) أي من أهل الكتاب من يؤمنن ( بأسلوب التأكيد ) بالمسيح رسولا نبيا ، ويوم القيامة سيكون المسيح عليهم شهيدا .

4 ـ ثم بعدها في الآيات التالية عود الضمير على أهل الكتاب في قوله جل وعلا عن الظالمين والمؤمنين منهم : ( فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ كَثِيرًا ﴿١٦٠﴾ وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿١٦١﴾ لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ۚ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ۚ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿١٦٢﴾ النساء ).

5 ـ بإيجاز : عودة الضمير واضحة بيّنة ، فالقرآن الكريم كتاب ( مبين ) وآياته ( بينات ) ( مبيّنات ).

ثالثا :

الاختلاف بينهم

1 ـ قال جل وعلا : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴿١٥٧﴾ بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿١٥٨﴾. هنا التأكيد على :

1 / 1 : أنهم ما قتلوه يقينا وبالتالي فما صلبوه .

1 / 2 : رفعه الله جل وعلا اليه ، بما يفيد أنه جل وعلا أنقذه منهم بالموت العادى وليس بالقتل .

1 / 3 : الاختلاف بينهم يحكمه الشّكُّ والظن بغير علم ، وهو يمتد الى كل شيء .

2 ـ الأساس في الاختلاف في ناحيتين :

2 / 1 : ناحية أشار اليها رب العزة جل وعلا في القرآن وليست مذكورة في (سيرة المسيح ) في الأناجيل ، تلك التي كتبوها بعد موته عليه السلام . وهى صراع مُسلّح دار بين عيسى وأتباعه من جانب وأعدائه من جانب آخر. وقد إنتصر فيها عيسى والمؤمنون ، قال جل وعلا للمؤمنين في المدينة في عصر النبى محمد عليه السلام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ) الصف 14  ).

2 / 2 : تقديسهم لعيسى عليه السلام بعد موته ، وما نجم عن هذا من إختلاف في المسيح : هل هو إله كامل ؟ أم يجمع بين الألوهية والناسوتية ؟ ، ثم إختلاف في تحديد مدى الناسوت اللاهوت فيه ، أي مدى البشرى واللاهوتية ، ومدى الاختلاط بينهما . تشعبت الخلافات وعُقدت من أجلها المجامع ، وتمسك المصريون بالطبيعة الألوهية الواحدة للمسيح مخالفين للرومان ، وإضطهد الرومان المسيحيون المصريين المسيحيين ، وظل هذا حتى ظهور خاتم النبيين محمد عليه وعليهم السلام ولا يزال . وهناك من تمسك ببشرية المسيح ، وأن له طبيعة واحدة هي البشرية . الاختلاف في طبيعة المسيح وصل الى موضوع ولادته وموته والزعم بقتله وصلبه ، وأنزل الله جل وعلا الرّد على من زعم ألوهية المسيح ( ألوهية كاملة ) أو ناقصة جزئية . قال جل وعلا :  

2 / 2 / 1 :  ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ) ( لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا )  النساء 171 : 172 )

2 / 2 / 2 : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) ( قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ ) المائدة 72 : 77 ).

رابعا :

المسيح سيكون شاهد خصومة على من عايشهم فقط .

1 ـ قال جل وعلا : (وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا).

2 ـ بعض أهل الكتاب مؤمنون ببشرية المسيح ، منهم من كان في عهده ، ومنهم من لا يزال يعيش فيعصرنا . قال جل وعلا عن أهل الكتاب فيسورة آل عمران  :

2 / 1 : ( لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ) ( يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ) ( وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ) آل عمران 113 : 115 ) . جاء هذا بالجملة الاسمية التي تفيد الثبوت ، أي موجودون دائما .

2 / 2 : ( وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) آل عمران 199 ). جاء هذا بأسلوب التأكيد.

المستفاد أن المؤمنين ببشرية عيسى مستمرون .

3 ـ ولكن عيسى يوم القيامة سيكون شاهد خصومة على الذين عايشهم فقط . وهذا معنى الشهادة ، أي أن تكون شاهدا معايشا وليس غائبا . قال جل وعلا عن شهادة عيسى : ( وَإِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّـهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿١١٦﴾ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾  المائدة ) .يلفت النظر هنا :

3 / 1 : حصر شهادته بمن عاصرهم فقط  ، والإشارة الى وفاته : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾ .

3 / 2 : موضوع الشهادة هو تأليههم المسيح وأُمّه .

3 / 3 : التبرؤ الكامل للمسيح منهم فلا يهمه تعذيبهم أو الغفران لهم . لم يقل ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْغفور الرحيم ) حتى يكون متعاطفا معهم ، بل قال : ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿١١٨﴾   )

خامسا :

كل نبى سيأتى يوم القيامة شاهد خصومة على قومه الذين عايشهم .

1 ـ قال جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام  عن قومه :  

1 / 1 :(  فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَابِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴿٤١﴾ النساء )

وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿٨٤﴾ النحل

1 / 2 : : ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ  ) ﴿١٥﴾ المزمل )

1 / 3 : موضوع شهادة المسيح عليه السلام على قومه الزعم بتألييهه وأُمّه . موضوع شهاد النبى محمد عليه السلام هو التبرؤ من الأكاذيب التي نسبوها اليه ، أي ما يخص القرآن الكريم . قال له جل وعلا :

1 / 3 / 1 : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴿٨٩﴾ النحل ). موضوع شهادته هنا هو تبيان القرآن الكريم لكل شيء يحتاج التبيان ، بالتالى فلا مكان لافتراءات السُنّة والأحاديث .

1 / 3 / 2 : وعن إتخاذهم القرآن مهجورا : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا)

( الفرقان  30 : 31 )

 سادسا :

عن موت المسيح ووفاته :

1 ـ وفاة المسيح جاءت فيما سيقوله يوم القيامة ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴿١١٧﴾ . الوفاة تعنى توفية العُمر والرزق والعمل . هذا ينفى زعمهم بنزول المسيح آخر الزمان . وسنتعرض لهذا بعونه جل وعلا لاحقا .

2 ـ موت المسيح يؤكده قوله جل وعلا :

2 / 1 : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ  ) وتكررت ثلاث مرات في : ( آل عمران 185  )(

  الأنبياء 35 ) ( العنكبوت 57 ). وعيسى ضمن الأنفس .

2 / 2 : عن المسيح بالذات نقرأ في سورة ( مريم ) عن معجزة ولادة النبى يحيى من ( زكريا ) عليه السلام وهو شيخ كبير في العُمر وزوجة عقيم . بعدها قال جل وعلا عن يحيى عليه السلام : (  يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ) ( وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا ) ( وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا ) ( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا ) بعدها جاء الحديث عن معجزة ولادة عيسى عليه السلام :  (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا ) ) مريم 12 : 16  ) الى ما نطق به عيسى في المهد : ( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ) ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ) ( وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا ) ( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ) ( ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ ) مريم  30 : 34).

عن موت( يحيى ): ( وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا )، وعن موت عيسى : ( وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ).

3 ـ قوله جل وعلا عن عيسى : ( بَل رَّفَعَهُ اللَّـهُ إِلَيْهِ ۚ) ﴿١٥٨﴾ النساء ) يفسره قول الله جل وعلا :عن إدريس عليه السلام : ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ) ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ) مريم 56 : 57 )   

4 ـ أخيرا :

4 / 1 : لا ننسى قوله جل وعلا بصيغة التأكيد : ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا). الكلام هنا عن بعض أهل الكتاب الذين عايشوا المسيح والذين سيكون عليهم شهيدا يوم القيامة . الضمير في ( موته ) يعود على المسيح ، وقد جاء بالمفرد. فالمسيح مات . لو كان الضمير يعود على ( اهل الكتاب ) لكانت الصياغة  ( وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِم وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)..

4 / 2 : وقال جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام : ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ) أي لا خلود لمن سبقه ومنهم عيسى عليه السلام ، لأن : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ )( الأنبياء 34 ، 35 ).

 المقالات القادمة عن خرافة نزول المسيح .

اجمالي القراءات 2772