من صاحب الإسراء ، وأين المسجد الأقصا ؟

سامر إسلامبولي في الأربعاء ٠٤ - يوليو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

المسجد الأقصى ليس القبلة الأولى

قال تعالى(سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركناحوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) (الإسراء 1)

قيل: إن النبي موسى هو صاحب الإسراء وذلك لان النص الذي يلي نص الإسراء ذكر النبي موسى! 

والصواب إن الإسراء قد تم للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) في مكة ، واختلف بعملية الإسراءهل كانت حقيقة بالنفس والجسم ، أم بالنفس فقط !؟

- فأصحاب رأي الإسراء بالنفسكان دليلهم هو عدم مغادرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) مكة أبداً منذ أن تماصطفاءه للنبوة ، وتكليفهُ بالدعوة.

- أما أصحاب رأي الإسراء بالنفس والجسم ،فدليلهم هو النص القرآني ذاته ، فقالوا : الأصل في الخطاب القرآني الحقيقة ، وليسالمجاز ، والله - عز وجل - يقول : [ أسرى بعبده ليلاً ] فمعنى ذلك أنه فعلا قد تمالإسراء حقيقة ، والقول بأن الإسراء تم بالنفس أثناء النوم ؛ قول ضعيف ، ولا قيمةله ، لأن الرؤية تصير ذهنية ، وهذه الرؤية الذهنية لا يعول عليها ، ولا يَعتدُّ بهاصاحبها ، ولا يقول ذهبت في رحلة ؛ ورأيت آيات الله - عز وجل - ، بخلاف الرؤية الواعية فهي متعلقة بوجود موضوعي حقيقي ، يترتب عليها أمور كثيرة على صعيد النفسوالعقل ( لنريه من آياتنا).

وبعيداً عن التأثر بكلي الرأيين ، لنناقش المسألة بصورة موضوعية.

- أولا: ينبغي أن نثبت أن النص يتكلم عن عملية إسراء قد تمت في الواقع حقيقة ؛ وليست مناماً ، والرأي الذي يقول بالنفس دون الجسم رأي غير صواب.

- ثانياً : الإسراء رحلة معرفية إدراكية تمت ليلاً ، كما ذكر نص الإسراء (1)،وآيات سورة النجم (1-10 )

- ثالثاً : صاحب الإسراء هو النبي محمد(ص) بدليل كلمة ( بعبده ) ، والضمير يعود إلى جهة معروفة ، وبدليل الآيات في بداية سورة النجم ( فأوحى إلى عبده ما أوحى ) (النجم 10)

أما جهة الإسراء ؛ فهي ليست المسجد الأقصى المعروف في القدس (إيلياء ) ، وذلك لمجموعة أمور:

1- الإسراء كان رحلة كونية معرفية إدراكية ، لرفع المستوى المعرفي للنبي ، ولرفع معنوياته الإيمانية ، وإكرامه ، ( لنريه من آياتنا ) ، وذلك ليعود داعياً إلى الله بقوة ، وثقة كبيرة.

2- المسجد الأقصى المعروف الآن ؛ لم يكن موجوداً سابقاً ،فقد بناه صلاح الدين الأيوبي عندما حرر فلسطين من الصليبيين على أنقاض كنيسة القيامة ، التي بناها الصليبيون على أنقاض مسجد بني أمية ، الذي تم بناءه عوضاً عن المُصلى الذي بُني بأمر من عمر بن الخطاب حينما فتح إيلياء على أرض كان يُرمى فيها القمامة ، فهي أرض مهملة لا صاحب لها ، فاسم المسجد الأقصى أطلقه صلاح الدين الأيوبي على المسجد الذي بناه تيمناً بورود المسجد الأقصى في القرآن.

والقدس ،أو بيت المقدس اسم أطلقه الاخمينييون على إيلياء ، وكانت معروفة المنطقة بين سكانها باسم إيلياء ، هكذا ورد اسمها في كتاب الصلح والتسليم بين عمر بن الخطاب ؛ والنصارى العرب ، أهل المنطقة وسكانها.

3- المسجد الأقصى ، أو بيت المقدس ، أو القدس ليست هي قبلة اليهود ، ولا النصارى ، فاليهود يستقبلون بصلاتهم جهة الشمال ،والنصارى تتجه إلى جهة الشرق ،( قبلة فلكية ) ، هكذا تم بناء معابدهم ، و كنائسهم.

4- النبي محمد (صلى الله عليه وآله ) كان يتجه في صلاته في الفترة الأولى إلى الجهة التي كان يتجه إليها اليهود في صلاتهم - ربما لتأليف قلوب اليهود- ، وفتنة وابتلاء لأتباع النبي لمعرفة مستوى الولاء والإيمان عندهم ، وقد نزل الأمر باستقبالها خارج النص القرآني ، وذلك لأنها تشريع ظرفي ؛ غير دائم ، وبعد ذلك نزل النص القرآني الذي أرجع القبلة في الصلاة إلى أصلها( المسجد الحرام)

وجهة الشمال للمدينة المنورة جغرافياً ، يحدها امتداد أرض الحجاز والأردن وقسم من العراق، وسورية ، أما فلسطين ؛ فهي في جهة الشمال الغربي بالنسبة للمدينة . انظر للخبرالذي أورده البخاري ومسلم في صحيحهما ، عن ابن عمر قال : ( بينما الناس بِقبا فيصلاة الصبح إذ جاءهم آت ، فقال : إن النبي ( ص) قد أُنزل عليه الليلة قرآن ، وقدأُمر أن يستقبل القبلة ، فاستقبلوها ، وكانت وجوههم إلى الشام ، فاستداروا إلىالكعبة).

 5- لا يوجد تحت المسجد الأقصى إلا أنقاض الآثار الإسلامية ،والأيوبية بالذات ، وتحتها أنقاض مسجد بني أمية ، فلا وجود لهيكل سليمان ، ولالغيره ، وهذا يدل على زيف ووهم النظرية اليهودية !، وخاصة أنهم إلى الآن لم يجدوا شيئاً رغم الحفريات المستمرة ، وحرصهم على ذلك ، بل لقد عثروا على أثار إسلامية ،وعلى افتراض وجود هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى ؛ فلاعلاقة لليهود بذلك أبداً ، لأن النبي سليمان هو لبني إسرائيل ؛ ولا علاقة لليهود ببني إسرائيل ، وبالتالي ؛ نحن أصحاب الهيكل – إن وجدوه

6-   كون فلسطين في جهة الشمال الغربي بالنسبة للمدينة ، وكان النبي يتجه في صلاته إلى الشمال حصل التباس فيما بعد ، وتم دمج جهة الشمال مع المسجد الأقصى للتقارب في الجهات.

7- إن النص يذكر صفة البركة في المسجد ذاته ، وحوله (إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ) ، والبركة تدل على النماء والزيادة ، التي يترتب عليها الحفظ والأمن ، والسلام ، والسؤال الذي يفرض ذاته هو، أين البركة في المسجد الأقصى الحالي؟!

8- إن النص قد ذكر سبب الرحلة (لنريه من آياتنا ) ، فأين الآيات التي رآهاالنبي في طريق رحلته ، أو عندما وصل إلى المسجد الأقصى الذي لم يكن له وجوداً في زمانه !؟

بناء على ما تم ذكره من نقاط يُستبعد أن يكون المقصد بالمسجد الأقصىالمذكور في القرآن ، هو مسجداً موجوداً في فلسطين ، ومن باب أولى استبعاد وجوده في سيناء ، التي هي جزء من سورية الكبرى ، وامتداد طبيعي وجغرافي لها ، ناهيك عن أن كلمة ( الأقصى ) ليست اسماً ؛ وإنما هي صفة تدل على البُعد الشديد ،فإذا كان المسجد الحرام هو نقطة بداية الإسراء من كوكب الأرض ،والنص القرآني كوني ؛ يكون المسجد الأقصى ؛ نقطة بعيدة في أرجاء الكون ، يتحقق فيها عملية السجود الكوني ! ولعلها الثقب الأسود كونه يُخَضِّع كل شيء يدخل مجاله حتى الضوء.

وأحداث النبي إبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف إلى موسى، وبني إٍسرائيل ، كلها كانت محصورة في منطقة شبه جزيرة العرب ، والعراق وبلادالشام ، لم تمتد ، أو تدخل إلى أراضي مصر الحالية ، التي كانت معروفة باسم (القبط)، كما ورد اسمها في الكتاب الذي بعثه النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) ووجهه بقوله : (إلى عظيم القبط ) ، مع استثناء أرض سيناء ، وإلحاقها بسورية الكبرى ؛(بلاد الشام ) ، فهي جزء من قارة آسيا ، وهذا يُبطل المشروع السياسي اليهودي في التفكير بدخول مصر أو ضمها ، على افتراض أن اليهود هم بنو إسرائيل ، فكيف وهم منتحلون هوية بني إسرائيل ؟!!.

وبالتالي ؛ لا بد من إعادة دراسة التاريخ اعتماداً على القرآن ، وإسقاطه على أرض الواقع دون التأثر بوجهات نظر اليهود ، أو التقسيمات السياسية ، والاعتماد على العلم ، وذلك لمعرفة المقصد من دلالة جملة [المسجد الأقصى] المذكورة في القرآن ، التي تشير دلالتها(لنريه من آياتنا ) إلى إسراء كوني ، وإعادة ترتيب أوراق تاريخ الأمة ، وأولوياتها العملية للنهضة بها ، وفق رؤية ثقافية واقعية دون أن يستغلها أحد ، أو يوجهها لمصلحة ما ، أو يستخدمها عصا لضرب الآخر !، وإجهاض المؤامرة التي تحاك ضد الشعوب العربية الإسلامية ، التي هي على ملة النبي إبراهيم ، بمراحلها التاريخية الثلاثة المتكاملة ؛ أتباع النبي موسى ، وأتباع النبي عيسى ، وأتباع النبي محمد (المسلمون)، وتوقيف التعبئة والشحن للأمة ، ورفع نظام الطوارئ عنها.

و نفي القبلة الأولى عن المسجد الأقصى الحالي ، لا يقلل من قيمة النضال ، والمقاومة لتحرير الأرض والإنسان من الكيان اليهودي الغاصب ، فالمعركة قائمة بين الحق والباطل ، وبين العدل والظلم ، والقيمة للإنسان المتمثلة بحريته وكرامته.

اجمالي القراءات 34897