معركة ( أُحُد ) في تدبُّر قرآنى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٤ - يونيو - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

  معركة ( أُحُد ) في تدبُّر قرآنى

مقدمة : ( سأل الأستاذ عبد الله أمين عن قوله جل وعلا : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلاَ تَحْزَنُواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ال عمران ) .

هذا يستلزم تدبرا قرآنيا عما جاء فيما يُعرف بموقعة ( أُحُد ).  

أقول مستعينا بالرحمن جل وعلا :

أولا : الأموال والغنائم هي القضية الأساس :

نتتبع الموضوع تاريخيا كالآتي :

1 ـ أخرجت قريش النبى والمؤمنين من دارهم وأموالهم . هناك مهاجرون قال جل وعلا عنهم : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ (8) الحشر ). كانت لهم في مكة أموال وديار ، تركوها ابتغاء الله جل وعلا فأصبحوا في المدينة فقراء بعد أن كانوا أغنياء .

2 ـ استولت قريش على بيوت المهاجرين وأموالهم ، ومنها أسهمهم في رحلة الشتاء والصيف. وأصبحت قريش تتاجر بما نهبته من أموال النبي محمد عليه السلام والمهاجرين . هذا بالإضافة الى غارات كانت تقوم بها قريش على المدينة تسلب وتنهب في وقت كان المؤمنون مأمورين بكفّ اليد عن القتال .

3 ـ بعد الاستعداد القتالي نزل الإذن للمؤمنين بالقتال ، وكانت أول معركة هي التعرض للقافلة التي تتاجر بأموالهم .

4 ـ انتصر المؤمنون وحازوا غنائم لأول مرة . نتصور جدالا حدث حول توزيع الغنائم ( الأنفال ) هل الأحق هم المهاجرون الذين صادرت قريش أموالهم ، ومنهم من لم يشارك في القتال أم الأنفال من نصيب المقاتلين فقط ومنهم بعض الأنصار . لم يكن الوحى قد نزل بشأن توزيع الأنفال ، وقد سألوا النبى محمدا ، ونزلت الإجابة في سورة الأنفال ( الغنائم )

5 ـ سورة ( الأنفال )  بدأت بأن الغنائم لله جل وعلا ورسوله ، مع الأمر بالتقوى والنهى عن النزاع إن كانوا مؤمنين ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) الانفال ). نلاحظ قوله جل وعلا لهم : ( إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ) . أي هو موقف يظهر فيه الايمان الحقيقي .

ثم جاء توزيع الأنفال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) الانفال ) . نلاحظ قوله جل وعلا لهم : ( إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ) . ثم الإذن لهم بالأكل منها حلالا طيبا مرتبطا بالتقوى:( فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)الانفال )

6 ـ ثم جاءت قريش بجيش جرّار لتثأر لهزيمتها . من لم يحضر من المؤمنين الانتصار في بدر تشوّق للخروج لمواجهتهم في ( أُحُد ) يريد ثواب الآخرة ، وهناك من تشوّق للقتال يبتغى الدنيا أي الأنفال والغنائم ، وقد نسى ما قاله جل وعلا من قبل في سورة الأنفال .

قال جل وعلا في سياق الحديث عن موقعة ( أُحُد ) : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ) (152)) يهمنا هنا قوله جل وعلا وهو الأعلم بالسرائر:( مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ).هذا كان سبب الهزيمة للمؤمنين .

ثانيا : التفصيلات القرآنية عن معركة ( أُحُد ) في سورة آل عمران :

العبرة والعظة

1 ـ طبقا لمنهج القصص القرآنى فالتركيز على العبرة والعظة ، وفى هذا الاطار تأتى التفصيلات . لذا لم يأت وقت المعركة ولا مكانها ولا حتى اسمها ، ولا أسماء الأشخاص الذين قالوا كذا أو فعلوا كذا .   

2 ـ من البداية قال جل وعلا : ( هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138).  

3 ـ وتتالت آيات العظة والعبرة في قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلْ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)

4 ـ وقال جل وعلا : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) ( 165) . هم المسئولون عن الهزيمة لأنهم نسوا ما جاء في سورة الأنفال.

بعض تفصيلات المعركة

1 ـ النصر من الله جل وعلا مشروط بأن يكون القتال في سبيله نُصرة الله جل وعلا ، وليس من أجل الغنائم والأموال . وهذا ما جاء في سياق آيات الإذن بالقتال ، قال جل وعلا : ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ) ، وتكرر في قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)  محمد ) . وجاء في سياق هذه المعركة قوله جل وعلا للمؤمنين : ( إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ (160). أي هو وعد مشروط ، وعد بالنصر مشروط بأن يكون القتال في سبيله جل وعلا وليس في سبيل المال.

2 ــ وعليه َنفهم قوله جل وعلا في بعض تفصيلات المعركة : ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) . صدقهم الله جل وعلا وعده لهم بالنصر فأخذوا يقتلون الكفار منتصرين عليهم ، ثم تبدّل الأمر حين انكبّ فريق منهم على غنائم الكافرين الهاربين ، فحدث الاختلاف والتنازع والفشل ، وعصوا أمر الرسول بعدما أراهم الله جل وعلا ما يحبون من النصر. وكان الابتلاء الإلهي لهم إذ كفّ بأسهم عن الكفار . وعفا رب العزة عنهم .  

3 ـ وقال جل وعلا عن حالهم عند الهزيمة : ( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ) . كان هروبهم غير منظّم ، أصعدهم الهلع الى ثنايا جبل أُحّد ، وهربوا في كل اتجاه لا يلتفتون الى نداء الرسول لهم ، فأصابهم غمُّ مُضاعف . فيما بعد رزقهم الله جل وعلا بنوم غشيهم فأراحهم .

4 ـ وقال جل وعلا عن الذين تسببوا في الهزيمة وكانوا أوائل الهاربين : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155). استزلّهم الشيطان بالحصول على الغنائم وإرادة الدنيا وعصيان الرسول . ولقد عفا الله جل وعلا عنهم.

5 ـ وقال جل وعلا : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145). وقت الهرج والمرج كان النبى يقاتل لم يهرب ، وكان ينادى عليهم ، وتكالب عليه المشركون ، وشاع بين المؤمنين أنهم قتلوا النبى محمدا ، فيئس بعضهم ، فقال جل وعلا يوضح حقيقة هامة : أن أجل النبى لم يحُن بعدُ ، الموت هو كتاب مؤجل . ودين الله جل وعلا ليس مرتبطا بحياة شخص أو موته ، فالقرآن هو الرسول المستمر بعد موت النبى والى قيام الساعة.

6 ـ في تطور لاحق تراجع بعض الفارّين وقاموا بهجمة مضادة ، خشى جيش قريش من أن يضيع إنتصاره السريع ، وقد رأوا من قبل في بداية المعركة كيف انتصر عليهم المؤمنون ، وأن المؤمنين هم الذين هزموا أنفسهم بسبب الغنائم ، لذا أسرع جيش قريش بالانسحاب ، صمّم بعض المقاتلين المؤمنين الجرحى على مُطاردة جيش قريش ، قاموا بالمطاردة ولم يمسسهم سوء . جاء هذا في قوله جل وعلا : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)  

بعد الهزيمة

1 ـ في تعزية المؤمنين في موضوع الهزيمة قال جل وعلا لهم : ( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَتَمَنَّوْن الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)

2 ـ المنافقون قبل المعركة تثاقلوا عن الخروج ، قيل لهم قاتلوا في سبيل الله أو دفاعا عن المدينة فتحجّجوا كذبا بأنهم لا يعرفون القتال . كانوا عندئذ أقرب منهم للكفر من الايمان. قال جل وعلا عنهم : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)

3 ـ بعد المعركة والهزيمة وجدوها فرصة للتقوّل .

3 / 1 : كانوا يريدون البقاء في المدينة تثاقلا عن الحرب . فلما حدثت الهزيمة قالوا : لو أطاعونا ما قُتلوا ، وردّ الله جل وعلا بأن موعد وموضع الموت محدد سلفا : (  وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنْ الأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)

3 / 2 : ( الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)

3 / 3 : تأثّر بهم بعض المؤمنين ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإٍلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)

  4 : وردّا عاما على من يتحسّر على القتلى في سبيل الله جل وعلا  قال جل وعلا  : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)) أي هم أحياء في البرزخ يشعرون برفاقهم الأحياء في هذه الأرض ، وأنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

  5 : بسبب ما حدث سارع بعض المنافقين بالكفر القولى والعقيدى ، ولأنه لا يوجد في الإسلام اكذوبة حدّ الردة بل فيه الحرية الدينية المطلقة فإن النبى شعر بحزن على أولئك ، فقال جل وعلا للنبى في خطاب مباشر : ( وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178) .

  6 : وقال جل وعلا للمؤمنين عن خسارتهم في أحُد ، وأنها كانت إختبارا لهم يتبين فيه الخبيث من الطيب : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ ) (179)

  7 : وعن الذين يبخلون قال جل وعلا : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ  يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) آل عمران ).

اجمالي القراءات 4628