كيف نفهم القرآن-2

عمرو توفيق في الثلاثاء ٢٦ - يونيو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم
كيف نفهم القرآن-2

في طليعة المشاكل التي تعاني منها قطاعات واسعة من أمتنا في تعاملها مع القرآن: "القراءة السطحية" لهذا الكتاب المجيد. إنها تتعامل مع القرآن كحروف وكلمات ميتة، وليس كمفاهيم تنبض بالحركة والحياة. إنها تستمع إلى القرآن، وتتلوا آياته ولكن كتمائم سحرية، وطلسمات غيبية، لا يكاد أحد يفهم منها شيئاً. وبذلك أصبح القرآن حروفا بلا معان، وكلمات بلا مفاهيم.
والسؤال - الآن - هو: كيف أصبحت هذه القطاعات هكذا؟ وما هي العوامل الكامنة وراء ذلك؟ والجواب:
1. تشوش الرؤية، فقد ترسخت في أذهان الكثيرين فكرة تعالي القرآن عن الإدراك البشري: "إنه كتاب الله، وهل تستطيع ذرة تافهة في الوجود اسمها الإنسان، أن تصل إلي تلك القمة الرفيعة؟" ولقد تطرف البعض في هذا الاتجاه حتى قال: "إن القرآن كله متشابه بالنسبة إلينا، ولا يجوز لنا أن نتكلم في محكمه." وعندما سأله بعض الحاضرين: "ماذا تقول في قل هو الله أحد؟ هل هذه أيضا تعتبرها آية متشابهة؟" أجاب بأن الأحد ما معناه؟ وما اشتقاقه؟ وما الفرق بينه وبين الواحد، وأطال الكلام في مثل هذا.
وهذا يعني أن قوله تعالى: ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ))، أو قوله: ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)) أو قوله: ((وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى))، وأمثال هذه الآيات هي آيات متشابهة، لا يحق لأحد - أي أحد - أن يحاول فهمها، أو أن يتكلم بها.
2. لقد لعب عدم الاستعداد النفسي للتعمق الفكري دوراً ما في هذا المجال (بالنسبة إلى بعض الأجيال المعاصرة). إنها تبحث عن "سندويتشة" طازجة تستطيع أن تتناولها بسهولة، وأما القضايا الفكرية المعمقة، فهي لا تود كثيراً البحث فيها. إنه عصر السرعة، أليس كذلك؟
ولكن فات هؤلاء أن السطحية في الرؤية والتفكير قد تُرضي شهوات الإنسان، ولكنها كثيراً ما توقعه في أخطاء قاتلة، وفاتهم كذلك أن الملاحظة الدقيقة والتفكير العميق هما الخطوة الأولى التي لا غنى عنها في أية مسيرة حضارية. ولذلك نجد أن عالماً قد يقضي من عمره عشرين عاماً أو أكثر وهو يراقب أمراً قد يبدوا تافها لنا، ولكنه يخرج من ذلك بنتائج هامة وكبيرة.
3. ولا ننسى هنا الأثر الذي تركه ابتعاد الجيل المعاصر عن اللغة العربية الأصيلة، فقد ساهم هذا العامل في عدم فهم هذا الجيل لبعض الآيات القرآنية، لأنه لم يعرف المدلول الحقيقي لبعض الكلمات والجمل القرآنية مما جعله يجهل معنى الآيات التي تضمنت تلك الكلمات والجمل.كما أن للقرآن مصطلحاته الخاصة التي لا تدرك إلا بالتدبر فيه وجمع آياته والتأمل فيها معا.
هل يجوز لنا التدبر في القرآن؟
لكي نجيب على هذا السؤال لابد أن نعود إلى مصدر الإسلام النقي ونستخرج منه الإجابة الحاسمة.
عندما نلقي نظرة سريعة على القرآن الكريم نجد فيه دعوة صريحة إلى التدبر في آياته:
1. في البداية يؤكد القرآن أن الهدف من نزوله هو أن يتدبر الناس فيه، فيقول: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)) ، ذلك لأن من الطبيعي أن يعتبر التدبر الهدف المبدئي لنزول القرآن.
2. وفي سبيل الوصول إلى هذه الغاية جعل الله القرآن كتاباً ميسراً للفهم، وفي هذا المجال يقول القرآن: ((وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِر)) ولأهمية هذا الأمر يكرر القرآن هذه الآية الكريمة في سورة القمر أربع مرات. ويقول أيضاً: ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون)) ، ويقول: ((فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا)).
3. والقرآن ليس فقط يدعو الناس إلى التدبر في آياته، وإنما يطلب منهم أن يمارسوا التدبر العميق أيضاً، كما نفهم من قوله سبحانه:((أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا))
4. ثم يؤكد القرآن: أن هناك "أقفالا" معينة تغلق قلوب البشر، وتصرفهم عن التدبر في آياته، ويقول: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)). ولكن ما هي هذه الأقفال؟ إنها أقفال الجهل والهوى والتهرب من المسؤوليات الثقيلة. وكما كانت هذه الأقفال موجودة قديماً، فهي موجودة حديثاً، ولكن بصور حديثة، وأشخاص جدد، وشعارات جديدة. وعلينا أن نحطم هذه الأقفال، ونفتح قلوبنا أمام نور الله المضيء عن طريق التدبر في الآيات القرآنية الكريمة.
إن القرآن هو رسالة الله إلى الإنسان، كما قال الله سبحانه:
((شَهْر رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاس))
((هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ))
ومن الطبيعي أن تكون الرسالة متناسبة مع فهم المُرسَل إليه.
القرآن يصدر خطاباته - عادة - بكلمة ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ)) أو ((يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا))، أو ما أشبه، وليس صحيحاً أن يوجِّه أحدٌ الخطاب لمن لا يفهم من كلماته شيئاً.
القرآن نزل حجة على الرسالة، وقد تحدى النبي محمد عليه السلام البشر أن يأتوا بسورة من مثله، ومعنى ذلك أن العرب كانوا يفهمون القرآن من ظواهره، ولو كان القرآن من قبيل الألغاز لم تصح مطالبتهم بمعارضته، ولم يثبت إعجازه لأنهم ما كانوا يستطيعون فهمه.
لقد استوعب المسلمون الأولون معاني كثير من الآيات، وفهموها بمجرد نزولها عليهم، باستثناء آيات معينة سألوا النبي ص عنها، ولم يتعاملوا يوماً مع آيات القرآن تعاملهم مع الأحاجي والألغاز.

اجمالي القراءات 14252