المؤسسة الأزهرية: لا هى راغبة ولا قادرة على التطوير

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢٢ - فبراير - ٢٠٢٠ ١٢:٠٠ صباحاً

طالب الرئيس عبدالفتاح السيسى شيخ الأزهر والأزهريين خمس مرات بتطوير الخطاب الدينى، ولا حياة لمن تُنادى - فأذن من طين، والأذن الأخرى من عجين. وتوربما كانت صيحة شيخ الأزهر فى وجه رئيس جامعة القاهرة الذى اجتهد فى محاولة تجديد التراث، «اتركوا التراث بحاله، وابحثوا عن شىء آخر تنشغلون به».

ويذهب الشيخ إلى أن التراث الدينى هو احتكار للمؤسسة الأزهرية، وليس لغير الأزهريين، أو بعبارته غير المتخصصين أن يقربوه. فى شبابنا، وأثناء دراستنا الثانوية والجامعية كان المدرسون والأساتذة يُرددون على أسماعنا، وفى مقررات الدين والتاريخ عبارة: لا كهنوت فى الإسلام، حيث إن علاقة المسلم بالله لا تحتاج إلى وسيط أو شفيع. وكان يتم تأكيد ذلك الاعتقاد خصوصاً حين دراسة الجزء من التاريخ الأوروبى، الذى كانت فيه الكنيسة الكاثوليكية تمارس سُلطات دينية وزمانية، وتُجنى ثروات هائلة من أملاكها وأوقافها، وما تفرضه على رعاياها من واجبات وصكوك مالية وعينية. ووصل بها الأمر إلى إقناع أولئك الرعايا بأنه يمكنهم التكفير عن ذنوبهم الدنيوية بشراء صكوك فى الجنة يدفعون ثمنها للكنيسة فى هذه الدُنيا، مقابل المغفرة لهم فى الآخرة. وهى ما سُميت بصكوك الغُفران، ولكن راهباً شاباً من أحد المقاطعات الألمانية الذى ذهب لاستكمال دراسته الكنسية فى الفاتيكان، بعد عِدة شهور من الدراسة والإقامة فى روما، راعه الممارسات المادية المتعاظمة للكنيسة الكاثوليكية، فبدأ يُثير الأسئلة حول الجذور الدينية، والبراهين التورانية والإنجيلية التى تُبرر تِلك الممارسات المادية للكنيسة. وبدأت أسئلته تُحرج كبار الرُهبان والأساقفة الذين لم تكن لديهم إجابات مُقنعة لأسئلة الراهب الشاب مارتن لوثر، فقرروا فصله من دراسته الكنسية، وإعادته إلى بلاده فى ألمانيا، ولكنه وهو فى طريق العودة، التى كانت تستغرق عِدة أسابيع، كان مارتن لوثر يُجاهر لمن يُصادفهم فى الكنائس وفى الطريق بأسئلته وتذكيره لمن يستمعون إليه بتعاليم المسيح وبالمبادئ البسيطة للمسيحية، والتى تُبشر بالجنة لمن يعملون عملاً صالحاً على الأرض فى هذه الدُنيا. ومع زيادة عدد مَن استمعوا إليه واستجابوا له، قررت رئاسة الكنيسة فى روما فصل مارتن لوثر وتابعيه من الكنيسة الكاثوليكية، وأطلقت عليهم المعترضين أو المحتجين، أو البروتستانت. ومع زيادة عددهم، بدأت الكنيسة فى روما تشعر بخطر مارتن لوثر وتحريضه على رفض شراء صكوك الغُفران. وحرّضت بعض الأمراء والملوك بالتحالف ومُحاربة المحتجين البروتستانت. ودخلت أوروبا حروباً دينية بين مسيحيين من أنصار البابا فى روما، ومسيحيين آخرين من البروتستانت، ودامت تِلك الحروب مائة عام، وتوقفت لعدة سنوات، ثم استؤنفت مرة أخرى لمدة ثلاثين عاماً، إلى أن اجتمع الملوك والأساقفة وعقدوا صُلح وستفاليا، الذى سمح لكل الناس أن يختاروا، بإرادتهم الحُرة، ما يُريدون من معتقدات ومذاهب دينية. لقد أفضنا فيما حدث فى العالم المسيحى للتدليل على أن إصلاح الفكر الدينى، لم يحدث ولن يحدث من المؤسسة الدينية التى تعتبر نفسها محتكرة للحقيقة الإيمانية، وأن ما عداها غير مؤهلين للحديث باسم الدين أو العقيدة أو المذهب. ولا يختلف الأزهريون المسلمون فى ذلك القرن الحادى والعشرين عن أساقفة ورهبان الكنيسة الكاثوليكية فى القرن السادس عشر. فالمؤسسة الأزهرية ممثلة فى شيخ الأزهر د. أحمد الطيب، فى صيحته الغاضبة فى وجه د. محمد عُثمان الخُشت، بأن لا يمس التراب، الذى تراكم خلال خمسة عشر قرناً إسلامياً، دون تجديد أو تطوير، أو تغيير، هو مثله مثل بابا الفاتيكان فى روما، الذى صاح فى وجه مارتن لوثر، واتهمه بالعقوق، لمجرد مُساءلته عن أى نصوص دينية فى التوراه والإنجيل تتحدث عن صكوك للغُفران تُباع فى الدُنيا لضمان الجنة فى الآخرة!

إن حقيقة الأمور، كما يؤكدها التاريخ، هى أن التغيير أو التطوير لأى مؤسسة دينية أو سياسية، نادراً ما يأتى من داخلها، لأن القائمون عليها، والمستفيدون منها، يعتبرون أنفسهم حُراساً للمعبد المقدس. وكل مَن يجرؤ على الولوج إليه من خارجه، أو حتى مُساءلتهم من داخله، يكون عاقاً فاسقاً يحق عليه اللعنات فى الدُنيا والآخرة!

ألم يكن ذلك ما حدث لبعض الأزهريين الشباب من كبار مشايخهم –مثل الشيخ محمد عبده، ومصطفى عبد الرازق، وطه حسين، وكذلك لكل من د. فرج فودة، ود. نصر حامد أبوزيد. ورغم أننى لا أريد الخوض فى أمور كنيستنا القبطية، إلا أن الشاهد هو أنها ظلت هى الأخرى فى تعاليمها وطقوسها بلا تغيير خلال الألف سنة الأخيرة من تاريخها، وخاصة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية – من زواج وطلاق ومواريث.

وعودة إلى سِجال فضيلة شيخ الأزهر ورئيس جامعة القاهرة، فالشاهد هو أن كل منهما يمُثل استمرارية قاربت مائة سنة –منذ بدأ السِجال حول الأصالة والمُعاصرة، والطربوش والقبعة، والتراث والحداثة، والتطلع شمالاً عبر البحر المتوسط وأوروبا، أو جنوباً صوب إفريقيا والجزيرة الغربية. وهى ثُنائيات حدية ومُفاضلات وهمية، فواقع الأمر أن الناس فى حياتها اليومية تأخذ من هذا وذاك ما ينفعها أو يُناسب ظروفها. والله أعلم

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 2837