القاموس القرآنى : المصطلحات الحديثة : (1 )( استقلال ، استقال )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٣ - يوليو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى : المصطلحات الحديثة : (1 )( استقلال ، استقال )

مقدمة

1 ـ فى عصرنا تسود السطحية الثقافية وتنعكس على البحث ، فقليلا ما ترى بحثا جيدا ، وإستشرى هذا فيما يخص القرآن الكريم الذى ضاع التدبر فيه بين جمود السلفية وسطحية من تجرءوا على القرآن الكريم بآراء غريبة تدل على جهل فصيح وجرأة عجيبة . وزاد البلوى إتساع الانترنت مجالا لمن يريد التعبير ، وبكثرة المعروض فى الانترنت أخذ الإعلام يبحث عن الغريب ، بغض النظر عن نصيبه من الحق أو الجدية .

2 ـ بعضهم يطعن فى القرآن لأنهم إكتشفوا فيه ألفاظا غير عربية الأصل منها الفارسى ومنها الآرامى والرومى.

3 ـ هؤلاء يجهلون الحقائق الآتية :

3 / 1 : إختلاف ألسنة البشر تبعا للمكان والزمان ، قال جل وعلا : ( وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ ﴿٢٢﴾ الروم ). إختلاف الألسنة يعنى أن تنشق ألسنة عن اللسان الأصل ، ويتوالى الانشقاق والاختلافات . وهذا نراه فى موت ألسنة قديمة وتسلسل ألسنة منها . ونراه حتى فى اللسان العربى حين نراجع القواميس ، ومنها آلاف الكلمات التى ماتت وبادت . ولو قام أحدهم بوضع قاموس للسان العرب اليوم لإختلف كثيرا عن اللسان العربى الذى كان معهودا فى القرن الماضى . الانترنت صنع ألسنة جديدة على مستوى العالم ، وإنتشار اللسان الانجليزى له تاثيره الهائل على ألسنة البشر .

3 / 2 : يلاحظ إستعمال كلمة ( لسان ) بديلا عن كلمة ( لغة ). وكتبنا عدة مقالات عن الفرق بين ( اللغة ) و ( اللسان ). موجزها أن لفظ ( لغة ) أصلها غير عربى هو ( لاجوس ) ، وإستعمال لفظ ( لغو ) فى القرآن الكريم لا يعنى اللسان بل الكلام القبيح المنهى عنه . قال جل وعلا : ( وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴿المؤمنون: ٣﴾   ( وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴿الفرقان: ٧٢﴾  (  وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴿القصص: ٥٥﴾.

فى نفس الوقت يأتى إستعمال ( لسان ) عن لسان القرآن الكريم فى قوله جل وعلا : ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴿١٩٥﴾ الشعراء ). وكل رسالة إلاهية كانت بلسان الرسول وقومه ، قال جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ) ﴿٤﴾ ابراهيم ).

3 / 3 : اللسان العربى ( العربية ) إنشق عن لسان سابق هو الآرامية ، إنفصل عنها وبالتعامل مع الجيران إكتسب ألفاظا ( حضارية ) فى وقتها من الحضارة الفارسية والرومية بالإضافة الى إحتفاظه بألفاظ من أصله الآرامى . لذا نجد فى القرآن الكريم ألفاظا ليست عربية الأصل مثل سندس وإستبرق عن الحرير ، والقسطاس .. عدا أسماء الأنبياء . هذا مع أن تفاعل العرب فى الجاهلية كان محدودا .

3 / 4 : دخل اللسان العربى فى تطور هائل بالفتوحات وتوغلها فى اوطان متحضرة   وتعامل العرب مع حضارات تلك الأمم . وظهر هذا فى العصر العباسى الذى شهد تأليف وكتابة العلوم ، وكان الرواد من ( الموالى ) أبناء الأمم المفتوحة . ساد اللسان العربى وتضخم لأنه إستوعب داخله ألسنة أخرى فإختلف كليا عن ما ألفه وإعتاده العرب قبل الفتوحات . ثم إن تأليف العلوم إستدعى نحت مصطلحات جديدة ، كما أن خلق ديانات جديدة تحمل زورا إسم الاسلام على أنها مذاهب وفرق جعل أتباعها يبتدعون مصطلحات جديدة ، منها ما هو مذكور فى القرآن ولكن غيروا معناه . وبالتالى تباعدت الفجوة بين القرآن الكريم ولسان العرب فى العصر العباسى .  

3 / 5 : تميز اللسان العربى ببقائه حتى الآن بينما ماتت وبادت ألسنة أخرى مثل اللاتينية التى تحولت الى لهجات ما لبث أن صارت ألسنة بنفسها مثل الفرنسية والبرتغالية والأسبانية والإيطالية . بقى اللسان العربى لإرتباطه بالقرآن الكريم وبالصلاة . ولكن ثبات اللسان العربى جعل الإختلاف فى داخله ، بحيث تجد فوارق هائلة بين كتابات المؤرخين من ابن سعد والطبرى الى ابن إياس والجبرتى . والاختلافات أعمق فى تراث الأديان الأرضية من سنة وتصوف وتشيع ، أى هو إختلاف حسب الزمن وحسب الموضوعات . وكلها تخالف وتختلف مع اللسان العربى القرآنى .  ثم جاءت ثورة الانترنت فى قريتنا الكونية بألفاظ لم تكن معروفة من ربع قرن ، وهى فى إزدياد سريع لا يعدله سوى قوة تأثيره فى الناس خصوصا الشباب.

 4 ـ فى القرن التاسع عشر إحتلت انجلترة وفرنسا معظم بلاد المحمديين ، وشهد القرن التالى حركات التحرر والثورات تطالب ب ( الاستقلال ) ، وفى عصور لاحقة صار التحول من النظام الاشتراكى الى الرأسمالى وإزدهار الاستثمار ، خلال هذه التغيرات السريعة نبتت مصطلحات جديدة ، بعضها يخالف مصطلحات القرآن والمعهود من اللسان العربى ، وبعضها له أصل فى القرآن ولكن بمعنى مختلف . وفى باب القاموس القرآن نعرض لبعض مفردات عصرنا . ونبدأ بمصطلح ( الإستقلال )

أولا : الهمزة والسين والتاء فى أول الفعل تفيد الطلب

1 ـ تتكون كلمة ( إستقلال ) من مقطعين : الهمزة والسين والتاء ، وكلمة : قال ).

2 ـ الهمزة والسين والتاء فى أول الفعل تفيد الطلب. ونكتفى بمثلين :

2 / 1 : الفعل ( غفر ) ورد كثيرا فى القرآن الكريم عن غفرانه جل وعلا ، مثل

( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴿آل عمران: ٣١﴾  (  وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿آل عمران: ١٢٩﴾.

ولكن هذا الغفران لا بد من طلبه من رب العزة ، أى بالإستغفار ، ف ( الإستغفار ) هو طلب الغفران . وورد هذا كثيرا فى القرآن الكريم ، مثل :( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴿١٩٩﴾ البقرة ) (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴿آل عمران: ١٧﴾.

2 / 2 : الفعل ( سقى ) مفهوم معناه . وقد جاء فى قصة موسى حين ورد ماء مدين ، قال جل وعلا : ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ ۖ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا ۖ قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ الرِّعَاءُ ۖ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴿٢٣﴾ فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿٢٤﴾ القصص ).

ولكن ( إستسقى ) يفيد طلب السقيا. وجاء هذا أيضا فى قصة موسى حين (إستسقاه قومه ) . قال جل وعلا : (  وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ ۖ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِن رِّزْقِ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿٦٠﴾ البقرة  ) ( وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ ۖ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ۖ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ )﴿١٦٠﴾ الاعراف ).

ثانيا : مصطلح ( إستقلال )

 بالتالى فإن كلمة ( إستقلال ) تفيد طلب .. ( طلب ماذا ؟ ) تفيد طلب القليل . وهذا مخالف تماما لمعنى الاستقلال فى ثقافتنا المعاصرة . الأصل فى الفعل هو (قلّ ) بمعنى القليل . وورد هذا المصطلح فى القرآن الكريم على النحو التالى :

1 ـ ( يقلل ) . قال جل وعلا : (  وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّـهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّـهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴿٤٤﴾ الانفال ) . هنا ( يقلل ) عكس يكثّر .

2 ـ (قلّ ) عكس ( كثر ). قال جل وعلا : ( لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ﴿٧﴾ النساء ).

3 ـ على أن كلمة ( قليل ) ( قليلا ) هى الأكثر ورودا فى القرآن الكريم ، ونعطى أمثلة سريعة . قال جل وعلا : ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِندِ اللَّـهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا )  ﴿٧٩﴾ البقرة  ) ( وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴿البقرة: ٤١﴾  ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًامِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ ﴿البقرة: ٨٣﴾  ( وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّـهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ﴿البقرة: ٨٨﴾.

 4 ـ بالتالى فإن كلمة ( إستقلال ) فى صحيح اللسان العربى تعنى ( طلب القليل ). وهذا يخالف المعهود من قرنين من الزمان وهو أن ( الاستقلال ) يعنى التحرر من المستعمر وتكوين دولة ( مستقلة ) أى حرة .

5 ـ نتذكر هنا أعياد ( الإستقلال ) هنا وهناك ، ونتذكر هتافات المصريين فى اربعينيات القرن الماضى ضد بريطانيا :( الإستقلال التام أو الموت الزؤام ).!

ثالثا : مصطلح ( إستقال )

1 ـ معروف ان فلانا قدم إستقالته أى طلب الإعفاء من عمله . وكان من المصطلحات السابقة أن يقال ( إستعفى ) بدلا من إستقال .

2 ـ ( إستقال ) تعنى طلب ( القول ) من ( قال ) أو تعنى طلب (نوم القيلولة ) .

3 ـ مصطلح ( قال / قالوا / قل ) من أكثر الكلمات ورودا بمعنى ( القول ) .

4 ـ  ولكن كلمة ( قائل ) إسم فاعل من ( قال ) من القول جاءت فى القرآن الكريم ست مرات  فقط . منها خمس مرات من القول ، وهى  :

4 / 1 (  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴿يوسف: ١٠﴾

4 / 2 : (   وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ) ﴿الكهف: ١٩﴾

4 / 3 : ( لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿المؤمنون: ١٠٠﴾

4 / 4  ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّـهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا﴿الأحزاب: ١٨﴾

4 / 5 :(  قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴿الصافات: ٥١﴾

 5 ـ وجاء ( قائل ) مرة وحيدة من القيلولة وهى النوم فى الظهيرة . قال جل وعلا : ( وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴿الأعراف: ٤﴾ . ( قائلون ) أى نائمون وقت الظهر .

6 ـ فمصطلح ( إستقال ) يعنى طلب النوم فى القيلولة أو طلب أن يقول قولا ، وليس الإعفاء من العمل ..

اجمالي القراءات 4117