تتجادلون في حجية السنة، فهلّا ذكرتم لنا قبل ذلك تعريف السنّة؟

يحيى الإلياسي في الجمعة ٣١ - مايو - ٢٠١٩ ١٢:٠٠ صباحاً


تتجادلون في حجية السنة، فهلّا ذكرتم لنا قبل ذلك تعريف السنّة؟



هناك أمر تعجبت منه كثيراً في نقاشاتي مع الذين يقولون بحجية السنة وقد
يجعلها شيوخُهم كلَّ الدين [مثل البربهاري] أو ثلاثة أرباعه [مثل الطيب شيخ
الأزهر].

كنت أسألهم: قد فهمنا أنكم تؤمنون بما تسمونه السنّة. ولكن ما هي السنّة؟
ما هو تعريفها؟ ما هو نصّها؟ ما هي الكتب التي نجدها فيها؟ كنت أعيد هذه
الأسئلة عليهم من دون أن أحصل على إجابات. وكان يبدو أنهم لا يفهمون
أسئلتي هذه البسيطة. وأحياناً كانت توجه إليّ اتهامات قبيحة بسببها.


لنفصِّل.


أولاً: ما هو التعريف النظري للسنة؟

هل هو (كل ما قاله وفعله وقرّره خاتم النبيين)

هذا تعريف سليم وواضح. ولكن مشكلته أننا لو قبلنا به لوجب أن نعترف بأنّ
معظم السنة ضاع! إذ لا يمكن لعاقل أن يزعم أن كتب الأحاديث والروايات
أحاطت بكل ما قاله وفعله وقرّره محمد خاتم النبيين.

أمثلة:
1. هل عندهم نقاشات الرسول كاملة مع كفار قريش؟ [ولا شكّ أنها قيمة جداً]
2. هل يعرفون نقاشاته كاملة مع الخلفاء الأربعة ؟ [وهي أيضاً في غاية الأهمية]
3. ثمّ إن أردنا أن نهتم بما يهتمون به نسألهم: ما الذي تغدّاه الرسول في
   تاريخ كذا؟ وماذا كان يلبس في ذلك اليوم؟ وكم مرة لعق أصابعه فيه؟ وكم
   مرة تطيّب فيه؟...
..

كما ترى يمكننا إضافة أسئلة لا تنتهي.

يتبين من ذلك أن تعريفهم هذا للسنّة لا يمكنهم إنقاذه إلا إذا اخترعوا آلة
للرجوع في الزمن يستخدمونها هي وآلات تسجيل الصوت والصورة لتوثيق كلّ شيء
عن الرسول من بدء البعثة النبوية!


ثمّ: هل يوجد للسنة تعريف محدّد؟ فالتعريف الذي ذكرته هنا غير متفق عليه.
فالجصّاص مثلاً يعرف السنّة هكذا: (سنّة النبي عليه السلام: ما فعله أو قاله
ليقتدى به فيه و يداوم عليه ) [في الفصول في الأصول ج3،ص 235، ط2 وزارة
الأوقاف الإسلامية في الكويت، 1414 هـ - 1994 م]

فهو لا يعتمد التعريف العام للسنة بل يشترط أن يكون فيه صفة الاقتداء
والمداومة. والفرق بيّن! إذ أننا نجد في كتب الأحاديث المعتبرة أموراً
كثيرة ليست للاقتداء [حتى لو كانت مطابقة للحقيقة].


أطالب كل شخص يقول بأنه يؤمن بالسنة أن يعرّفها. أن يبيّن لنا بل لنفسه: ما
هي الأقوال والأفعال التي يجب أن تكون من السنّة في نظره؟


نأتي إلى السؤال الثاني.

--------------------------------------------

ثانياً: ما هو نصّ السنّة الكامل؟

فَلْنتركْ هنا إشكالية التعريف النظري للسنة ولنواجه إشكالية تحديد النص.
فهم يقولون إنهم يؤمنون بالسنّة. فما هو نصّ هذه السنة؟ هل هو مثلاً كل ما
جاء في البخاري ومسلم؟ هل هو كل ما جاء في الصحاح الستة [البخاري، مسلم،
النسائي، أبي داود، الترمذي ابن ماجه]؟ وماذا عمّا جاء في سائر الكتب
التسعة [بقيتها: مسند أحمد، موطأ مالك، سنن الدارمي]؟

هل يعرفون ما يؤمنون به؟

والعجيب أني عندما كنت أسأل هذه الأسئلة كان يجيب بعضهم: الحمد لله كتب
الأحاديث كثيرة! وكأن كثرة كتب الحديث تحدّد لنا نص السنّة التي يزعمون
الإيمان والعمل بها.

سؤالي عن تحديد نصّ السنة كان الكثيرون لا يفهمونه: الكثير من أهل السنة
والكثير من خصومهم! كانوا لا يفهمونه رغم بساطته! وأفضل الإجابات التي
وجدتها كانت هذه من موقع islamqa

(مما يؤسف له أنه لا يوجد حتى الآن كتاب جامع يجمع جميع الأحاديث النبوية
الصحيحة فقط ، وذلك لصعوبة مثل هذا العمل ، واحتياجه إلى جهود جبارة ،
قد لا يقوى عليها أفراد من الأمة.)

https://islamqa.info/ar/answers/177333/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%8A-%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D9%8A%D8%AD%D8%A9


فمن الإجابة يتضح أن ما أطلبه ليس موجوداً! فالمشكلة ليست في وضع الأحاديث
الصحيحة في كتاب واحد بل في تحديدها. فجمع النصوص ووضعها في كتاب واحد
ليس عملاً صعباً يحتاج إلى "جهود جبارة".


فالنتيجة: هي أن كل من يزعم أنه يتبع السنة هو مخطئ! إذ لا يُعرَف حتى
يومنا هذا ما هو نصها. [وهذا بغض النظر عن التعريف النظري لها!]

ثمّ لو أردنا إضافة سؤال آخر قد يكون أسهل: هل يكفي أن نبحث عن الأحاديث
الصحيحة في الكتب التسعة؟ ما أقصده: قد قبلنا أنهم لا يستطيعون اليوم
تحديد الأحاديث الصحيحة. فهلّا أخبرونا إن كانت الأحاديث الصحيحة كلها
موجودة في الكتب التسعة مثلاً حتى نعمل على تنقيتها وغربلتها؟ أم تراهم
سيقولون: لا تكفي الكتب التسعة إذ توجد أحاديث أخرى صحيحة موجودة مثلاً في
صحيح ابن حبان أو في تفسير فلان أو في كتاب الأم للشافعي..


وأمر آخر: هل يوجد كتاب من كتب الحديث أجمع المحدِّثون على صحته؟ حتى
البخاري شكك فيه الدارقطني وابن حجر العسقلاني ومؤخراً الألباني.

--------------------------------------------

ثالثاً: هل يعملون بالأحاديث التي يصفونها بالصحة؟

لنأخذ مثلاً "الحديث الصحيح" [على تقييمهم]:

(اكْتَحِلُوا بِالإِثْمِدِ فَإِنَّهُ يَجْلُو البَصَرَ، وَيُنْبِتُ الشَّعْرَ)


لماذا لا نراهم هم يكتحلون بالإثمد؟ ولماذا لا يأمرون نساءهم به؟ مع أنه
جاء بصيغة الأمر! هل يجب أن نعدّهم طاعنين بالسنّة لأنهم لا يعملون به؟!

وماذا عن إعفاء اللحية؟ لماذا لا يلتزم به شيوخ الأزهر [وغيرهم]؟

أليس مَنْ يقدّس نصاً دون الالتزام به مستهتر بدينه؟!

--------------------------------------------

الخلاصة:

عندنا جدالات كثيرة في "حجية السنة". ولكن قبل الحديث فيها يجب أن يعمل
أهل السنة الذين يقولون بأنهم يؤمنون بالسنة التي هي عندهم 3 أرباع
الإسلام كما قال شيخ الأزهر أو هي كل الإسلام كما قال البربهاري - عليهم
أن يتفقوا على تعريف للسنة وتحديد نصّها.

ثمّ على كل إنسان غير مستهتر بدينه أن يعرف ما يؤمن به!

وما أكثر الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً..
 

اجمالي القراءات 5098