إسرائيل على خطى الدولة الدينية
إسرائيل على خطى الدولة الدينية

أسامة قفيشة في الخميس ٢٥ - أكتوبر - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

إسرائيل على خطى الدولة الدينية

الصورة الدعائية التي اتخذها العالم بأسره هي بأن إسرائيل دولة علمانية يحكمها القانون لا رجال الدين - و هذا صحيح نوعاً ما - ,

قانون الحريات الدينية في إسرائيل هو واقع و ملموس , و لكن لا يمكننا القول بأن الدولة المانحة للحرية الدينية يشترط بها أن تكون دولة علمانية , فعلى سبيل المثال تركيا اليوم يحكمها رجال الدين فهل يمكننا القول بأنها دولة علمانية ! علما بأنها تحترم الحريات الدينية أيضاً ,

و كذلك الأمر في إيران , و في كل مكان تقريباً حتى في قطاع غزة فالأمر مشابه , كلهم يحترمون حرية الدين و يدّعون ذلك , و لكنهم يستأثرون بالسلطة لأنفسهم .

و العامل المشترك بين جميع رجال الدين السياسيين على حدٍ سواء , و باختلاف أديانهم و مذاهبهم نلاحظ بأنهم جميعاً يؤمنون بالحرية الدينية , و لكنهم لا يؤمنون بتبادل السلطات , فما أن يصل هؤلاء لسدة الحكم , نراهم يتمسكون به و لا يتنازلون عنه مهما كان الثمن , و يستأثرون بالحكم و يستميتون بالحفاظ عليه و يدعون أحقيتهم بامتلاكه بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة , و كلٌ حسب بيئته و المناخ السائد حوله , و حسب ظرف المكان .

و ها هي إسرائيل اليوم تسعى لترسيخ الحكم الديني ( وصول رجال الدين لسدة الحكم ) و تطالب بيهودية الدولة , و في نهاية المطاف ليس من السهل على الشعب الخلاص من حكم هؤلاء السياسيين المتدينين ببذاءة .

فها نحن نرى اليوم و بعد 22 عاماً على فوز اليمين الإسرائيلي بزعامة ( ناتنياهو ) على ( شمعون بيريس ) في الانتخابات التي جرت عام 1996 , نرى سياسة الدعاية السلبية التي يمارسها هؤلاء في التأثير على الناخب الإسرائيلي أياً كان , و لا يزال حزب الليكود و معه جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة تنتهج أسلوب الدعاية السلبية من أجل فوزها بأية انتخاباتٍ قادمة ,

و تتمثل دعايتهم السلبية تلك بترهيب المجتمع من عدوٍ قادم لقتل اليهود جميعاً , و هذا الأسلوب و بكل تأكيد كان ولا زال ناجعاً في وصولهم لسدة الحكم كون المجتمع اليهودي مضطرب و قائم على الحروب و الخوف و العنصرية ,

ففوز ( ناتنياهو ) بحملته الانتخابية في ذلك العام و التي شاركه بها ( أريئل شارون ) قد اعتمدت على الدعاية السلبية , فخونت ( إسحاق رابين ) و صورته بأنه خائنٌ للصهيونية , فنشرت صوراً له مرتدياً للكوفية الفلسطينية حيناً , و صوراً بزيّ و شعار ضباط الغيستابو في جيش هتلر حيناً آخر ,

و حتى يومنا هذا يواصل حزب الليكود إنتاج تلك الدعاية و ترويجها , و ها نحن اليوم أمام تلك اليافطات و الصور تنتشر من جديد في تل أبيب و غيرها من المدن , و تبث للجمهور صوراً تتعلق بالإسلاموفوبيا .

كما نلاحظ بأن اليسار الإسرائيلي المتهالك و العاجز و المشلول بات ينتهج نهجهم , فقد تخلى عن دعايته التوعوية و شرع هو أيضاً ببث و نشر الدعاية السلبية , و بدأ نشطاء اليسار ببث صوراً لوزيرة القضاء المتطرفة ( إيلات شاكيد ) و هي تمسك بيدها كلاباً شرسه كي تحمي بها حكمها .

و كما قلنا فالسياسيون المتدينون حين يمسكون بالحكم فمن الصعب عليهم تركه أبداً , و لا يكتفون بالحكم بل يسعون لتغيير حياة الناس و المجتمع على طريقتهم و نمط تفكيرهم ,

من الجدير ذكره هنا , هو أن ( ناتنياهو ) قد استخدم فيديو دعائي , يظهر سياراتٍ ذات الدفع الرباعي و هي تحمل مسلحين يفترض أنهم من داعش , و تلك السيارات تدخل عند مفترق مدينة أريحا و يسألون أين القدس , كما بث خطابا عنصرياً هستيرياً يتباكى فيه للناخب اليهودي ضد العرب و يطلب منهم النجدة و المساعدة ,

و من الجدير ذكره أيضاً , هو أن ( ناتنياهو ) هذا , يعتلي سدة الحكم منذ عام 2009 و حتى يومنا هذا , أي تسع سنوات متواصلات محطماً بذلك الرقم القياسي لجميع رؤساء إسرائيل منذ تأسيسها في العام 1948 , كما نذكر بأنه قد فشلت كل محاولات الإطاحة به خلال تلك الفترة بسبب تجاوزاته القانونية , علما بأن غيره قد أطيح به بسبب بعض التجاوزات التي لا ترقى لمستوى تجاوزات ناتنياهو .

عجيبٌ هو أمر الدين السياسي هذا ! و عجيبٌ مدى تغلغله و تأثيره على نفوس البشر !

اجمالي القراءات 3828