الكفر كُفران

سامر إسلامبولي في الخميس ٣١ - مايو - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الكفر كُفران
إن دلالة كلمة ( كفر ) كما هو معلوم تدل على التغطية والستر . ومن هذا الوجه يقال للفلاح : كافر . لأنه يغطي ويستر البذار في الأرض .
والمدقق في النص القرآني يجد أن دلالة الكفر أتت في صورتين:
الأولى : كفر سلبي : وهو الموقف الذي يتخذه الإنسان تجاه الحق بصورة فردية خاصة به فيقوم بتغطية وستر الحقيقة والتصريح بخلافها . نحو موقف صاحب الجنة . قال تعالى في وصف حاله :
[ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبداً ، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خي&Ne;راً منها منقلباً ، قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا ، لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداً ] الكهف 35-38
فصاحب الجنة قام بعملية كفر الحقيقة عندما وصف جنته بصفة البقاء مع علمه أن البقاء هو لله الواحد فقط ، وما سواه هالك وفان لا محالة ، وإذا دام فإنه يستمد ديمومته من بقاء الله عز وجل وإرادته له بتلك الصفة . فقال له صاحبه : إن هذا التصريح والموقف الذي اتخذته هو كفر إذ كيف تعتقد ببقاء غير الله عز وجل ؟ فهذا الموقف الكفري يوصلك إلى أنه يوجد غير الله يتصف بصفة الأزلية والسرمدية (البقاء) وهذا شرك بالربوبية فهذا الكفر هو لسان مقال صاحب الجنة يترتب عليه شرك في لسان حاله . وهذا الكفر من صاحب الجنة هو كفر سلبي لم يتوجه إلى المجتمع الإنساني ولم يصدر منه عدواناً ولا إجراماً . ومثله أيضاً قوله تعالى [ لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ....] فهذه المقولة هي كفر من حيث الواقع لا شك في ذلك ، فأحدية الخالق المدبر هي حقيقة ثابتة ، وأصحاب هذه المقولة كفروا بقولهم ذلك ، ولكن كفرهم من النوع السلبي الذي لم يرافقه عدوان أو إجرام بحق المجتمعات الإنسانية ، وهذا ينطبق على عامة أهل الكتاب وحسابهم على الله عز وجل ، ونحن نتعامل معهم وفق القيم والأخلاق والعمل الصالح من خلال التعايش الإيجابي والتماسك والنهضة في المجتمع .
ويتابع النص القرآني قوله : [ وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ] المائدة 73
فكل من يقول : بأن الله ثالث ثلاثة فهو كافر بمقولته هذه بخلاف لسان حاله فهي مسألة أخرى تحتاج من صاحب المقولة أن يقف ويتأكد من عقيدته بنفسه وأين هو من مفهوم الثالوث صراحة ، والأمر في النهاية مرتهن بسلوكه لا بقوله . والنص القرآني ذكر [ ليمسن الذين كفروا منهم ] أي يوجد طائفة ممن يقول بمفهوم الثالوث الكفري مصرين على ما يقولون ويدعون لهذا المفهوم الباطل في واقع الحال وينصبون أنفسهم دعاة للثالوث فيضيفون إلى كفرهم القولي السلبي كفراً آخر عملياً دعوياً فهؤلاء ينطبق عليهم [ ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم ] لأنهم تحولوا إلى دعاة للكفر والباطل بخلاف من يكتفي بالكفر في مقاله لنفسه بصورة سلبية . لا يستويان .
الكفر الثاني : هو كفر إجرامي و عدواني .
وهو الإنسان الذي يحول كفره السلبي إلى عدوان وإجرام في سلوكه الاجتماعي .
قال تعالى في وصف هؤلاء : [ إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ...] النساء 178
وقال : [ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ] البقرة 39
وقال : [ إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ] محمد 34
لاحظ مجيء كلمة ( كفروا ) وبعدها ( ظلموا ، وكذبوا ، وصدوا ) فأضافوا لكفرهم سلوك إجرامي ، وبهذا العمل انتقلوا من الكفر السلبي الفردي إلى الكفر الإجرامي العدواني .
وهذا الفرق بين الكفرين هام جداً في التعامل مع الناس والمجتمعات ، إذ صاحب الكفر السلبي شأن خاص به ليس لنا حق أن نحاسبه أو نمنعه، وإنما نحاوره وننصحه ، وحسابه على الله عز وجل ، وله مالنا وعليه ماعلينا من حقوق وواجبات في المجتمع.
أما صاحب الكفر الإجرامي والعدواني فهو لم يتركنا سالمين آمنين ، فقد بدأ بالعدوان والإجرام في حق المجتمع ، فينبغي أن نأخذ على يديه ونمنعه من ممارسة العدوان ، فإذا كف عن إجرامه ورجع عن عدوانه يصير حراً في اعتقاده وإبداء رأيه ولو كان كفراً سلبياً .

اجمالي القراءات 16785