تدبر القرآن ليس مهمة النبى عليه السلام
مقدمة : تعليقا على مقال ( هل كان النبى محمد يعلم كل ما فى القرآن ) سأل الاستاذ صادق على : ( نحن نعلم من خلال آيات القرآن، کل مسلم و مسلمة هما مأموران بأن يتدبرا القران بما فيهما النبي، أليس کذالک؟ ) .
وأقول : تدبر القرآن الكريم ليس مهمة النبى . تدبر القرآن ودراسته مهمة الناس .
والأمر يحتاج توضيحا :
أولا : لو كان للنبى تدبر للقرآن أو كما يقولون ( تفسير للقرآن ) لترتب على ذلك :
1 ـ أن يكون للاسلام مصدران ( القرآن ) و( تفسير ) النبى للقرآن . ويكون مطلوبا الايمان بهما معا. ولكن الايمان هو بحديث الله جل وعلا فى القرآن وحده ( الأعراف 185، المرسلات 50 ، الجاثية 6 : 11 ).
2 ـ مع وجود ( تفسير ) للرسول فلن يجرؤ أحد على كتابة ما أسموه بتفسير القرآن. ولكن كتبوا العشرات من ( التفاسير ).
3 ـ فى العصر العباسى تطرف بعضهم فى الافتراء فكتب ( تفسيرا ) لبعض الآيات ، وزعم أن النبى هو الذى قاله ، وحمل هذا إسم ( التفسير بالمأثور ).وتصدى لهم إبن حنبل فقال كلمته المشهورة : ( ثلاثة لا أصل لها : التفسير والملاحم والمغازى ).
ثانيا : القرآن وحده هو الذى يفسر نفسه .
1 ـ قال جل وعلا : ( وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33) ) الفرقان ) . مصطلح (تفسير ) لم يرد فى القرآن الكريم إلّا فى الآية الكريمة السابقة مؤكدا أن أحسن التفسير هو تفسير القرآن لنفسه بوصفه الكتاب المبين ( أى المبين بذاته ) وآياته ( بينات ومبينات ).
2 ـ ولأنه مبين بذاته فهو بقراءته يكون البشير والنذير . وبهذا جاء وصف رب العزة للقرآن الكريم ، قال جل وعلا :( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) هود) (تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) فصلت )
3 ـ الرسول فى حياته كان بشيرا ونذيرا ، ويستمر القرآن بعد موته نذيرا للعالمين الى يوم القيامة ، قال جل وعلا : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان ) ورحمة للعالمين ، قال جل وعلا : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)الانبياء ). 4 ـ بمجرد قراءته يكون القرآن الكريم نذيرا وبشيرا ، هكذا كان النبى يقرؤه إنذارا وتبشيرا ، لم يكن ينذر أو يذكّر بكلامه بل بآيات القرآن ، قال جل وعلا : ( وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (51) الانعام ) ( وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ ) (70) الانعام ) (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق )
5 ــ وهكذا يفعل كل من يدعو الى الله جل وعلا بالقرآن الكريم وحده ( على بصيرة ) متبعا النبى محمدا بعد موته ، قال جل وعلا : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ) (108) يوسف ). والقرآن الكريم بذاته هو ( بصائر للناس ) قال جل وعلا : (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا ) (104) الانعام ) (هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203) الاعراف ) (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) الجاثية )
ثالثا : وظيفة الرسول هى التبليغ فقط
1 ـ كل الرسل ما عليهم إلا البلاغ ، قال جل وعلا : ( فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35) النحل ) ، وأرسل الله جل وعلا ثلاثة رسل الى قرية فقالوا لأهلها : ( وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (17) يس )
2 ـ وتكرر قوله جل وعلا ( لخاتم المرسلين ) إن عليه فقط البلاغ المبين ـ أى بالكتاب المبين ـ ويأتى هذا باسلوب القصر والحصر ، قال له جل وعلا : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) ) النحل ) ( وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ ) (20) آل عمران ) ( وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) الرعد ) ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ ) (48) الشورى )
3 ـ وتكرر قوله جل وعلا ( عن خاتم المرسلين ) أن ما عليه هو البلاغ المبين ـ أى بالكتاب المبين ـ ويأتى هذا باسلوب القصر والحصر ، قال جل وعلا : (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) النور )( وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (18) العنكبوت ) ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99) المائدة ) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (12) التغابن )
رابعا : تبليغ الرسول يعنى حصر وظيفته فى التبشير والانذار
طالما أن وظيفته التبليغ فقط فالتبليغ يعنى التبشير والانذار بآيات القرآن . ويأتى الاسلوب هنا بالقصر والحصر ، أى فليس الرسول إلا مبشر ومنذر.
1 ـ وهى وظيفة كل المرسلين من رب العالمين ، قال جل وعلا :(وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ) (48) الانعام )( الكهف 56 ) .
2 ـ وهذا ما جاء خطابا مباشرا لخاتم المرسلين من رب العالمين . قال له ربه جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (56) ) الفرقان ) .
3 ـ وتفصيلات التبليغ والتبشير والانذار جاء فى قوله جل وعلا للنبى :( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (8)الفتح ). وفى تفصيل أكثر فى قوله جل وعلا له :(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (45) وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً (46) وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (47) الاحزاب ).
4 ـ وهذا بأن يقرأ القرآن عليهم بمجرد نزوله ، قال جل وعلا عن نزول القرآن متفرقا : (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)الاسراء). أى ليقرأه آياته على الناس كلما نزلت عليه.
خامسا : تدبر القرآن مهمة الناس وليس الرسول
1 ـ وطالما قد تم حصر وقصر مهمة الرسول على التبليغ والانذار والتبشير فإن مهمة تدبر القرآن ليست عليه ، ولكنها على الناس ، المؤهلين للتدبر.
2 ـ ولهذا يأتى التدبر فى سياق دعوة العُصاة المعرضين عن القرآن ليتدبروا القرآن .
2 / 1 : قالها جل وعلا عن المنافقين الذين كانوا يدخلون على النبى يقدمون فروض الطاعة ثم يخرجون من عنده يكذبون عليه ، قال جل وعلا عنهم للنبى : ( وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (81) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (82)) النساء ).
2 / 2 : وقالها جل وعلا عن الصحابة العُصاة : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) (محمد )
2 / 3 : وقالها جل وعلا عن كفار العرب : ( أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمْ الأَوَّلِينَ (68)) المؤمنون )
سادسا : دراسة القرآن مسئولية الناس وليس الرسول :
دراسة القرآن هى تدبره .
1 ـ الربانيون هم الذين يدرسون الكتاب ويعلمونه للناس ، قال جل وعلا : ( وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79)) آل عمران )
2 ـ كانوا يتهمون النبى بأنه ( درس ) الكتب السابقة ، ونزل الرد بأن بيان القرآن فى القرآن ، قال جل وعلا :( وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105) اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ (106)) الانعام )
3 ـ وأخبر رب العزة أن بعض أهل الكتاب درسوا الكتاب ولم يعملوا به ، قال جل وعلا : ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ ) (169) الاعراف )
4 ـ وقال جل وعلا (عن ) الكافرين :( وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) سبأ ).
5 ـ وردا على زعمهم قال جل وعلا ( لهم) : ( أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (37) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ (38) القلم )