القاموس القرآنى : مصطلح : ( إنتهى ) يعنى ( الكفّ التام عن شىء )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٠٤ - مايو - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

القاموس القرآنى  : مصطلح : ( إنتهى  )  يعنى ( الكفّ التام عن شىء )

مقدمة :

1 ـ  الله جل وعلا أنزل القرآن الكريم شفاءا ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ، قال جل وعلا : (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء ).

2 ـ الراسخون فى العلم القرآنى يتبعون منهجية علمية صارمة فى تدبره ، بتحديد المصطلح القرآنى من القرأن نفسه ثم يتتبعون الموضوع من خلال سياقاته المحلية فى الآية وما قبلها وما بعدها ، وموضوعيا يتتبع كل الآيات الخاصة بالموضوع والقريبة منها فى القرآن الكريم كله ، ثم يبحثون هذا جميعه بلا رأى مسبق يريدوون إثباته أو نفيه . الجاهلون لديهم رأى مسبق ينتقون له بعض الآيات التى يوهم ظاهرها توافقا مع هواهم ، ويؤولونها حسب مصطلحاتهم وقواميسهم وثقافتهم ، ويتجاهلون بقية الآيات القرآنية .

3 ـ  ومن ذلك أن  بعض الجاهلين يزعم أن هناك تناقضا فى القرآن الكريم بين قوله جل وعلا : (ِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (53) الزمر ) وبين قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(48) ( 116 )النساء ).

4 ـ يأتى هذا المقال فى الرد على هذا الجهل .

أولا : فى غفران الكفر والشرك :

1 ـ يقول جل وعلا : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) الزمر ) . واضح هنا أن الخطاب للأحياء المسرفين على أنفسهم بالمعاصى والكبائر من الكفر الى ما دونه أن يتوبوا قبل الموت . لأنه إذا ماتوا بلا توبة فأمامهم خلود فى النار ، حيث يندمون لا ينفع الندم . لأنه لو مات أحدهم على كفره فلن يغفر الله جل وعلا له أبدا .

2 ـ الموت هو الفيصل:

2 / 1 : الذى يظل سادرا فى كفره الى أن يموت كافرا لا غفران له وسيخلد فى النار ملعونا ، قال جل وعلا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (162 ) البقرة ).

2 / 2 : وقد كانت قريش بكفرها السلوكى والقلبى تتابع المؤمنين فى المدينة بالهجوم يريدون فتنتهم ـ أى إجبارهم على الردة عن الاسلام . فقال جل وعلا يحذّر المؤمنين : ( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ 217 البقرة ). أى إن المرتد عن الاسلام الذى يموت مرتدا دون توبة سيكون خالدا فى النار . بالمناسبة : أين حدّ الردة المزعوم هنا ؟

2 / 3 : لذا تأتى التوصية للمؤمنين أن يظلوا على إيمانهم متمسكين به حتى الموت ، فى خطاب مباشر قال جل وعلا للمؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) آل عمران ). وهى وصية ابراهيم ويعقوب عليهما السلام ، التمسك بالاسلام حتى الموت : ( وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمْ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) البقرة ) 

3 ـ وإذن فلا تعارض بين قوله جل وعلا (ِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) (53) الزمر ) وبين قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(48) ( 116 )النساء ).

ثانيا : ( الكفّ ) غير : ( الانتهاء )

1 ـ  الغفران للشرك يستلزم من المؤمن فى حياته أن ( ينتهى ) تماما عن هذا الشرك . وليس فقط أن ( يكُفّ ) عن الشرك .

2 ـ  ( الكف ) لا يعنى الانتهاء نهائيا ، إذ يمكن فيه الرجوع والتذبذب . ونعطى أمثلة :

2 / 1 : قال جل وعلا : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) النساء ). المفهوم أن الأمر بالترك كان مؤقتا ، بعده نزل الأمر بالقتال .

2 / 2 : بعض الأعراب المنافقين كانوا يتآمرون على دولة النبى ، يزعمون الاسلام ويدخلون المدينة يتجسسون عليها ، ويغيرون عليها . وبعضهم يزعم الاسلام ويعقد معاهدة ثم ينكث عهده . نزل فيهم تشريع قرآنى ،كان منه قوله جل وعلا : ( سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّ مَا رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُوْلَئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (91) النساء ). هنا موضوع الكف يؤكده أن يلقوا السلم . لأن الكف وحده لا يكفى ، فهم إعتادوا الكف والعودة للإعتداء .

2 / 3 : عن عذاب الكافرين فى الجحيم تأتيهم النار فى وجوههم وفى ظهورهم لا يستطيعون كفّها ، فهى بلا توقف ، قال جل وعلا : ( لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (  39 ) الأنبياء )

3 ـ ( الكف ) عن الشركّ لا يكفى الغفران . لا بد من الانتهاء نهائيا عن الكفر والشرك . قال جل وعلا عمّن أدمن الايمان ثم الكفر ثم الايمان ثم الكفر : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137 ) النساء)

ثالثا : ( الانتهاء ) النهائى : فى الاسلام القلبى العقيدى والكفر العقيدى :

1 ـ لأهل الكتاب :

1 / 1 : عمّن زعم ان الله جل وعلا ثلاثة ( أقانيم ) قال جل وعلا لهم وعظا : ) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا ) النساء 171 ). أمرهم بالانتهاء نهائيا وتماما .

1 / 2 : تكرر هذا فى قوله جل وعلا لهم محذرا وتهديدا : ) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) المائدة 73 ). إن لم ينتهوا وماتوا بهذا فأمامهم عذاب أليم .

2 ـ للمؤمنين سلوكيا بمعنى السلام والأمن دون إيمان حقيقى أو طاعة لله جل وعلا :

 2 / 1 : كان من بين الصحابة كثيرون يعبدون الأنصاب ، أى القبور المقدسة . أمرهم الله جل وعلا بالايمان جل وعلا وحده : ( النساء 136 ، الحديد 7 : 8 ) وأمرهم بإجتناب الرجس من الأوثان فى أوائل ما نزل من المدينة ( الحج 30 ) ، ولكن إستمروا ، فكان من أواخر ما نزل فى المدينة قوله جل وعلا لهم : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ) بعدها قال لهم جل وعلا : ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) إن لم ينتهوا فليتحملوا عقابهم يوم القيامة ، وما على الرسول إلا البلاغ ، قال جل وعلا بعدها : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ) . بالمناسبة : أين حدّ الردة المزعوم هنا ؟

2 / 2 : كان من الصحابة الأثرياء من يطمع فى الفىء ، فنزل قوله جل وعلا يحدد المستحقين حتى لا يكون الفىء متداولا بين الأغنياء : ( مَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر 7 ). أمرهم بالانتهاء عن هذا والالتزام بالطاعة . بالمناسبة : الآية هنا عن الفىء ولا علاقة لها بدين السُّنّة الأرضى .

2 / 3 : كان بعض الصحابة الأثرياء يعطى الفقراء ديونا بالربا ، مع أن الله جل وعلا أوجب لهم ( حقا ) فى الصدقات . أعلن الله جل وعلا عليهم حربا ، وقال عنهم : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة 275 ). من إتّعظ وانتهى نجا ، من لم ينته فهو خالد فى النار .

3 ـ فى التعامل الالهى مع الكافرين المعتدين .

 بعضهم كان ينهى النبى محمدا عن الصلاة لرب العزة جل وعلا وحده ، فتوعده الله جل وعلا بالعذاب إن لم ينته . قال جل وعلا : (  كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ) العلق 15 )

4 ـ فى تشريع القتال الدفاعى ضد الكافرين المعتدين

يكون الانتهاء عن الاعتداء هو الفيصل . إذا إنتهى إعتداؤهم إنتهى رد الفعل القتالى من المؤمنين . لأنه لو إستمر المؤمنون بعد إنتهاء الكفار من الإعتداء يكون المؤمنون معتدين. والله جل وعلا لا يحب المعتدين . ونستشهد بقوله جل وعلا :

4 / 1 : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) . تدبر : ) فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) البقرة 192 ) (فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) .ّ

4 / 2 : وهو نفس التشريع فى قوله جل وعلا : ) قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )( الانفال38 : 39 ). إن إنتهوا غفر الله جل وعلا لهم . إن انتهوا فإن الله جل وعلا بصير بما يعملون .

4 / 3 : وعن قريش وبغيها وغلوائها الذى ظهر فى موقعة بدر قال لهم جل وعلا فى خطاب مباشر :) إِن تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ) الانفال 19 ). إن إنتهوا عن العدوان فهو خير لهم .

4 / 4 :  وحتى بعد فتح مكة سلميا نقض بعض القرشيين العهد وإعتدوا على المؤمنين المسالمين فى الحرم ، فنزل تشريع خاص بمنحهم مهلة الأشهر الحُرُم ( ذو الحجة / محرم / صفر / ربيع الأول ) ليكفوا عن إعتدائهم ، إن لم ينتهوا فيجب قتالهم . زجاء ضمن هذا التشريع قوله جل وعلا : (وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ ۙ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) التوبة 12 ). أى المقصد أن ينتهوا عن الاعتداء.

4 / 5 : فى دولة النبى الاسلامية تمتع المنافقون بأقصى مدى فى الحرية الدينية كفرا وإستهزاءا بالله جل وعلا ورسوله وأمرا بالمنكر ونهيا عن المعروف . وبالحرية فى المعارضة السياسية عصيانا للنبى وتقاعسا عن الدفاع عن المدينة بالنفس والمال وتآمرا على الدولة . كل هذا كان مسموحا طالما لا يرفعون السلاح . إذا رفعوا السلاح وإصطدموا بالمؤمنين فهم ملعونون . قال جل وعلا يحذرهم مقدما من التفكير فى تطوير معارضتهم الى حمل السلاح :( لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ( 60 ) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (61)) الاحزاب ). ( الثقف ) هو الاصطدام الحربى .

أخيرا :

تعامل الكافرين سلوكيا هو أيضا بصيغة ( الانتهاء ) .

1ــ آزر والد ابراهيم هدده بالرجم إن لم ينته عن وعظه ودينه : ( قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ) مريم 46 ).

2 ـ ومن قبل قالها لنوح قومه : (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) الشعراء 116 ).

3 ـ  وقالها قوم لوط : (قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ) الشعراء 167 ).

4 ـ وقالتها القرية الظالمة لرسلهم الثلاثة :  (قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يس 18 ).

اجمالي القراءات 5442