الرقية الشرعية
الرقية الشرعية .. نصب و احتيال باسم الدين

ياسين ديناربوس في الثلاثاء ١٦ - يناير - ٢٠١٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تنتشر في مجتمعاتنا ظاهرة العلاج بالقرآن الكريم بشكلٍ كبير يعكس مستوی عمق غيبوبة الأمة، حيث تمارس أبرز أشكال النصب و الإحتيال باسم الدين من خلال ما يسمی ( الرقية الشرعية )..

هذه التسمية في حد ذاتها استوقفتني غير ما مرة و أنا أتأمل في هذه الظاهرة التي يتم فيها استغلال القرآن الكريم في دجل الدجالين و شعوذة المشعوذين بكل فجور و تعد علی كتاب الله؛ لأن عبارة (الرقية الشرعية)، تستلزم وجود ( رقية غير شرعية)!.. فقولنا (التفاح الأحمر) يشترط وجوبا وجود ( تفاح غير أحمر )، وإلا أصبحت كلمة ( أحمر ) زائدة لا معنى لها!

فهل وجدت رقية ( غير شرعية ) حتی تقوم قائمة لرقية ( شرعية )؟

 

هذا سؤال من عدة أسئلة لم يكلف الرقاة و الشيوخ أنفسهم عناء طرحها قبل أن يتمادوا في إصباغ صفة الشرعية علی الرقية بكل تجاوز علی شرع الله...

يفيد لسان العرب بأن أرقاه تعني تهدئة الإنسان، لذا فإن الرقـية هي التعويذة أوالحماية والوقاية. والـجمع رُقًـى. وتقول اسْتَرْقَـيْتُه فرقَانـي رُقْـية، فهو راقٍ..

قال ابن الأَثـير: الرُّقْـية العُوذة التـي يُرْقـى بها صاحبُ الآفةِ كالـحُمَّى والصَّرَع وغير ذلك من الآفات.

أما اصطلاحا فالرقية هي مجموعة من الآيات القرآنية والادعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأسماء الله الحسنى يقرؤها المسلم على نفسه، أو ولده، أو أهله لعلاج ماأصابه من الامراض النفسية، أو ماوقع له من شر أعين الانس والجن، أو المس الشيطاني أو السحر..

و تكون الرقی عند رجال الدين مشروعة إذا تحققت فيها تلاث شروط:

1- أن لا يكون فيها شرك ولا معصية فلا تكون فيها كلمات تحمل معنى محظورا شرعا.

2- أن تكون باللغة العربية أو مايفقه معناه، أي بلغة يُفقه معناها.

3- أن لا يعتقد الراقي أن الرقية تؤثر بذاتها بل بإذن الله تعالى فالضر والنفع بيد الله، وما الرقية الشرعية إلا سببا في العلاج

و فيما يخص صفة الرقية الشرعية فهي أن يقرأ الراقي علی محل الألم أو علی يديه ليمسح بهما أو في ماء و نحوه.. و ينفث إثر القراءة نفثا خالياً من البصاق...

يدعي الرقاة و الشيوخ المعالجون بالقرآن الكريم أن الرقية تعالج قائمة طويلة من الأمراض و العلل – نفسية و عضوية – علی رأسها الهم و الحزن و الكرب و العين و السحر و تلبس الجن.. بالإضافة للصرع بشتی أنواعه، الشلل و فقدان النطق و البصر و السمع.. ناهيك عن إسهابهم في الحديث عن قدرة الرقية علی علاج مرض السرطان و الجلطات و الرجفات اللائرادية، العقم و عدم القدرة علی الإنجاب، بالإضافة لالتهابات الكبد الوبائي و تشنج العضلات و اضطرابات الجهاز العصبي كالتواء الوجه و غيره..

و تطول لائحة الأمراض التي يتشدق الرقاة بقدرتهم علی معالجتها عن طريق تلاوة القرآن الكريم ضرابين عرض الحائط كل قوانين الطبيعة و المنطق السليم..

هذا المنطق السليم نفسه يتسائل بداهة: 

لماذا إذن تصرف ملايير الدولارات في البحث العلمي لإيجاد أدوية الأمراض المستعصية ؟  لماذا يدرس الطب في الجامعات ؟ و لماذا لا تستعمل الرقية عوض المستشفيات في كل أنحاء العالم ؟

الجواب الكلاسيكي الجاهز يكمن في نظرية المؤامرة التي أصبحت شماعة يعلق عليها العرب و المسلمون فشلهم في معظم المجالات:

الغرب الكافر لا يريد أن يعترف بأن الرقية تشفي الأمراض لأن هذا الإعتراف كفيل بأن يحيل كل سكان العالم إلی مسلمين...

ولا يسع المؤمن العاقل إلا أن يقول بكل الحسرة و الحزن و الأسی علی حال هذه الأمة: سلام.. سلام.. سلام علی العقل !

القرآن الكريم كتاب يشرح نفسه بنفسه، و لو كانت قراءة آيات الذكر الحكيم تشفي من علة ما لقالها رب العالمين صراحة في معرض كتابة العزيز...

غير أن الفقهاء و الشيوخ الذين يؤمنون بقدرة الرقية علی علاج الأمراض أعرضوا عن تدبر كتاب الله و استعاتوا بنصوص من التراث الفقهي تكرس لهم حجية الرقية من قبيل ما كتبه ابن القيم الجوزية في كتابه ( زاد المعاد ) حيث يقول: 

 [.. {وننزل مِن القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين}.. القرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحدٍ يؤهل ولا يوفَّق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه: لم يقاومه الداء أبداً. وكيف تقاوم الأدواءُ كلامَ ربِّ الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال لصدَّعها ؟، أو على الأرض لقطَّعها ؟ فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه فهماً في كتابه.. ] ( انتهی كلام ابن القيم )

هذا غيض من فيض نصوص عديدة تعكس – فيما يبدو لي – فهما سطحيا لكلمة ( الشفاء ) في لكتاب الله الذي لا تفهم كلماته علی حقيقتها إلا بالتدبر العميق و بجرد جميع الآيات التي ذكرت فيها الكلمة و مقاطعتها بعضها البعض لاستخلاص المفهوم السليم الذي يحترم فيه العقل و المنطق و تتسق فيه الآيات و ينجلي علی إثره أي تناقض ظاهري فيما بينها..

ذكرت كلمة ( الشفاء ) في عدة مواضع من كتاب الله تعالى و لم تعن في أي آية من الآيات شفاء الأجسام من الأمراض و الأوبئة..

يقول رب العالمين:

  • وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [ 82: الإسراء ]

واضح جداً هنا أن هذه الآية الكريمة تتطرق لإشكالية الإيمان و الكفر و دليل ذلك قولع عز و جل ( شفاء للمؤمنين ) و لو كان المقصود الأمراض العضوية لقال صراحةً ( شفاء للمرضی ) و يؤكد ذلك قوله ( ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) و عدم قوله ( و لا يزيد المرضی.. ) لأن القضية هنا ليسة قضية صحة و مرض، بل هي إشكالية إيمان و كفر.. فالظالمون هم عكس المؤمنون لأنهم ظلموا أنفسهم بكفرهم فترتب عن ذلك أن عاشوا معيشة ضنكا و خسروا الدنيا والآخرة.

الآية إذن لا تقصد علی الإطلاق الشفاء من الأمراض العضوية، بل هو شفاء الروح الوجداني و طمأنينة النفس نتيجة الإيمان بعد التدبر في كتاب الله تعالى من أجل معالجة جدلية الإيمان/الكفر.

و يقول عز وجل:

  • قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ } [44: فصلت]

و يتكرر هنا نفس الوصف ( الذين آمنوا ) أي أن القضية قضية إيمان و ليس مرض مادي..

كما جاء في كتاب الله قوله تعالى:

  • يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [57: يونس ]

هنا يجب أن نقف وقفة تدبر و نتسائل: هل المقصود ب( الصدور ) شفاء الأمراض الصدرية كالربو و السل مثلاً ؟

الواقع التجريبي يجيب: لا طبعاً !!!

لأن مريض الربو لا يخرج من أزمته التنفسية إلا عن طريق تدخل طبي عاجل باستخدام الأوكسجين.. و لو قرأت عليه القرآن الكريم بدل إسعافه طبيا علی وجه السرعة فإن موته قد يكون مسألة وقت فقط !

فما هو إذن ( الصدر ) الذي تتحدث عنه الآية الكريمة ؟

لغويا: صدر الشيء هو أعلاه و منه الصدر الأعظم عند العثمانيين و المقصود به أعلی منصب تحت السلطان.

و الصدر هو أعلی و مقدم كل شيء و أوله كما جاء في لسان العرب.

الآية 46 من سورة الحج تحل الإشكال:

  • أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [46: الحج ]

فالقلب هنا لا يمكن أن يكون إلا الدماغ لأنه الجهاز الوحيد الذي يعقل به الإنسان.. و هكذا نخلص إلی كون ( الصدر ) يعني مكان هذا الدماغ و الذي هو أعلی جمجمة الرأس!  خرافة

و منه نفهم أن شفاء الصدور هو شفاء العقول وطمأنينة النفس المؤمنة..

هكذا يستقيم فهم الآيات الكريمة في سياق واحد منسجم خال من التناقض فيما بينها و لا يتعارض مع المنطق و رجيح العقل !

من لا يعجبه هذا التأويل و يصر علی الفهم السطحي ل ( الصدور ) على أنها موضع الرئتين في الجسم عليه أن يشرح لنفسه قبل أن يشرح لنا: أي عمی يوجد في الرئتين أو في العضلة القلبية ؟ 

خصوصاً إذا علمنا أن نهاية العصب البصري للعين توجد في الدماغ و ليس القلب أو الصدر !

القرآن الكريم كتاب نهج و نور و هو  دستور حياة و ليس كتابا في الطب أو الصيدلة، و كونه لا يشفي الأمراض فهذا لا يعيبه و لا ينقص من قدسيته أبداً،  لأن رسالته أكبر أسمی من ذلك بكثير..

جدير بالذكر أن مهنة ( المعالج بالقرآن الكريم ) لم يكن لها وجود في العهد النبوي و لم يمارسها الصحابة الكرام،  بل هي مهنة ابتدعها المبتدعون بعد عهد الصحابة و التابعين..

و المثير للإنتباه هو أن كتاب الطب في صحيح البخاري لا نجد فيه الحديث عن الرقی بالقرآن و المعوذات إلا في حدود الباب 32؛ و هو تصنيف متأخر نوعا ما مقارنة بالعسل و شرطة المحجم و الحبة السوداء و الكي.. و الكلام هنا عن الحديث رقم 5749 و هو كالتالي:

 عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: انطلق نفر من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – في سفرة سافروها، حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء، لا ينفعه شيء. فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط: إن سيدنا لُدِغ، وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله، إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تُضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً. فصالحوهم على قطيع من الغنم. فانطلق يتفل عليه ويقرأ (الحمد لله رب العالمين) فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قَلَبة. قال: فأوفوهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي – صلى الله عليه وسلم – فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا. فقدموا على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكروا له، فقال: وما يدريك أنها رُقية؟ ثم قال: قد أصبتم، اقسموا واضربوا لي معكم سهمًا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم 

هذا الحديث يتناقض مع حديث آخر في صحيح مسلم جاء فيه مايلي:

.. أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ: ” يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ” , قَالُوا: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ , قَالَ: هُمُ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ , وَلا يَكْتَوُونَ , وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ “.

بل أكثر من ذلك؛ فالحديث 5749 يناقض القرآن الكريم حيث يقول تعالى:

وَآمِنُواْ بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ } [ 41: البقرة ]

و الآية تقر هنا صراحة أن اشتراط الأجر مقابل قراءة التنزيل الحكيم ممارسة ضد شرع الله و وصايا كتابه العزيز الذي وضح للنبي الأعظم و من معه بأنه لا يجوز لهم أن يشتروا بآياته ثمناً قليلاً..

فهل تاجر الرسول و من معه بالقرآن و ارتزقوا منه و أعرضوا عن تعاليم كتاب الله ؟

عن نفسي أنزه نبيي عن هذا التدليس الذي طال سيرته الشريفة؛ حاشا أن يكون صلى الله عليه وسلم قد ترك التعبد و تطبيق آيات القرآن الكريم ليستخدمها كأحجبة و تمائم يرتقی بها كما يفعل تجار الدين من الشيوخ..

أؤمن بطهارة النبي الكريم و برائته من كل الأكاذيب المنسوبة إليه و أنه لم يخالف كتاب الله قط !

حديث اللديغ يتعارض أيضًا مع العلم التجريبي الحديث،  و هذا لأن سم الأفاعي عبارة عن خليط مركب من البروتينات بعضها ذات خصائص أنزيمية تؤثر علی الجهاز العصبي، الدورة الدموية و جهاز القلب علی التوالي.. و العلاج من لدغة الثعبان السامة تتدخل فيه عدة عوامل منها كمية السم المحقون و حجم الثعبان و حالته البدنية إضافة للحالة الصحية للضحية و سنها.. كما يختلف المصل المضاد للسم باختلاف نوع هذا الأخير أو نوع الأفعی..

فهل نختزل كل هذا في قراءة القرآن الكريم و رقية اللديغ ؟!

ابن سينا قال قديماً: 

الوهم نصف الداء.. و الاطمئنان نصف الدواء.. و الصبر أول خطوات الشفاء ]

هذه الكلمات يجب أن تكتب بماء الذهب، لأنه تكشف قيمة هذا العالم الفذ الذي سبق عصره و سبق بهذه القولة كل الإكتشافات العلمية الحديثة التي جائت بعد مئات السنين لتؤكد أن هناك علاقة وطيدة بين الإيمان و الحالة الصحية الجيدة.. و من يقول إيمان يقول اطمئنان..

إذ يذهب علم النفس الحديث إلی كون العامل النفسي للمريض يؤثر بشكل حاسم في علاج العديد من الأمراض العضوية، كما خلصت بعض الدراسات إلی أن التهجد و الصلاة ( علی اختلاف أنواعها حسب الديانات ) يؤدي إلی انخفاض كمية الكورتيزول في الدم مما يترتب عنه ارتخاء العضلات و انخفاض ظغط الدم و بالتالي الشعور بالطمأنينة.. و هذا يفسر ذلك الشعور بالإرتياح النفسي و الإطمئنان الذي ينتج سماع قراءة القرآن ترتيلا بصوت حنون ذو شجون يجعل المريض يحس أنه بين يدي الله عز وجل و تحت رحمته و رعايته و هو القادر علی كل شيء بما في ذلك علاج مرض مستعص ألمه لا يطاق...

لكن هذه الطمأنينة – كما حددها العالم الجليل ابن سينا – تبقی نصف الدواء، لأنها شعور لحظي لا يدوم طويلاً بعد انتهاء وقت الصلاة أو سماع القرآن ؛ و لمن يسأل عن النصف الثاني للدواء، فهو ليس إلا ذلك التدخل الطبي العضوي المادي في جسم المريض..

فالأمراض عموماً تسببها فايرسات و بكتيريا، و هذه الأخيرة لا تقتلها كلمات مقروءة بل مواد كيماوية مضادة لها ؛ هذا قانون الخالق عز و جل و هذا ناموس طبيعته.. و لا يبدله من أجل تخاريف الشيوخ و الرقاة !.. مصداقا لقوله عز من قائل:

  • {.. فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا } [ 43: فاطر ]

الرقية لا تعوض نقص الأنسولين عند المصاب بداء السكري و البخور و الآيات المرتلة لا تحل محل التدخل الطبي العلمي المدروس و اللازم لعلاج الكسور و الحروق و الأضرار التي تصيب أنسجة العضلات أو الجهاز العصبي..

إذا كان المقصود بالرقية الشرعية هو تلاوة القرآن الكريم و قراءة الأدعية للمريض فهذه ممارسة مقبولة، لا بل مستحبة لأنها نوع من التقرب إلی الله عز و جل.. غير أن ذلك يبقی مشروطا بأن يرقي المريض نفسه بنفسه أو الوالد أبنائه أو الأخ أخاه، دون أجر مقابل الرقية و دون إغفال الدور الهام للعلاج الطبي المبني  علی أسس علمية.

الكهنة و تجار الدين لا يعجبهم طبعاً هذا الفهم البسيط للرقية، لأنه لا يناسب مصالح “البزنس” الخاصة بهم، لهذا تجدهم يعارضون و يعظمون النكير علی كل من ينكر فضل الرقية في علاج الأمراض،  لأنها مصدر وفير للأموال التي يجمعونها من متاجرتهم بأرواح الناس و بكتاب الله عز وجل.

يمارس هؤلاء الدجالون أعمال النصب و الإحتيال تحت غطاء الدين، حيث يوهمون الناس أنهم من أهل الدين و يستغلون سذاجة الناس الذين يستبعدون تماما إمكانية وجود أشخاص يقومون بعمليات النصب باستخدام القرآن الكريم.. كما يلعب الرقاة علی وتر قناعات الناس المتفاوتة بوجود السحر و العين و تلبس الجن لإقناع ضحاياهم بضرورة العلاج.

و تعد النساء أكثر فئة تعرضت للنصب و الإحتيال عن طريق الرقية  الشرعية.. و لا يفوتني هنا أن أشير إلی جرائم الإغتصاب و الإستغلال الجنسي التي وثقها الإعلام ضد بعض الشيوخ الذين اغتنموا فرصة اختلائهم بالإناث بحجة صرع الجن و نحوه...

ما يحز في النفس هو أن الناس الذين يتعرضون للنصب و الإحتيال من قبل الدجالين، لا يعترفون بذلك ! بل يبررون فشل الجلسات العلاجية المدفوعة الأجر و عجزها عن علاج المرض بكون مسألة  شفاء المريض من عدمه أمر مرتبط بيد الله..

وهم بطريقة غير مباشرة يساهمون في استمرار استغفال المشعوذين للمجتمع ككل..

لقد استغل النصابون روحانية الإيمان ليستنزفوا الأموال من رحم المعاناة و ألم المرض، في واحدة من أبشع صور النصب و الإحتيال التي تتاجر بقدسية كتاب الله و بأرواح الناس و التي لا تقيم لها وزنا !

و المضحك المبكي هو أن الشيوخ و الرقاة عندما تسوء حالتهم الصحية يسافرون للعلاج في مستشفيات الغرب الكافر و يتركون التداوي بالرقية للشرق المؤمن.. !

إن عجز الطب عن علاج بعض الأمراض التي لا زالت قيد البحث المخبري لا يعني أن نبتعد عن المنهج العلمي الذي رسمه لنا من يخشی الله من عباده و ننصرف إلی طريق الدجل و الشعودة الذي سلكه من لا يخشونه عز و جل !

إنكار الرقية ليس كفراً ولا هو أنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة !

 نستطيع الآن أن نقول وبكل راحة ضمير وأنطلاقاً من خوفنا سواء على الدين أو العلم:

القرآن الكريم يشفي الروح و الوجدان ! 

ابحثوا عن علاج أجسادكم في المستشفيات و عند الأطباء!

و لا تجعلوا من الإيمان مرادفا للسذاجة و الغباء !

دمتم بعقل سليم و معافين من كل داء..

إن أصبت فبتوفيق من الله و فضله، و إن أخطأت فمن نفسي.

هذه وجهة نظري وليس ملزوم بها كل من قرأ مقالي.

 

#مقالات_ياسين_ديناربوس

اجمالي القراءات 21174